على الرغم من الأهمية الاستراتيجية لعلاقاتها مع الولايات المتحدة، وعلى الرغم من أن زيارة أكبر مسئول أمريكي لدولة حليفة، عادة ما يشكل حدثاً مهماً، سواء لدفع العلاقات بين البلدين إلى الأمام، أو في أحيانٍ أخرى بهدف تفكيك أزمة ضخمة تهدد استمرار مثل هذه العلاقات.. على الرغم من ذلك، يبدو أن إسرائيل لا تعول على تحقيق نتائج كبرى من وراء الزيارة المقبلة للرئيس الأمريكي جو بايدن إليها، بداية من 13 يوليو الجاري (2022)، والتي ستعقبها زيارته للأراضي الفلسطينية، وتنتهي بلقاء موسع له في المملكة العربية السعودية مع عدد من قادة الدول العربية.
أسباب عدم التفاؤل في إسرائيل بهذه الزيارة متعددة، سواء لجهة الأوضاع الداخلية الحالية فيها، أو بسبب الأجندة المتخمة بقضايا أمنية واقتصادية تهم الولايات المتحدة. وتتشابك هذه القضايا مع استعداد أمريكي لتقديم تنازلات لجهات عربية وإقليمية ستؤثر حتماً على كثير من المصالح الإسرائيلية.
إشكالية الأوضاع الداخلية
تأتي زيارة بايدن لإسرائيل في ظل وضع سياسي مربك في الداخل الإسرائيلي، حيث سقطت الحكومة التي كان يترأسها نيفتالى بينت منذ يونيو من العام الماضي، بعد أن فقدت الأغلبية الضئيلة التي كانت تتمتع بها في البرلمان (الكنيست)، ومن ثم تم حله لتذهب إسرائيل إلى انتخابات مبكرة. وبمقتضى اتفاق كان قد وقعه نيفتالى بينت مع زعيم حزب "يش عتيد" يائير لبيد، والذي شغل منصب وزير الخارجية، عند تشكيل الائتلاف في العام الماضي، فإنه في حالة حل الائتلاف يقوم لبيد بقيادة حكومة تصريف الأعمال حتى إجراء الانتخابات المقبلة.
بمعنى أكثر وضوحاً، فإن الرئيس الأمريكي جو بايدن سيلتقي برئيس حكومة لا يملك صلاحيات حقيقية، خاصة فيما يتعلق بقرارات السياسة الخارجية، ومن ثم يمكن اعتبار اللقاء مجرد جلسة للحوار وطرح الأفكار والمواقف من الجانبين ليس إلا، ويسري ذلك على القضايا الثلاث الكبرى المطروحة للنقاش وهى:
1-محاولات واشنطن العودة للاتفاق النووي مع طهران.
2- رؤية إسرائيل لحل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، ومدى إمكانية استئناف مفاوضات السلام المعطلة منذ سنوات بين الطرفين.
3- آفاق بناء تحالف إقليمي أمني بين إسرائيل وعدد من الدول العربية برعاية أمريكية.
إسرائيل والملف النووي الإيراني
بالنسبة ليائير لبيد، سيعيد التأكيد لبايدن على شبه الإجماع بين قادة الأحزاب الإسرائيلية (باستثناء الأحزاب العربية) على رفض عودة واشنطن للاتفاق النووي مع إيران، طالما لم تبد الأخيرة استعدادها لقبول مزيد من القيود على برنامجها النووي، وطالما استمرت في إجراء تجاربها على الصواريخ الحاملة للرؤوس النووية، وأيضاً طالما ظلت إيران على دعمها لمن تعتبرهم إسرائيل مصادر لتهديد أمنها (حزب الله اللبناني، وحركتي حماس والجهاد الفلسطينيتين).
أيضاً، سيركز لبيد على أن إسرائيل ستظل تحتفظ بحقها في توجيه ضربات إجهاضية للمشروع النووي الإيراني بغض النظر عن فشل الولايات المتحدة أو نجاحها في إقناع طهران بالالتزام بالاتفاق بصورته الأساسية الموقعة عام 2015، أو تعديله بصورة لا تلبي مطالب إسرائيل، المشار إليها سابقاً.
في المقابل، ليس من الواضح كيف سيرد بايدن، الذي ما تزال إدارته تأمل استئناف التفاوض-المُعطَّل حالياً-مع إيران، وتحاول واشنطن إقناع طهران بإسقاط مطلبها الخاص بإزالة الحرس الثوري من القائمة الأمريكية للإرهاب، وبقبول أن تكون عملية رفع العقوبات المفروضة عليها بصورة متدرجة ومحصورة فقط في العقوبات الخاصة بالملف النووي.
ولا يبدو في الأفق إمكانية قبول إيران لمثل هذا العرض، خاصة مع رفض واشنطن حتى الآن التعهد بعدم الانسحاب من أي اتفاق مزمع توقيعه معها مستقبلاً، كما فعل الرئيس السابق دونالد ترامب عندما انسحب من الاتفاق القديم عام 2018. بالإضافة إلى ذلك، من الصعب أن تقبل طهران عودة واشنطن إلى الاتفاق دون أن تلتزم إسرائيل بالكف عن شن العمليات السرية ضدها، والتي تستهدف تخريب المنشآت النووية بهجمات سيبرانية أو قتل العلماء العاملين في تلك المنشآت.
غموض مفهوم السلام لدى لبيد وبايدن
فيما يتعلق بزيارة بايدن للأراضي الفلسطينية واللقاء المرتقب بينه ويين والرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)، استبق لبيد هذه الزيارة بتصريح عبّر فيه عن اهتمامه بتحقيق السلام مع الفلسطينيين، دون أن يتحدث صراحة عن حل الدولتين الذي تؤيده إدارة بايدن. ولا يعد مثل هذا التصريح تحولاً في السياسة الإسرائيلية المتبعة منذ عقد من الزمان والتي كان اليمين الإسرائيلي بقيادة بنيامين نتانياهو ومن بعده نيفتالى بينت يتبناها، والتي تقوم على مفهوم "السلام الاقتصادي" والحكم الذاتي للفلسطينيين في أجزاء من الأراضي المحتلة في الضفة الغربية.
وبمقتضى هذا التصور، تساعد إسرائيل الفلسطينيين على تحسين أوضاعهم الاقتصادية مقابل توقفهم عن مقاومة الاحتلال، ومقابل تمتعهم بحكم ذاتي. أما فكرة السماح بإقامة الدولة الفلسطينية فستبقى مرهونة بمدى تقبل الفلسطينيين والتزامهم بهذه الصفقة لسنوات طويلة مستقبلاً، وبعدها يمكن الحديث عن "كيان" يمكن تسميته "دولة محدودة السيادة"، أو ضمن فيدرالىة مع الأردن أو إسرائيل أو كليهما معاً.
على الجانب الآخر، ليس من الواضح تصور إدارة بايدن لشكل الدولة الفلسطينية التي ستنتج عن تطبيق فكرة حل الدولتين، فرغم أن الرئيس الأمريكي كان قد أعلن أثناء حملته الانتخابية عام 2019 عن نيته إسقاط صفقة القرن التي قدمها سلفه ترامب، واستبدالها بمشروع للسلام مختلف ويستهدف خلق دولة فلسطينية قابلة للحياة تعيش في حالة سلام مع إسرائيل، إلا أن ادارة بايدن بعد أن قضت ما يزيد على عامين في الحكم لم تطرح مشروعها الذي وعدت به، ومن المشكوك فيه أن تتمكن من طرح أي مشروع للتسوية بين الفلسطينيين وإسرائيل في القريب العاجل، خاصة مع تركيز بايدن حالياً على معالجة المشكلات الاقتصادية الضخمة التي تواجهها الولايات المتحدة، وعلى التفرغ أيضاً لمتابعة تطورات الأزمة الروسية- الأوكرانية التي كانت السبب المباشر في تفاقم أزمة الاقتصاد الأمريكي، كما باتت تهدد حلف الناتو وحلفاء واشنطن في أوروبا.
فضلاً عن ذلك، فإن الانتخابات الإسرائيلية القادمة إما أن تسفر عن استمرار حالة عدم الاستقرار التي تعيشها إسرائيل منذ نهاية عام 2018 والتي تمثلت في عجز الأحزاب الإسرائيلية عن تشكيل ائتلاف حاكم مستقر، واضطرار البلاد إلى الذهاب إلى خمسة انتخابات في أقل من أربعة سنوات، وتشير بعض التقارير الأخيرة في إسرائيل إلى أن جولة الانتخابات الخامسة في نوفمبر القادم قد تكون غير حاسمة بدورها وقد يؤدي ذلك إلى الذهاب لانتخابات سادسة، وإما تشكيل ائتلاف ضعيف وهش لا يعمر طويلاً كما حدث لائتلاف بينت- لبيد الذي سقط مؤخراً. وفي كل الأحوال، لن تجد الإدارة الأمريكية فرصة حقيقية لطرح أي مبادرة من جانبها لحل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي بشكل شامل.
شكوك حول تشكيل تحالف أمني شرق أوسطي
في 28 مارس الماضي، انعقد مؤتمر شارك فيه وزراء خارجية الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض الدول العربية، وتحدثت التقارير في حينها عن أن هدف اللقاء هو التباحث حول إقامة تحالف أمني إقليمي في مواجهة التهديدات الإيرانية التي تسببت في زعزعة الأمن والاستقرار في أنحاء واسعة من الشرق الأوسط. ورغم أن معظم الدول العربية التي شاركت في المؤتمر أكدت على أن اللقاء كان مجرد لقاء تشاوري حول كيفية التعامل مع العديد من التهديدات المشتركة التي تواجه المنطقة، ومنها الإرهاب والأزمات الاقتصادية، إلا أن إسرائيل انفردت بالزعم بأن الهدف هو ردع إيران وفقط، عبر تحالف جماعي.
في المحطة الثالثة لجولة بايدن والتي ستكون بالمملكة العربية السعودية، ويلتقي خلالها بعدد من قادة الدول العربية (مصر، الأردن، العراق، دول مجلس التعاون الخليجي)، ربما سيكون الملف المهيمن على هذا اللقاء، هو ملف الطاقة. إذ يريد بايدن إقناع الدول العربية المنتجة للنفط والغاز بزيادة إنتاجها منهما، لتعويض النقص الحاد في الكميات المعروضة في الأسواق بسبب تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية. في المقابل، تريد الدول العربية من واشنطن أن تشارك في كبح الطموحات الإيرانية، وليس الإشراف على تشكيل تحالف عسكري-أمني يضم إسرائيل وهذه الدول في مواجهة إيران.
ورغم ظهور أنباء في الصحف الإسرائيلية عن اتفاقات في هذا الشأن بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، إلا أنه يجدر القول بعدم اليقين فيما يتعلق بوجهة نظر واشنطن من هذه القضية، حيث تدرك من ناحية أن إقامة مثل هذا التحالف لن تكون مسألة سهلة، سواء لرفض عدد من الدول العربية له، أو لرؤية إسرائيل لدور واشنطن في تأسيسه كمجرد دور رمزي ليس إلا.
بمعنى أكثر وضوحاً، قد تدرك إسرائيل أن زيارة بايدن للمنطقة لن تجلب لها مكاسب كبرى، طالما أن الدول العربية قد باتت قادرة على ممارسة ضغوط على واشنطن، بوضع الدعم العربي لوجهة نظر واشنطن في حل أزمة إمدادات الطاقة وتعاونها معها في هذا الملف، مقابل تهميش دور إسرائيل في المنطقة، وفرض ضغوط أمريكية أكبر على إيران لمنعها من تهديد جيرانها.
وتدرك إسرائيل أيضاً أن واشنطن لن تترك لها حرية الحركة في نشر ثقافة "السلام الإبراهيمي" في المنطقة، حيث ترى واشنطن أن "السلام الإبراهيمي" يجب ألا يكون بديلاً عن حل شامل للقضية الفلسطينية، ليكون أفضل تمهيد لإقامة تحالف شرق أوسطي قوي، ليس في وجه إيران تحديداً، بل في مواجهة أية أطماع لروسيا والصين للحلول محل الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط.
بناءً على النقاط السابقة، لا تتوقع إسرائيل حصد نتائج ذات أهمية من زيارة بايدن لها وللمنطقة، ولكنها ستسعى بكل قوة نحو تنمية العلاقات الأمنية مع الدول العربية بعيداً عن الإدارة الأمريكية، انتظاراً لتطورات مستقبلية أخرى قد تدفع الدول العربية لإعادة التفكير في إقامة التحالف الأمني مع إسرائيل بدون الاعتماد على الولايات المتحدة كضامن لأمنها ولأمن إسرائيل في وقت واحد.