تسود حالة من الجدل في المشهد السياسي الصومالي خلال الآونة الأخيرة بسبب ضبابية الموقف حول إمكانية إجراء حوار مع حركة الشباب المجاهدين لإنهاء سنوات من الصراع في البلاد، لا سيما بعدما أبدى الرئيس حسن شيخ محمود خلال مقابلة له مع صحيفة الإيكونوميست في 5 يونيو الجاري (2022) رغبته في بدء الحوار مع الحركة، لكن بعد تحرير المناطق التي تسيطر عليها في وسط وجنوب البلاد، قبل أن تعلن الحركة، في 16 من الشهر نفسه، على لسان عبد الرحمن أحمد ورسمي، نائب زعيم الحركة والشهير باسم مهد كرتاي، رفضها للتفاوض مع الحكومة الصومالية وسعيها للإطاحة بالنظام الحاكم، في الوقت الذي دعا فيه بعض الصوماليين إلى ضرورة المصالحة مع حركة الشباب وإمكانية دمجها في الحياة السياسية الصومالية، وذلك عقب إخفاق الحكومات المتعاقبة في تحييدها والقضاء عليها خلال السنوات الماضية.
أسباب الدعوة للحوار
كان لفشل المقاربة التي انتهجها الرئيس السابق محمد عبد الله (فرماجو) بشأن مواجهة حركة الشباب خلال فترة حكمه الممتدة من عام 2017 حتى عام 2022 دورًا بارزًا في تنامي الدعوات للحوار مع الحركة، خاصة عقب فوز الرئيس شيخ محمود بمنصب الرئاسة، والذي وعد بالعمل من أجل إجراء المصالحة الوطنية في البلاد، الأمر الذي اعتبره البعض فرصة جيدة لإشراك حركة الشباب في عملية المصالحة لكي تتخلى عن العنف[1]. ويمكن الإشارة إلى أبرز أسباب الدعوة للحوار بين الجانبين على النحو التالي:
1- استعادة الاستقرار: من خلال إجراء مصالحة وطنية شاملة تمهيدًا للعديد من التغييرات الجذرية في الصومال التي تعاني على مدار أكثر من 15 عام من تهديدات حركة الشباب التي تلعب دورًا مهمًا في زعزعة الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي في البلاد. ويربط البعض بين عودة الاستقرار الأمني وتأثيره الإيجابي على الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد، خاصة أن هناك إدراكًا بأن البديل للحوار مع حركة الشباب هو استمرار القتال في مناطق المواجهة بين القوات الصومالية وعناصر الحركة؛ مما قد يهدد بفشل الدولة الصومالية.
2- إعادة دمج حركة الشباب في المجتمع: فهي تمثل فرصة لقادة الحركة للخروج الآمن وعدم الملاحقة الأمنية وربما الانخراط في الحياة السياسية في البلاد. فضلًا عن انخراط عناصرها الذين يتراوح عددهم بين 4000 عنصر و7000 عنصر في المجتمع الصومالي والحياة العامة، وهو ما يعني استعادة الصومال سيطرتها على المناطق الخاضعة لنفوذ الحركة.
3- فشل المقاربة الأمنية والعسكرية: لم تفلح الحكومات السابقة في هزيمة الحركة عسكريًّا بالرغم من انخراط بعثة الاتحاد الأفريقي لحفظ السلام (أميصوم) -التي تغير اسمها إلى بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال (أتميس)- في مواجهة الحركة. بالإضافة إلى تقديم الدعم الغربي لا سيما الولايات المتحدة للصومال على الصعيد العسكري في شكل تدريبات عسكرية ودعم لوجستي والضربات الجوية المستمرة منذ سنوات. إلا أن ضعف القوات الصومالية على مستوى الكفاءة والتدريب والولاء يظل عائقًا أمام الدولة الصومالية في تحقيق انتصار حاسم على عناصر حركة الشباب في المناطق التي تسيطر عليها.
4- تصاعد نشاط الحركة في مناطق سيطرتها: وهو مرتبط بالشقين العسكري والخدمي وانعكاس ذلك على رفع تكلفة الحرب مع الحركة. إذ تحافظ الحركة على نفوذها في المناطق الريفية في جنوب ووسط البلاد، كما تتورط في هجمات إرهابية على المدن والبلدات التي تخضع لسيطرة الحكومة المركزية. وتصف واشنطن حركة الشباب بأنها الأشد فتكًا بين التنظيمات الإرهابية في العالم وأفريقيا خلال العامين الماضيين. وفي نفس الوقت، تمكنت الحركة من تأمين موطئ قدم ثابت لها في مناطق سيطرتها لكونها تقدم بعض الخدمات الأساسية للمجتمعات المحلية تفوق ما تقدمه الحكومة المركزية.
5- سرعة إنهاء مهام بعثة أتميس في البلاد: بحيث تتولى القوات الصومالية المهام الأمنية في البلاد قبل نهاية عام 2024، خاصة أن بعض الدول الأفريقية المشاركة في البعثة ترغب في الانسحاب بسبب طول مدة بقائها هناك وتعرضها للهجمات الإرهابية من قبل عناصر الحركة. وإن كان ذلك يتطلب تكثيف التدريب العسكري للقوات الصومالية لرفع كفاءتها وقدراتها القتالية.
6- وضع حد للتدخلات الخارجية: مثلت الحرب على حركة الشباب مدخلًا مهمًا لعدد من الدول والقوى الإقليمية والدولية لتعزيز نفوذها وحضورها في الصومال على مدار العقدين الماضيين، الأمر الذي ورط مقديشيو في الانضمام إلى بعض التحالفات الإقليمية التي أثرت سلبًا على علاقاتها مع بعض حلفائها الاستراتيجيين خلال السنوات الأخيرة.
رؤية الطرفين لدعوات الحوار
هناك اتجاه يرى أن انتخاب الرئيس حسن شيخ محمود يمثل فرصة لإعادة التفكير في نهج الحرب على حركة الشباب؛ مما قد يؤدي إلى نتائج مختلفة عن السنوات السابقة، خاصة مع صعود رئيس جديد للبلاد بعد حقبة فرماجو. فقد صرح مستشار الأمن القومي الصومالي بأن حركة الشباب يمكن هزيمتها في ظل الظروف المناسبة، وهو ما قد يدفع الفريق الجديد للرئيس شيخ محمود إلى تنشيط المواجهة العسكرية مع الحركة لزيادة الضغط عليها وتطويق نشاطها في معظم أنحاء البلاد، ثم الدفع نحو إطلاق حوار معها لإلقاء السلاح والاندماج في المجتمع الصومالي والحياة السياسية الصومالية. وإن كان هذا الطرح يواجه بعض التحديات التي قد تعرقل نجاحه على رأسها بطء عملية تطوير القطاع الأمني في الصومال، وهو ما يعزز موقف حركة الشباب في الساحة الصومالية.
كما تسود بعض المخاوف لدى هذا التيار من انخراط الحركة في الحياة السياسية بما يرجح اضطلاعها بأدوار رئيسية محتملة في النظام السياسي. وربما تواجه الحكومة الصومالية ضغوطًا أمريكية للتخلي عن فكرة الحوار مع حركة الشباب خوفًا من تكرار تجربة حركة طالبان في أفغانستان، وما يرتبط به من زعزعة لأمن واستقرار القرن الأفريقي.
بينما يرى اتجاه آخر فتح قنوات اتصال مع قادة الحركة لاختبار قبول الدخول في محادثات رسمية، ويمكن الاستفادة من وساطة شيوخ القبائل لبناء الثقة بين الجانبين، وذلك بهدف وقف استنزاف مقدرات الدولة الصومالية، وإنهاء حالة الفوضى التي تتسبب فيها حركة الشباب، واستعادة حالة الاستقرار إلى البلاد[2]. فيما يواجه هذا التيار معارضة من قبل بعض أصحاب المصالح المحليين الذين يرون في احتضان حركة الشباب ودمجها في الحياة السياسية تهديدًا لمصالحهم، كما قد تدفع نحو بدء عمليات انتقامية من قبل الحركة ضد بعض الأطراف الفاعلة الأخرى في المشهد الصومالي، مما قد يعيد الوضع إلى المربع الأول.
أما على الجانب الآخر، يرتبط رفض حركة الشباب المجاهدين لفكرة الحوار مع الحكومة الصومالية بعدد من الأسباب والدوافع تتمثل أبرزها في:
1- العامل الأيديولوجي الحاكم للحركة: والتي تصف الحكومة الصومالية بأنها مجموعة من المرتدين الذين يخدمون مصالح القوى الأجنبية. لذلك؛ هي ترفض التفاوض معها، وتسعى إلى الإطاحة بالنظام الحاكم في البلاد بهدف قيام دولة تقوم على مبادئ الشريعة الإسلامية وفقًا لرؤيتها. وتحافظ الحركة على ولائها لتنظيم القاعدة العالمي وتقدم نفسها على أنها ممثل إقليمي له في شرق أفريقيا، فضلًا عن كونها جزءًا من الحركة الجهادية العالمية، وبالتالي قرار التفاوض يمر بأكثر من مستوى في هيكل التنظيم العالمي.
2- تماسك الحركة وإحساسها بقوتها: فرضت الحركة نفسها كفاعل رئيسي حاكم في الصومال من خلال سيطرتها على مناطق عدة في الوسط والجنوب، وهو ما جعلها ترى في نفسها الطرف الأقوى في البلاد، نظرًا لتماسكها وترابطها بدرجة أكبر من خصومها المحليين، ولكونها قادرة على فرض الضرائب وممارسة النفوذ في مناطق عديدة، فضلًا عن ارتباطها بالمجتمع الصومالي من خلال الروابط العائلية والتجارة.
3- عدم الرغبة في خسارة نفوذها: ترى الحركة في التفاوض مع الحكومة المركزية خسارة لنفوذها المحلي والإقليمي، خاصة في ظل تشككها في نوايا النظام الحاكم الذي قد يتحيّن الفرصة ليقضي عليها. كما أن خضوعها للحكومة الصومالية قد يؤدي إلى خسارتها للدعم المالي الذي تتلقاه من جهات مختلفة، والذي قد بلغ نحو 180 مليون دولار في عام 2020 وفقًا للتقديرات الأمريكية، والتخلي عن التجارة في بعض الموارد مثل الفحم الذي يدر عليها نحو 40 مليون سنويًّا[3].
إجمالًا، يبدو عامل الوقت مهمًا بالنسبة لكلا الجانبين؛ إذ إن إخفاق الحكومة الصومالية في تعزيز قدراتها الأمنية وكفاءتها القتالية بهدف تحييد حركة الشباب من شأنه مضاعفة تكلفة الحرب، وتوسيع دائرة العنف والتهديدات الأمنية في البلاد، وهو ما قد يهدد شعبية نظام الرئيس حسن شيخ محمود ويوسع حجم المعارضة السياسية له، الأمر الذي يتطلب نجاح الرئيس شيخ محمود في تجاوز جميع التحديات التي تواجه حكومته من أجل كسر شوكة الحركة بما في ذلك توحيد الجبهة الداخلية وإعادة هيكلة المؤسسات الحكومية والأمنية، وتعزيز قدرات قواته الأمنية والعسكرية، وتوسيع الاستفادة من الدعم الإقليمي والدولي.
بينما يقل اهتمام الحركة بالتفاوض مع الحكومة المركزية على الأقل في هذه المرحلة، لإدراكها بأن كسب المزيد من الوقت يمنحها المزيد من النفوذ في الداخل الصومالي وسط استمرار الخلل الحكومي، وأملًا في الوصول للحظة انسحاب القوات الأفريقية من البلاد لكي تنقض على الحكم في مقديشو بعد الإطاحة بالنظام الحاكم. وهو ما قد يكرر تجربة حركة طالبان في أفغانستان الذي ربما يمثل سابقة في أفريقيا تفضي إلى مزيد من زعزعة الأمن والاستقرار الإقليمي والقاري خلال المرحلة المقبلة.
[1]. Considering Political Engagement with Al-Shabaab in Somalia, Crisis Group, 21 June 2022, available at: https://bit.ly/3Oykk8h
[2]. Susan Stigant, Somalia’s Critical Transition Comes amid al-Shabab and Hunger Challenges, United States Institute of Peace, 1 June 2022, available at: https://bit.ly/3xFslkU
[3]. Jack Detsch, Somalia’s al Qaeda Branch Has Gotten ‘Bigger, Stronger, and Bolder’ Since U.S. Exit, Foreign Policy, 26 May 2022, available at: https://bit.ly/3ycVRQD