قضايا وتحليلات - التغيرات المناخية 2022-10-19
د. أحمد قنديل

رئيس وحدة العلاقات الدولية ورئيس برنامج دراسات الطاقة - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيحية

 

دخل خطر التغير المناخي إلى ساحة الاستراتيجية والعلاقات الدولية بقوة خلال العقود الثلاثة الماضية، باعتباره قضية كونية تهدد مصالح دول العالم مجتمعة بغض النظر عن مكانتها من حيث القوة والمكانة. منذ أوائل التسعينيات من القرن الماضي تحاول الأمم المتحدة عقد مؤتمرات قمة لجميع دول العالم تقريبًا لإيجاد سياسات عالمية مشتركة لمواجهة التغير المناخي. وقد أسفرت هذه المناقشات عن العديد من الاتفاقيات المهمة التي أكدت، في مجملها، على ضرورة إبطاء ظاهرة الاحتباس الحراري (أو ارتفاع درجة حرارة الأرض) من خلال تقليل الانبعاثات الغازية المتسببة في حدوث هذه الظاهرة، وفي مقدمتها غاز ثاني أكسيد الكربون.

ورغم أن العديد من دول العالم قدمت تعهدات لخفض الانبعاثات المتسببة في ارتفاع درجة حرارة الأرض، من خلال مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ الأخير، والذي عقد في مدينة جلاسجو الأسكتلندية، في نوفمبر 2021، والمعروف باسم "COP 26"، إلا أن كثيرًا من الخبراء والنشطاء قلقون "للغاية" من أن هذه التعهدات ليست طموحة بما فيه الكفاية لوقف الارتفاع المستمر والخطير في درجة حرارة الأرض، بما قد يتسبب في كارثة بيئية في أنحاء العالم، بما في ذلك الارتفاع المذهل في مستوى سطح البحر، وحالات الجفاف، والفيضانات القياسية، وانقراض الكثير من الكائنات الحية على نطاق واسع.

وفي هذا السياق، تسعى المقالة إلى تقييم فعالية أهم الاتفاقيات الدولية بشأن التغير المناخي، مع توضيح أبرز البدائل المطروحة بشأن مواجهة أزمة تغير المناخ العالمي، وكذلك التحديات التي تواجه تنفيذها والتي ستكون ماثلة أمام مؤتمر "COP 27" القادم في شرم الشيخ من أجل البحث عن سبل التصدي لها.

أولًا - الاتفاقيات الدولية بشأن التغير المناخي

أسفرت الجهود الدولية لمواجهة التغير المناخي العالمي عن عدد من الاتفاقيات والبروتوكولات المهمة، والتي من أبرزها ما يلي:


1- بروتوكول مونتريال لعام 1987

على الرغم أن هذا البروتوكول لم يهدف، في الأساس، إلى التعامل مع أزمة تغير المناخ، إلا أنه كان بمثابة الاتفاق البيئي النموذجي للجهود الدبلوماسية اللاحقة بشأن مواجهة هذه الأزمة؛ حيث صدقت جميع دول العالم تقريبًا عليه. وقد حث البروتوكول على ضرورة التوقف عن إنتاج المواد التي تضر بطبقة الأوزون، مثل مركبات الكلوروفلوروكربون (CFCs)، ونجح في القضاء على ما يقرب من 99 % من هذه المواد المستنفدة للأوزون.

2 - اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ لعام 1992 والمعروفة باسم UNFCCC

تم التصديق على هذه الاتفاقية من جانب 197 دولة بما في ذلك الولايات المتحدة. وكانت هذه الاتفاقية التاريخية أول معاهدة عالمية تتعامل مع ظاهرة تغير المناخ بشكل صريح. وأنشأت هذه الاتفاقية منتدى سنويًّا، يُعرف باسم مؤتمر الأطراف أو "كوب COP"، من أجل تحفيز المناقشات الرامية لوضع الوسائل الكفيلة بخفض تركيز غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، مما أسفر في وقت لاحق عن التوصل إلى بروتوكول "كيوتو"، و"اتفاق باريس".

3 - بروتوكول "كيوتو" لعام 2005

 تم تبني هذا البروتوكول في عام 1997، ثم دخل حيز التنفيذ في عام 2005، حتى أصبح أول اتفاق مناخي دولي ملزمًا من الناحية القانونية؛ حيث طالب من الدول المتقدمة خفض الانبعاثات الغازية المتسببة في ارتفاع درجة حرارة الأرض بمعدل 5 % أقل مقارنة بمستويات عام 1990، كما أنشأ نظامًا لرصد تقدم الدول في تحقيق هذا الهدف. ومع ذلك، لم يلزم بروتوكول "كيوتو" الدول النامية، بما في ذلك الدول الرئيسية المسببة لانبعاثات الكربون في الفترة الأخيرة، مثل الصين والهند، باتخاذ أية إجراءات من أجل خفض هذه الانبعاثات. وقد أدى ذلك إلى عدم تصديق الولايات المتحدة على البروتوكول، رغم أن واشنطن وقعت عليه في عام 1998، ثم انسحبت منه فيما بعد.

4 - اتفاقية باريس لمواجهة التغير المناخي العالمي في عام 2015

تُعد هذه الاتفاقية أهم الاتفاقيات الدولية لمواجهة التغير المناخي العالمي حتى الآن، حيث تطالب من جميع الدول وضع تعهدات طوعية وصريحة بخفض الانبعاثات المتسببة في ارتفاع درجة حرارة الأرض، فيما يعرف بالمساهمات المحددة وطنيًا (NDCs). وتنص هذه الاتفاقية على أن المتوسط العالمي لدرجات الحرارة يجب أن يكون "أقل بكثير" من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الصناعة، مع إلزام كافة دول العالم بـ "متابعة الجهود" للحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية. كما تهدف هذه الاتفاقية أيضًا إلى الوصول إلى ما يعرف بـ "الحياد الكربوني" أو "صافي صفر انبعاثات" في النصف الثاني من القرن الحالي، وهو ما يعني تساوي كمية الغازات الدفيئة المنبعثة مع الكمية التي تمت إزالتها من الغلاف الجوي.

كذلك، تنص الاتفاقية على قيام الدول، كل خمس سنوات، بتقييم التقدم الذي أحرزته فيما يخص تنفيذ الاتفاقية على النحو الذي يحقق أهدافها، من خلال عملية تعرف باسم "التقييم العالمي". ومن المخطط أن يتم إجراء التقييم العالمي الأول في عام 2023. ورغم أن الكثير من الدول قدمت تعهداتها الوطنية لخفض الانبعاثات والوصول إلى "الحياد الكربوني"، إلا أن هذه الاتفاقية واجهت انتقادات عديدة، يأتي في مقدمتها عدم وجود آليات ملزمة لضمان تحقيق هذه التعهدات، فضلًا عن عدم قيام الدول المتقدمة بتقديم الاسهامات المالية التي نصت عليها الاتفاقية لمساعدة الدول النامية على مواجهة التغير المناخي العالمي. كما أن الولايات المتحدة، وهي ثاني أكبر مصدر للانبعاثات في العالم، كانت الدولة الوحيدة التي انسحبت من هذه الاتفاقية في نوفمبر 2020، وذلك في عهد الرئيس السابق "دونالد ترامب"، الذي نظر إلى الاتفاقية باعتبارها "مؤامرة" لتدمير الاقتصاد الأمريكي. ومع ذلك، أعاد الرئيس "جو بايدن" الولايات المتحدة إلى الاتفاقية بمجرد توليه منصبه في يناير 2021.

ثانيًا- أبرز الحقائق المرتبطة بظاهرة التغير المناخي العالمي

يوجد شبه إجماع في الدوائر العلمية العالمية على عدد من الحقائق المرتبطة بظاهرة التغير المناخي العالمي، ومن أبرز هذه الحقائق ما يلي:

1- إن متوسط ​​درجة حرارة الأرض آخذ في الارتفاع بمعدل غير مسبوق.

2- إن الأنشطة البشرية، المتمثلة في استخدام الوقود الأحفوري (الفحم والنفط والغاز الطبيعي)، وإزالة الغابات هي المحرك الرئيسي لهذا الاحترار العالمي السريع وتغير المناخ، حيث أدت هذه الأنشطة إلى زيادة كبيرة في كمية الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وخاصة ثاني أكسيد الكربون، في الغلاف الجوي مما تسبب في ارتفاع درجة حرارة الكوكب.

3- من المتوقع أن يكون للاحترار العالمي المستمر عواقب بيئية كارثية إذا استمرت درجة الحرارة العالمية في الارتفاع بالوتيرة الحالية. فقد حذر علماء الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) -وهي هيئة تابعة للأمم المتحدة تأسست عام 1988- من الآثار الشديدة المتوقع حدوثها عندما ترتفع درجة الحرارة العالمية بمقدار 1.5 درجة مئوية، ومنها على سبيل المثال:

أ- موجات الحر الشديد: يؤدي ذلك إلى زيادة الأمراض والوفيات نتيجة ضربات الشمس وغيرها.

ب- الجفاف والفيضانات: سيجعل ذلك الزراعة أكثر صعوبة، كما ستتراجع إنتاجية المحاصيل، وبالتالي حدوث نقص في الغذاء.

ج- ذوبان الجليد في القطب الشمالي وارتفاع منسوب مياه البحار: سيؤدي ذلك إلى غرق الكثير من المناطق الساحلية في العقود القادمة. كما ستتعرض الدول الجزرية الصغيرة لخطر الفناء.

د- تغير المحيطات: سيتم القضاء على ما يصل إلى 90 % من الشعاب المرجانية، وستصبح المحيطات أكثر حمضية. وبالتالي، سوف تصبح مصايد الأسماك في العالم أقل إنتاجية بكثير.

هـ- انقراض المزيد من الحشرات والنباتات والفقاريات: إذ يشير تقرير صادر مؤخرًا عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ (IPCC)، التابعة للأمم المتحدة، بأن نحو مليون صنف من النباتات والحيوانات مهدد بالأنقراض بفعل التغيّر المناخي.

وبالطبع ستكون الآثار السلبية للتغير المناخي العالمي أشد بكثير إذا ما ارتفعت درجة حرارة الأرض وتجاوزت عتبة 2 درجة مئوية. وفي هذا السياق، يحذر الكثير من الخبراء من أن اتفاقية باريس لمواجهة التغير المناخي العالمي ليست كافية لمنع متوسط درجة الحرارة العالمية من الارتفاع بمقدار 1.5 درجة مئوية، حيث تتسم تعهدات الدول، وفقًا لهذه الاتفاقية، بأنها ليست طموحة بما يكفي، فضلًا عن أنه لن يتم تفعيلها بالسرعة الكافية للحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية بحلول نهاية القرن الحالي. وفي هذا السياق، تشير توقعات "متتبع التغير المناخي" إلى أن السياسات الحالية المطبقة في دول العالم المختلفة سوف تؤدي إلى ارتفاع قدره حوالي 2.7 درجة مئوية (4.9 درجة فهرنهايت) بحلول عام 2100.

ثالثًا- الجدل حول الدول المسئولة عن التغير المناخي

ترى الدول النامية أن الدول المتقدمة تتحمل "مسئولية تاريخية وأخلاقية" في مواجهة التغير المناخي العالمي؛ لأنها هي التي أطلقت معظم غازات الاحتباس الحراري، خلال عملية نموها الاقتصادي منذ الثورة الصناعية في نهاية القرن التاسع عشر. وبالتالي، تتمسك الدول النامية بضرورة تحمل الدول المتقدمة العبء الاقتصادي الأكبر في مواجهة تغير المناخ العالمي. وفي الواقع، تشير الإحصائيات المتاحة إلى أن انبعاثات الولايات المتحدة كانت هي الأكثر بين دول العالم، منذ بداية جمع هذه الإحصاءات، يليها دول الاتحاد الأوروبي، حسبما يوضح الشكل رقم (1).


شكل رقم (1)


 

ومع ذلك، تجادل الدول المتقدمة حاليًا بأن الدول النامية يجب أيضًا أن تساهم بفعالية في مواجهة التغير المناخي العالمي، خاصة بعد أن أصبحت الصين والهند، وهي دول نامية، من بين أكبر الدول المتسببة في الانبعاثات السنوية في العالم، حسبما يوضح الشكل رقم (2).

 

شكل رقم (2)


 

وفي ظل هذا الجدل حول المسئولية عن ظاهرة تغير المناخ العالمي، تطورت الاتفاقيات العالمية لمواجهة هذه الظاهرة فيما يخص كيفية سعيها لخفض الانبعاثات المتسببة في ارتفاع درجة حرارة الأرض. فبعد أن كان بروتوكول "كيوتو" يطالب الدول المتقدمة فقط بخفض هذه الانبعاثات، أقرت اتفاقية "باريس" مبدأ "المسئولية المشتركة ولكن متباينة الأعباء" بين الدول المتقدمة والنامية لمواجهة تغير المناخ العالمي، ودعت جميع الدول إلى تحديد الأهداف الخاصة بانخفاض الانبعاثات.
وبالفعل، قدمت عشرات الدول تعهدات أكثر طموحًا وجرأة قبل مؤتمر "COP 26" في مدينة جلاسجو الإسكتلندية. على سبيل المثال، أعلن الرئيس الأمريكي "جو بايدن" في أبريل 2021 أن الولايات المتحدة، وهي ثاني أكبر دولة مسببة للانبعاثات حاليًا بعد الصين، وأكبر الدول المسببة للانبعاثات في التاريخ، ستهدف إلى خفض الانبعاثات بنسبة تتراوح ما بين 50 و52 % أقل من مستواها لعام 2005 بحلول عام 2030.

من ناحية أخرى، حثت الاتفاقية النهائية الصادرة عن (COP 26)، وهي ميثاق جلاسكو للمناخ؛ الدول على تقديم مساهمات وطنية جديدة أكثر طموحًا بحلول نهاية عام 2022 بدلًا من الانتظار لمدة خمس سنوات.  إلا أن هناك مخاوف كبيرة بأن يستمر المتوسط العالمي لدرجة الحرارة في الارتفاع بمقدار 2.1 درجة مئوية بحلول عام 2100، حتى لو نفذت كافة الدول كامل تعهداتها لعام 2030 وما بعده. أما إذا اتبعت أكثر من مائة دولة مسار "صافي صفر انبعاثات"، فقد يقتصر الاحترار العالمي على 1.8 درجة مئوية، وفقًا لمتتبع العمل المناخي، وحسب الشكل رقم (3).


شكل رقم (3)


 


رابعًا - البدائل وتحديات "COP 27"

أدى الإخفاق الظاهر حاليًا في تحقيق هدف اتفاقية "باريس" لمواجهة التغير المناخي العالمي، المتمثل في منع ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار درجة ونصف مئوية، إلى ظهور بدائل أخرى، يمكن أن تساهم مع اتفاقية باريس في مواجهة تغير المناخ العالمي. ومع ذلك فإن تلك البدائل تواجه تحديات تشكل عائقًا أمام المواجهة الفعالة للتغير المناخي العالمي، والتي تُعد في الوقت نفسه تحديات ماثلة أمام مؤتمر"COP 27"، ومن المفترض البحث في سبل التصدي لها.

1- البدائل المطروحة

يدعو البعض إلى إنشاء "نوادي المناخ"، وهي فكرة دافع عنها عالم الاقتصاد "ويليام نوردهاوس"، ومن شأنها معاقبة الدول التي لن تفي بالتزاماتها تجاه اتفاقية "باريس" أو تلك الدول التي لن تنضم إليها. ومن جهة ثانية، يقترح آخرون معاهدات جديدة تنطبق على انبعاثات أو قطاعات معينة لاستكمال اتفاقية "باريس". وكانت هناك عدة أمثلة على هذه المقترحات في الفترة التي سبقت "COP 26"، وخلال فترة انعقاده. على سبيل المثال، تعهدت مجموعة الدول العشرين (G20) بوقف تمويل محطات الطاقة التي تعمل بالفحم في الخارج. كما وقعت عشرات الدول، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، على التزام للحد بشكل جماعي من انبعاثات غاز الميثان، وهو أحد الغازات الرئيسية المتسببة في ارتفاع درجة حرارة الأرض، بنسبة 30 % بحلول عام 2030. كما تعهدت أكثر من 130 دولة بوقف وعكس اتجاه إزالة الغابات وتدهور الأراضي بحلول عام 2030.

كذلك، وافقت أكثر من 40 دولة، بما فيها الولايات المتحدة والصين والهند والاتحاد الأوروبي وأستراليا وتركيا، على خطة تقودها المملكة المتحدة لتسريع تبني التقنيات النظيفة بأسعار معقولة في جميع أنحاء العالم بحلول عام 2030. وتشمل هذه الخطة خمسة مكونات، هي: المركبات عديمة الانبعاثات في قطاع النقل، والطاقة النظيفة، والإنتاج المحدود الانبعاثات للفولاذ في قطاع الصناعات الهندسية، وإتاحة الهيدروجين المتجدد والمنخفض الكربون عالميًا، وترويج الزراعة المستدامة المقاوِمة لتغير المناخ.

كما تعهدت أكثر من 100 دولة تضم 85 % من غابات العالم، منها الصين والبرازيل، بوقف عملية قطع الغابات، وتعويض ما قطع بحلول عام 2030. فضلًا عن تعهد 20 دولة، بينها الولايات المتحدة وكندا، بوقف تمويل المشاريع القائمة على الوقود الأحفوري في الخارج بحلول أواخر عام 2022. والتزمت 34 دولة بوقف بيع السيارات غير الكهربائية بحلول عام 2040. ومن ناحية أخرى، وضعت العديد من المدن والشركات والمنظمات أيضًا خططًا لخفض الانبعاثات، لتصبح محايدة مناخيًا بحلول النصف الثاني من القرن الحالي. على سبيل المثال، وافقت نحو 500 شركة خدمات مالية عالمية على مواءمة 130 تريليون دولار، تمثل 40 % من الأصول المالية العالمية، للوصول إلى "صافي صفر انبعاثات" بحلول عام 2050.

كذلك، التزم البعض من أكبر مصنعي السيارات في العالم بالتوقف عن إنتاج المحركات العاملة باحتراق الوقود بين عامي 2035 و2040، مما يعني التحول إلى الكهرباء والهيدروجين. كما تعهد عدد من الشركات الكبرى، مثل أمازون Amazon، وستاربكس Starbucks، بالوصول إلى الحياد الكربوني في أقرب وقت ممكن.

2- التحديات

ترتبط التحديات بالإخفاقات التي سبق وطالت الخبرة التاريخية في تنفيذ الاتفاقيات العالمية لمواجهة التغير المناخي، تأتي في مقدمتها الاخفاقين التاليين:

أ- التراجع عن التزام مساعدة الدول النامية

على الرغم من تعهد الدول المتقدمة في عام 2009 بزيادة مساعداتها المناخية للدول النامية، حتى تصل إلى مائة مليار دولار سنويًا اعتبارًا من عام 2020، إلا إنها تراجعت عن تقديم تلك المساعدات. كذلك، بالنسبة لتعهدات جلاسكو للمناخ- التي حثت البلدان المتقدمة على الوفاء "بالكامل" بتعهدات تمويل المناخ السنوية حتى عام 2025- لا يزال غير واضح متى سيتم جمع هذا المبلغ بالكامل. كما يجب أن تكون هذه المساعدات من مصادر جديدة وإضافية وحكومية وليس استقطاعًا من المساعدات التنموية القائمة بالفعل حاليًا، وأن تكون هذه المساعدات أيضًا في شكل هبات ومنح، وليس في شكل قروض تزيد من عبء الديون على الدول الفقيرة.

ب- عدم وجود آلية تعويض عن "الخسائر والأضرار" الناجمة عن التغير المناخي

عرقلت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي اقتراحًا قدمته الدول النامية لإنشاء آلية محددة تأخذ في الاعتبار التعويض عن "الخسائر والأضرار" الناجمة عن التغير المناخي، تأتي في مقدمتها الآثار المدمرة للعواصف والجفاف، وموجات الحر المتزايدة. ومع ذلك، فقد توصلت تعهدات جلاسكو إلى تقدم ملموس من حيث إقرار الحق للدول النامية في الحصول على تعويض عن تلك الخسائر، للمرة الأولى، وكذلك قبول الدول المتقدمة مواصلة المناقشات حول تطوير هذه الآلية مستقبًلا، بعد رفض تام لمناقشة هذا الأمر طوال السنوات الماضية.

وفي ضوء هذين الاخفاقين البارزين، يتطلع العالم إلى "COP 27" القادم في شرم الشيخ من أجل وضع آليات جديدة للتعامل معهما، وهو ما قد يكون الإسهام الأساسي الذي تقوم به القمة القادمة للمناخ في مصر. إلا أن ذلك الأمر لن يكون أمرًا سهلًا في ضوء الاتجاهات المتعددة والمتعارضة في نفس الوقت على الصعيد الدولي فيما يتعلق بمواجهة تغير المناخ العالمي. فعلى الرغم من توافق الدول المتقدمة والصناعية حول خطورة الازدياد المفرط في درجات الحرارة، إلا إنه يوجد خلافات واسعة ما بين الدول المتقدمة نفسها حول كيفية المضي قدمًا في تقليص الانبعاثات، وفي توفير التمويل اللازم للدول النامية. كما أن برامج الدول الكبرى لتحول الطاقة مرتبطة ارتباطًا عضويًا ببرامجها وشركاتها الاقتصادية، الأمر الذي يدفع إلى الكثير من الخلافات بينهم، ويعيق إمكانية أن تبادر دولة كبرى واحدة أو دولتين كبيرتين، ولو حليفتين في قيادة التحول التاريخي في قطاع الطاقة العالمي.

ختامًا، يمكن القول إن نجاح الاتفاقيات العالمية لمواجهة التغير المناخي في السنوات القادمة سوف يتوقف إلى حد كبير على أمر رئيسي، وهو حساسية صانعي القرار، وقدرتهم على استيعاب المعنى الكوني لخطورة التغير المناخي العالمي والقيم الإنسانية المتضمنة فيه، وسمو هذا المعنى على المصالح الضيقة والمتعارضة للدول والحكومات، على أساس أننا نعيش في كوكب واحد مترابط الأجزاء، ويعتمد مصيره على تعاون كافة الدول والجماعات، وأن الإضرار به لن يقتصر على منطقة دون أخرى بل يطول العالم أجمع، خاصة وأن بعض مظاهر ومخاطر أزمة التغير المناخي أصبحت جلية للعيان. فالجميع أصبح يشعر بها شرقًا وغربًا، وإن كانت بدرجات متفاوتة. فالحرارة تقتل العديد من الأشخاص في أوروبا كما تذهب الفيضانات بأرواح العديد من البشر في آسيا وغيرها، ناهيك عن التصحر، وحرائق الغابات، وتزايد أعداد الفقراء والجوعى، والمهاجرين، واللاجئين نتيجة العديد من الكوارث الناتجة عن اختلال التوازن البيئي الطبيعي، وسوء استخدام موارد الأرض.

إضافة إلى ذلك، يجب التأكيد على أن الدول النامية والمتقدمة على السواء لديها مصالح مشتركة ومسئولية جماعية للاستثمار في تجنب الفوضى المناخية العالمية، مما يتطلب تعبئة الموارد المالية بشكل متضافر لإجراء انتقال ملموس في خمسة مجالات اقتصادية رئيسية، وهي: الطاقة، والمياه، واستخدام الأراضي، والصناعة، والمدن. وذلك يفرض على صانعي القرار في الحكومات والمستثمرون ضرورة المراهنة على الاقتصاد الأخضر، مما يعني ضرورة القضاء على إعانات الوقود والاستثمار في تكنولوجيات الطاقة النظيفة.

وأخيرًا فإن الاخفاقات التي طالت تنفيذ الاتفاقات الدولية لمواجهة التغير المناخي على أرض الواقع تكشف عن أن «المعركة لم تنته» بعد في التعامل مع التداعيات السلبية المترتبة على ارتفاع درجة حرارة الأرض.

________________________________

نُشر أيضا بالعدد رقم 92 من دورية "الملف المصري" الإليكترونية، مارس 2022.
للاطلاع وتحميل العدد كاملًا: https://acpss.ahram.org.eg/Esdarat/MalafMasry/92/index.html