د. صدفة محمد محمود

باحثة متخصصة في شئون أمريكا اللاتينية

 

أثار إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن في 8 مارس 2022، حظر استيراد الولايات المتحدة النفط والغاز من روسيا، ردًا على حربها في أوكرانيا، بعض التساؤلات بشأن البدائل المحتملة للنفط الروسي، وإمكانية الاعتماد على تدفقات النفط القادمة من بعض الدول المنتجة الأخرى، بما في ذلك فنزويلا، وانعكاسات ذلك على الأزمة الأوكرانية. وجاءت هذه التساؤلات في ظل بروز تكهنات تُشير إلى احتمال حدوث تقارب بين الولايات المتحدة وفنزويلا في المستقبل القريب، والتي تزايدت بشكل واضح عقب الزيارة التي قام بها وفد أمريكي مطلع الأسبوع الجاري، برئاسة كبير مستشاري البيت الأبيض لشئون أمريكا اللاتينية خوان غونزاليس والسفير جيمس ستوري، وخلال الزيارة أجرى الوفد محادثات لأول مرة منذ عدة سنوات مع الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو ونائبته ديلسي رودريغيز في العاصمة كراكاس.

مكاسب متشابكة

يمكن أن يُؤدي التحسن في العلاقات بين الولايات المتحدة وفنزويلا إلى تحقيق مكاسب مهمة لكلا الجانبين، بما يساهم فى تفعيل مزيد من  التقارب بينهما، ومن المكاسب المتوقع  تحققها للولايات المتحدة ما يلى:

1- ضمان إمدادات بديلة لمصادر الطاقة الروسية: عقب قرار حظر وارداتها من النفط والغاز الروسي، تسعى الولايات المتحدة إلى توفير مصادر بديلة لإمدادات الطاقة والتي يمكن أن تحل محل الصادرات الروسية. وقد طالب بعض المستثمرين الأمريكيين إدارة الرئيس جو بايدن رفع العقوبات المفروضة على فنزويلا، حتى تتمكن من إرسال المزيد من النفط الخام إلى السوق الأمريكية. كما ضغطت شركة "شيفرون" على الإدارة لتعديل ترخيصها والموافقة على تجارة النفط مع فنزويلا.

وكشفت بعض التقارير أن المسئولين الأمريكيين أبلغوا نظرائهم الفنزويليين أن أي تخفيف للعقوبات الأمريكية سيكون مشروطًا بشحن فنزويلا للنفط مباشرة إلى الولايات المتحدة، وهو الأمر الذي يمكن أن يُساهم في تخفيف وطأة ارتفاع أسعار البنزين داخل الولايات المتحدة، الذي سجل ارتفاعًا ملحوظا بعد قرار حظر واردات النفط الروسية، ليصل في المتوسط إلى 4.17 دولار للجالون، مقابل 2.77 دولار قبل عام، وفقًا لاتحاد السيارات الأمريكي. وهناك مخاوف من أن الوضع قد يزداد سوءًا مع بدء السفر خلال العطلات الصيفية.

ولهذا الهدف أهمية خاصة لاسيما مع استعداد الولايات المتحدة لإجراء انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في 8 نوفمبر المقبل؛ حيث تُشير استطلاعات الرأي العام إلى تراجع فرص الحزب الديمقراطي للفوز في هذه الانتخابات. لذلك فإن الإدارة الديمقراطية بقيادة بايدن حريصة على احتواء ارتفاع أسعار الطاقة من أجل تقليل الضغوط الاقتصادية التي يعاني منها المواطن الأمريكي، خاصة مع ارتفاع معدل التضخم السنوي إلى أعلى معدلاته منذ أربعين عامًا، ليصل إلى 7% في شهر ديسمبر الماضي، وفقًا لبيانات مكتب الإحصاءات الأمريكي.

إضافة إلى أن توفير مصادر مستدامة ومستقرة لإمدادات الطاقة يستهدف حماية الحلفاء الأوروبيين، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالغاز الطبيعي، وربما قد يُشجع ذلك بلدان أخرى على أن تحذو حذو الولايات المتحدة، وتتخلى عن صادراتها من النفط والغاز الروسيين. لذلك فإن الإدارة الأمريكية تسعى جاهدة إلى تحديد الإمدادات المحتملة للطاقة، لضمان الاستقرار في الإمدادات العالمية، في ظل التوقعات بأن يصل سعر برميل النفط الخام إلى 300 دولار للبرميل في حال حظرت الولايات المتحدة وأوروبا وارداتها من النفط الخام الروسي.

2- عزل روسيا عن شركائها الدوليين: ترتبط روسيا بعلاقات وثيقة بالنظام الاشتراكي بزعامة مادورو في فنزويلا، والتي تُعتبر إلى جانب كوبا ونيكاراجوا، أهم حلفاء موسكو في أمريكا اللاتينية. وقد توطدت هذه العلاقات على مدار السنوات الماضية، من خلال العديد من الأدوات التي وظفتها روسيا، بما في ذلك مبيعات أسلحة بأكثر من 11 مليار دولار[1]، وتقديم المساعدات الغذائية والقروض، وتوفير اللقاحات المضادة لكوفيد–19، إضافة إلى تقديم الدعم السياسي والأمني للرئيس الفنزويلي مما ساعد على تثبيت حكمه بالرغم من الضغوط الدولية الكبيرة التي واجهها. علاوة على أن شركة النفط الحكومية الروسية "روسنفت" هي المتداول الرئيسي للخام الفنزويلي منذ عام 2019؛ إذ تتولى عمليات الشحن والتسويق لمعظم صادرات النفط الفنزويلية إلى مشترين في الصين والهند وتساعد كاراكاس على تعويض خسارة التجار التقليديين الذين يتجنبون شراء النفط الفنزويلي مباشرة خوفًا من انتهاك العقوبات الأمريكية. لذلك، كانت الزيارة الأخيرة لبعض المسئولين الأمريكيين لفنزويلا، محاولة لاستكشاف مدى إمكانية إبعاد فنزويلا عن روسيا.

3- الإفراج عن المعتقلين الأمريكيين في فنزويلا: ضم الوفد الأمريكي لفنزويلا، روجر كارستينز، المبعوث الرئاسي الخاص لشئون الرهائن، وهو ما مثل مؤشراً إلى إمكانية قيام مادورو بالإفراج عن السجناء الأمريكيين المحتجزين في بلاده، كـ"بادرة حسن نية" تجاه إدارة بايدن. جدير بالذكر أن كارستينز سبق أن سافر إلى كاراكاس في ديسمبر الماضي، والتقى في السجن بستة مديرين تنفيذيين من شركة "سيتجو" للنفط ومقرها هيوستن، والمتقاعد من مشاة البحرية الأمريكية السابقة ماثيو هيث، واثنين من أفراد القبعات الخضراء السابقين الذين اعتقلوا بتهم تورطهم في جرائم فساد ومحاولة فاشلة للإطاحة بمادورو. وقد أفرجت السلطات الفنزويلية فعلاً عن اثنين من السجناء الذين عادوا إلى الولايات المتحدة برفقة كارستينز. وربما يُمثل الإفراج عنهما نقطة قوة إضافية لإدارة بايدن مع قرب موعد انتخابات التجديد النصفي للكونجرس.

ومن المكاسب الاقتصادية والسياسية التي يمكن أن تُحققها فنزويلا من تقاربها مع الولايات المتحدة ما يلي:

1- رفع العقوبات الأمريكية وإنعاش الاقتصاد القومي: ستستفيد فنزويلا من التقارب المحتمل مع واشنطن، في ظل مطالبة الرئيس مادورو، خلال لقائه بمسئولي الإدارة الأمريكية، بضرورة رفع العقوبات المفروضة على قطاع النفط وكبار المسئولين الفنزويليين. من جانبهم، أبدى المسئولون الأمريكيون استعداداً للنظر في السماح مؤقتًا لفنزويلا باستخدام نظام "سويفت"، الذي يُسهل المعاملات المالية بين البنوك في جميع أنحاء العالم لتحويل الأموال إلى حسابات أخرى، خاصة أن استبعاد روسيا من نظام "سويفت"، سيؤدي لمعاقبة فنزويلا التي تعتمد على النظام المالي الروسي لتجاوز العقوبات الأمريكية.

ومن شأن رفع أو تخفيف العقوبات على النفط الذي يُمثِّل 95% من إيرادات البلاد من النقد الأجنبي، المساهمة في إنعاش الاقتصاد الفنزويلي والتخفيف من وطأة الأزمة الإنسانية الحادة التي تعاني منها. ووفقًا للبنك المركزي الفنزويلي، بلغ معدل التضخم السنوي 686.4% في 2021، وتقلص الناتج المحلي الإجمالي بنحو الثلثين بين عامي 2014 و2020. ويُقدر عبء ديون فنزويلا بنحو 150 مليار دولار أو أكثر. كما تسببت الأزمة الاقتصادية في زيادة نسبة الفقر؛ إذ يعيش 77% من سكان فنزويلا البالغ عددهم 28 مليونًا في فقر مدقع[2]، وهو أعلى معدل في أمريكا اللاتينية. ومنذ عام 2014، فر ما يقرب من ستة ملايين فنزويلي إلى خارج البلاد.

2- استعادة الشرعية الدولية: بالنسبة لفنزويلا، من خلال الانفتاح على الولايات المتحدة، ستكون الحكومة الاشتراكية برئاسة مادورو قادرة على استعادة شرعيتها الدولية المفقودة، وتحقيق تقارب مع بعض القوى الدولية. جدير بالذكر أن الولايات المتحدة وبعض القوى الغربية سبق أن اعترفت بزعيم المعارضة الفنزويلية خوان جوايدو باعتباره الرئيس الشرعي للدولة عام 2019، وقامت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بقطع العلاقات الدبلوماسية مع فنزويلا وفرضت عقوبات على صادراتها النفطية إلى الولايات المتحدة.

3- تحييد المعارضة السياسية: من المُرجح أن يُسهم التقارب الفنزويلي مع الولايات المتحدة في تحييد المعارضة الداخلية وإضعاف دور خوان جوايدو وتخفيف حدة العقوبات المفروضة على كاراكاس، وقد سبق أن أعربت الولايات المتحدة الشهر الفائت عن استعدادها لمراجعة سياسة العقوبات المفروضة على فنزويلا إذا تمّ تسجيل تقدم في المحادثات بين حكومة مادورو والمعارضة، المتوقفة منذ شهر أكتوبر الماضي.

قيود عديدة

بالرغم من المكاسب التي يمكن تحقيقها من التقارب بين الولايات المتحدة وفنزويلا، فإن هناك بعض القيود التي يمكن أن تحول دون تحقيق هذه المكاسب من أهمها ما يلى :

 1- قوة التحالف بين روسيا وفنزويلا: كانت روسيا، إلى جانب الصين وإيران، قوى داعمة للرئيس الفنزويلي مادورو، ورفضت أية محاولات أمريكية للتدخل في الشئون الداخلية للبلاد. واعترفت البلدان الثلاثة بفوز مادورو بولاية رئاسية ثانية في الانتخابات التي جرت في 2018 وقاطعتها المعارضة. وكشف تلويح روسيا، قبيل بدء العمليات العسكرية في أوكرانيا، بإمكانية نشر بعض أصولها العسكرية في الدولة الواقعة في نصف الكرة الغربي، عن قوة التحالف الروسي- الفنزويلي.

كان هذا التحالف واضحًا في أعقاب العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، وجاءت زيارة الوفد الأمريكي إلى كراكاس بعد أيام من اتصال هاتفي بين مادورو والرئيس الروسي فيلاديمير بوتين، اتفقا فيه على تطوير العلاقات بين البلدين، وندد الرئيس الفنزويلي بما وصفه بـ"الحرب الاقتصادية" التي يشنها الغرب ضد الشعب الروسي. وحضر مادورو مؤخرًا اجتماعاً حاشداً في كاراكاس حيث تلقى السفير الروسي في فنزويلا ترحيبًا حارًا من أنصار الحزب الاشتراكي الحاكم.

لذلك، فإنه من غير المُرجح أن تتخلى فنزويلا عن روسيا، حليفتها الرئيسية، والتي لطالما ساندتها في أصعب اللحظات، ومن المحتمل أن يتخذ الرئيس مادورو موقفًا براجماتيًا من خلال قبول تقديم بعض التنازلات السياسية واستئناف الحوار مع المعارضة، مقابل رفع أو تخفيف العقوبات الاقتصادية الأمريكية، بما يسمح لفنزويلا بزيادة صادراتها من النفط الخام، دون قيامها بالضرورة بإدانة عمليات روسيا العسكرية في أوكرانيا.

2- ضغوط الداخل الأمريكي: يُطالب بعض أعضاء الحزب الديمقراطي بضرورة اتخاذ الرئيس الأمريكي بعض التدابير التي من شأنها تخفيف وطأة الأزمة الإنسانية التي يعاني منها الشعب الفنزويلي، ولدى الإدارة الأمريكية الحالية قناعة واضحة بأن العقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس ترامب على فنزويلا لم تؤتي ثمارها؛ إذا لم يُسفر عنها حدوث تحول ديمقراطي أو حتى إجراء انتخابات رئاسية نزيهة. لذلك، بدأت إدارة بايدن منذ يوليو 2021 في اتخاذ بعض الإجراءات لتخفيف معاناة المواطن الفنزويلي، من خلال السماح مؤقتًا بتصدير الشركات الأمريكية الغاز المسال إلى فنزويلا، ولا سيّما غاز الطهي.

في المقابل، تُواجه مساعي بايدن للتقارب مع الرئيس الفنزويلي معارضة شديدة من قبل أعضاء الحزب الجمهوري، وبالتحديد في ولاية فلوريدا، التي لها أهمية خاصة في انتخابات التجديد النصفي المقبلة للكونجرس، بالنظر إلى أن عدداً كبيراً من الأمريكيين الذي يقطنون فيها من أصول فنزويلية، ولديهم توجهات معارضة لنظام مادورو، ويشكل هؤلاء قوة تصويتية مهمة وغالبًا ما يصوتون لصالح مرشحي الحزب الجمهوري.

 وتعقيبًا على التقارير المتداولة بشأن زيارة بعض المسئولين الأمريكيين لفنزويلا، صرح السيناتور الجمهوري عن ولاية فلوريدا ماركو روبيو، أنه "بدلاً من إنتاج المزيد من النفط الأمريكي، يريد بايدن استبدال النفط الذي نشتريه من ديكتاتور قاتل بنفط من ديكتاتور قاتل آخر". ولم يكن الجمهوريون وحدهم من انتقد محاولات التقارب مع فنزويلا، بل إن السيناتور الديمقراطي روبرت مينينديز، عن ولاية نيو جيرسي، والذي يشغل منصب رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، أعلن إنه سيعارض بشدة أي إجراء من شأنه "إثراء" مادورو، واصفًا إياه بـ"ديكتاتور يخضع للتحقيق في جرائم ضد الانسانية في كاراكاس".

3- التشكيك في شرعية "تحالف الديمقراطيات": أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، خلال حملته الانتخابية للرئاسة، نيته تأسيس "تحالف للديمقراطيات"، ليثبت قدرة التحالفات والمؤسسات الديمقراطية، على مواجهة تهديدات وأزمات العصر الحاضر. وبعد أن أصبح رئيسًا، عقد بايدن في ديسمبر 2021، قمة "القادة من أجل الديمقراطية"، بهدف صياغة أجندة مشتركة تقوى المؤسسات الديمقراطية وتتصدى للاستبداد حول العالم.

لذلك، فإن اتجاهات عديدة ترى أن محاولات بايدن التقارب مع نظام مادورو الذي يصفه بعض المسئولين الأمريكيين بـ"الاستبدادي"، تُشكك في شرعية تحالف الديمقراطيات، وتُقوض جهود البيت الأبيض لتوحيد العالم ضد الممارسات الروسية. ووفقاً لذلك، فإن تخفيف العقوبات على فنزويلا سيكون خطأً استراتيجيًا من شأنه أن يوفر شريان الحياة المالي لمادورو بينما لا يفعل الكثير للتخفيف من ارتفاع أسعار النفط. ولكن بالنسبة لبايدن، فإن الجهد المبذول لتعزيز إمدادات النفط - حتى من الأنظمة الاستبدادية - يوضح المدى الذي هو على استعداد للوصول إليه لإنهاك الاقتصاد الروسي.

التاثيرات المحتملة على الأزمة الأوكرانية

ترتبط تأثيرات التقارب الأمريكي المحتمل مع فنزويلا على الأزمة الأوكرانية من جهة جدوى الاعتماد على النفط الفنزويلي كبديل لروسيا، حيث يمكن أن يكون قادرًا بشكل جزئي على تعويض النقص الناتج عن الحظر الأمريكي للنفط الروسي، غير إن نفط فنزويلا على الأقل وعلى المدى القصير لن يكون بديلًا للنفط القادم من روسيا، خاصة في حال قررت دول أخرى، اتباع النهج الأمريكي والتخلي عن وارداتها النفطية الروسية، وذلك للأسباب التالية:

1- الوزن النسبي الكبير للنفط الروسي: وفقًا لـInternational Energy Statistics[3]، كانت روسيا ثالث دولة على مستوى العالم من حيث إنتاج النفط (النفط الخام، وجميع السوائل البترولية الأخرى، والوقود الحيوي) في عام 2020، بعد الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، وبلغ متوسط إنتاجها السنوي 10.50 مليون برميل يوميًا، وهو ما يمثل 11% من الإنتاج العالمي من الوقود السائل. واحتلت روسيا المركز الثاني كأكبر منتج للغاز الطبيعي الجاف في عام 2020 (الثانية بعد الولايات المتحدة)، وقُدِّر حجم إنتاجها بنحو 22.5 تريليون قدم مكعب. وتصدر روسيا حوالي 7 مليون برميل يوميًا، وتُعد أوروبا هي السوق الرئيسي لروسيا لصادراتها من النفط والغاز الطبيعي، حيث تستورد منها نحو 40% من إمداداتها من الغاز الطبيعي و15% من النفط الخام. وفي حين تصدر روسيا للدول الأوروبية ثلث احتياجاتها من النفط، اعتمدت الولايات المتحدة في عام 2021، في المتوسط، على 700 ألف برميل يوميًا من النفط الروسي والمنتجات المكررة، أو حوالي 8% من إجمالي وارداتها.

2- ضآلة الحجم الحالي لإنتاج النفط في فنزويلا: تمتلك فنزويلا أكبر احتياطي نفطي في العالم بواقع 300.9 مليار برميل، ومع ذلك بلغ إجمالي الصادرات السنوية 623.600 برميل يوميًا في عام 2020، وهذا الرقم أقل بكثير من 1.89 مليون برميل يوميًا تمّ تسجيلها في عام 2016[4]. وقال الرئيس مادورو في سبتمبر 2020 إنه "من بين كل 100 دولار أو يورو حصلت عليها البلاد من بيع النفط في عام 2014، فإنها تحصل اليوم على أقل من دولار أو يورو واحد". ويعود ضعف إنتاج النفط في فنزويلا إلى عدة عوامل من بينها: العقوبات الأمريكية التي قلصت قدرة الدولة على جذب الاستثمارات الأجنبية في قطاع النفط، نظرًا لمخاطر إدراج الشركات في القائمة السوداء الأمريكية، والفساد وسوء الإدارة الحكومية، وجميعها عوامل ساهمت في تدني حالة معظم البنى التحتية النفطية وتباطؤ عمليات الصيانة، مما أضر بجودة درجات النفط الخام والوقود القابل للتصدير، وتسبب في تأخير الشحن وتخفيض أسعار وارداتها النفطية.

وفي نهاية شهر ديسمبر 2021، صدّرت شركة النفط الحكومية الفنزويلية  PDVSA، 629.485 برميلًا يوميًا من الخام والوقود، معظمها إلى المشترين في آسيا، ووصل إلى مليون برميل في يوم عيد الميلاد، وهو رقم كبير لكنه أقل من الهدف السنوي البالغ 1.28 مليون برميل يوميًا الذي حددته الحكومة لعام 2021. لذلك، طالب الوفد الأمريكي خلال لقائه بالرئيس الفنزويلي إجراء إصلاحات واسعة في صناعة النفط لتسهيل الإنتاج والتصدير من قبل الشركات الأجنبية.

3- صعوبة تحقيق زيادة كبيرة في الإنتاج في المستقبل القريب: شحنت شركة النفط الفنزويلية PDVSA  حوالي 730.930 برميلًا يوميًا في شهر فبراير 2022، وهو أعلى مستوى منذ يوليو 2021 وبزيادة بنسبة 76% عن يناير من عام 2022، وتوجهت معظم الشحنات إلى الصين. ويأتي ارتفاع صادرات فنزويلا من النفط بسبب رفض مستوردي النفط الشحن عبر السفن الروسية، بسبب المخاوف من التعرض للعقوبات المالية الغربية، مما دفع المشترين للبحث عن إمدادات جديدة من الخام والوقود. وبالرغم من زيادة إنتاج النفط في فنزويلا، فإنه لا يُمثّل سوى جزءً بسيطًا من أكثر من 10 ملايين برميل يوميًا ضختها روسيا عام 2021.

وتتطلب زيادة إنتاج فنزويلا من النفط بشكل كبير، لتعويض نقص أو توقف إمدادات النفط الروسية، استثمارات ضخمة من أجل إصلاح مصافي النفط المتداعية وتطوير موانئ التصدير ومحطات الطاقة وخطوط الأنابيب ومحطات التدفق وحقن الغاز وأساطيل السفن في البلاد. وقد خصصت الحكومة الفنزويلية المكاسب التي حققتها العام الماضي في الغالب لإعادة تشغيل الآبار الحالية، وستتطلب الزيادات الإضافية للإنتاج معدات حفر وآبار جديدة. وقد قدرت دراسة صادرة عن الحكومة الفنزويلية عام 2021 أن البلاد تحتاج إلى 58 مليار دولار لإنعاش إنتاجها من النفط الخام إلى مستويات عام 1998، أي ما يعادل 3.4 مليون برميل يوميًا.

من جملة ما سبق، يمكن القول إن نفط فنزويلا ربما يكون أحد البدائل التي تستطيع واشنطن الاعتماد عليها عقب فرضها حظرًا على النفط الروسي. وإذا قررت واشنطن تخفيف العقوبات على فنزويلا، ستكون شركة "شيفرون"، الشركة الأمريكية الوحيدة التى لا تزال تعمل هناك، في وضع يمكنها من استعادة الإنتاج جزئيًا واستئناف الصادرات النفطية من فنزويلا إلى مصافيها الخاصة ومصافي التكرير الأخرى على ساحل الخليج الأمريكي لمعالجة النفط الثقيل والوقود الفنزويليين.

ومع ذلك، فإنه حتى إذا خففت الولايات المتحدة العقوبات النفطية على فنزويلا، فإن إنتاجها لن يستطيع، منفردًا، سد الفجوة في السوق العالمية التي سيخلفها فرض عقوبات أمريكية وأوروبية على النفط الروسي، وهو ما يفسر محاولات إدارة بايدن الدؤوبة للإسراع بإنجاز الاتفاق النووي مع إيران لضمان عودة نفطها للتدفق في الأسواق العالمية، وكذلك تواصل المسئولين الأمريكيين مع نظرائهم في المملكة العربية السعودية من أجل زيادة إنتاجها من النفط. ومن المُرجح أن يزداد اعتماد مصافي التكرير الأمريكية، في المستقبل القريب، على الواردات من كندا، بالإضافة إلى تكثيف التنقيب عن النفط الصخري داخل الولايات المتحدة.


[1] Evan Ellis and Ryan Berg, Lessons from Russia's Latin America engagement over Ukraine, THE HILL, March 1, 2022, available at; https://2u.pw/EZ1wd.

[2] Amelia Cheatham, Diana Roy, and Rocio Cara Labrado, Venezuela: The Rise and Fall of a Petrostate, Council on Foreign Relations, December 29, 2021, available at; https://2u.pw/GIpo1.

[3] U.S. Energy Information Administration, What countries are the top producers and consumers, available at; https://2u.pw/3pHZD.

[4] Marianna Parraga and Mircely Guanipa, Venezuela halts a free-fall in its oil exports as output recovers,Reuters, January 5, 2022, available at; https://cutt.us/oYNcY.