جاءت الخطوة التى أقدم عليها المجلس العسكرى فى مالى يوم 31 من يناير 2022 بمطالبة السفير الفرنسى بمغادرة البلاد خلال 72 ساعة، لتلقى مزيداً من الضوء على التدهور الذى تشهده العلاقات بين مالى وفرنسا خلال الأشهر الأخيرة، والذى يطرح الكثير من الجدل حول العوامل التى تقف وراء هذه التصعيد المتبادل بين الدولتين، حيث يعتمد الجانبان على التصريحات العدائية والتهديدات اللفظية، وكذلك الآثار المحتملة من جراء استمرار هذه الخلافات وانعكاساتها على مصالح الدولتين وعلاقاتهما الإقليمية والدولية، وخاصة مالى التى تعانى من انتشار غير مسبوق للتنظيمات الإرهابية على أراضيها وتشهد أزمة سياسية حادة فى أعقاب انقلابين عسكريين متتاليين خلال عامى 2020 و2021 مع استمرار التدهور فى الأوضاع الاقتصادية والإنسانية.
أسباب متعددة
يعود التراجع فى العلاقات بين مالى وفرنسا إلى عدد من الأسباب التى ترتبط بتحركات الدولتين خلال الشهور الأخيرة، وهو ما يمكن تناوله في التالي:
1- رفض فرنسا للانقلاب العسكرى الأخير فى مالى: والذى أطاح بالقادة المدنيين فى الحكومة الانتقالية التى تكونت عقب انقلاب أغسطس 2020، حيث شهدت البلاد انقلابين عسكريين خلال 10 أشهر ما بين أغسطس 2020 ومايو 2021. وقررت الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS) تعليق عضوية مالى، ومارست ضغوطاً على القادة الجدد في مالي للموافقة على فترة انتقالية مدتها 18 شهراً تتوج بانتخابات رئاسية وتشريعية في 27 فبراير 2022، وهددت بفرض عقوبات، بما في ذلك تجميد الأصول، على أي شخص يوقف الاستعدادات للانتخابات في مالي.
وعلّقت فرنسا عملياتها العسكرية المشتركة مع القوات المالية في 3 يونيو 2021 تحت دعوى "انتظار ضمانات" لعودة المدنيين إلى مواقع السلطة. إلا أن المجلس العسكري فى مالى تراجع عن اتفاق ترتيب الانتخابات في فبراير 2022 وحاول الاحتفاظ بالسلطة حتى عام 2025، مما دفع الايكواس في 9 يناير 2022 إلى فرض عقوبات صارمة على مالي. وأدت العقوبات، التي تدعمها فرنسا والاتحاد الأوروبي، إلى إغلاق الحدود البرية والجوية للدولة الحبيسة بشكل فعال، حيث أعلنت الأمم المتحدة والخطوط الجوية الفرنسية تعليقاً مؤقتاً للرحلات الجوية إلى مالي، وكذلك تطبيق حظر تجاري على الدولة.
2- تقليص الوجود العسكرى الفرنسى فى الساحل: وهى الخطوة التى لم تخل من إعادة ترتيب فرنسا لأولوياتها ومصالحها فى القارة الأفريقية وخاصة منطقة الساحل والصحراء، هذا إلى جانب ما تلقيه من أعباء على كاهل المجلس العسكرى الذى يحكم البلاد، فى ظل الانتشار الكبير للتنظيمات الارهابية، حيث تعانى 80% من أنحاء الدولة المالية من التهديدات الإرهابية. فقد أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فى يوليو 2021 أن عملية "برخان" ستنتهي في الربع الأول من عام 2022، حيث سيتم خفض نصف الوجود الفرنسي في منطقة الساحل وإعادة تنظيم ما يتبقى كقوات إقليمية متخصصة، مع المساهمة أيضاً في فرقة العمل الأوروبية "تاكوبا".
3- تعاون المجلس العسكرى مع قوات أمنية روسية: اعتبر المجلس العسكرى فى باماكو أن فرنسا تخلت عن الدفاع عن مالى ضد الإرهابيين، في سبتمبر 2021، وقوبل رئيس وزراء مالي تشوجويل مايغا بموجة من التعليقات المتعاطفة عندما استخدم خطاباً في الأمم المتحدة اتهم فرنسا خلاله بـ"التخلي عن بلاده في منتصف الرحلة"، بعد أن بدأ ماكرون في تقليص نشر القوات في المدن المالية.
واتجه المجلس العسكرى فى مالى إلى عقد اتفاق مع شركة الأمن الخاصة الروسية (مجموعة فاجنر) ليحل جنود هذه الشركة محل القوات الفرنسية المنسحبة من المدن المالية. وحذرت فرنسا مالي من توظيف مقاتلين من شركة الأمن الروسية وما سيسفر عنه من عزل البلاد دولياً، خاصة أنه يتعارض مع استمرار الوجود الفرنسي هناك. وأكد وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان أن مجموعة فاجنر تنهب موارد مالى مقابل حمايتها للمجلس العسكرى هناك. وأعلن الجيش المالى مؤخراً وصول جنود روس إلى إحدى القواعد التى انسحبت منها القوات الفرنسية لتدريب الجنود الماليين. كما علّق الاتحاد الأوروبي فى 15 ديسمبر 2021 التدريبات العسكرية لجنود من جمهورية أفريقيا الوسطى بسبب مخاوف من تورطهم في انتهاكات للقانون الدولي بمساعدة مرتزقة روس.
4- شن حملة ضد "الغطرسة الاستعمارية": ساهمت بعض التصريحات التي أدلى بها الرئيس الفرنسي ماكرون فى زيادة العداء الشعبى فى إقليم غرب أفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء ضد فرنسا. إذ أثار تعليق ماكرون على انقلاب مايو 2021 غضب القائد العسكري في مالي عندما قال أن "الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ارتكبت خطأ" في السماح لجويتا بأن يصبح رئيساً بعد انقلابه الثاني الذي أطاح بالقادة المدنيين الانتقاليين"، مضيفاً أنها "إشارة سيئة للجيران الأفارقة".
وجاء التحرك الأخير للمجلس العسكرى فى مالى بإبلاغ السفير الفرنسى بمغادرة البلاد خلال 72 ساعة، فى أعقاب تجاذبات وتصعيد لفظى بين المسئولين فى مالى ونظرائهم فى بعض الدول الأوروبية المشاركة فى فرقة العمل المشتركة "تاكوبا"، ووصل الأمر إلى حد أن طلب المجلس العسكرى فى مالي من الدنمارك سحب قواتها المنتمية إلى فرقة العمل الأوروبية في البلاد، حيث وصلت هذه القوات إلى مالى فى منتصف يناير 2022 دون علم من المجلس العسكرى. ويزيد قرار المجلس العسكرى، الذي توازى مع انسحاب الدنمارك، الذي يأتي بعد أن أكدت السويد أن قواتها ستغادر مالي في مارس 2022، من ارتباك التحركات الفرنسية التى تتطلع إلى مشاركة أكبر للقوات الأوروبية فى تحمل أعباء مكافحة الإرهاب فى الساحل أو ما يمكن أن يطلق عليه "أوربة" Europeanising تدخلها في منطقة الساحل.
إلا أن فرنسا طلبت من مالي السماح للقوات الدنماركية بالبقاء، وطلب المتحدث باسم حكومة مالي من فرنسا الاحتفاظ بـ"ردود أفعالها الاستعمارية" لنفسها. وعلى إثر ذلك، أدلى وزير الخارجية الفرنسى جان ايف لودريان بتصريحات اعتبرها المجلس العسكرى "معادية ومشينة"، حيث قال أن حكومة مالي العسكرية "خارجة عن السيطرة" وغير شرعية وانتقد المجلس العسكري ووصفه بأنه "غير مسئول" وحذر من رد "جماعى وحازم " من شركاء مالي الدوليين.
تداعيات التصعيد المتبادل
ينظر قادة المجلس العسكرى إلى قراراتهم الرافضة لسياسات فرنسا فى مالي باعتبارها جزءاً من الحفاظ على السيادة الوطنية، وبالفعل أظهرت فرنسا خلال تسعة أعوام حقيقة توجهاتها فى منطقة الساحل، وخاصة مالى، وكشفت تصريحات وتحركات مسئوليها عن حرصها على تحقيق مصالحها الاقتصادية والأمنية بغض النظر عما تعكسه هذه المصالح على دول الساحل والغرب الإفريقى.
إلا أن قرارات المجلس العسكرى فى مالى، وخاصة فى ظل عدم امتثاله لما اتفق عليه مع الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (الايكواس)، قد تفرض تداعيات عديدة يتمثل أبرزها في.
1- مراجعة الاتفاقيات العسكرية الثنائية: انتقد رئيس وزراء مالي تشوجويل مايغا بشدة المعاهدات العسكرية بين باريس وباماكو، قائلاً إن مالي "لا يمكنها حتى الطيران فوق أراضيها دون إذن فرنسا". كما أكد أن باريس "منعت الجيش المالي من دخول كيدال"، وأن لديه أدلة على أن فرنسا كانت تدرب الجماعات "الإرهابية" الناشطة في البلاد، وأنها أقامت جيباً في بلدة كيدال في المنطقة الصحراوية بشمال مالي وسلمتها إلى جماعة "أنصار الدين" التى يُزعم أنها مرتبطة بـ"القاعدة"، ثم شجب تخلى فرنسا عن مالى فى حربها ضد الإرهاب، وأكد أن حكومة مالى علمت بتقليص الوجود العسكرى لفرنسا فى مالى عبر وسائل الإعلام فى حين أن هناك اتفاقية دفاعية بين البلدين.
وطلبت مالى رسمياً من فرنسا فى ديسمبر 2021 مراجعة اتفاقية الدفاع الثنائية. وقدمت تعديلات مقترحة وفق ما أعلنه وزير خارجية مالى عبدالله ديوب، ولم ترد فرنسا رسمياً بعد على الطلب رغم أن مصادر دبلوماسية فرنسية قالت إن باريس "تدرس" الطلب.
وتم تحديد الشراكة الأمنية بين فرنسا ومالي من خلال اتفاقية تعاون تقني تم توقيعها في عام 1985، والتي نصت على إمكانية نشر جنود فرنسيين في مهام تدريبية أو في إطار عمليات تشرف عليها قيادة الجيش المالي. ومع تزايد التهديدات الإرهابية فى شمال مالى وطلب الحكومة المالية تدخل فرنسا عسكرياً لمواجهة الجماعات الإرهابية، تم توقيع اتفاقية الدفاع بين فرنسا ومالي في مارس 2013 بعد إطلاق العملية العسكرية الفرنسية في مالي في 11 يناير 2013. ونشرت فرنسا حوالي 4000 جندي في إطار عملية "سيرفال". وبعد عام، تم توسيع المهمة العسكرية لتشمل العمليات المناهضة للإرهاب في مالي ومنطقة الساحل الأوسع في إطار عملية "برخان".
وفي 16 يوليو 2014، وخلال زيارة وزير الدفاع الفرنسي إلى مالي، وعلى غرار اتفاقيات مماثلة بين مالي والعديد من شركائها الأفارقة (الكاميرون وتوجو وجمهورية أفريقيا الوسطى والجابون والسنغال)، تم توقيع اتفاقية هدفت إلى إقامة تعاون أمني معزز على المدى الطويل. ونصت على المساهمة في "السلام والأمن الدائمين ... لا سيما من خلال تأمين المناطق الحدودية ومحاربة الإرهاب". وتسمح الاتفاقية أيضاً بالوصول إلى الأراضي المالية "بما في ذلك المياه الإقليمية والمجال الجوي"، بموافقة مسبقة من الدولة.
والاتفاقية صالحة لمدة خمس سنوات، وبعد ذلك يتم تجديدها تلقائياً. كما يجوز للأطراف، في أي وقت وبالاتفاق المتبادل، تعديل هذه الاتفاقية، وقد تمت مراجعة الاتفاقية في عام 2014 عندما تحولت عملية "سرفال" إلى "برخان"، وأعيدت مراجعتها مرة أخرى في عام 2020، مع إطلاق فرقة عمل "تاكوبا"، المكونة أساساً من وحدات القوات الخاصة من العديد من دول الاتحاد الأوروبي[1].
وفي 12 يناير 2022، نددت مالي بما وصفته بـ"خرق واضح" لمجالها الجوي من قبل طائرة عسكرية فرنسية حلقت من ساحل العاج إلى مالي، وهددت باماكو بالفعل بمنع الرحلات الجوية العسكرية من وإلى مجالها الجوي. وإذا تم تأكيد هذا الحظر، فمن شأنه أن يعيق القدرات التشغيلية لفرنسا، ويدفعها أكثر نحو الخروج. وقد أنفقت فرنسا خلال تسع سنوات من تواجد قواتها فى منطقة الساحل حوالي 880 مليون يورو سنوياً في مهمة أودت بحياة 52 جندياً فرنسياً[2].
2- انسحاب قوات مكافحة الإرهاب الغربية: كان بعض شركاء فرنسا الأوروبيين أكثر وضوحاً فى رفضهم لما يحدث فى مالى، حيث قالت وزيرة الدفاع الألمانية كريستين لامبرخت إن برلين قد تنقل مهمتها العسكرية في مالي إلى دولة أخرى. وشددت على أن "سلامة جنودنا هي أولويتي الأولى"، حيث تشارك ألمانيا بحوالي 1500 جندي في مالي كجزء من بعثة الأمم المتحدة "مينوسما" لحفظ السلام ومهمة الاتحاد الأوروبي لتدريب الجنود الماليين. كما أشارت السويد، التي تنشر 300 جندي في مالي، إلى إنها قلقة أيضاً من الوضع.
3- ارتفاع الأسعار ونقص السلع الأساسية: تواجه مالي، التي تضررت من العقوبات، ارتفاعاً في الأسعار ونقصاً في السلع الأساسية، حيث تتسبب العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (ECOWAS) على مالي في حدوث تضخم ونقص في المواد الغذائية في أسواق العاصمة كما تؤثر العقوبات أيضاً على إمدادات السلع مثل مواد البناء بما في ذلك الأسمنت.
4- تفاقم تأثير العقوبات الأوروبية: أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان أن فرنسا ستعمل على توجيه دول الاتحاد الأوروبى نحو فرض عقوبات جديدة على مالى رداً على اتجاه المجلس العسكرى الحاكم فى البلاد نحو تمديد استمراره فى السلطة والإبطاء فى تسليم السلطة للمدنينن عبر إجراء الانتخابات[3].
5- منع التجارة عبر الحدود: تتزايد تأثيرات العقوبات على المواطن فى مالى فى ظل إغلاق الحدود بينها وبين الدول المجاورة لها مما يقلل من التجارة عبر الحدود التى تمثل شريان الحياة بالنسبة للمواطنين وخاصة فى الشمال، حيث تركت السلطات الرسمية للمواطنين فرصة الاتجار عبر الحدود للتخفيف من الضغوط المفروضة عليهم فى ظل عجز الحكومة المالية عن توفير السلع والخدمات فى كل أقاليم الدولة.
6- توتر العلاقات مع الدول المجاورة: تراجعت علاقات مالي مع جيرانها. فقد اتجهت الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (الإيكواس)، التي تضم 15 دولة، إلى فرض عقوبات صارمة على البلاد فى يناير 2022 في خطوة تدعمها فرنسا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
7- نتائج كارثية للتدخل العسكري: يراهن الرئيس الفرنسى ماكرون على أن يكون لبلاده تأثير سياسي واضح خلال رئاستها للاتحاد الأوروبي، على أساس أن ذلك يمكن أن يدعم من فرص فوزه بولاية ثانية مدتها خمس سنوات فى الانتخابات الرئاسية المزمع انعقادها فى أبريل القادم. إلا أن تسع سنوات من التواجد الفرنسى فى الساحل لم تحسم الحرب ضد التنظيمات الارهابية، حيث لم تعد مالى فقط هى المتضررة من هذه التنظيمات والتى لا تُمكِّن حكومتها من السيطرة على كامل أراضى الدولة، بل امتدت التأثيرات السلبية إلى دول أخرى مثل بوركينافاسو التي تعاني بدورها من تصاعد تهديدات تلك التنظيمات.
ختاماً، يمكن القول إن الخلافات المتصاعدة بين مالى وفرنسا والاتهامات المتبادلة بين الدولتين تزيد من التهديدات التى تتعرض لها الدولة المالية فى ظل حالة الاستقطاب التى تفرضها هذه الخلافات وخاصة مع اعتماد فرنسا على الدول الأوروبية وكذلك دول الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (الايكواس) فى الضغط على المجلس العسكرى فى مالى و"تذرع" المسئولين فى مالى بقضية السيادة الوطنية وأن أى تواجد لقوات أجنبية على أراضى مالى لابد أن يتم عبر اتفاق مع الحكومة المالية، والتنديد بالوصاية التى تفرضها فرنسا على مالى فى الأمم المتحدة واختراقها المستمر للسيادة الوطنية لمالى عبر إرسال قوات أجنبية إلى أراضيها مثل فرقة العمل الأوروبية "تاكوبا" والتى أسستها فرنسا فى عام 2019.
وفي الوقت الذي تتصاعد فيه الاتجاهات المعادية للوجود الفرنسى فى مالى ومنطقة الساحل بأثرها، ويتراجع اهتمام فرنسا الداخلى بالشئون الإفريقية مع حرص الدوائر الرسمية على اقتصار اهتمامها الإفريقى على محاربة التنظيمات الإرهابية، لا تزال فرنسا تستخدم أدوارها فى القارة الإفريقية كأساس لنفوذها وتأثيرها الدولى وتعزز رئاسة فرنسا الدورية للاتحاد الأوروبى من هذا التوجه حيث تحرص فرنسا على إشراك اكبر عدد من الدول الأوروبية فى محاربة الإرهاب فى الساحل.
وعلى الجانب الآخر، ينتظر مالى مستقبل مجهول فى ظل تراجع الدعم العسكرى الذى تتلقاه من الخارج، وحتى مع تواجد بعض مرتزقة شركة "فاجنر" الروسية فلن تستطيع هذه المجموعة أن تقوم بالأدوار التى كانت تتولاها عملية "برخان"، مما ينذر بعواقب وخيمة على الأمن فى مالى. ويبدو أن فرنسا لا تريد أن تصل الأوضاع فى مالى إلى مرحلة الفوضى أو سيطرة أحد التنظيمات الإرهابية على العاصمة باماكو على غرار ما شهدته أفغانستان، كما أن العداء الشعبى لفرنسا يتزايد وخاصة فى ظل تضرر الدول المجاورة لمالى مثل السنغال بالعقوبات المفروضة على مالى، فى الوقت الذى يتطلع الرئيس الفرنسى ماكرون للفوز بولاية ثانية عبر الانتخابات المزمع إجراءها فى أبريل 2022.
من هنا لابد من البحث عن أدوات لتخفيض التوترات التى تشهدها مع مالى فى علاقاتها مع فرنسا وكذلك فى علاقاتها مع الدول الإفريقية المجاورة لها، والبداية يمكن أن تكون من المجلس العسكرى الحاكم فى البلاد عن طريق العمل على العودة إلى الحكم المدنى وإجراء الانتخابات فى أقرب وقت حيث تعد مالى دولة حبيسة وتمثل التجارة عبر الحدود مصدراً حيوياً للدخل فى البلاد، لذلك تنتج العقوبات المفروضة من "الايكواس"، والتى تتضمن إغلاق الحدود بين مالى وجيرانها، ضغوطاً كبيرة على الحكومة والمواطن فى مالى.
كما تفرض التطورات التى تشهدها مالى على الدول الإفريقية محاولة البحث عن حلول للأزمات التى تعانى منها هذه الدولة وخاصة فى ظل اتجاه القوى الأجنبية للخروج من القارة الإفريقية مما يجعل دول القارة تواجه التحديات بمفردها، وهو ما يستدعى الاتجاه إلى تفعيل الآليات الإفريقية لمواجهة التهديدات، هذا فضلاً عن أهمية التواصل مع القادة العسكريين والسياسيين فى مالى للوصول إلى حلول لأزماتها وخاصة أن تدهور الأوضاع الأمنية والإنسانية فى مالى لن يتوقف عند حدود هذه الدولة، ولكنه سيفجر الأوضاع وسيكون له تأثيرات واسعة على كل دول الساحل وإقليم غرب إفريقيا.