صافيناز محمد أحمد

خبيرة متخصصة فى الشئون السياسية العربية ورئيس تحرير دورية بدائل - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

ثمة جدلية مستمرة بشأن منظومة الدعم السلعى ومدى تحقيقها للحماية الاجتماعية للفئات الأكثر فقرا، وأشد احتياجا، وينسحب الجدل بشأن تلك الجدلية -الدعم وتحقيق الحماية الاجتماعية-  على جدلية مماثلة تتعلق بآلية تقديم هذا الدعم لضمان وصوله لمستحقيه؛ هل هو الدعم العينى، أم الدعم النقدى «المشروط»؟. فهناك تباينات فى وجهات النظر الداعمة أو الداحضة لأي من الآليتين، ودورهما فى رفع كفاءة برامج الدعم بنوعيها، وزيادة كفاءة إدارة تلك البرامج بصورة تمكن المواطن -المستحق للدعم- من الحصول على حقوقه. فثمة من يرى أن الدعم العينى تتراجع كفاءته، بالنظر إلى ما ينتجه من آثار سلبية كوجود سعرين للسلعة الواحدة؛ سعر مدعم، وسعر حر تتداوله الأسواق خارج منظومة الدعم، هذا إلى جانب زيادة الفاقد فى الدعم العينى، لاسيما فيما يتعلق بمنظومة دعم «الخبز البلدى» على سبيل المثال.

فى هذا الإطار، تصبح منظومة الدعم النقدى المشروط هى الآلية الأكثر قدرة على تجاوز هذه الإشكالية؛ حيث يحصل مستحق الدعم على «قيمة نقدية» بصورة شهرية، لكنها «موجهة» للصرف فى إطار سلعى محدد، كما أنها «مشروطة»؛ أى تلتزم الأسرة المتلقية للدعم بشروط تحددها الجهات الحكومية المنوط بها تقديم الدعم كضمان انتظام أبنائها فى مراحل التعليم المختلفة، والالتزام بالرعاية الصحية للمواليد..إلخ. وفقا لذلك، تكون منظومة الدعم النقدى المشروط قد ساهمت فى تحقيق هدفين، أولهما: إخراج الأسر من دائرة الفقر من خلال دعم هذه الأسر بمبلغ نقدى مباشر. وثانيهما: الاستثمار غير المباشر فى «رأس المال البشرى»، بإجراءات حماية اجتماعية لأبناء تلك الأسر بما يؤدى على المدى الطويل إلى تحسين مستوى معيشة الأسر الأكثر فقرا.

يشير العديد من المتخصصين إلى أن كلًا من المنظومتين؛ الدعم العينى والدعم النقدى المشروط، كلاهما له مزايا وعيوب، ويتوقف ذلك على حالة اقتصاد الدولة التى تقوم بالاختيار بين المنظومتين. فحالة الدولة التى تعانى من ارتفاع فى معدلات التضخم يصبح من الصعوبة بمكان الأخذ بمنظومة الدعم النقدى بحسبان أن حالة التضخم ستمتص الكثير من هذا الدعم، وبالتالى تضفى المنظومة فى هذه الحالة المزيد من المعاناة على كاهل الشرائح الأكثر فقرا، ومن ثم يصبح الدعم العينى -هنا- وسيلة مناسبة لعلاج حالة التضخم نفسها.

هنا تبدو الجدوى الاقتصادية لمنظومة الدعم النقدى المشروط حاضرة، حيث يجمع المتخصصون فى هذا الشأن أن الدعم النقدى يوفر أكثر من نصف تكلفة الدعم العينى بحسبان أن الأولى تعتمد على استخدام البطاقة الذكية لمستحق الدعم، حيث يتم تحويل المبلغ المحدد للدعم عليها عبر تحويلات بنكية. كما أن المنظومة، وفقا لعدة إجراءات، تضمن وصول الدعم لمستحقيه من معدومى ومحدودى الدخل، وسهولة رصد قيمة الدعم النقدى كرقم «ثابت» فى الموازنة العامة للدولة، على العكس من الدعم العينى، حيث تتغير أسعار السلع فى العام المالى الواحد، وفقا لسعر السلعة، أو سعر خامتها فى الأسواق الدولية.

فى الوقت نفسه، قد يكون لمنظومة الدعم النقدى المشروط آثارا اجتماعية سلبية، حيث تؤثر فى أسعار بعض «السلع» الحيوية التى تعتمد عليها الشرائح الأكثر فقرا اعتمادا كليا وتدفعها نحو ارتفاع كبير، بالإضافة إلى عدم جدوى القيمة النقدية التى تحددها المنظومة فى حالة تراجع القدرة الشرائية للجنيه مقابل زيادة فى أسعار السلع الغذائية فى السوق الدولية، لأن وقتها ستعجز الأسر -تحت خط الفقر تحديدا- فى شراء احتياجاتها من السلع الغذائية بالمبلغ النقدى المحدد.  

وفقا لهذه الجدلية، ما بين تطبيق منظومة الدعم «العينى»، أو منظومة الدعم «النقدى»، ظلت تعاطيات الحكومة مستمرة بشأن إعادة هيكلة الدعم بما يضمن تقليل معدلات الفقر، وتضييق الفجوة بين فئات المجتمع بصورة تسهم فى تحقيق العدالة الاجتماعية، وفى الوقت نفسه تلاشى السلبيات التى قد تؤثر فى الموازنة العامة، حيث تهدف سياسات الدعم المختلفة إلى معالجة سلبيات بعض السياسات الاقتصادية والمالية التى قد تؤثر سلبا فى بعض فئات المجتمع.  

يلاحظ هنا أن مختلف أنواع الدعم بصورتيه العينى والنقدى يلعبان دورا مهما فى تحقيق وإنفاذ برامج «شبكات الأمان» الاجتماعية، والتى تعد محورا رئيسيا فى تعريف الحماية الاجتماعية باعتبارها تشمل توفير الاحتياجات الأساسية للشرائح الأكثر فقرا فى المجتمع، وبرامج التأمين الاجتماعى، وبرامج سوق العمل التى تحقق التمكين الاقتصادى.  

فى هذا الإطار، تقدم الباحثة إيمان موسى -المتخصصة فى دراسات الدعم والحماية الاجتماعية- دراسة بعنوان «سياسات الدعم فى مصر بين الحماية الاجتماعية وجدلية التحول إلى الدعم النقدى»، تحاول خلالها الوقوف على مدى نجاح سياسات الدعم العينى فى تحقيق أهداف الحكومة للحماية الاجتماعية بمفهومها الجزئى الذى يعنى خفض الفقر، ومفهومها الكلى الذى يعنى الوصول بالأسر الأكثر فقرا إلى مرحلة التمكين الاقتصادى، وذلك عبر تقييم جدوى التحول إلى الدعم النقدى، فى ضوء تحليل مزاياه وعيوبه. مع رصد للخبرات الدولية التى طبقت التحول الفعلى نحو منظومة الدعم النقدى المشروط بهدف الاستفادة من تجربة هذه الخبرات فى التوصل الأمثل لمتطلبات تحسين برامج التحول إلى الدعم النقدى المشروط، من خلال عدة محاور، الأول: يتناول تطور منظومة الدعم السلعى فى الدولة منذ عام 1945. والثانى: يتطرق إلى أثر الزيادة فى الإنفاق على الدعم، وأثر النمو السكانى على معدلات الفقر بداية من عام 2005 وحتى عام 2020. أما المحور الثالث: فيرصد التجارب الدولية فى مجال إعادة هيكلة الدعم السلعى ومقارنتها بالوضع فى مصر. بينما يتناول المحور الرابع والأخير تقييم مدى نجاح منظومة الدعم السلعى فى تحقيق أهداف فلسفة الحماية الاجتماعية المتكاملة.