قضايا وتحليلات - قضايا وتفاعلات عربية وإقليمية 2022-6-12
شروق صابر

باحثة مشاركة - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

تصاعدت داخل إيران، على مدار السنوات الأخيرة، أزمة ثقة نابعة من عدم تنفيذ رؤساء الجمهورية المتعاقبين وعودهم المتعلقة بالإصلاحات الاقتصادية وتحسين الأوضاع المعيشية، وارتفع منحنى عدم الثقة عندما قررت الحكومة الحالية تقليص دعم أسعار السلع الأساسية، في إطار تعديل لبرنامج دفع المعونات الحكومية، وبدأت الخطة برفع الدعم عن أسعار القمح ما أدى إلى زيادة أسعار سلع تعتمد عليه بنسبة وصلت 300%.

وقد أثار هذا القرار استياء المواطنين الذين يعانون من تردى الأوضاع المعيشية، وقاموا بتنظيم احتجاجات رافضة له بدأت أوائل مايو 2022، في عدد من المدن بينها الأحواز، وأردبيل، ولورستان، وخراسان، وتشار محال وبختياري. ويواجه الرئيس الإيرانى إبراهيم رئيسى في تعامله مع تلك الاحتجاجات تحديات عديدة، أبرزها ما يتعرض له من انتقادات حتى من داخل تياره الأصولى، لاسيما أن ذلك يتزامن مع تعثر المفاوضات النووية، وتزايد ظاهرة الاختراقات الأمنية.

وضع داخلى متأزم

تعد الاحتجاجات التى تشهدها الساحة الإيرانية الآن، هى الثانية في عهد رئيسي، الذى لم يكمل عاماً على تواجده بمبنى باستور حتى الآن، وذلك بعد المظاهرات التي اندلعت أواخر العام الماضي؛ احتجاجاً على أزمة المياه. وجاءت الاحتجاجات الأخيرة اعتراضاً على قرار الحكومة برفع الدعم عن أسعار السلع الأساسية، فى وقت يعانى فيه المواطنون من تردى الأوضاع المعيشية. فبخلاف الوعود التى أطلقها رئيسى فى خطابه الأول بعد إعلان فوزه فى يونيو 2021، والخاصة بتحسين الأوضاع المعيشية باعتبارها أولوية بالنسبة له، تفاقمت تلك الأوضاع وازدادت سوءاً، ودخلت إيران فى أزمة اقتصادية صعبة أدت إلى زيادة معدل التضخم الرسمى ليصل إلى نحو 40%، ويتجاوز 50% فى بعض التقديرات، وارتفاع معدل البطالة إلى 10%، فى وقت يعيش فيه نصف سكانها تحت خط الفقر.

فقد اتخذت الحكومة خطوات تنفيذية بداية شهر مايو 2022، للعمل بخطة خفض الدعم المخصص للسلع الغذائية، في سياق ما يوصف بـ"الدولار الحكومي"، وفقاً لخطة الموازنة العامة التي أقر البرلمان الإيراني خطوطها العريضة في يناير الماضي، رغم تحذيرات الخبراء من تداعياتها السلبية على التضخم. وبدأت الحكومة خطة التخلي عن دعم الدولار المخصص للسلع الغذائية، وكان القمح أول هذه السلع، ما رفع سعر الطحين، ووصل سعر الخبز إلى عشرة أضعاف، قبل أن تعلن وزارة الداخلية الإيرانية رسمياً رفع أسعار الألبان وزيت الطهي والبيض والدجاج[1].

وأرجع رئيسى نهج الحكومة فى الملف الاقتصادى إلى محاربة الفساد، وكان قد ذكر سابقاً: "إن تلك القرارات ربما لا يوافق عليها البعض، لكن لا عيب فى إلقاء نظرة انتقادية إلى الأعمال وستدلنا إلى أفق واضح يواجه اقتصادنا".

قراءة للاحتجاجات الأخيرة

تطرح قراءة الاحتجاجات والطرق المتبعة من السلطات للتعامل معها دلالات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- تطور فى أساليب المواطنين وثبات فى الأدوات الحكومية: بالرغم من أن تلك الاحتجاجات أقل حجماً من الاحتجاجات المعلنة المناهضة للنظام التى شهدتها إيران فى الأيام الأخيرة من العام 2017، والتي عادت إلى الظهور في أشهر صيف 2018، قبل خروج تظاهرات للاحتجاج على أسعار المحروقات في 2019 وانخفاض مستوى المياه المخصص للزراعة في العام 2021، بدت تلك الاحتجاجات أكثر تنظيماً ومغايرة للسابقة، حيث ساعدت الظروف الاقتصادية الصعبة التى يواجهها المواطن على استمرارها رغم اتباع الحكومة نفس أساليب القمع التى استخدمتها في إخماد الاحتجاجات السابقة. وكررت أدوات التعامل مع تلك الاحتجاجات فوصفتها بأنها "تجمعات صغيرة"، وأن الاحتجاجات أثارها "أعداء أجانب"، وقامت بنشر عدد كبير من قوات الشرطة و"الباسيج" التابعة للحرس الثوري لإخمادها، وبالرغم من عدم تقديم إحصائية بأعداد القتلى أو المعتقلين خلال تلك الاحتجاجات، فإن تسجيلات فيديو رصدت أن السلطات استخدمت الغاز المسيل للدموع والرصاص الحى ضد المحتجين.

2- قطع خدمات الإنترنت عن مدن الاحتجاجات: قامت السلطات بمحاولات لقطع خدمات الإنترنت لوقف استخدام وسائل التواصل الاجتماعى لتنظيم التجمعات ونشر مقاطع الفيديو، وقالت العديد من وسائل الإعلام إن السلطات قطعت الإنترنت في المدن التي تناوبت على الاحتجاجات، وهو ما أكده مرصد "نت بلوكس" الذي يراقب حجب الإنترنت على المستوى العالمي. بالإضافة إلى ما سبق، ذكرت تقارير أن المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني ووزارة الأمن، عقدا اجتماعين منفصلين مع مسئولي وسائل الإعلام لتحديد إطار تغطية الاحتجاجات. ونشرت وكالات تابعة لـ"الحرس الثوري" تسجيل فيديو، في محاولة لتبرير قرار الحكومة برفع الأسعار. وأثار تشويه تعليقات المواطنين جدلاً بين الإيرانيين على شبكات التواصل الاجتماعي. وقارنت وسائل إعلام في خارج إيران بين التسجيل المذكور وتسجيل نشرته وسائل إعلام "الحرس الثوري[2].

3- اكتساب الاحتجاجات منحى سياسياً: لم تقتصر الاحتجاجات على المطالب الاقتصادية، وسرعان ما اكتسبت منحى سياسياً، خاصة فى ضوء تجدد المقاربة التى تبنتها الاحتجاجات السابقة، والقائمة على الربط بين تفاقم الأزمتين الاقتصادية والاجتماعية فى الداخل، واستنزاف الموارد الإيرانية فى الإنفاق على مساعى التمدد فى الخارج، بدلاً من إنفاق الموارد المالية على معالجة الأوضاع المعيشية. كما ظهرت دعوات بين الحشود إلى إسقاط المؤسسة الحاكمة، على غرار الاحتجاجات التي اندلعت في عامى 2017 و2019، إلا أن الاحتجاجات الأخيرة رفعت شعارات أكثر قوة عن ذى قبل وأظهرت لقطات نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، فى 19 مايو 2022، متظاهرين يحرقون صور المرشد الإيراني علي خامنئي، ويهتفون: "لا نريد حكم رجال الدين"، وطالبوا بعودة رضا بهلوي، النجل المنفي لشاه إيران المعزول.

4- التعويل على الاتفاق النووى وإزالة العقوبات: خلال حكم  الرئيس السابق حسن روحانى المحسوب على التيار الإصلاحى، كان التيار الأصولى يرجع الأزمات الاقتصادية إلى فشل الحكومة وضعف سياستها، لكنه الآن يحاول ربط المشاكل الاقتصادية بالعقوبات، وذكرت صحيفة "جهان صنعت" فى إطار ذلك، أن التيار الأصولي "يُسيِّس" قضية العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران بشكل كبير، فبعد أن كان في السابق لا يرى أثراً كبيراً على الاقتصاد جراء العقوبات أصبح الآن يتبنى هذه المقولة التي ترى أن سبب أزمة الاقتصاد الإيراني يعود إلى العقوبات، حيث يحاول استغلال الاحتجاجات المتصاعدة مع حديثه عن عودة الحياة لمفاوضات فيينا، والتي تعثرت منذ مارس 2022؛ بسبب المتغيرات التي فرضها الغزو الروسي لأوكرانيا، أواخر فبراير. ويعول هذا التيار على إحياء الاتفاق بشكل أساسي لرفع مجموعة واسعة من العقوبات التي أرهقت الاقتصاد الإيرانى؛ فضلاً عن مليارات الدولارات التي سوف تحصل عليها طهران من خلال رفع الحظر عن مبيعاتها النفطية.

خلافات داخل التيار الأصولى

مع وصول رئيسى إلى الحكم، بدا أن كل الملفات الخلافية بين تيار المحافظين سوف تصل إلى حل، ولكن ما حدث كان العكس، إذ تصاعدت الانتقادات للرئيس ابراهيم رئيسى من قبل تياره الأصولى، وقد تضمنت ملفين رئيسيين هما:

1- مفاوضات العودة للاتفاق النووى: تصاعد تأثير الاتجاه التى ينتقد ما توصلت له الحكومة من تفاهمات مع الدول الكبرى حول العودة للاتفاق النووى، كما وضع أعضاء بالبرلمان شروطاً جديدة للحكومة للموافقة على إحياء الاتفاق، فضلاً عن استمرار تعرض رئيسى للانتقادات الشديدة داخل التيار الأصولى. وفى الوقت الذى تترقب فيه إيران التوصل إلى اتفاق مع الدول الكبرى لإحياء الاتفاق النووى، تم تشكيل لجنة مناهضة للاتفاق النووى داخل البرلمان كونها 5 من أعضاء جبهة الصمود "المتشددة" والمقربة من الأمين الأسبق للمجلس الأعلى للأمن القومى الإيرانى سعيد جليلى، وعبر أعضاء هذه الجبهة عن رفضهم لمحتوى ما توصلت له إيران حتى الآن من تفاهمات مع الدول الكبرى حول إحياء الاتفاق النووى. كما وجه العضو المتشدد بالبرلمان عن جبهة الصمود محمود نبويان انتقادات شديدة لكبير المفاوضين الإيرانيين على باقرى كنى، واتهم الفريق المفاوض بعدم مراعاة الخطوط الحمراء التى حددها النظام الإيرانى، كما انتقد الفريق المفاوض لعدم التزامه بقانون الإجراءات الاستراتيجية لرفع العقوبات المفروضة على إيران، خاصة البند المتعلق بضرورة قيام الحكومة بإبلاغ البرلمان بتفاصيل المفاوضات النووية وانتظار رأى البرلمان حول هذه التفاصيل[3].

2- تزايد ظاهرة الاختراقات الأمنية: مثّل حادث اغتيال العقيد في الحرس الثوري الإيراني حسن صياد خدائي يوم ٢٢ مايو ٢٠٢٢ بطهران ضربة قوية للحكومة المتشددة، حيث كشف عن مدى ما تعاني منه إيران من ضعف في منظومتها الأمنية، وأن العدو قد نجح في استغلال ثغرات تمكن من خلالها من تنفيذ عمليات أمنية نوعية وتحقيق أهدافه، خاصة أن عملية الاغتيال جاءت بفارق زمني ضئيل عن إعلان جهاز استخبارات "الحرس الثوري" اكتشاف أعضاء من شبكة جهاز مخابرات إسرائيلي، وإلقاء القبض عليهم، وقد حمل هذا الحادث عدة رسائل أهمها أنه أوضح أن إسرائيل ستستخدم كل إمكانياتها للحفاظ على أمنها، سواء تم التوصل إلى تسوية في مفاوضات فيينا أو أخفقت المفاوضات في النهاية.

فى الأخير، يمكن القول إن تعويل الحكومة على ملف الاتفاق النووى ورفع العقوبات لتحسين الوضع الاقتصادي للدولة، مع تعقد التوصل لاتفاق "جدي" مع الدول الأوروبية سيؤدي إلى تفاقم حالة الاستياء الشعبي من الرئيس الإيرانى ابراهيم رئيسى، وفى حين أن خطط الحكومة لميزانيتها السنوية الجديدة كانت تتوقع ارتفاع عائدات النفط وربما تخفيف العقوبات ولكن أياً من هذين الخيارين لم يحدث حتى الآن، بل إن الأمور تزايدت سوءاً إلى الحد الذي يواجه فيه الرئيس انتقادات من داخل تياره.


[1] الحكومة الإيرانية تتمسك بالتعديلات الاقتصادية وتحذيرات من تعمق الأزمة، الشرق الأوسط، 22 مايو 2022، https://bit.ly/3PL7wgc

 [2] هل تتدخل إيران لحذف منشورات الاحتجاجات من "إنستغرام"؟، الشرق الأوسط، 19 مايو 2022، https://bit.ly/3lIgSLZ\

[3] تقرير الحالة الإيرانية، المعهد الدولى للدراسات الإيرانية، أبريل 2022، https://bit.ly/38jA3sm