استغرق قيام الولايات المتحدة الأمريكية بتصفية زعيم تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري شهوراً عديدة. فقد كشفت تقارير مختلفة عن أن الاستخبارات الأمريكية تمكنت من تحديد مكان الظوهري منذ عدة أشهر عبر تتبع انتقاله وأفراد أسرته لأحد المنازل بمنطقة "شيربور" بالعاصمة الأفغانية كابول، وهو ما يطرح تساؤلاً رئيسياً حول مغزى توقيت عملية استهداف الظواهري.
يمكن القول إن هناك العديد من الدلالات التي يطرحها توقيت عملية قتل الظواهري، التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي جو بايدن في أول أغسطس الجاري (2022) بعد يومين من تنفيذها، ترتبط بالتفاعلات التي تجري سواء على الساحة الداخلية الأمريكية، أو على مستوى علاقات واشنطن مع حلفائها وخصومها في آنٍ واحد، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:
1- حلول الذكرى الأولى للانسحاب من أفغانستان: تتزامن عملية استهداف الظواهري مع اقتراب حلول الذكرى الأولى لعملية الانسحاب الأمريكي من أفغانستان في 31 أغسطس 2021، وهو ما يعني، في الغالب، أن الولايات المتحدة الأمريكية حرصت من خلال الإعلان عن قتل زعيم "القاعدة" على تأكيد أن الانسحاب العسكري لا يعيق عمليات مكافحة الإرهاب في أفغانستان. وقد عبّر الرئيس الأمريكي جو بايدن عن ذلك في الكلمة التي ألقاها للإعلان عن قتل الظواهري، حيث قال أن "الولايات المتحدة الأمريكية لن تسمح بأن تصبح أفغانستان ملاذاً آمناً للعناصر الإرهابية"، مضيفاً: "عندما أنهيت مهمتنا العسكرية في أفغانستان منذ عام تقريباً، اتخذت القرار بأنه بعد 20 عاماً من الحرب، لم تعد الولايات المتحدة بحاجة إلى آلاف الجنود على الأرض في أفغانستان لحماية أمريكا من الإرهابيين الذين يسعون لإلحاق الأذى بنا، وقد قطعت وعداً للشعب الأمريكي بأننا سنواصل إجراء عمليات فعالة لمكافحة الإرهاب في أفغانستان وخارجها".
2- اقتراب التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي: تأتي عملية قتل الظواهري قبل ثلاثة أشهر من موعد إجراء انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي في نوفمبر المقبل، حيث يتعرض الرئيس الأمريكي وإدارته لانتقادات قوية بسبب تصاعد حدة الأزمة التي تسببت فيها الحرب الروسية-الأوكرانية، لا سيما على صعيد ارتفاع مستوى التضخم وزيادة أسعار الوقود.
ومن هنا، فإن اتجاهات أمريكية عديدة اعتبرت أن قتل الظواهري في هذا التوقيت يمكن أن يساهم في تعزيز فرص الحزب الديمقراطي في تحقيق نتائج جيدة في الانتخابات، على نحو سوف يكون له تأثير أيضاً على الانتخابات الرئاسية القادمة. وقد كان لافتاً أن الرئيس بايدن حرص في الكلمة التي ألقاها على استقطاب دعم داخلي لسياساته قبل الانتخابات، حيث أكد أن بلاده "تواصل إظهار عزمنا وقدرتنا على الدفاع عن الشعب الأمريكي ضد أولئك الذين يسعون إلى إلحاق الأذى بنا"، مشيراً إلى أن "الظواهري مسئول عن قتل العديد من الأمريكيين في هجمات مختلفة"، ومؤكداً أن "العدالة تحققت بعد مقتله".
ومن دون شك، فإن اقتراب حلول الذكرى الحادية والعشرين لأحداث سبتمبر يضفي بدوره وجاهة خاصة على هذه التكهنات التي تشير إلى أن الإدارة الأمريكية حريصة على استثمار العملية في تعزيز موقعها قبل الاستحقاق الانتخابي القادم.
لكن ذلك لم يمنع الإدارة الأمريكية من الإشارة إلى أن قتل الظواهري لا ينهي أو يقلص خطر الإرهاب، بل إن وزارة الخارجية الأمريكية أصدرت، في 3 أغسطس الجاري، بياناً حذرت فيه من أن قتل الظواهري يمكن أن يزيد من عمليات العنف ضد المصالح الأمريكية، لأنه "قد يدفع أنصار القاعدة إلى استهداف منشآت ومواطنين أمريكيين".
وربما تحاول الإدارة الأمريكية في هذا الصدد التماهي مع ردود الفعل التي أثارتها العملية، والتي وصلت إلى حد توجيه انتقادات جديدة لها بالمسئولية عن "وصول الظواهري إلى كابول". فقد قال السيناتور الجمهوري ليندسي جراهام في هذا الصدد في سلسلة تغريدات: "الظواهري قُتل في أفغانستان؛ لكن هذا لا يعني أن (القاعدة) اختفت. على عكس ما قاله الرئيس جو بايدن، فإن قدرتنا على محاربة التهديدات الإرهابية المتزايدة في أفغانستان على المحك"، وأضاف: "بدأت المعسكرات التدريبية للقاعدة في أفغانستان في الظهور مجدداً، على غرار ما حصل قبل اعتداءات 11 سبتمبر".
وبالتوازي مع ذلك، فإن ثمة اتجاهات أمريكية أخرى تشير إلى أن قتل الظواهري لن يؤثر كثيراً على فرص الحزب الديمقراطي في الانتخابات، خاصة أن الأولويات الحالية بالنسبة للمواطن الأمريكي مختلفة، وتتقدمها قضايا مثل ارتفاع الأسعار، وهو ما يسعى الحزب الجمهوري إلى استثماره قبل مائة يوم تقريباً من الانتخابات.
3- قتل زعيمي "القاعدة" و"داعش" في عامٍ واحد: تمثل عملية قتل الظواهري ضربة أمنية جديدة وجهتها الولايات المتحدة الأمريكية بعد نحو ستة أشهر على قتل زعيم تنظيم "داعش" أبو إبراهيم الهاشمي القرشي (فبراير 2022)، وهو ما يجعل الرئيس بايدن أول رئيس يتمكن من تصفية قيادات تنظيمى "داعش" و"القاعدة" في العام نفسه، بالتوازي مع استهداف العديد من قيادات الصف الأول للتنظيمين خلال العام الجاري، على نحو يوحي بأن أحد أهداف العملية يتعلق بتأكيد أن الولايات المتحدة الأمريكية ما زالت القوة الرئيسية في عملية مكافحة الإرهاب على المستوى الدولي.
وربما لا ينفصل ذلك عن محاولات واشنطن الرد على بعض القوى الإقليمية والدولية التي تسعى إلى الترويج لأدوارها في مكافحة الإرهاب، أو إدارة مواجهاتها مع بعض الأطراف في إطار الحرب ضد الإرهاب، وهو ما قد لا يتوافق بالضرورة مع الحسابات الأمريكية. وهنا تحديداً، فإن واشنطن تسعى إلى تأكيد أن توافق كل من روسيا وإيران وتركيا في قمة طهران الثلاثية التي عقدت في 19 يوليو الفائت، على "مواصلة تعاونها القائم للقضاء في نهاية المطاف على الأفراد والمجموعات الإرهابية"، في إشارة تحديداً إلى مليشيا "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) الكردية- التي تعتبرها واشنطن طرفاً مهماً في الحرب ضد تنظيم "داعش"- سوف تكون له حدود على الأرض، لأن واشنطن-التي تروج إلى أنها الطرف الأساسي في الحرب ضد الإرهاب- لن تسمح بصياغة ترتيبات أمنية جديدة قد تؤدي إلى تهديد مصالحها في سوريا.
4- طمأنة الشركاء الدوليين والإقليميين: كان لافتاً أن مكافحة الإرهاب كانت أحد البنود الرئيسية التي تضمنها بيان قمة جدة للأمن والتنمية التي عقدت في 16 يوليو الفائت، بحضور الرئيس الأمريكي جو بايدن وقادة دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق، ضمن الجولة التي قام بها الرئيس الأمريكي في المنطقة وشملت إسرائيل والأراضي الفلسطينية. وهنا، فإن قتل الظواهري في هذا التوقيت يعني أن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى إلى تأكيد إصرارها على مواصلة دورها في الحرب ضد الإرهاب، والتزامها بالمعطيات التي تفرضها العلاقات الاستراتيجية مع شركائها الدوليين والإقليميين في هذا الصدد.
وربما لا ينفصل عن ذلك عن الشكوك التي بدأت تثار داخل بعض الدول التي تؤسس علاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية حول مدى التزام الأخيرة بها، خاصة في ظل الخطوات التي اتحذتها منذ وصول الرئيس بايدن إلى البيت الأبيض في 20 يناير 2021، على غرار الانسحاب من أفغانستان، والانخراط في مفاوضات جديدة مع إيران حول الاتفاق النووي، ورفع المليشيا الحوثية من قائمة التنظيمات الإرهابية وغيرها.
5- رسائل لتنظيم "شباب المجاهدين" في الصومال: تسعى الولايات المتحدة الأمريكية عبر قتل الظوهري في هذا التوقيت إلى محاولة ممارسة ضغوط على أكثر أفرع تنظيم "القاعدة" نشاطاً وفاعلية، وهو حركة "شباب المجاهدين" في الصومال، ولا سيما مع تصاعد العمليات الإرهابية التي تقوم بها الحركة خلال المرحلة الماضية سواء في الداخل الصومالي أو في بعض دول الجوار وكان آخرها إثيوبيا، حيث حاولت الحركة التوغل داخل أراضي الأخيرة، في 26 يوليو الفائت.
وربما تحاول واشنطن عبر ذلك فك الارتباط التنظيمي بين "شباب المجاهدين" والتنظيم المركزي، لدعم الرئيس الصومالي الجديد حسن شيخ محمود وتعزيز قدرة حكومته على مواجهة الحركة، حيث تتزامن عملية قتل الظواهري مع إعلان واشنطن عن عودة الوجود العسكري الأمريكي في الصومال بعد عام من انسحاب القوات العسكرية الأمريكية من الأخيرة.
وعلى ضوء ذلك، يبقى في النهاية أن نجاح إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في قتل زعيم تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري قد لا يفرض ضغوطاً شديدة على الظاهرة الإرهابية بشكل عام، لكنه سينتج، في الغالب، تداعيات مباشرة على خريطة التنظيمات الإرهابية حول العالم، وعلى مسارات الحرب ضد الإرهاب خلال المرحلة القادمة.