صافيناز محمد أحمد

خبيرة متخصصة فى الشئون السياسية العربية ورئيس تحرير دورية بدائل - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

تتعدد أشكال العنف والتمييز التى تتعرض لها المرأة، سواء داخل الأسرة أو خارجها؛ حيث تتعرض المرأة -خارج الأسرة- لأشكال ومستويات مختلفة من العنف؛ كالتحرش اللفظى والجسدى فى الشارع، أو فى المواصلات العامة، أو فى أماكن العمل العام والخاص. كما يعد التمييز ضدها على أساس النوع فى بيئة العمل بينها وبين زملائها الرجال من أنواع العنف الممنهج، حيث أصبح التمييز ضدها بشأن تولى المناصب الإدارية والتنفيذية العليا، وصولا إلى التمييز ضدها فى تولى الوظائف النوعية، لاسيما بعض الوظائف القضائية والسيادية، وبعض وظائف العمل الشُرطى، أمرا شائعا ومتداولا وكأنه بات «عرفًا وظيفيًا» يجب على المرأة الامتثال له كأنه أمر واقع لا محالة من تغييره دون اعتبار لكفاءتها الوظيفية التى تجعلها جديرة بهذه الوظائف النوعية. أما داخل الأسرة فالأمر يتجاوز فى خطورته ما تواجهه المرأة من عنف خارجها؛ حيث تتعرض المرأة لأقسى أنواع العنف اللفظى والجسدى؛ نتيجة قيام ذكور بعض الأسر؛ سواء كانوا أزواجا أو أخوة أو آباء، بممارسة قدر كبير من العنف ضد النساء من الزوجات أو البنات أو الأخوات، بدءًا من الضرب المبرح، مرورًا بالمنع من التعليم، أو العمل، أو الاستيلاء على دخلها الخاص، أو حرمانها من حقها فى الميراث الذى تقره قواعد الدين الشرعية، وصولا إلى أعنف درجات العنف وهو القتل.

وتتعدد أيضا العوامل الكامنة وراء انتشار ظاهرة العنف ضد المرأة، من بينها؛ وجود منظومة بالية من العادات والتقاليد المتوارثة التى تجعل من اضطهاد المرأة –داخل الأسرة وخارجها– أمرا معتادا، بل وتساعد هذه المنظومة بما لديها من «قوة العُرف» فى شرعنة العنف الذى يمارسه الرجل بحكم موقعه فى الأسرة كزوج، أو أب، أو أخ ضد نساء الأسرة. يضاف إلى ذلك انخفاض مستوى الوعى لدى العديد من الأسر تجاه حقوق المرأة، لاسيما حقها فى المساواة، عطفًا على غياب القوانين الرادعة لمن يمارسون العنف ضدها، أو لمعاقبة من يتجاوز حقوقها الاجتماعية التى يمنحها لها الشرع والقانون.

وترتفع معدلات العنف الممارس ضد المرأة فى المجتمع المصرى بصورة «مخيفة» تُقرع على آثارها أجراس الإنذار؛ فوفقا لبيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، بلغت التكلفة الاقتصادية للعنف ضد المرأة 2 مليار و17 مليون جنيه مصرى خلال عام 2015. كما أوضحت دراسة للمجلس القومى للمرأة بعنوان «العنف ضد النساء فى مصر»، صدرت عام 2020، أن 28% من النساء تعرضن للعنف الجسدى من جانب أزواجهن، وأن معدلات العنف النفسى تتزايد بدورها ، حيث أقرت الدراسة أن من بين كل خمسة رجال أربعة مارسوا «عنفا نفسيا» ضد الزوجات علاوة على ما رصدته الدراسة من نتائج مروعة بشأن ممارسة الأشقاء الذكور والآباء عنفا جسديا ضد أخواتهن وبناتهن. وهنا تحديدا لا يوجد رادع قانونى فعال لحماية المرأة داخل أسرتها من العنف الموجه إليها من قبل الزوج، أو الأب، أو الأخوة، حيث تُستغل الثغرات القانونية عند تطبيق المادة 60 من قانون العقوبات تحديدا إذا كانت جرائم العنف داخل الأسرة تتعلق بـ «تأديب» المرأة، أو تتعلق بـ «جرائم الشرف». الأمر الذى يزيد من مختلف أنواع التجاوزات ضد حقوق المرأة داخل الأسرة وخارجها.

هذا الأمر يفرض على المسئولين عن السلم الاجتماعى فى مستوياته الأسرية ضرورة اتخاذ الإجراءات والتدابير الكفيلة بمعالجة مثل هذه التجاوزات فى حق المرأة، على أن تبدأ من مستوى تعريف المرأة نفسها بحقوقها الاجتماعية داخل الأسرة وخارجها، مرورا بتوعية الآخر النوعى بحقوقها فى البيت والعمل والذمة المالية الخاصة، وصولا إلى «تجريم» التجاوزات اللفظية والجسدية فى حقها، وذلك عبر حزمة متكاملة من التشريعات والقوانين الكفيلة بإعادة حقوق المرأة والتوعية بشأنها لتتصدر نمط العلاقة التفاعلية التى تربط المرأة بأسرتها من ناحية، وبمحيطها المجتمعى من ناحية ثانية، وبالثقافة المجتمعية من ناحية ثالثة وأخيرة.

ويعد دخول المرأة جهاز الشرطة المصرية منذ ثمانينيات القرن الماضى تجربة رائدة فتحت مجالات عمل غير معتادة أمام المرأة ، ورغم ذلك تعرضت تجربة اندماج المرأة فى مسيرة العمل الشُرطى لعدة عثرات، وصولا إلى عام 2014، حينما تم إنشاء وحدة متخصصة لمتابعة جرائم العنف ضد المرأة، ثم التوسع بقبول الفتيات من خريجات الجامعات فى أكاديمية الشرطة، وتدريبهن بما يؤهلهن للقيام بمختلف المهام المتعلقة بمكافحة العنف.      

انطلاقا من ذلك، تقدم أ. رابحة سيف علام، الخبيرة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، دراسة بعنوان «دور الشرطة النسائية فى الحماية من العنف ضد المرأة» تطرح فيها سبل إدماج المرأة فى العمل الشرطى المؤسسى، لاسيما فى مجال مكافحة العنف المبنى على النوع (الجندرية)، وتحديدا العنف ضد المرأة، كما تحلل استراتيجيات هذا الدمج التى تتنوع بين «الإدماج المركز» للنساء فى العمل الشرطى و«الإدماج الموسع» بما يعزز الاستفادة من جهود النساء فى المؤسسة الأمنية.

وقد خلصت الدراسة إلى إن الإرادة السياسة لتمكين المرأة المصرية وحمايتها من العنف المبنى على النوع إرادة جادة وراسخة تعززت، فى السنوات القليلة الماضية، من خلال إصدار وتعديل العديد من التشريعات التى تضمن حماية المرأة من العنف، وتعزز التمكين السياسى والاقتصادى والمؤسسى لها.

وتبقى استراتيجيات مواجهة العنف ضد المرأة لعام 2015، وتمكين المرأة فى رؤية مصر 2030 شاهد عيان على هذه الإرادة، وقد تعززت أخيرًا بإصدار الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان 2021-2026. إلا أن التنفيذ الفعلى لهذه الاستراتيجيات والتشريعات، المهمة للغاية، يبقى رهنًا بترجمتها من خلال التطوير المؤسسى فى مختلف مؤسسات الدولة.