فى إطار «رؤية مصر 2030 للتنمية المستدامة»، حظى المجتمع المدنى باهتمام الدولة، باعتباره وسيلة مهمة فى ترسيخ ودعم عملية التنمية بمعناها الشامل، اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا؛ فالعديد من الأدوار التى تقوم بها منظمات المجتمع المدنى تستهدف النهوض بالمكون البشرى الذى يمثل ركيزة أساسية للنهوض التنموى. ولأهمية الدور الذى تقوم به هذه المنظمات، أعلنت الدولة اعتبار عام 2022 «عاما للمجتمع المدنى»، ويهدف ذلك إلى إتاحة المجال أمام مؤسسات المجتمع المدنى للعمل إلى جانب مؤسسات الدولة فى النهوض بالمواطن، وتعزيز دوره فى عملية التنمية الشاملة والمستدامة. ويتحقق ذلك عبر عدة مسارات من أهمها عملية «نشر الوعى» لدى المواطن بأهمية دوره فى المجتمع، وكذلك نشر الوعى بحقه فى الحصول على قدر يعتد به من عائدات التنمية بأبعاده المختلفة؛ الاقتصادية والثقافية والحقوقية.
ومع مطلع عام 2022، شهدت الدولة حراكا ونشاطا فى مجال استكمال مسار «توفيق أوضاع» منظمات المجتمع المدنى، طبقا للائحة التنفيذية الخاصة بالقانون رقم 149 لعام 2019، الخاص بتنظيم ممارسة العمل الأهلى، الصادرة فى يناير 2021، كما وضعت آليات متعددة لتحقيق التعاون والشراكة بين منظمات المجتمع المدنى المتخصصة فى المجالات الحقوقية وبين اللجنة العليا لحقوق الإنسان، الهدف منها تطبيق أمثل للاستراتيجية الوطنية فى هذا الشأن، ويتطلب ذلك أن تقوم منظمات المجتمع المدنى -كل فى مجال عملها- بتحويل الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان من محاورها العامة إلى خطط نوعية قابلة للتنفيذ. هذا إلى جانب تفعيل دور المجتمع المدنى فى «تعزيز قدرات الأحزاب السياسية»، فضلًا عن دعم قدرات منظماته على لعب دور أكثر عمقا فى جهود التنمية الاجتماعية التى تعد الدور التقليدى لتلك المنظمات، حيث تشير الإحصاءات إلى مساهمة المجتمع المدنى بنحو 30% فى جهود التنمية الاجتماعية.
فوق كل ذلك، ثمة شراكة فاعلة بين منظمات المجتمع المدنى، ووزارة التضامن الاجتماعى فى مجال تحقيق أهداف التنمية ببعديها الاجتماعى والاقتصادى، تأسيسا على آلية أقرتها الوزارة مؤخرا تقوم على الحوار المنظم والدائم مع منظمات وجمعيات العمل الأهلى؛ للوقوف على التحديات والمشكلات التى تواجه عملها على مستوى المحافظات. علاوة على ذلك، تعمل وزارة التضامن على دعم دور العمل الأهلى فى مجال «التمكين الاقتصادى» للمواطنين، خاصة الشرائح الاجتماعية الأكثر فقرا، كآلية مهمة فى تحقيق الحماية الاجتماعية، ومواجهة الفقر.
وقد تبلورت رؤية وزارة التضامن الاجتماعى بشأن التعاون مع منظمات المجتمع المدنى فى عدة محاور، منها العمل على ضمان عدالة توزيع صور الدعم الاجتماعى الذى تقدمه الوزارة عبر الجمعيات الأهلية لدى الشرائح الاجتماعية الأكثر فقرا والأشد احتياجا، وذلك عبر التنسيق بين الوزارة ومنظمات المجتمع المدنى بشأن قواعد البيانات الخاصة بتلك الفئات. هذا بخلاف دور الوزارة والمجتمع المدنى فى نشر التوعية فيما يتعلق بقضايا التنمية البشرية، وتوحيد لغة وبرامج هذه التنمية التى تستخدمها منظمات العمل الأهلى إزاء الفئات الاجتماعية الأَولى بالرعاية.
ويعد تقرير التنمية البشرية المصرى 2021، الذى أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائى، تحت عنوان «التنمية حق للجميع: مصر المسيرة والمسار»، خطوة مهمة فى طريق تحقيق التنمية المستدامة؛ حيث قام التقرير بتحليل مخرجات عملية الإصلاح متعددة الجوانب، مثل الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية والاقتصاد والبيئة، إلى جانب تحليل أهم العقبات والتحديات التى واجهت مسار الحكومة بشأن تحقيق أهداف عملية التنمية المستدامة.
اكتسب هذا التقرير زخما كبيرا كونه قدم «رؤية شاملة» للسياسات والبرامج الإصلاحية التى تمت فى الدولة منذ عام 2010 إلى عام 2021، وهو ما اعتبره المتخصصون فى مجال التنمية البشرية إضافة جادة وفعلية، حيث تعكس الرؤية الشاملة لمحاور التنمية -وفقا لتقرير عام 2022- دلالة مهمة تشير إلى مدى استعداد الحكومة المصرية القبول بطرح عملية التنمية الشاملة، التى تمت على مدار عقد كامل، للتقييم من قِبل المنظمة الدولية، خاصة أن السياسات التى اتخذتها الحكومة، لاسيما فى مجال الإصلاح الاقتصادى، كانت على درجة عالية من الجرأة والإرادة السياسية التى لم تتوافر لدى الحكومات السابقة.
فى هذا الإطار، تقدم الدكتورة سالى عاشور-أستاذ العلوم السياسية المساعد بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية- دراسة بعنوان «المجتمع المدنى والتنمية البشرية فى مصر.. التأثير المتبادل والأدوار المطلوبة»، تحلل فيها ماهية تأثير منظمات المجتمع المدنى فى حالة التنمية البشرية فى مصر، خلال الفترة (2011 - 2021)، والأدوار التى يمكن أن تقوم بها فى المستقبل، وذلك من خلال ثلاثة محاور: يتناول المحور الأول تأثير منظمات المجتمع المدنى المصرية فى حالة التنمية البشرية منذ عام 2011. أما المحور الثانى، فيتناول أهم القضايا التى تتعلق بفاعلية وتأثير تلك المنظمات، وإيجاد بدائل ممكنة لمعالجة إشكالياتها والتحديات التى تواجهها من أجل الإسهام فى تعزيز مقومات التنمية البشرية بشكل أفضل مستقبلا. بينما يقدم المحور الثالث والأخير نماذج لعدد من الأدوار، مطلوب ومأمول القيام بها من قِبل منظمات المجتمع المدنى، لتحسين حالة التنمية البشرية باعتبار أن هذه الأدوار قابلة للتنفيذ، حال معالجة الإشكاليات والتحديات التى تواجهها.
وخلصت الدراسة إلى أن المجتمع المدنى يقدم أدوارا رئيسية لتحقيق التنمية البشرية فى المجتمعات، وأن المجتمع المصرى يزخر بإمكانيات بشرية هائلة تحتاج فقط إلى استثمارها وتنظيمها، لتتمكن من الإسهام بفاعلية وكفاءة فى تحقيق الخطط التنموية المرجوة.