مثلت الشراكة الاستراتيجية المصرية - الأمريكية، التي تأسست في منتصف سبعينيات القرن الماضي، إحدى ركائز السياسة الخارجية المصرية على مدى نصف قرن، حيث أسست هذه العلاقة لاتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، ولمنظومة حماية الأمن والسلم الإقليميين، ولمحاربة التيارات الراديكالية في المنطقة، ولتدعيم اندماج مصر ودول المنطقة في منظومة العولمة واقتصاد السوق والتجارة الحرة. وقد نجحت هذه الشراكة -إلى حد كبير- في تحقيق أهدافها ومثلت مصدر استقرار لإقليم الشرق الأوسط من ناحية، ولمصالح الأمن القومي المصري والأمريكي في المنطقة من ناحية أخرى. إلا أنه في العقدين الأخيرين أدت الكثير من المتغيرات الدولية والإقليمية إلى ظهور توجه يرى أن العلاقات المصرية - الأمريكية فقدت قدرا من مركزيتها وأولويتها، وقدرتها على تحقيق مصالح الطرفين، خاصة أن الكثير من مرتكزات هذه العلاقة، مثل عملية السلام وحماية أمن دول الخليج، تراجعت في ضوء تراجع الدور الأمريكي في المنطقة، وكذلك تراجع الاعتماد الأمريكي على واردات النفط العربي، وانقسام الصف الفلسطيني والعربي، وتصاعد الدور الإيراني.
وتسببت هذه التحولات في حدوث العديد من الخلافات والتوترات بين طرفي الشراكة في العقود الأخيرة، مما يجعل هناك ضرورة لإعادة تقييم وتأسيس هذه الشراكة في ضوء هذه المتغيرات، حيث أصبحت أهداف جديدة، مثل محاربة التطرف والإرهاب، وتحقيق التنمية المستدامة، والاستجابة للتغيرات المناخية أكثر إلحاحا من مراحل سابقة. لذا، فإنه من المهم في هذه اللحظة الفارقة إلقاء نظرة تقييمية على الشراكة المصرية - الأمريكية وإسهاماتها التاريخية في تحقيق مصالح وأهداف الدولتين، ومن المهم كذلك إعادة تعريف وتأسيس هذه العلاقات على أرضية جديدة تخدم مصالح الدولتين في المرحلة القادمة.
يهدف هذا الكتاب إلى تقييم العلاقات المصرية - الأمريكية منذ توطدها في منتصف السبعينات وحتى اللحظة الراهنة، من خلال إلقاء الضوء على التحولات الرئيسية التي مرت بها هذه العلاقات، وتحولات مواقف القوى والتيارات السياسية المصرية والأمريكية تجاهها، وطبيعة القوى المؤثرة في صياغة هذه العلاقات، وتصورات كل طرف عن الطرف الآخر، وتحولات الموقف الأمريكي تجاه القضايا الداخلية المصرية. كما يهدف إلى تقييم حصاد التعاون الاقتصادي والعسكري/الأمني بين الدولتين وآفاقه المستقبلية. وفي ضوء هذا التقييم يسعى الكتاب إلى استشراف الآفاق المستقبلية للعلاقات المصرية - الأمريكية، والى طرح رؤى تهدف إلى إعادة تعريف وتأسيس هذه العلاقات في ضوء المتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية.
تناول الدكتور محمد كمال، في الفصل الأول، معالم السياسة الخارجية الأمريكية في ظل إدارة بايدن، حيث يرى أن هناك منظورين لتحليل السياسة الخارجية لإدارة بايدن؛ الأول: يرى أن إدارة «بايدن» قامت بتطبيع سياسات «ترامب» الخارجية، وأنها تُعد استمرارًا لسياسات سلفه. والثاني: يرى أن السياسة الخارجية لإدارة «بايدن» تتسم بـ «اليسارية الشديدة»، وأنها لا تختلف عن السياسات التي يتبناها المرشح الديمقراطي السابق للرئاسة «برني ساندرز». في المقابل، يرى الكاتب أن إدارة «بايدن» تتبني سياسة خارجية في منطقة وسط، حيث إنها تتسم بقدر من التغيير مع سياسة سلفه «ترامب»، وقدر آخر من الاستمرارية.
تناول د. جمال عبد الجواد، في الفصل الثاني، أهم المحطات التي مرت بها العلاقات المصرية - الأمريكية على مدى أكثر من نصف قرن، حيث أن خبرة المرحلة التأسيسية للسياسة الخارجية المصرية في المرحلة الناصرية قد تركت آثارًا مهمة على علاقات البلدين. فقد اتسمت هذه العلاقات بدرجة عالية من عدم الثقة المتبادلة؛ وتركت آثارًا مهمة على علاقات البلدين في المراحل التالية. وفي عهد السادات، تمت إعادة تأسيس العلاقات الأمريكية - المصرية، على «تفاهم استراتيجي» يدور حول أمرين، هما تحقيق السلام العربي الإسرائيلي، ومحاصرة نفوذ الجماعات الراديكالية، إلى أن أدخلت واشنطن في مرحلة لاحقة الإصلاح الديمقراطي –وفق تصور أمريكي– كأحد شروط العلاقة مع مصر، وهو ما قاومته مصر، وتسبب في تدهور العلاقات بين البلدين. أما خلال المرحلة الحالية، فقد قللت الولايات المتحدة من اهتمامها بالديمقراطية، وعادت لتركيز اهتمامها على «التفاهم الاستراتيجي»، الأمر الذي أسهم في تحسين علاقات البلدين.
في الفصل الثالث، يتناول الباحث المصري المقيم في واشنطن، محمد المنشاوي، التيارات السياسات الأمريكية المختلفة وتحولات مواقفها من العلاقة مع مصر، حيث يرى أن عملية صنع السياسة الخارجية الأمريكية تتشكل عبر أُطر مؤسسية راسخة لعبت فيها تيارات سياسية عديدة أدوارًا مختلفة من أجل التأثير عليها فيما يتعلق بالعلاقات الأمريكية - المصرية الممتدة منذ بدء التعاون العسكري بين الدولتين مع انتهاء حرب أكتوبر1973، وصولًا إلى توقيع اتفاقية «السلام» مع إسرائيل عام 1979 في واشنطن. ويركز الباحث على تيارين رئيسيين يؤثران في صنع السياسية الخارجية تجاه مصر، الأول هو تيار مناصري الديمقراطية وحقوق الإنسان في علاقات الدولتين، مقابل تيار الأمن القومي والمصالح الاستراتيجية. كذلك، يستعرض البعد الجيلي كمحدد فاصل بين فريقين متناقضين لهما رؤى مختلفة تجاه مستقبل العلاقات الأمريكية - المصرية.
وتناول السفير كريم حجاج، في الفصل الرابع، إشكاليات إدارة علاقة الشراكة المصرية – الأمريكية، حيث يرى أن الشراكة الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة اتسمت بوضعية خاصة أكسبتها قدرًا كبيرًا من الخصوصية، ومنحتها قدرًا من الاستمرارية وسط مُجمل التحولات العميقة التي أدت إلى تبدل السياق الحاكم للعلاقة - سياسيًا وإقليميًا وداخليًا- لدى كل من البلدين، والأزمات العديدة التي مرت بها العلاقات منذ نشأتها وكان آخرها اندلاع ثورات الربيع العربي. ويري الكاتب أن كلًا من واشنطن والقاهرة نجحتا في عزل جوهر الشراكة الاستراتيجية بينهما عن مختلف الضغوط التي تعرضت لها هذه العلاقات في ضوء ما شهدته من تحولات، وما شهدته منطقة الشرق الأوسط من تغيرات، وأن هناك عددًا من المحددات الحاكمة للعلاقات الثنائية بين الجانبين، أبرزها؛ ضمان أمن إسرائيل، وإيجاد تسوية سلمية للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، أضفت في مجملها مستوى من التعقيد على مجمل العلاقات الثنائية، تنعكس في الكثير من الأحيان على صعوبة إدارة تلك العلاقات بجوانبها المتعددة، خاصةً بالنسبة لصناعة القرار الأمريكي تجاه مصر.
أما الفصل الخامس، فقد حاولت فيه الباحثة منال لطفى تقديم رؤية حول صورة مصر في الوعي الأمريكي، حيث ترى أنه على مدى السنوات الماضية، تعرضت أهمية مصر في الاستراتيجية الأمريكية بالشرق الأوسط وقوة علاقتها بواشنطن لبعض الانتقادات، حيث يكرر دعاة تراجع أهمية مصر عددًا من الحجج؛ من بينها تدهور صورة مصر لدى الرأي العام الأمريكي منذ الربيع العربي عام 2011، والاختلافات بين القاهرة وواشنطن بشأن عدد من القضايا الإقليمية؛ والتقارب الاستراتيجي المصري مع خصوم ومنافسين للولايات المتحدة، مثل روسيا والصين.
وتناولت د. دينا شحاته والباحثة بسمة سعد، في الفصل السادس، توجهات الإعلام والرأي العام المصري تجاه الولايات المتحدة، حيث استعرضت الدراسة تحولات إدراك الإعلام والرأي العام المصري للعلاقات المصرية - الأمريكية وطبيعة أهداف السياسة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط، وفي القلب منها مصر منذ عام 2000، ورصدت الدراسة غلبة الاتجاه المعارض والرافض لسياسة واشنطن تجاه منطقة الشرق الأوسط عامة، ومصر بشكل خاص، استنادًا لعدد من الملفات المهمة والحيوية التي تحتل صدارة اهتمام الشارع المصري، كما تناولت الدراسة أيضًا وجود تناقض في تناول السينما المصرية والأدب المصري السلبي للسياسة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط من ناحية، وتناولهم للفن والثقافة الأمريكية بشكل إيجابي من ناحية أخرى.
وحول العلاقات العسكرية المصرية - الأمريكية وآفاقها المستقبلية طرح الباحث عمرو عبد العاطي، في الفصل السابع، أبعاد الأهمية الاستراتيجية لهذه العلاقات بالنسبة لواشنطن، والتى أرجعها إلى عدة اعتبارات تعكس ثقل ومكانة وفاعلية الدور المصري في منطقة الشرق الأوسط، حيث يعد التعاون العسكري بين الولايات المتحدة ومصر العمود الفقري للعلاقات الثنائية بين البلدين. ويري الباحث أنه على الرغم مما تتمتع به العلاقات الثنائية بين الجانبين من أهمية استراتيجية، إلا أن العلاقات العسكرية المشتركة تواجه تحديين رئيسيين، هما: مساعي القاهرة لتنويع مصادر أسلحتها، وثانيها قضية الحريات والديمقراطية التى تلجأ الإدارات الديمقراطية إلى توظيفها فى بعض المراحل. وعقب ما شهدته القاهرة من أحداث بدءًا من عام 2011، ومرورًا بثورة 30 يونيو 2013، ثار جدل أمريكي حاد انقسم على أثره الموقف الأمريكي حول فاعلية فرض شروط على المساعدات العسكرية للقاهرة لإرغام السلطات المصرية على اتخاذ إجراءات من شأنها إحداث تحول ديمقراطي، لكنها لم تُحدث ردود فعل قوية لدى الجانب المصري.
وفى الفصل الثامن، قدم اللواء أ.ح. د وائل ربيع، رؤيته حول تحولات عملية السلام مع إسرائيل وتأثيراتها على العلاقات المصرية - الأمريكية، حيث يرى أن حرب أكتوبر 1973 تعد بمثابة البداية الحقيقية لعملية السلام العربي - الإسرائيلي، التي تطورت على مدار ما يزيد على ثلاثين عامًا شهدت ومرت خلالها بالعديد من التحولات والمراحل، سواء المتعلقة بتطورات الداخل الفلسطيني المتمثلة في الانقسامات الفلسطينية وما تنتهجه إسرائيل من سياسة متشددة تجاه الشعب الفلسطيني، ومحاولة تكريس مفهوم يهودية الدولة، أو التحولات التي شهدها الجانب الإسرائيلي وأثرت في عملية السلام متمثلة في تراجع النخب الليبرالية القديمة وصعود اليمين الإسرائيلي بتولي رئيس الوزراء السابق«بنيامين نتنياهو» رئاسة الحكومة الإسرائيلية عام 2009، ناهيك عن التطورات الإقليمية المتمثلة في تطبيع بعض الدول العربية مع إسرائيل في مخالفة صريحة للمبادرة العربية للسلام. أما بالنسبة للسياسة الأمريكية تجاه عملية السلام، فلقد مثلت فترة ولاية الرئيس «دونالد ترامب» أكثر فترات الرئاسة الأمريكية تأثيرًا سلبيا في عملية السلام ، ومن المنتظر أن ينتهج الرئيس «بايدن» السياسة الأمريكية التقليدية التي تُعيد الاعتبار في خطابها السياسي لمبدأ حل الدولتين، وعدم السماح لإسرائيل بضم المزيد من الأراضي الفلسطينية، وما ينطوي عليه ذلك من انعكاسات على العلاقات المصرية - الأمريكية؛ حيث ستظل القضية الفلسطينية واحدة من أهم أولويات السياسة المصرية، وأحد الملفات العاكسة للروابط المصرية العربية.
وحول تحولات ومستقبل العلاقات الاقتصادية المصرية الأمريكية تناول الباحث حسين سليمان، في الفصل التاسع والأخير، تطور العلاقات الاقتصادية بين الطرفين، حيث تأتى هذه العلاقات في ترتيب متأخر لدى الجانب الأمريكي، وتعد بالأساس ورقة تُستخدم في تحقيق الأولويات الأخرى على عكس الجانب المصري الذي يرى في تعزيزها فرصة لخدمة الاقتصاد المحلى. وخلال عدة عقود، تحولت العلاقات الاقتصادية من الاعتماد على المساعدات الأمريكية إلى مصر إلى الاستثمار المباشر والتبادل التجاري، ولكن حجم هذا التحول لم يرق إلى تطور العلاقات الاقتصادية المصرية مع شركاء آخرين، أو تطور العلاقات الأمريكية مع بلدان أخرى في المنطقة. ووفقا للباحث، تطرح الاستفادة المتبادلة للطرفين من تعزيز علاقاتهما الاقتصادية خيارات لتعديل أطر الشراكة بينهما، خاصة من خلال اتفاقات تحرير التجارة وتعزيز الاستثمار.