شروق صابر

باحثة مشاركة - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

تعد قضية الحجاب إحدى أبرز القضايا الاجتماعية والحقوقية التي توصف في إيران بـأنها قضية "قديمة متجددة". فمنذ أن فرضه الخميني، ارتفعت الأصوات الرافضة لإلزامية تطبيقه، وخلال الفترة الأخيرة تجدد النقاش العام بشأن تلك القضية، بعد صدور قانون "الحجاب والعفة" الذي أقرته حكومة إبراهيم رئيسي، الأمر الذي أثار حالة استياء واسعة في الداخل الإيراني.

بجانب ما سبق، جاء حادث وفاة مهسا أميني الفتاة الكردية البالغة من العمر 22 عامًا، بعد أن دخلت في غيبوبة وتوفيت عقب اعتقالها من قبل شرطة الأخلاق في طهران، في 16 سبتمبر الجاري (2022)، ليزيد الأمر سوءًا، حيث اندلعت احتجاجات تعد هي الأشد منذ عام 2019 في أجزاء من إيران خاصة في محافظة كردستان التي تتحدر منها الضحية، وقد ساهمت وفاة أميني في تأجيج الغضب الكامن بشأن قضايا من بينها القيود المفروضة على الحريات الشخصية في إيران، بما في ذلك إلزام النساء بارتداء الحجاب، فضلاً عن تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

لذا أثار انضمام شرائح عديدة من المجتمع في الاحتجاجات مخاوف لدى النظام الإيراني، كونها تأتي في وقت حساس للغاية بالنسبة له على وقع تعثر المفاوضات الهادفة للعودة إلى اتفاقية فيينا لعام 2015 والمعروفة باسم "خطة العمل المشتركة الشاملة".

محددات رئيسية

منذ نجاح الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، جعل النظام قضية الحجاب أمرًا محوريًا ومركزيًا في تعامله مع المرأة، وبالرغم من أن العامل الديني كان الدافع الأول له لفرضه، إلا أن الحجاب اعتبر أيضًا رمزًا سياسيًا وشعارًا للدولة، لذا اعتبر النظام أن فرض الحجاب على المرأة يمثل آلية لبسط نفوذ السلطة، على المستويين السياسي والاجتماعي، في الداخل، ومحاولة لإنهاء أى عادات تم اكتسابها قبل الثورة خاصة تلك التي يرى أنها "تماهي الغرب"، وأصبحت هذه القضية ذات دلالات قوية لدى طهران، وهو ما كان واضحًا في شعارات انتشرت بنهاية السبعينيات على غرار "الموت لكاشفات الرأس". وأصدر النظام في سياق ذلك عدة قوانين صارمة طُبقت على المرأة، حيث لم تختلف تلك القيود سواء كان الرئيس الحاكم في فترة ما محسوبًا على التيار الإصلاحي أم التيار المتشدد. ويمكن إيضاح ذلك فيما يلي:

1- قوانين متشددة: عاد الحجاب إلى الواجهة السياسية مجددًا، بعد صدور تعليمات من الخميني عقب الثورة بضرورة أن ترتدي النساء الحجاب الشرعي خارج بيوتهن. ولكن استغرق تطبيق ذلك عدة سنوات لعدم اعتياد النساء على ارتدائه من قبل، وتم تطبيقه على مرحلتين، في عامي 1981، و1983. في المرحلة الأولى، اقتصر نطاقه على المؤسسات والدوائر الحكومية. وفي الثانية، أصبح إلزاميًا خارج البيوت لجميع النساء، بعدما تم إقرار قانون عقوبة عدم ارتداءه.[1] فحسب المادة 638 من قانون العقوبات الإسلامية، تتراوح عقوبة خلع الحجاب بين التعزير وغرامة مالية نحو عشرين دولارًا، وأحيانًا بالحبس من عشرة أيام إلى شهرين.[2]

2- وعود واهية: تناضل المرأة الإيرانية من أجل الحصول على حقوقها المدنية كالترشح لمنصب رئيس الجمهورية وتقلد الحقائب الوزارية والمناصب الحساسة وحضانة الأطفال وغيرها من الحقوق، وقد استطاعت إثبات أن صوتها لا يمكن تهميشه بل يمكنه أن يمثل مصدر ضغط على السلطة. لذا تم الاستعانة بها خلال الحملات التي سبقت بعض الانتخابات الرئاسية لتعزيز فوز مرشح معين. فعلى سبيل المثال، كان حضور المرأة بارزًا خلال الحملة الانتخابية للرئيس السابق حسن روحاني الذي كان يتحدث كثيرًا عن أوضاعها ودعا إلى منحها المزيد من الحريات وتمكينها من المناصب السياسية داخل حكومته، وبالرغم من أنه لم يكن من المرشحين المفضلين لدى المرشد علي خامنئي في انتخابات عام 2013، مقارنة مع المرشحين المنافسين له مثل سعيد جليلي المعروف بآرائه المتشددة المتوافقة مع السياسة الإيرانية، إلا أنه حصل حينها على أكثر من 50% من نسبة التصويت الكلي في البلاد، معتمدًا في ذلك على فئات الشباب والمرأة، وقام باستقطاب تلك الفئة مرة أخرى في انتخابات عام 2017 عندما فاز بفترة ولاية ثانية حتى أنه كان قد نشر حينها صورة على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" برفقة شاب وفتاتين لا ترتديان الحجاب. وبالرغم من أن فترة حكمه شهدت مرونة في التعامل مع قضية الإجبار على ارتداء الحجاب وفرض نمط معين له، لكنه لم يستطع الإيفاء ببعض الوعود الأخرى التي تعهد بها بعد الوصول للقصر الرئاسي.

3- استخدام العنف: إزاء ما تعرضت له المرأة من تهميش من قبل النظام الإيراني بمختلف تيارات رؤساءه خلال السنوات الماضية، برزت داخل الدولة حركة متنامية مناهضة لقوانين الحجاب الإلزامي، تعلن فيها النساء والفتيات رفضهن لهذه القوانين، فيقمن في الأماكن العامة ويلوحن بأغطية رؤوسهن التي يرفعنها على رؤوس العصى بصمت، أو ينشرن أشرطة فيديو يظهرن فيها وهن يمشين في الشارع ويظهرن شعرهن. وانضم إلى هذه الحركة رجال أيضًا. كما انضمت إليها نساء يرتدين الحجاب بمحض إرادتهن، نظراً لأن الحركة تعنى في الأساس بالحق في الاختيار، أى حق المرأة في أن تختار ما ترتدي دونما مضايقات أو عنف أو تهديدات أو سجن.[3] ولكن دائمًا ما يقابل النظام تلك الحملات بالعنف والاعتقال.

تداعيات مختلفة

فرضت الأوضاع المشتعلة الآن داخل إيران اعتراضًا على وفاة الفتاة الكردية مهسا أميني موجة احتجاج جديدة في بلد تخضع فيه المعارضة لضغوط قوية. فبجانب الأسباب الاقتصادية التي بُنيت عليها الاحتجاجات السابقة التي كانت تقودها الطبقات العاملة، نبعت تلك الاحتجاجات من أسباب اجتماعية وثقافية وسياسية، حيث أثارت وفاة أميني الغضب بشأن قضايا من بينها القيود المفروضة على الحريات الشخصية في إيران، بما في ذلك إلزام النساء بارتداء الحجاب، فضلا عن الاقتصاد الذى يترنح تحت تأثير العقوبات، ما أضفى عليها زخمًا واسعًا، ونتج عن تلك الاحتجاجات تداعيات عديدة يمكن إيضاحها فيما يلي:

1- تراجع الثقة في النظام: توازت الاحتجاجات المشتعلة داخل إيران المنددة بوفاة مهسا أميني مع ما تشعر به شرائح واسعة من الشعب من تراجع الثقة بالنظام ومواقفه إزاء القضايا المماثلة لقضية مهسا أميني، فدائمًا ما كان يوظف النظام مثل تلك الانتهاكات بأنها نابعة عن تصرف فردي وأنها خطأ في سلوك قائد وحدة الشرطة في دورية الإرشاد. إلا أن هذه التبريرات لم تعد، في رؤية تلك الشرائح، تتسامح مع المعطيات الموجودة على الأرض.

2- تحول في شعار الاحتجاجات: سرعان ما تحول الشعار الذي قامت عليه تلك الاحتجاجات "لا للحجاب" إلى نوع من التعبير عن رفض النظام القائم على أساس "ولاية الفقيه"، وهتف المحتجون "الموت للديكتاتور" وقاموا بإضرام النار في صورة المرشد الإيراني علي خامنئي والقائد السابق لفيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني، لذا اتهم النظام جهات خارجية بالوقوف وراء الحملة المدنية، واعتبر أن قضية الحجاب مسيسة وتهدف إلى ممارسة ضغوط عليه.

3- محاولات تسييس القضية: يشير أحد الاتجاهات في الشارع الإيراني إلى أنه كلما تزايدت حدة الضغوط السياسية والإقليمية على النظام، كلما قام بخلق مشكلات داخلية متعلقة بالحجاب أو ما دون ذلك، لإحكام سيطرته على الشارع عبر مزيد من القمع وفرض قوانين رادعة للمخالفين بغرض تخويف المعارضة من استمرار الاحتجاجات. لذا تم تفسير القوانين المفروضة مؤخرًا على حجاب المرأة، بأنها محاولة من جانب النظام لغض الطرف عن متابعة ما يتخذه من سياسات تنتج مزيدًا من التداعيات السلبية على الوضع الاقتصادي.

4-انضمام شرائح جديدة من المعارضين: بدا جليًا خلال الفترة السابقة انضمام شخصيات دينية ذات تأثير داخل المؤسسات الدينية مثل المرجع الديني أسد الله بيات زنجاني إلى اتجاه رفض إجبار النساء على الالتزام بشكل الحجاب، بحيث تحولت وفاة مهسا أميني إلى قضية رأي عام بين الشرائح الاجتماعية المعارضة للحجاب الإجباري، فقد اتسعت الاحتجاجات هذه المرة لتشمل شريحة واسعة من الفئة التي كانت تضفي وجاهة خاصة على الأدوار التي تقوم بها أذرع النظام الأمنية، خاصة الشرطة الأخلاقية.[4] وقد أدخل زنجاني مسألة الحجاب التي تعتبر "فرضًا وواجبًا دينيًا وإلهيًا" عند المؤسسة الدينية بكل مدارسها وعقائدها، في مفهومه للآية القرآنية "لا إكراه في الدين" ليربطها بحرية العقيدة والمعتقد، خارجًا على كل السياقات الحوزوية المتعارف عليها والتي باتت بمثابة "حقيقة" لا يمكن الاقتراب منها أو المساس به. وفيما يتعلق بحادث مهسا أميني، ندد زنجاني بكافة "السلوكيات والأحداث" التي كانت وراء "هذه الحادثة المؤسفة" واصفًا إياها بأنها "غير مشروعة وغير قانونية" وأضاف أن "القرآن يمنع بوضوح المؤمنين من استخدام القوة لفرض القيم التي يعتبرونها دينية وأخلاقية".

5- زيادة الاحتقان الكردي: أبدت القومية الكردية قلقًا واضحًا بعد أن شن الحرس الثوري هجومًا بالمدفعية على قواعد للأحزاب الخاصة بها في ناحية سيدكان في إقليم كردستان العراق، بعد تردد أنباء عن سقوط مدينة كردية إيرانية بيد المحتجين، وجاء القصف في وقت وجهت طهران اتهامات للمعارضين الإيرانيين الأكراد المسلحين بالضلوع في الاحتجاجات التي شهدتها المدن الكردية، لا سيما في الشمال الغربي، حيث يعيش معظم الأكراد الإيرانيين، الأمر الذي يشير إلى سعي النظام إلى تضييق الخناق على القومية الكردية خلال الفترة القادمة، بشكل قد يزيد الوضع سوءًا بالنسبة لهم.

في الأخير، يمكن القول إن الجدل حول قضية الحجاب في إيران سيظل مستمرًا، فبالرغم من أن قضية مهسا أميني أسست لمرحلة جديدة في معركة الحصول على الحقوق، لكن يبدو أنه من غير المرجح أن يغير النظام موقفه تجاه تلك القضية، وهو ما انعكس في خطاب الرئيس إبراهيم رئيسي في الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخراً، حيث اتهم الدول الغربية بـ"الكيل بمكيالين" فيما يتعلق بحقوق النساء، وهو ما يعني أن الأزمة ما زالت قائمة ولن تتراجع حدتها خلال المرحلة القادمة.


[1] قصة الحجاب في إيران.. من إرث الشاه إلى شرطة العمائم، الجزيرة نت، 31 يناير 2019، متاح على:  https://bit.ly/3DJwBEF

[2] محمد السيد الصياد، ربى البلوي، الحجاب في إيران بين ثنائية الأيديولوجيا والسياسة، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، متاح على: https://bit.ly/3fbWiDB

[3] إيران: قوانين الحجاب الإلزامي رقابة على حياة المرأة، منظمة العفو الدولية، 28 مايو 2019، متاح على: https://bit.ly/3Sgu7C4

[4] حسن فحص، عندما يسقط الدم "حجاب السلطة" في إيران، اندبندنت عربية، متاح على: https://bit.ly/3S4ovuR