استأنفت إيران والقوى الدولية، في 8 فبراير الجاري (2022)، الجولة الثامنة من المفاوضات التي تجري حول الاتفاق النووي في فيينا، والتي من المتوقع أن يكون لها دور بارز في تحديد مساراتها المحتملة، حيث قال مسئولون إيرانيون أن "الاتفاق قد يكون في متناول اليد"، فى حين أعلن مسئولون أمريكيون في اليوم التالي من استئناف المفاوضات، أن أمام إيران حتى نهاية فبراير الجاري لإنقاذ الاتفاق النووي، وإلا فسيتعين على الولايات المتحدة تغيير مسارها واتخاذ إجراءات أخرى لمنع طهران من الحصول على سلاح نووي. ورغم أن المؤشرات تكشف أن احتمال الوصول إلى صفقة في فيينا بات مرجحاً، إلا أن ذلك لا ينفي أن الخلافات لا تبدو ثانوية ولا يمكن تسويتها بسهولة، على نحو يفرض عدم استبعاد أىٍ من المسارات المحتملة التي يمكن أن تتجه إليها تلك المفاوضات في النهاية.
توترات عديدة
تهدف المفاوضات النووية الراهنة بين إيران ودول مجموعة (4+1)، بالإضافة إلى الولايات المتحدة التي تشارك فيها بشكل غير مباشر، إلى السماح بعودة كل من واشنطن وطهران بالتزامن إلى الالتزام بالاتفاق النووي، وسط توترات عديدة، إذ أن إيران انتهكت بشكل كبير القيود التي يفرضها اتفاق عام 2015 لدرجة باتت فيها على مسافة فترة زمنية قليلة من امتلاك ما يكفي من المواد الانشطارية لصنع قنبلة ذرية، وهو ما مثل رداً من جانبها على انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في 18 مايو 2018.
ورغم وصول رئيس ديمقراطي إلى البيت الأبيض، في 20 يناير 2021، وتزايد التكهنات حول احتمال التوصل إلى نتيجة إيجابية في المباحثات التي بدأت في أبريل 2021، إلا أنها اتسمت منذ بدء استئنافها بـ"المعقدة"، في ظل تمسك جميع الأطراف بشروطهم، حيث شددت طهران على أولوية رفع العقوبات الاقتصادية التي فرضتها عليها واشنطن، والحصول على ضمانات بعدم تكرار الانسحاب الأمريكي. في المقابل، ركزت الولايات المتحدة والأطراف الأوروبية على أهمية عودة إيران إلى احترام كامل التزاماتها بموجب الاتفاق، التي بدأت التراجع عنها بدءاً من عام 2019.
لكن هناك أطرافاً أخرى تتبنى سياسة مختلفة، على غرار إسرائيل، التي ما زالت توجه تهديدات بأن أى اتفاق محتمل قد يتم الوصول إليه في فيينا لا يمكن أن يقيد الخيارات المتاحة أمامها للتعامل مع الخطر الذي يمثله البرنامج النووي الإيراني. وقد بدأت تل أبيب في توجيه اهتمام المجتمع الدولي إلى مخاطر عدم إطالة أمد القيود المفروضة على الأنشطة النووية الإيرانية التي يتضمنها الاتفاق الحالي، خاصة أن بعضها سوف يرفع خلال الأعوام القليلة القادمة، لاسيما القيود المفروضة على أجهزة الطرد المركزي الأكثر تطوراً وعلى عمليات الأبحاث والتطوير.
في هذا السياق، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت في كلمة ألقاها خلال مؤتمر للمنظمات اليهودية الأمريكية، في 21 فبراير الجاري: "نحن نراقب فيينا، ومنزعجون بشدة مما نراه"، وأضاف: "بالنسبة لإسرائيل ولكل القوى الساعية إلى الاستقرار في الشرق الأوسط، من المرجح أن تؤدي الصفقة الناشئة إلى شرق أوسط أكثر عنفاً وأقل استقراراً"، مشيراً إلى أن "تل أبيب لن تقبل بأن تكون طهران على العتبة النووية، وأنها ستحافظ دائماً على حريتها في الدفاع عن نفسها".
تداعيات الإخفاق
تطرح احتمالات فشل محادثات فيينا تساؤلات حول تداعيات ذلك على كل من طهران وواشنطن والشرق الأوسط والعالم بأسره، وهو ما يمكن تناوله في النقاط التالية:
1- تعزيز نفوذ التيار المتشدد داخل إيران: أثبتت سنوات عديدة من التوتر بين إيران والولايات المتحدة، أنه كلما زادت الضغوط والتهديدات الأمريكية لإيران، كلما تمكن في المقابل تيار المحافظين الأصوليين المتشدد من إحكام قبضته على الداخل، مما يضيف مزيداً من العقبات على جهود تأسيس قنوات تواصل مع الدول الغربية أو الوصول إلى صفقات أو تفاهمات معها. فقد منحت العقوبات الاقتصادية التي فُرضت على إيران عقب انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، على سبيل المثال، الفرصة لهذا التيار من أجل شن حملة ضد الرئيس السابق حسن روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف وتيار المعتدلين بشكل عام، متهمين إياهم بالوصول إلى صفقة تضمنت تنازلات كبيرة من جانب إيران مقابل عوائد اقتصادية قليلة حصلت عليها. وجاءت نتائج الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 18 يونيو 2021، لتعزز من نفوذ التيار المتشدد، بفوز الرئيس إبراهيم رئيسي بالمنصب، الذي يؤكد باستمرار أن الاقتصاد الإيراني لن يتوقف على الاتفاق النووي وأن إيران لن تعتمد على علاقاتها مع الدول الغربية أو رفع العقوبات الأمريكية.
2- تصاعد حدة عدم الاستقرار في المنطقة: قد يؤدي فشل الجهود المبذولة للتوصل إلى اتفاق نهائي في فيينا إلى تصاعد حدة عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، لاسيما أن إيران تمارس دوراً رئيسياً في دول الأزمات على غرار العراق وأفغانستان ولبنان واليمن وسوريا. وربما تتجه إيران، لرفع كُلفة الفشل، إلى استهداف مصالح الولايات المتحدة في بعض تلك الدول، خاصة عن طريق المليشيات الموالية لها في كل من العراق واليمن وسوريا تحديداً.
وهنا، يمكن القول إن ذلك قد يؤدي إلى نشوب حرب جديدة في المنطقة، خاصة في ظل استمرار النشاط النووي الإيراني، على نحو سوف يساهم في تفاقم أزمات أخرى مثل استمرار تدفق اللاجئين والمخدرات والمهاجرين من المنطقة إلى أوروبا، وبالتالي تزايد خطر تنفيذ هجمات إرهابية جديدة سواء في المنطقة أو داخل الدول الأوروبية نفسها[1].
وقد كان لافتاً أن إيران تبدو حريصة على عدم استبعاد هذا الاحتمال، على نحو بدا جلياً في إصرارها على تطوير برنامجها الصاروخي، ففي الوقت الذي تجرى فيه المباحثات، أعلنت، في 9 فبراير الجاري، عن صاروخ استراتيجي جديد "أرض – أرض" يسمى "خيبر شكن" يصل مداه إلى 1450 كيلو متراً[2]، وذلك في رسالة واضحة إلى الولايات المتحدة مفادها أنه على الرغم من استمرار ضغوط العقوبات، إلا أنه لا يزال بإمكان طهران تطوير التكنولوجيا الخاصة بها لإطلاق صاروخ بعيد المدى.
3- تزايد أدوار قوى أخرى: قد يؤدي فشل المفاوضات واندلاع حرب في المنطقة لمنع إيران من الوصول إلى القنبلة النووية، إلى تعزيز نفوذ قوى إقليمية ودولية عديدة في منطقة الشرق الأوسط، على غرار تركيا وروسيا، خاصة الأخيرة التي تسعى إلى استعادة مكانتها باعتبارها قوة دولية عظمى، وهو ما يفسر بعض جوانب سياستها تجاه الأزمة الأوكرانية، التي باتت على مقربة من ما يمكن تسميته بـ"حافة الهاوية"، خاصة بعد القرار الذي اتخذته موسكو، في 21 فبراير الجاري، بالاعتراف بجمهوريتى دونتسيك ولوغانسك.
4- تراجع شعبية إدارة بايدن: سيكون الفشل في إنقاذ الاتفاق النووي بمثابة ضربة كبيرة للرئيس جو بايدن في الوقت الذي تخضع فيه قراراته المتعلقة بالسياسة الخارجية لمزيد من التدقيق، لاسيما في أعقاب الانسحاب من أفغانستان وتصاعد الأزمة الأوكرانية. ويمكن أن تؤثر هذه التطورات في مجملها بشكل مباشر على حظوط الرئيس بايدن في الانتخابات الرئاسية التي سوف تجرى في عام 2024[3].
5- تأثير مخرجات المحادثات على الأزمة الأوكرانية: لم تصدر بعد تعليقات أمريكية أو حتى غربية مباشرة، تتحدث عن التأثيرات المتوقعة للمسارات الخاصة بالمفاوضات على الأزمة الأوكرانية. إلا أن تقريراً لصحيفة "وول ستريت جورنال" كشف، في 11 فبراير الحالي، أن احتمال التوصل إلى اتفاق في فيينا قد يؤدي إلى تخفيف أزمة الطاقة المتوقعة جراء أي عملية عسكرية روسية ضد أوكرانيا، وهو احتمال زاد بعد الاعتراف بجمهوريتى دونتسيك ولوغانسك، عبر إعادة السماح لإيران بضخ ما يقارب 1.3 مليون برميل من النفط يومياً. كما أعلنت وكالة الطاقة الدولية، في 11 فبراير الجاري، الشيء نفسه، إذ قالت إن إيران يمكن أن تضيف إمدادات 1.3 مليون برميل يومياً في 2022، إذا رفعت العقوبات المفروضة عليها[4]. وقد أشار بعض المسئولين الإيرانيين إلى أن إيران قد تساعد مستقبلاً في سد جزأ من احتياجات أوروبا من الغاز، وإن كان ذلك قد يستغرق مزيداً من الوقت في ضوء الأزمات العديدة التي تواجه البنية التحتية الإيرانية بسبب العقوبات الأمريكية.
في النهاية، يمكن القول إن هذه التداعيات في مجملها قد تكون في حد ذاتها متغيراً دافعاً للوصول إلى صفقة، باعتبار أنها محط اهتمام ومتابعة من جانب مجمل القوى المعنية بالصفقة النووية. وبمعنى آخر، فإن تلك القوى قد تصر على إنجاز الصفقة لتجنب العواقب الوخيمة التي يمكن أن يفرضها أى فشل محتمل في فيينا.
[1] Abdolrasool Divsallar, A military strike on Iran is the worst non-proliferation strategy, Washington D.C; Middle East Institute ,January 10, 2022. Available at; https://bit.ly/3BcuQg1
[3] Peter Rodgers, Consequences Of Failure Of Iran Nuclear Talks, Eurasia review, February 10, 2022. Available at; https://cutt.us/BPtxC
[4] توقعات بأن تسرّع أزمة أوكرانيا في إنهاء المحادثات النووية، الشرق الأوسط، 13 فبراير 2022، متاح على: