اقتربت المفاوضات التي تجري حول الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة "4+1" بمشاركة غير مباشرة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، من اختتام عامها الأول، دون أن تسفر حتى الآن عن نتيجة واضحة. فرغم تصريحات مسئولي الدول المشاركة فيها والتي توحي باقتراب الإعلان عن صفقة محتملة، فإن هناك خلافات ما زالت قائمة وتسببت في تأجيل اتخاذ تلك الخطوة.
فقد انتهت تقريباً الخلافات حول الجوانب الفنية الخاصة بالاتفاق النووي، لاسيما ما يتعلق بعمليات تخصيب اليورانيوم، وأجهزة الطرد المركزي، والمنشآت التي ستجرى فيها عمليات التخصيب، وتلك التي ستتم فيها عمليات البحث والتطوير وغيرها، وبدا ذلك واضحاً من تصريحات "انريكي مورا" منسق الاتحاد الأوروبي المكلف بإدارة المفاوضات الذي أشار إلى أن وفود التفاوض بدأت في كتابة الهوامش الخاصة بمسودة الاتفاق. لكن الخلافات حول وضع الحرس الثوري على قائمة وزارة الخارجية الأمريكية للمنظمات الإرهابية الأجنبية ما زالت تمثل سبباً رئيساً في تأجيل الإعلان عن نتيجة واضحة للمفاوضات الحالية.
أسباب المماطلة
عندما بدأت المفاوضات بين إيران والقوى الدولية في أبريل 2021، كانت هناك توقعات بأنها لن تستمر طويلاً، وأنها ستنتهي بالإعلان عن الوصول إلى صفقة جديدة تقضي بعودة الولايات المتحدة الأمريكية إلى الاتفاق مقابل عودة إيران إلى الالتزام بتعهداتها فيه. واستندت تلك التوقعات إلى أن إيران في حاجة شديدة للوصول إلى اتفاق ترفع بموجبه العقوبات الأمريكية المفروضة عليها، خاصة فيما يتعلق بالصادرات النفطية والاندماج في المنظومة الاقتصادية العالمية مجدداً، فضلاً عن أن إدارة الرئيس جو بايدن في حاجة بدورها إلى تحقيق "إنجاز" خارجي سبق أن وعد به في حملته الانتخابية.
لكن في النهاية، استغرقت المفاوضات نحو اثنى عشر شهراً، ولم تنته حتى الآن، سواء بالوصول إلى اتفاق أو بإعلان فشلها. وهنا، فإن ثمة أسباباً عديدة يمكن من خلالها تفسير ذلك. أولها، أن إيران كانت تريد توجيه رسائل إلى القوى الدولية بأنها ليست في عجلة من أمرها، وأنها تستطيع، بفضل خبرتها في الالتفاف على العقوبات الدولية والأمريكية، التعايش مع تلك الضغوط، لدرجة أن دعوات عديدة برزت على الساحة الداخلية الإيرانية لإنهاء العمل بالاتفاق النووي برمته.
ثانيها، أن إيران اعتبرت أن هناك فرصة أمامها لإعادة التفاوض حول الاتفاق بشروط أفضل، خاصة في ضوء وجود إدارة أمريكية تسعى إلى إنجاز صفقة نووية وتعمل على تقليص مستوى الانخراط تدريجياً في الأزمات الإقليمية المختلفة، على نحو بدا جلياً في الانسحاب الأمريكي الفوضوي من أفغانستان. ومن هنا، فإنها تعمدت إطالة أمد المفاوضات من أجل رفع مستوى أنشطتها النووية وبالتالي مساومة القوى الدولية وممارسة ضغوط أقوى عليها من أجل الحصول على مستوى أعلى من عوائد أى اتفاق نووي محتمل.
ثالثها، أن إدارة الرئيس بايدن بدت مرتبكة في إدارة المفاوضات مع إيران. إذ كانت حريصة في البداية على توسيع نطاق التفاوض ليشمل إلى جانب البرنامج النووي كلاً من برنامج الصواريخ الباليستية والتدخلات الإقليمية الإيرانية، وهو ما قُوبل برفض واضح من جانب طهران التي أصرت على تأكيد أن المفاوضات التي تجري هى حصراً حول الاتفاق النووي فحسب. وبعد أن أخفقت المقاربة الأمريكية في هذا الصدد، حاولت واشنطن الضغط من أجل إطالة أمد القيود المفروضة على الأنشطة النووية الإيرانية، أو ما يسمى وفقاً للاتفاق بـ"بند الغروب"، أى القيود التي سترفع عن تلك الأنشطة تدريجياً، خاصة فيما يتعلق بمستوى تخصيب اليورانيوم وأجهزة الطرد المركزي الأكثر تطوراً وعمليات البحث والتطوير، وهو ما قوبل أيضاً برفض من جانب طهران، التي اعتبرت أن العد التنازلي لتلك القيود بدأ منذ اعتماد خطة العمل المشتركة أو "الاتفاق النووي"، في 18 أكتوبر 2015، وأنه، في الغالب، لن يكون هناك تغيير في المواعيد.
رابعها، اندلاع أزمة الحرب الروسية في أوكرانيا. فقد تسببت تلك الحرب في توجيه اهتمام المجتمع الدولي، لاسيما الدول الغربية، نحو التداعيات التي تفرضها تلك الأزمة على المستوى العالمي، خاصة مع اتجاه الأخيرة إلى فرض عقوبات واسعة على روسيا بسبب استنادها إلى الخيار العسكري في حسم خلافاتها مع أوكرانيا وحلف الناتو. لكن الأهم من ذلك، هو محاولة روسيا تبني سياسة "تشبيك الملفات"، من خلال استثمار دورها في الاتفاق النووي من أجل تعزيز موقعها في إدارة المواجهة مع الدول الغربية حول أوكرانيا.
ومن هنا، يمكن تفسير حرصها على المطالبة بالحصول على ضمانات تفيد عدم تأثر علاقاتها الاقتصادية مع إيران بالعقوبات الغربية المفروضة عليها بسبب استخدام الخيار العسكري في أوكرانيا.
موسكو كانت تدرك من البداية أن علاقاتها الاقتصادية مع إيران قد لا تتأثر بالعقوبات الغربية، سواء لأن الدولتين تسعيان إلى إجراء المعاملات الثنائية بالعملة الوطنية، أو لأن هناك اتجاهاً للاعتماد على ما يسمى بنظام المقايضة الذي يقوم على مبادلة السلع بدلاً من التعامل بالدولار. ومن هنا، فإنها كانت، بهذا المطلب، تحاول ممارسة ضغوط على القوى الدولية عبر استغلال دورها في استقبال كميات اليورانيوم المخصب التي أنتجتها إيران طول الأعوام الثلاثة الماضية، والتي تجاوزت الحد المسموح به في الاتفاق بأكثر من 15 ضعف تقريباً.
بمعنى آخر، فإنها (موسكو) حاولت التلويح بأن عدم منحها إعفاءات في هذا الصدد قد يؤثر على هذا دورها الحيوي الذي تقوم به في الاتفاق النووي، وهو ما كان من الممكن أن يؤدي إلى إرباك حسابات القوى المشاركة في المفاوضات والمعنية بنتائجها، وانتهى الأمر بتأكيد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أن الضمانات التي طلبتها روسيا مدرجة في نص الاتفاق.
غياب الثقة
المهم في كل ذلك، هو أن الوصول إلى اتفاق محتمل في نهاية مفاوضات فيينا لن ينه أزمة غياب الثقة بين الأطراف المشاركة فيها؛ فطهران لا تستبعد أن تعاود واشنطن الانسحاب مجدداً من الاتفاق، ومن ثم طلبت ضمانات تقيد من احتمال حدوث ذلك، وهو ما قوبل بدوره برفض من جانب الأخيرة. وواشنطن بدورها لا تستبعد أن تعاود طهران الالتفاف على الاتفاق، ومن ثم فإنها سعت وما زالت إلى فرض رقابة أشد على الأنشطة النووية الإيرانية عبر الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي سيكون تقييمها لتعاون إيران مع مفتشيها حتى يونيو القادم متغيراً رئيساً في استشراف مستقبل أى اتفاق محتمل قد يتم التوصل إليه في النهاية.