عبير ياسين

خبيرة - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

وسط الغضب الفلسطيني المتزايد من الإعلان، في 22 سبتمبر الفائت (2022)، عن تخطيط رئيسة الوزراء البريطانية المستقيلة ليز تراس، نقل سفارة بلادها للقدس، جاء قرار أستراليا، في ١٨ أكتوبر الجاري، بالتراجع عن الاعتراف بالقدس الغربية عاصمة لإسرائيل، وعن احتمال نقل السفارة إليها، ليثير الكثير من التفاعلات الفلسطينية- الإسرائيلية. وفي حين ركزت ردود الفعل الفلسطينية على الانعكاس الإيجابي لقرار أستراليا على واقع القدس الشرقية، وقضايا المفاوضات النهائية في وقت تهمش فيه القضية الفلسطينية لصالح قضايا أخرى وخاصة الحرب الأوكرانية، ركزت ردود الفعل الإسرائيلية على انعكاس القرار على انتخابات الكنيست المقررة في نوفمبر القادم.

وبشكل عام، أدى الموقف الأسترالي إلى تحريك المشهد الفلسطيني المرتبك منذ الحديث عن احتمال نقل السفارة البريطانية إلى القدس في اتجاهات مختلفة عما كانت عليه بعد إلقاء حجر تراس. وبعيداً عن المقارنة بين موقف أستراليا العائد إلى الإجماع الدولي، وبريطانيا الخارجة عن هذا الإجماع، ساهم الموقف الأسترالي في إضفاء عوامل إيجابية مختلفة وأكثر عمقاً على المشهد. ولعل النقطة الأكثر أهمية التي ارتبطت بالموقف الأسترالي هي تلك الخاصة بالعودة إلى الحديث عن القانون الدولي، والمواقف التي التزم بها المجتمع الدولي في التعامل مع وضعية القدس حتى عام 2017.

ورغم أن ما حدث في 2017 لم يغير القوانين والقرارات الدولية الخاصة بالقدس، واقتصر على قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الخاص بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وافتتاح السفارة الأمريكية في المدينة في 2018، إلا أنه أنتج واقعاً جديداً ومثّل فرصة للخروج عن الإجماع الدولي وسابقة يتم البناء عليها وأوجد مجموعة يتم الانضمام لها في تجاوز الشرعية الدولية الخاصة بالقدس. وبهذا شهدت الفترة التالية لقرار وتحركات ترامب انضمام عدد من الدول للموقف الأمريكي بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة إليها، أو نقل السفارة دون اعتراف، وغيرها من المواقف الخارجة عن القرارات الدولية ذات الصلة.

وفي ظل هذا السياق، اعترفت أستراليا بالقدس الغربية عاصمة لإسرائيل في ديسمبر 2018 خلال حكومة رئيس الوزراء الأسبق سكوت موريسون، وتطورت الأوضاع وصولاً إلى الإعلان عن تفكير بريطانيا في نقل السفارة. بالمقابل، جاء قرار حكومة أستراليا العمالية بقيادة أنتوني ألبانيز بالتراجع عن خطوة الاعتراف بالقدس الغربية في أكتوبر الجاري لينتج حلقات من التطور في اتجاه مختلف عن الموقف البريطاني وأقرب لشواطئ القوانين والمواثيق الدولية وعكس المسار الذي بدأ مع ترامب ولم يتوقف.

وانضمت أستراليا بالتحرك الأخير إلى بارغواي وهندوراس وسورينام في العودة عن مواقفها السابقة من القدس. وفي حين تراجعت باراجواي في سبتمبر 2018 عن قرار نقل السفارة للقدس وقررت العودة إلى تل أبيب بعد 4 أشهر فقط من نقل السفارة، أعلنت سورينام في يونيو الفائت التراجع عن قرار نقل السفارة بعد الإعلان عنه، دون تنفيذه، في مايو من نفس العام، وتلتها هندوراس التي أعلنت في أغسطس الفائت عن بحث إعادة السفارة الي تل أبيب بعد أن نقلتها إليها في سبتمبر 2019. وتصب تلك التحركات في تأكيد الشرعية الدولية، وإمكانية العودة عن المواقف السابقة التي اتخذت، رغم تعدد الأسباب، ضمن سياق أكبر خاص بمواقف ترامب وجهوده لتغيير الوضع المحيط بالقدس والقضية الفلسطينية، وتأثير كرة الثلج الذي أحدثته تلك السياسات على مواقف الدول المختلفة وخاصة القريبة من واشنطن.

وتؤكد القرارات والمواثيق الدولية على أن القدس الشرقية أرض محتلة منذ عام 1967، وتطالب إسرائيل بالانسحاب منها، ويتم التعامل مع القدس الشرقية في التسويات المقترحة بوصفها عاصمة للدولة الفلسطينية المنتظرة. بدوره يعتبر قرار مجلس الأمن الدولي رقم 478 لعام 1980 أن جميع الإجراءات الإسرائيلية في القدس باطلة، وهو القرار الذي أكدت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة في الاجتماع الطارئ الذي عقد في 21 ديسمبر 2017، بعد قرار ترامب، بدعوة جميع الدول إلى الامتناع عن إنشاء بعثات دبلوماسية في القدس عملاً بقرار مجلس الأمن رقم 478، مطالبة بالتمسك بقرارات مجلس الأمن المتعلقة بالمدينة، وعدم الاعتراف بأي إجراءات أو تدابير مخالفة لتلك القرارات.

وفي حين يمثل القرار الأسترالي الجديد، مع ما سبقه من قرارات تراجع، عودة إلى المسار الدولي في التعاطي مع وضع القدس، فإن الموقف البريطاني الذي طرح خلال رئاسة ليز تراس القصيرة للوزارة والذي قد يخضع لتجاذبات الوضع السياسي بعدها يعيد إلى الواجهة تحركات ترامب وما أنتجته من تغيرات على صعيد التعامل مع وضع المدينة المقدسة في اللحظة من أجل التأثير على المستقبل. وربما الأكثر أهمية، كيف دشن ترامب واقعاً جديداً قد يغيب عن التناول أو الجدل أحياناً، ولكنه يظل قائماً وقادراً على التأثير عندما تفرز تطورات جديدة تجد في تغيير موقع سفارة من تل أبيب للقدس وسيلة للحضور وتحقيق المصالح دون مراعاة قواعد القانون والشرعية الدولية.

الموقف الأسترالي والشرعية الدولية

أعلنت أستراليا في 18 أكتوبر الجاري تخليها رسمياً عن الاعتراف بالقدس الغربية عاصمة لإسرائيل. ومثّل قرار ألبانيز، الذي فاز حزبه بالانتخابات في مايو 2022، تراجعاً عن القرار الذي اتخذته الحكومة المحافظة السابقة. وكان رئيس الوزراء الأسترالي السابق قد أعلن في 15ديسمبر 2018، وبعد أشهر قليلة من افتتاح السفارة الأمريكية في القدس في مايو 2018، الاعتراف بالقدس الغربية عاصمة لإسرائيل دون نقل السفارة الذي تم الإشارة إلى أنه سوف يحدث "عندما يكون ذلك عملياً، بعد تحديد الوضع النهائي لحل الدولتين"، مع الإعلان عن تأسيس مكتب للشئون العسكرية والتجارية في غرب مدينة القدس خلال الفترة الانتقالية، التي تسبق قرار نقل السفارة.

ونبع قرار رئيس الوزراء الأسبق موريسون إلى درجة كبيرة من الرغبة في الفوز في انتخابات فرعية في ضاحية في سيدني تضم جالية يهودية كبيرة، وأدى القرار إلى إثارة انتقادات داخلية في أستراليا، وغضباً في إندونيسيا المجاورة بما أدى إلى تأخير إقرار اتفاق للتجارة الحرة بين البلدين. وفي ظل الانتقادات التي وجهت للحكومة الأسترالية في ذلك الوقت، حرص موريسون على تأكيد التزامه بحل الدولتين و"الاعتراف بتطلعات الشعب الفلسطيني من أجل دولة مستقبلية عاصمتها القدس الشرقية" اتساقاً مع الموقف الأسترالي العام الذي حافظ عليه موقع وزارة الخارجية الأسترالية بعد التعديلات الأخيرة، والقائل بأن أستراليا "ملتزمة بحل الدولتين الذي تتعايش فيه إسرائيل والدولة الفلسطينية المستقبلية بسلام وأمن داخل حدود معترف بها دولياً".

وسبق قرار الحكومة الأسترالية الأخير بالتراجع عن الاعتراف بالقدس الغربية عاصمة لإسرائيل، والتصريحات العلنية لوزيرة الخارجية بيني وونغ، قيام وزارة الشون الخارجية والتجارة الأسترالية بحذف الإشارة إلى العاصمة الإسرائيلية من موقع الوزارة، وهي الإشارة التي تمت إضافتها بعد الكشف عن سياسة موريسون بخصوص القدس. وجاء في التعريف المحذوف: "تماشياً مع السياسة طويلة الأمد، اعترفت أستراليا في ديسمبر 2018 بالقدس الغربية عاصمة لإسرائيل، كونها مقر الكنيست والعديد من مؤسسات الحكومة الإسرائيلية".

وفي بيانها أعادت وزيرة الخارجية الأسترالية وونغ التأكيد على الوضع الخاص للمدينة بالقول إن "القدس قضية وضع نهائي يجب حلها في إطار أي مفاوضات سلام بين إسرائيل والشعب الفلسطيني"، في عودة إلى الاتساق مع الموقف الدولي والقرارات ذات الصلة وجوهر مسار التسوية السياسية. وأعربت وونغ عن الأسف للقرار الذي اتخذ سابقاً لأسباب سياسية بما تسبب في الأذى "للعديد من الأشخاص في المجتمع الأسترالي الذين يهتمون بشدة بهذه القضية"، مؤكدة على ما أنتجه القرار من "نزاعات وأزمات في جزء من المجتمع الأسترالي"، ومحاولة الحكومة الحالية حل هذا الأمر.

ولم يغير قرار أستراليا بالتراجع عن الاعتراف بالقدس الغربية المواقف الأسترالية الأساسية التي اعترفت في الحالتين بشكل ما بوضعية مختلفة للقدس الشرقية ترتبط بتسوية القضية الفلسطينية وإعلان الدولة الفلسطينية المنتظرة، كما لم يؤدي التراجع الأخير إلى الانتقال من دعم إسرائيل إلى دعم فلسطين، حيث حرصت وزيرة الخارجية الأسترالية على تأكيد أن "أستراليا ستظل دوماً صديقة قوية لإٍسرائيل". ولكن الموقف الأسترالي الجديد والمتراجع من الاعتراف السابق يظل رغم هذا تحركاً مهماً في تأكيده على أهمية القانون الدولي والقرارات ذات الصلة في التعامل مع القضية، وضرورة تأجيل قضايا الوضع النهائي وعدم تغيير الوقائع بكل ما تحمله من انعكاسات سلبية محتملة على الحاضر والمستقبل. وإدراكاً لتلك الطبيعة حرص بيان وزيرة الخارجية على إبراز درجة من التوازن من خلال التأكيد على عدم تزعزع دعم أستراليا للشعب الفلسطيني بما فيه الدعم الإنساني.

وفي ظل ما يمثله التراجع الأسترالي من ابتعاد عن سياسات تؤيدها إسرائيل في التعامل مع القدس، والتي ترتكز على قواعد مغايرة للشرعية والإجماع الدولي، أعربت إسرائيل عن غضبها من قرار أستراليا وأعلنت استدعاء السفير الأسترالي لتقديم احتجاج رسمي. وفي حين أعادت الحكومة الإسرائيلية القرار الأسترالي إلى "اعتبارات سياسية قصيرة النظر"، وصفه رئيس الوزراء يائير لابيد بالمتسرع، مؤكداً أن "القدس هي العاصمة الأبدية والموحدة لإسرائيل ولا شيء سيغير ذلك". ويكتسب القرار الأسترالي بالنسبة لإسرائيل أهميته بشكل خاص من التوقيت وحقيقة أنه جاء قبل انتخابات الكنيست المقررة في الأول من نوفمبر القادم بأيام قليلة، وإمكانية توظيفه من قبل حزب الليكود بزعامة رئيس الوزراء الأسبق بنيامين نتنياهو بوصفه فشلاً إضافياً لحكومة لابيد، خاصة وأنه كان وزيراً للخارجية قبل تولى مسئولية رئاسة الوزارة وخلال إعلان الحكومة الأسترالية الجديدة.

وعلى الرغم من أهمية التوقيت، يرجح أن يكون الرد الإسرائيلي في التعامل مع التراجع الأسترالي مقيداً ومحسوباً بهدف عدم الإضرار بالعلاقات مع أستراليا، والتركيز على قضايا الأمن في ظل تصاعد المقاومة الفلسطينية خاصة في الضفة الغربية والمخاوف من اندلاع انتفاضة جديدة. في نفس الوقت، تصب سياسة عدم تصعيد الموقف علناً في مواجهة أستراليا والأسباب التي أعلنتها للتراجع في خدمة الأهداف الإسرائيلية التي يمكن أن تتحقق عبر قنوات ثنائية بعيدة عن الحروب الإعلامية ومن خلال تجنب تسليط الضوء على مثل تلك التحركات المتراجعة من الاعتراف بالقدس أو تغيير وضعها، وتجاوز التركيز على الأسباب المعلنة للتراجع والتي تعيد للواجهة حديث الشرعية الدولية وأهمية الالتزام بالقرارات ذات الصلة بكل ما يمكن أن يرتبه من انعكاسات سلبية، من وجهة نظر إسرائيل، على دول أخرى.

بدورها، رحبت السلطة الفلسطينية بالقرار وبالتأكيد الأسترالي على قرارات الشرعية الدولية، وأن مستقبل القدس مرهون بحل الدولتين، وفقاً لما جاء في تصريحات أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وزير الشئون المدنية حسين الشيخ. واعتبرت وزارة الخارجية الفلسطينية القرار الأسترالي الجديد بمثابة "تصويب إيجابي لموقف أستراليا" داعية جميع الدول التي اتخذت قرارات "خاطئة" بشأن القدس أن تحذو حذو أستراليا وتتراجع عن قراراتها السابقة. كما وجدت أصوات فلسطينية مختلفة في التحرك الأسترالي فرصة لنقد الأطراف التي اتخذت خطوات مماثلة في التعامل مع القدس أو تهدف إلى القيام بمثل تلك الخطوات، مطالبة بالالتزام بقرارات الشرعية الدولية ودفع جهود التسوية السياسية في وقت تؤكد فيه تصريحات لابيد، وغيره في إسرائيل، على أن القدس خارج التفاوض بكل ما تفرضه تلك المواقف الإسرائيلية من قيود وتتطلبه من جهود.

يساهم التحرك الأسترالي في إعادة الاعتبار لقيمة الالتزام بالقانون الدولي خاصة في قضية شديدة الأهمية في المفاوضات النهائية والمسار السياسي وحل الدولتين وهي وضع القدس. ومن شأن تأجيل وضع القدس بشقيها الشرقي والغربي إلى المفاوضات النهائية، تأكيد أهمية التماسك خلف الرؤية الدولية، وتجنب تفتيت المواقف بكل ما يمكن أن يحمله التفكيك من حلقات من التأثير المتراكم في اتجاهات تضر بفرص التسوية. بالإضافة لما حمله القرار الأسترالي السابق من دعم لقرار ترامب وتأثير كرة الثلج على مواقف بعض الدول من القدس، وإمكانية توظيف القرار الأسترالي الجديد في خدمة الحق الفلسطيني والشرعية الدولية، وإعادة الثقل لفكرة الإجماع في مواجهة القلة، والالتزام بالقانون الدولي في مواجهة التجاوز، وبناء كرة ثلج جديدة قائمة على القرارات الدولية المتعلقة بالقضية.

الموقف البريطاني ومرحلة التساؤلات

يرتبط جزء غير قليل من الاهتمام الذي حصل عليه الموقف الأسترالي بالسياق الذي أحاط بالموقف البريطاني السابق عليه، حيث أعاد الموقف الأسترالي تقديم المشهد بوصفة تجاذباً وتنافراً في مواجهة الشرعية الدولية، ودخولاً ورجوعاً لدائرة الإجماع الدولي. وعبر موقف تراس من موضوع السفارة في جزء منه عن تنفيذ وعود انتخابية قطعتها خلال محاولتها للوصول إلى قيادة حزب المحافظين قبل أن يعلن عن التفكير في هذا فعلياً في اللقاء مع لابيد على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، فيما اعتبر خرقاً مضاعفاً لقرارات الشرعية الدولية وعدم اهتمام بالمنظمة الدولية ودورها في القضية الفلسطينية.

وخلال الفترة التالية للإعلان عن توجهات تراس فيما يخص موضوع السفارة، ووصفها نفسها بأنها "صهيونية وداعمة لإسرائيل" في المؤتمر السنوي لحزب المحافظين في برمنغهام في أكتوبر الجاري، تركز جزء من الاهتمام على التحذير الفلسطيني من القيام بتلك الخطوة لتأثيرها على القضية والعلاقات البريطانية- الفلسطينية. بالإضافة إلى محاولة إبراز التناقض بين الخطوة البريطانية المحتملة على صعيد القضية الفلسطينية والحديث الغربي عن الحقوق والحريات من جانب، والموقف من الحرب في أوكرانيا بكل ما تبرزه من تناقضات في المواقف الغربية في العديد من القضايا بما فيها القضية الفلسطينية من جانب آخر.

وعلى الرغم من تناقض فكرة نقل السفارة مع الموقف الرسمي السابق لبريطانيا منذ قرار ترامب، إلا أنها تمثل انعكاساً لحسابات السياسة والتعبير المتكرر من قبل قيادات حزب المحافظين عن تميز العلاقات مع إسرائيل والذي ظهر في خطوات وتصريحات مختلفة منها وصف رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي إسرائيل بأنها "واحة الديمقراطية ونموذج لكل العالم"، ورفضها الاعتذار عن وعد بلفور، وتأكيد رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون أنه "صهيوني حتى النخاع"، وصولاً إلى تأكيد تراس أن "بريطانيا ليس لها صديق أو حليف أوثق من إسرائيل"، وموقفها من نقل السفارة. بالإضافة إلى رغبة تراس، قبل الاستقالة، في الحصول على دعم من شأنه الحفاظ على تواجدها في المشهد السياسي رغم تشكيك العديد من الأصوات في إمكانية تمرير مثل هذا القرار. وبهذا، جاء الحديث عن إمكانية نقل السفارة البريطانية للقدس بوصفه نتاجاً لمجموعة من العوامل الثابتة والمتغيرة، وتعبيراً عن الشعور بعدم وجود خسائر من القيام بتلك الخطوة على المستوى الدولي إذا أمكن تمريرها داخلياً، وتصور القدرة على امتصاص الغضب والتنديد المحتمل كما حدث في مواجهة ترامب ودول أخرى.

وفي حين أدي موقف أستراليا إلى إبراز سلبية الموقف البريطاني المحتمل، يطرح الوضع السياسي البريطاني في اللحظة الكثير من التساؤلات حول الموقف من نقل السفارة، وقدرة الجانب الفلسطيني والعربي على توظيف الموقف الأسترالي والواقع المتغير لصالح الحفاظ على الموقف البريطاني ضمن حدود المسئولية الدولية والالتزام بالشرعية والثوابت البريطانية من القدس.

في النهاية، تتطلب المصالح الفلسطينية اتباع سياسات تؤيد الدول التي تتراجع عن الاعتراف بالمواقف التي تخالف القانون الدولي وتهدد مفاوضات الوضع النهائي، مثل أستراليا، مع اتخاذ سياسات واضحة بمفهوم المصالح في مواجهة الدول التي تتجه إلى اتخاذ خطوات في الاتجاه السلبي كما هو الوضع في حالة بريطانيا. وإذا كانت بعض الدول والشخصيات الغربية تدرك "أهمية وحساسية" القدس كما قالت تراس في تعليقها على إمكانية نقل السفارة خلال حملتها الانتخابية، فإن تلك الأهمية والحساسية لا تترجم على أرض الواقع إلى سياسات تتلاءم مع المصالح العربية بالضرورة. ويحتاج التعامل مع السياسات والمواقف التي تتعارض مع المصالح الفلسطينية والعربية إلى جهود أكثر تأثيراً من أجل إيقاف كرة الثلج التي بدأها ترامب وتجنب الدخول في سلسلة أخرى من الاعتراف بأوضاع تؤثر سلباً على القضية الفلسطينية ومسار التسوية السياسية.