قضايا وتحليلات - أفريقيا 2022-6-18
د. أحمد عسكر

باحث مشارك - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

أعلن آبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي، خلال خطاب له أمام البرلمان الإثيوبي في 14 يونيو الجاري (2022) عن تشكيل لجنة تتولى دراسة ملف مفاوضات السلام مع جبهة تحرير تيجراي على أن يقودها ديميكي ميكونين نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية، وذلك في تطور جديد قد يمهد لتنفيذ عملية السلام في الداخل الإثيوبي بعد صراع ممتد منذ نوفمبر 2020 في إقليم تيجراي شمالي البلاد، وفي أول تأكيد علني لإجراء محادثات بين الطرفين، في وقت استبعد فيه الكثيرون إجراء أي حوار أو مصالحة في البلاد بين آبي أحمد وقادة تيجراي بسبب الخلافات الأيديولوجية والسياسية بينهما، والخسائر العديدة التي تكبدها الطرفان خلال فترة الصراع وتداعياتها المستمرة حتى وقتنا الراهن، وهو أمر ربما يقود إلى تغييرات جوهرية على صعيد تحالفات آبي أحمد الداخلية والإقليمية، ومستقبل الدولة الإثيوبية خلال الفترة المقبلة.

السياق الحاكم في المشهد الإثيوبي الراهن

سادت حالة من الجدل في الأوساط الإثيوبية بعد صدور تقرير نشرته صحيفة لوموند الفرنسية في 9 يونيو الجاري (2022) حول انعقاد اجتماعات سرية تجري بين الحكومة الإثيوبية وقادة جبهة تحرير تيجراي بهدف التوصل لاتفاق بين الطرفين من شأنه إنهاء الصراع الدائر في البلاد، واحتمال بدء محادثات مباشرة بينهما في نهاية يونيو الجاري في مدينة أروشا بتنزانيا. واستندت الصحيفة إلى عدة مؤشرات تبرر قرب توقيع اتفاق السلام على رأسها تدفق المزيد من المساعدات الإنسانية إلى إقليم تيجراي في الشمال الإثيوبي، وفتح المعابر لوصول المساعدات، إضافة إلى إحراز أولوسيغون أوباسانجو، المبعوث الخاص للاتحاد الأفريقي إلى القرن الأفريقي، تقدمًا ملحوظًا بخصوص تقريب وجهات النظر خلال جولاته المتكررة بين العاصمتين أديس أبابا وميكيلي خلال الشهور الأخيرة في محاولة لإطلاق حوار بين الأطراف المتصارعة[1].

وعزز من هذه الحالة لدى الرأي العام الإثيوبي في البداية نفي كل من الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير تيجراي ما جاء في هذا التقرير من معلومات واعتبارها مضللة، في إشارة إلى تعقد الوضع القائم بينهما. قبل أن يشهد الملف تطورات متسارعة بإعلان آبي أحمد نية حكومته إجراء التفاوض مع جبهة تحرير تيجراي لإنهاء الصراع في شمال البلاد، وإعلان ديبرتسيون جبرمايكل، زعيم الجبهة، استعداده للدخول في محادثات سلام مع الحكومة الفيدرالية على أن تكون حكومات الولايات المتحدة والإمارات والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي جزءًا من تلك المفاوضات[2].

وثمة مؤشرات تعزز هذا الطرح على رأسها تمديد الحكومة الفيدرالية للهدنة الإنسانية غير المحددة وهو ما سمح بتدفق مساعدات إنسانية إلى إقليم تيجراي في أواخر مايو الماضي بكميات أكبر لأول مرة منذ يوليو 2021 والتي بلغت نحو 1100 شاحنة بالمساعدات إلى المناطق المتضررة في شمال البلاد وتنفيذ نحو 236 رحلة جوية بين أديس أبابا وميكيلي لأغراض إنسانية قدمتها 95 منظمة إنسانية. بالإضافة إلى التزام قوات دفاع تيجراي بقرار وقف إطلاق النار. كما افترضت الحكومة الفيدرالية عند تقديم مشروع الميزانية المالية الجديدة للبرلمان الإثيوبي بأنه لن تكون هناك حرب في شمال إثيوبيا، وربما تحصل منطقة تيجراي على نصيبها من الميزانية الجديدة البالغ 12 مليار بر إثيوبي[3]، الأمر الذي قد يواجه معارضة داخلية من بعض الأطراف المحلية والإقليمية الرافضة لإدماج جبهة تحرير تيجراي في المشهد السياسي الإثيوبي مجددًا مثل قومية أمهرة التي تمثل الحليف الرئيسي لآبي أحمد في الداخل الإثيوبي، إضافة إلى حليفه الإقليمي الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، وهو ما قد ينذر بتحولات لافتة بشأن تحالفات آبي أحمد في المدى المنظور.

ومع ذلك، لا يزال المشهد الأمني في إثيوبيا يتسم بالمزيد من الاضطراب والتعقيد نتيجة حالة الانفلات الأمني، في ضوء استمرار الاشتباكات المسلحة في شمال البلاد بين قوات دفاع تيجراي وميلشيات إقليم أمهرة من جانب، والقوات الخاصة في إقليم عفر التي تسيطر فيه تيجراي على ست مقاطعات منذ ديسمبر 2021 من جانب آخر، وفي ظل غياب للقوات الفيدرالية عن ساحة القتال[4]، مما يزيد الشعور بتخلي آبي أحمد عن كل من أمهرة وعفر، وهو ما يخصم من شعبيته هناك. فضلًا عن بدء حكومة أمهرة عمليات إنفاذ القانون التي تستهدف قادة ميليشيا فانو والتي أسفرت عن اعتقال أكثر من 4000 عنصر منهم عسكريين وصحفيين، بالتزامن مع اشتباكات مسلحة اندلعت بين القوات الفيدرالية والجماعات المسلحة في أمهرة، ومحاولة نزع السلاح من ميلشيا فانو بالقوة[5].

وقد يتسبب ذلك في تزايد حالة السخط من آبي أحمد في أمهرة، خاصة أن ثمة رواية يتم ترويجها هناك تتهم آبي أحمد بأنه عميل سري للأورومو لتقويض قومية أمهرة والوحدة الإثيوبية، في المقابل، قد تتحسن صورته في بعض المناطق الأخرى مثل أوروميا، إضافة إلى بناء بعض الثقة مع قادة تيجراي. كما شهدت بعض المناطق الإثيوبية الأخرى بعض الاشتباكات المسلحة مثل إقليم بني شنقول-جوموز. فيما شنت قوات مشتركة من جيش تحرير أورومو OLA وجبهة تحرير جامبيلا GLF هجومًا ضد القوات الإقليمية في مدينة جامبيلا في 16 يونيو 2022، قبل أن تقوم بصدها القوات الفيدرالية الإثيوبية التي تشن حملة عسكرية منذ أبريل 2022 في منطقة أوروميا ضد قوات جيش تحرير أورومو، مما أسفر عن سقوط ضحايا مدنيين وتورطها في عمليات قتل خارج نطاق القانون.

وتشهد المنطقة الصومالية الإثيوبية بعض الاضطرابات السياسية نتيجة التنافس السياسي بين الحزب الحاكم وجبهة أوجادين للتحرير الوطني، الأمر الذي قد يقوض أي جهود من أجل تحقيق السلام والاستقرار في البلاد. ناهيك عن استهداف القوات الإريترية منطقتي عدي أوالا وشيرارو في شمال غرب تيجراي خلال الفترة بين 24 – 31 مايو 2022[6]، مما أثار المخاوف من تجدد الاقتتال على نطاق واسع في المنطقة، خاصة في ظل اعتقاد وترويج النظام الإريتري لقيام جبهة تحرير تيجراي بإعداد تجهيزات عسكرية متقدمة من أجل الهجوم الشامل على إريتريا، مما دفعه للتأكيد على أن أسمرة لن تقف مكتوفة الأيدي دفاعًا عن سيادتها.

دوافع آبي أحمد

يمكن الإشارة إلى أبرز الأسباب التي دفعت آبي أحمد إلى تغيير موقف نظامه إزاء إجراء حوار مع جبهة تحرير تيجراي على النحو التالي:

1- إنهاء مرحلة "لا سلم لا حرب" في البلاد: فعلى الرغم من انسحاب قوات دفاع تيجراي من ساحة القتال في ديسمبر 2021 والدخول في هدنة لوقف إطلاق النار بين المتحاربين في شمال البلاد، إلا أن المشهد الأمني في البلاد لا يزال هشًّا، ويواجه العديد من التحديات والمخاطر حول احتمال تجدد الصراع في أي وقت نتيجة حالة الاستقطاب المتصاعدة بين بعض الأطراف على الساحة الإثيوبية مثل قوميات تيجراي وعفر وأمهرة بالإضافة إلى التورط الإريتري عسكريًّا في شمال البلاد.

2- إدراك صعوبة حسم الصراع عسكريًّا: وهو ما جعل آبي أحمد يبدو أكثر انفتاحًا للدخول في مفاوضات رسمية لإحلال السلام في البلاد. إذ يبدو أن الحكومة الإثيوبية قد فقدت اهتمامها بمواصلة الحرب في إقليم تيجراي، خاصة أنه لا توجد أي استعدادات هجومية أو دفاعية في المنطقة خلال الفترة الأخيرة. وفي المقابل، التزمت جبهة تحرير تيجراي بوقف إطلاق النار ضد القوات الحكومية خلال الشهور الست الأخيرة، وهو ما قد يعزز سبل التوصل لاتفاق سلام في البلاد.

3- دعم شعبية آبي أحمد في الداخل الإثيوبي: من خلال تقديم نفسه على أنه صانع السلام في البلاد، ومنقذها من الانقسام والتشرذم، الأمر الذي قد يعزز صورة وشعبية الحزب الحاكم في البلاد، ويُكسب آبي أحمد ثقلًا سياسيًّا في الداخل يصعب معه تهديد أركان حكمه خلال الفترة المقبلة.

4- فك الارتباط بين أمهرة والنظام الإريتري: بات آبي أحمد يشعر بالقلق من تزايد نفوذ أفورقي في الداخل الإثيوبي وانتشار قواته في بعض المناطق شمالي البلاد، وضغط تحالف أمهرة-أفورقي عليه وتقاربهما بشكل لافت خلال الفترة الأخيرة، خاصة في ظل توافق رؤيتهما بشأن ضرورة القضاء على جبهة تحرير تيجراي، وقلقهما من التقارب المحتمل بين آبي أحمد والجبهة من خلال الشروع في توقيع اتفاق سلام محتمل بينهما، الأمر الذي يدفعهما إلى محاولة إفشال هذا الاتفاق بدفع الأوضاع نحو اندلاع الصراع مجددًا في شمال إثيوبيا. وهو ما لا يرغب فيه آبي أحمد الذي يدرك مدى صعوبة تجدد الحرب مع إقليم تيجراي في ضوء تزايد الضغوط الاقتصادية والأمنية على بلاده، فضلًا عن تصاعد الضغوط الدولية لإنهاء الصراع بشكل نهائي.

5- احتواء جبهة تحرير تيجراي: لا تزال جبهة تحرير تيجراي تشكل عقبة كؤود أمام طموحات آبي أحمد السياسية في البلاد، ومع فشله في القضاء عليها عسكريًّا، سيحاول آبي أحمد احتواءها سياسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا، فهو لا يزال يخشى قدرة تيجراي على إعادة بناء قوتها العسكرية والاستعانة بمساعدات عسكرية خارجية، مما قد يهدد حكمه، ويُصعِّد من حالة عدم الاستقرار في البلاد.

6- تخفيف حدة الضغوط الأمريكية: يخشى نظام آبي أحمد مزيدًا من العقوبات الأمريكية الإضافية خاصة بعد موافقة لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي بأغلبية كبيرة في أبريل 2022 على مشروع قانون يهدف إلى فرض عقوبات على إثيوبيا والمعروف باسم قانون السلام والاستقرار الإثيوبي لعام 2022، والذي يخول الإدارة الأمريكية بتعليق المساعدات المالية والعسكرية لإثيوبيا، ومعاقبة المسئولين المتورطين في استمرار الصراع في البلاد[7].

7- تحسين الصورة أمام المجتمع الدولي: يسعى رئيس الوزراء الإثيوبي إلى الخروج من دائرة الانتقادات الدولية من قبل بعض القوى الدولية من أجل استئناف المساعدات الدولية لإنعاش الاقتصاد الإثيوبي، وهو ما دفعه إلى إرسال بعض الوفود الإثيوبية لأوروبا في محاولة لتحسين صورته أمام قادتها كما في زيارة جيديون تيموثيوس وزير العدل الإثيوبي، إلى العاصمة البلجيكية بروكسل في 15 يونيو 2022 لعقد محادثات مع يانيز لينارسيتش المفوض الأوروبي لإدارة الأزمات، والتأكيد على التزام الحكومة الإثيوبية بوصول المساعدات الإنسانية إلى إقليم تيجراي، والجهود المبذولة لتقديم مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان للعدالة في البلاد[8]، وهو ما برز في إعلان كل من فرنسا وألمانيا ترحيبهما ودعمهما للحوار الوطني الإثيوبي ومبادرات بناء السلام في إثيوبيا.

تداعيات محتملة

بافتراض تسوية جميع الأسباب الجذرية التي تسببت في اندلاع الصراع الإثيوبي وتقديم التنازلات من قبل الطرفين من أجل إجراء محادثات سلام ناجحة بين نظام آبي أحمد وجبهة تحرير تيجراي، ربما يواجه نظام آبي أحمد بعض التداعيات المحتملة التي قد تؤثر على استقراره -ولو نسبيًّا- على رأسها تعميق الخلاف مع حليفه الرئيسي في الداخل وهو قومية أمهرة التي تطالب بالقضاء نهائيًّا على جبهة تحرير تيجراي، وعارضت من قبل وقف آبي أحمد للعمليات العسكرية ضد قوات دفاع تيجراي في ديسمبر 2021، والإفراج عن بعض قيادات تيجراي من السجون في يناير 2022.

وتتزايد مخاوف أمهرة من بدء المحادثات والتقارب بين آبي أحمد وقادة تيجراي، مما قد يعني دعم آبي لجبهة تحرير تيجراي في نزاعها مع أمهرة حول الأراضي التي استولت عليها الأخيرة عقب اندلاع الحرب في تيجراي، وهو ما قد يدفع قادة أمهرة إلى إنهاء تحالفها مع آبي أحمد وفك الارتباط بينهما، على نحو يعني انكشاف نظام آبي أحمد نتيجة غياب الظهير الشعبي، مما قد يدفعه إلى نسج تحالفات جديدة قد تضم أورومو وتيجراي في حال التوصل لاتفاق سلام معها.

أما على الصعيد الإقليمي، فقد يتزايد شعور الرئيس الإريتري أسياس أفورقي بالعزلة نتيجة فقدان حليفه الرئيسي في المنطقة في مواجهة جبهة تحرير تيجراي منفردًا، وهو ما قد يهدد العلاقات بين آبي وأفورقي بمزيد من الفتور، على نحو قد يؤثر سلبًا على اتفاق السلام الهش بين البلدين. كما يهدد استقرار المنطقة بسبب مخاوف أفورقي من تسلح جبهة تحرير تيجراي لشن هجوم شامل على بلاده من أجل إسقاط نظامه، بشكل قد يعجل باندلاع حروب مستقبلية في القرن الأفريقي.

وإجمالًا، يتوقف نجاح الحوار الوطني في إثيوبيا على توافر الإرادة السياسية لدى نظام آبي أحمد، وحرص الأطراف المشاركة في الحوار على تقديم التنازلات الكافية بهدف إنجاحه، لربما ينهي صراعًا ممتد منذ أكثر من 20 شهرًا، وهو ما قد يلقي بظلاله على دعم استقرار الدولة الإثيوبية ومستقبلها خلال الفترة المقبلة.


[1]. Noé Hochet-Bodin, En Ethiopie, des négociations s’organisent en coulisse entre le gouvernement et les rebelles du Tigré, Le Monde, France, 9 June 2022: https://bit.ly/3xBJYCe

[2]. TPLF says “ready to dispatch a high-level delegation ”for a peace talk with the Ethiopian gov’t, Borkena, 15 June 2022, available at: https://bit.ly/3xXzZZu

[3]. Ethiopia Breaking News: Secret negotiations between PM Abiy Ahmed’s gov’t and TPLF to take place in Tanzania, Horn Daily, 13 June 2022, available at: https://bit.ly/3zGzofR

[4]. Fred Harter, Ethiopia: Afar region the new front in the civil war as Tigray violence subsides, The Africa Reporter, 25 February 2022, available at: https://bit.ly/3xZMIuz

[5]. Giulia Paravicini, Eritrean troops shell town in north Ethiopia - U.N, Reuters, 31 May 2022, available at: https://reut.rs/3xrN3Vu

[6]. Buli Edjeta, Imperial ambition is the main hurdle to peace in Ethiopia, Ethiopia Insight, 4 June 2022, available at: https://bit.ly/3y1rtc3

[7]. Katie Miernicki, U.S. prepares new sanctions targeting Ethiopia, Eritrea in latest destabilization push, Liberation, 4 April 2022, available at: https://bit.ly/3xC8pj5

[8]. EU Appreciates Improving Situation in Northern Ethiopia, Ethiopian Monitor, 16 June 2022, available at: https://bit.ly/3tJqkmF