شهد العالم موجة جديدة من التحول الرقمى، أطلق عليها البعض الرقمية العميقة التى تتميز بظواهر مثل: البيانات الضخمة، والتعلم الآلى، والذكاء الاصطناعى حيث أصبحت أكثر اندماجا في مختلف مناحي الحياة اليومية للإنسان، وأدت إلى الكثير من التغيرات الاجتماعية، والثقافية فى المجتمعات، خاصة منظومة القيم الاجتماعية، وأنماط العلاقات الأسرية بصفة عامة، الأمر الذى فرض على علماء الاجتماع فهما مغايرا لتأثيراتها المجتمعية، والبحث عن معايير جديدة للعلاقة بين الرقمية والمجتمع، فهناك تحديات رقمية تفرض حضورها، في ظل اقتحام الرقمية للفضاءات العامة والخاصة، وصارت إشكالاتها حول الحرية والرقابة أكثر إلحاحا، إلا أنها تبقى نسبية وليست مطلقة. ويتوقف ذلك على عدة أمور، منها: الإمكانات والموارد المتاحة في كل مجتمع من جهة، ومدى قدرة المجتمع على التفاعل مع
التحولات والاستفادة من هذه الثورة الرقمية من جهة ثانية، وما يتطلبه ذلك من إحداث تغيرات بنائية وثقافية من جهة أخرى.
كما تؤكد معطيات الواقع الراهن وجود فجوة بين المجتمعات المتقدمة صناعيا، والتي تمتلك قدرات وإمكانات عالية للاستفادة من الثورة الرقمية، والبلدان النامية التي تفتقد لذلك.
وبالنظر إلى تأثير الثورة الرقمية على الهوية الثقافية فقد أدت إلى ظهور قيم جديدة مغايرة للقيم الاجتماعية السائدة، وتغير الأدوار التقليدية للأسرة، بالإضافة إلى التغير النسبي في أنماط المعيشة بشكل عام كنتيجة لتغير القيم والاتجاهات.
وفى هذا السياق، يناقش العدد تأثيرات هذه الثورة الرقمية على أنماط الحياة الاجتماعية والأسرية، إلى جانب إلقاء الضوء على أبرز الظواهر الاجتماعية المعاصرة التى باتت تمثل تحديًا كبيرًا لعلم الاجتماع فى الوقت الراهن. هذا ولا يتعلق الأمر بتحسين الجوانب التكنولوجية للبحوث فحسب، وإنما بالنهوض باستخدام التكنولوجيا إلى الخيال السوسيولوجي، وضرورة التحديث النظرى والمنهجي لعلم الاجتماع ككل.