تُلقي الأزمة في أوكرانيا بتداعياتها على مختلف الأقاليم حول العالم، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وفي إطار محاولة فهم تداعيات الأزمة على المنطقة، عقد مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، بالتعاون مع "مكتب الأمم المتحدة الإقليمي لتنسيق الشؤون الإنسانية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا"، يوم الأربعاء ٢ آذار/ مارس ندوة افتراضية (وبينار) حول الأزمة في أوكرانيا وتداعياتها على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. تناولت الندوة التداعيات الإنسانية للأزمة، كما ناقشت بشكل خاص تداعيات الأزمة على أسوق الغذاء والطاقة العالمية.

تطرقت الندوة -التي تحدث فيها كل من د. محمد فايز فرحات؛ مدير مركز الأهرام، ود. حسن أبو طالب؛ المستشار بالمركز، والأستاذ أحمد عليبة؛ خبير الشؤون الأمنية والعسكرية بالمركز، والأستاذ حسين سليمان؛ الباحث الاقتصادي بالمركز، والدكتور أحمد قنديل؛ رئيس برنامج دراسات الطاقة بالمركز، وأدارتها د. دينا شحاتة؛ رئيس وحدة الدراسات المصرية بالمركز- إلى تزايد القلق من تأثير الأزمة الذي أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، خاصة القمح وزيت الطعام، وظهور موجة جديدة من التطرف تأتي هذه المرة من أوروبا، بسبب الدعم الأوروبي لدعوة الرئيس الأوكراني لمشاركة المتطوعين من المدنيين في مواجهة روسيا.

أشار المتحدثون إلى أن الأزمة في أوكرانيا جاءت في لحظة حرجة بالنسبة للاقتصاد العالمي، حيث كان هناك ارتفاع في نسبة التضخم في أسعار السلع الأساسية في جميع أنحاء العالم، بسبب اختلال التوازن بين العرض والطلب، ما يؤكد أن هذه الأزمة ستؤدى إلى تفاقم الارتفاع الحالي في التضخم، بشكل أساسي من خلال الاضطراب في خطوط الإمداد، وتأثير العقوبات على التجارة الروسية باعتبارها أكبر مصدر للعديد من السلع، بما في ذلك الطاقة والحبوب والأسمدة والمعادن. ولذلك، فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا معرضة لارتفاع أسعار السلع الأساسية، خاصة أسعار المواد الغذائية، لأنها مستورد رئيسي للمواد الغذائية، خاصة القمح، وتعتمد على الصادرات الروسية والأوكرانية بشكل خاص.

كذلك، تشهد العديد من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نقصًا في العملات الأجنبية، وقد تضطر قريبًا إلى خفض قيمة عملاتها، مما قد يزيد التضخم محليًا، بينما تواجه بعض دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مخاطر أزمة الديون السيادية، مثل تونس ولبنان. ويمكن أن تعرض هذه الضغوط الأمن الغذائي للخطر، وتزيد من الفقر والاضطرابات الاجتماعية في المنطقة. كذلك يبرز القلق من تأثر اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في حال دخول الاقتصاد العالمي في موجة ركود، بسبب الشراكات التجارية واتفاقيات التجارة الثنائية بين العديد من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ودول الاتحاد الأوروبي. على سبيل المثال، ستتأثر ملايين الوظائف في المنطقة إذا انخفض الطلب الأوروبي على السلع والخدمات من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والذي من شأنه أن يزيد الفقر والضعف، إلى جانب المزيد من الضغط على مداخل النقد الأجنبي، ويدفع المزيد من بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى مخاطر أزمات العملة والديون. لكن من ناحية أخرى، سوف تستفيد الدول المصدرة للغاز والنفط في المنطقة من ارتفاع أسعار الطاقة وتزايد الطلب على مصادر الطاقة في المنطقة، مما سيؤدي بدوره إلى تزايد تحويلات العاملين في الدول المصدّرة للطاقة الى دولهم.

أخيرًا، تطرق المتحدثون إلى تداعيات الأزمة على قطاع النفط والغاز، ذلك أن روسيا هي ثالث أكبر منتج للبترول والسوائل الأخرى في العالم، وكانت ثاني أكبر منتج للغاز الطبيعي الجاف في عام 2020. وتعد أوروبا السوق الرئيسي للصادرات الروسية من النفط والغاز الطبيعي. أيضًا على الرغم من أن أوكرانيا تنتج الفحم والغاز الطبيعي والنفط والسوائل الأخرى والطاقة النووية والمتجددة، إلا أنها كانت تتلقى غالبية وارداتها من الغاز الطبيعي من روسيا. وقد أدت الأزمة في أوكرانيا إلى ارتفاع أسعار النفط إلى أكثر من 100 دولار للبرميل، للمرة الأولى منذ عام 2014، نتيجة للعقوبات الاقتصادية الأخيرة التي تم فرضها نتيجة للأزمة.

تأتي هذه الندوة في إطار اتفاقية تفاهم وقعها مكتب الأمم المتحدة الإقليمي لتنسيق الشؤون الإنسانية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الشهر الماضي وتهدف إلى تعزيز الجهود المشتركة لتحليل وفهم الديناميكيات الإقليمية لتعزيز العمل الإنساني.