تصاعد وتبلور نمط جديد من العقوبات الدولية، ظهر بوضوح إبان الحرب الروسية - الأوكرانية، ألا وهو نمط العقوبات السيبرانية، الذي أصبح أكثر شمولا وعمقا وتأثيرا مقارنة بنمط العقوبات التقليدية، لاسيما مع تأثير المتغير التكنولوجي والمجال السيبراني في تغير طبيعة العقوبات الدولية، سواء على مستوى البيئة والسياق الدولي، أو على مستوى الأدوات، أو على مستوى التأثير والتأثر والفاعلية داخل النظام الدولي. وما يزيد من وتيرة ووطأة تلك العقوبات الجديدة ارتباطها بالمجال السيبراني الذي بات يلعب دورا استراتيجيا وحيويا في عمل البنية التحتية الكونية للمعلومات، وكوسيط لممارسة الأنشطة الإنسانية المختلفة على مستوى الفرد والدولة والمجتمع، وحالة التداخل الوظيفي بين المجال السيبراني ومختلف المجالات الدولية كالبر والبحر والجو والفضاء الخارجي، ما جعل منه مجالا استراتيجيا يحمل مصالح متصاعدة، وفي ذات الوقت يواجه بمخاطر متصاعدة تتضمن القدرة على إلحاق الضرر بالغير عبر فرض عقوبات سيبرانية تهدف إلى الحرمان القسري من الخدمات أو التقنية أو التواصل أو التجارة وغيرها للحد من الدور أو القوة أو النفوذ، سواء من جانب الدول القومية أو الفاعلين من غير الدول.
في هذا السياق، تصاعد توظيف العقوبات السيبرانية في السياسة الخارجية الأمريكية وتطورها التاريخي، ومرتكزاتها، وأنماط تطبيقها، ومدى فاعليتها، وطبيعة الضغوط المتصاعدة بالولايات المتحدة لمراجعة برامج العقوبات السيبرانية، ويتوازى معها نظام العقوبات السيبرانية في السياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي، وطبيعته ومدى اختلافه أو تشابهه مع نظيره الأمريكي، ومحددات وإشكاليات بناء نظام أوروبي للعقوبات السيبرانية.
ومن الأهمية بمكان رصد طبيعة التحديات والفرص لبناء نظام دولي للعقوبات السيبرانية، فالممارسة الدولية لها غلب عليها الطابع السياسي من جهة، والطابع الأحادي من جانب الدول خارج مظلة الأمم المتحدة من جهة أخرى، وهو ما يحد من مشروعيتها، ليس فقط لطبيعة موقف القانون الدولي واتفاقية التجارة العالمية، بل قدرتها على إحداث حالة من الاضطراب العالمي لا تنال فقط من النظم السياسية الحاكمة، بل تنال من حياة ورفاهية الشعوب.
هذا الأمر يتطلب أهمية تفعيل دور المنظمات الدولية ذات الصلة، خاصة الأمم المتحدة في حشد المجتمع الدولي للحفاظ على الاستخدام السلمي للفضاء السيبراني، وأهمية اعتباره مرفقًا دوليًا وتراثًا مشتركًا للإنسانية.