قضايا وتحليلات - قضايا الإرهاب والتطرف 2022-2-7
أحمد كامل البحيري

باحث متخصص في شئون الإرهاب - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

يفرض مقتل قيادات التنظيمات الإرهابية أزمة على مستوى الهيكل التنظيمي ما بين قيادات التنظيم وقواعده المختلفة، كما يطرح إشكالية أمام الأجهزة الأمنية في الدول المعنية بمكافحة الإرهاب، حيث تشكل قيادات التنظيمات الإرهابية عاملاً مؤثراً في نشاط وفاعلية التنظيم، وتحديد مسارات الحركة من حيث التمدد والانحسار وطبيعة المستهدف، وهو ما يوحي بأن التساؤلات التي تطرح في الوقت الحالي حول مَن سيخلف زعيم تنظيم "داعش" أبي إبراهيم الهاشمي القرشي، تبقى هى التساؤلات الأهم سواء على صعيد أفرع التنظيم ومستوياته المختلفة، أو لدى القوى الإقليمية والدولية المعنية بالحرب ضده.

أزمة الخلافة

سعى تنظيم "داعش" إلى التمايز عن باقي التنظيمات الإرهابية الأخرى باستخدام تكتيك "حلم الخلافة"، واستبدال مسمى "الدولة الإسلامية في العراق والشام – داعش" وتعيين "خليفة" للتنظيم، في محاولة لتحقيق ثلاث أهداف رئيسية: الأول، هدف سياسي يتمثل في مواجهة تنامي نفوذ تنظيم "جبهة النصرة" مع بدء الصراع بين أبي بكر البغدادي وأبي محمد الجولاني حول تبعية التنظيم الأخير، لاسيما بعد اتساع نطاق نفوذه واجتذابه العديد من المقاتلين والأجانب للانضمام إليه بالتوازي مع تراجع سيطرة أبي بكر البغدادي و قيادات تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق" على "الجبهة"، وقد دفع ذلك البغدادي وقيادات التنظيم إلى إعلان قيام "الخلافة" و"الدولة الإسلامية" لتحقيق مكاسب سياسية عبر استغلال حالة السيولة الأمنية في سوريا وبعض دول المنطقة.

والثاني، ينصرف إلى الانشقاق عن تنظيم "القاعدة"، فمع احتدام الصراع بين أبي بكر البغدادي وأبي محمد الجولاني، انحاز أيمن الظوهري إلى الجولاني وتنظيم "جبهة النصرة"، وهو ما دفع العناصر القيادية في تنظيم "داعش" ذات الخلفية البعثية والعسكرية من النظام العراقي السابق إلى تحديد مسار حركة وتكتيكات التنظيم، بالإضافة إلى الخلاف حول تحديد أولويات القتال بين "القاعدة" و"داعش"، لا سيما حول تحديد مفهوم "العدو"، باعتبار أن "العدو القريب"- المتمثل في غير المسلم من المواطنين وخصوصاً من المذاهب غير السنية- أولى بالقتال من "العدو البعيد". وقد ساعد هذا الصراع والخلاف على بلورة مفهوم "الخلافة" لدى تنظيم "داعش"، خصوصاً في ظل حالة الاحتقان السياسي والطائفي في العراق بعد الغزو الأمريكي. هذا المفهوم كان له دور في استقطاب أعداد كبيرة من المواطنين السنة في العراق وسوريا للانضمام لـ"داعش". ومع نجاح هذا التكتيك وجدت تلك العناصر القيادية الفرصة في إعلان ما يسمى بـ"دولة الخلافة الداعشية" والانفصال عن تنظيم "القاعدة".

والثالث، يتعلق باستقطاب عناصر جديدة للتنظيم، حيث حاول "داعش"، منذ المرحلة الأولى في عام 2014، وضع استراتيجية إعلامية تقوم على جذب العناصر الشابة سواء من العرب أو من المسلمين الأجانب، عبر تسويق "دولة الخلافة". وقد نجح التنظيم في مراحله الأولى في تجنيد العديد من العناصر الشابة بالمنطقة ودول العالم تحت مسمى "حلم دولة الخلافة".

ومع الهزيمة التي تعرَّض لها في الموصل في سبتمبر 2017، والباغوز في مارس 2019، وفقدانه السيطرة الفعلية على الأرض والعودة إلى "الصحراء" والانسحاب من المدن والانتقال من مفهوم "الدولة" إلى مفهوم "التنظيم"، ولا سيما مع مقتل زعيمه المؤسس أبي بكر البغدادي وأغلب قيادات الرعيل الأول المؤسس "مجموعة الزرقاوي"، بدأ مفهوم "الخلافة" يشكل عبئاً على التنظيم لثلاث أسباب رئيسية:

أولها، مطالبة البعض بـ"تدوير" منصب قائد التنظيم، وبمعنى أدق عدم حصره في الجنسية العراقية وإتاحة الفرصة لجنسيات أخرى عربية للوصول إليه. هذا المطلب الذي تصاعد بقوة بعد مقتل أبي بكر البغدادي في 27 أكتوبر 2019، ولم يتم الالتفات إليه بعد أن تم اختيار أبي إبراهيم الهاشمي القرشي، تحول إلى أزمة داخل التنظيم، خاصة مع تواجد خمسة جنسيات في المستوى القيادي للتنظيم، وهو ما قد يجعل من المطالبة بـ"تدوير" المنصب خارج الجنسية العراقية متغيراً مؤثراً في عملية الاختيار خلال المرحلة الجارية. 

وثانيها، حرص بعض أفرع التنظيم من جنسيات غير عربية مثل (غرب أفريقيا ووسط أفريقيا وأفغانستان وجنوب شرق آسيا) على الترويج إلى أنها أصبحت الأكثر تأثيراً ونشاطاً في تنفيذ العمليات الإرهابية في وقت تراجعت سيطرة وفاعلية التنظيم داخل كل من العراق وسوريا وبعض الدول العربية الأخرى، على نحو يعطيها، وفقاً لتلك الرؤية، الحق في المشاركة في إدارة وقيادة التنظيم، وهو ما يجعل من اختيار عنصر قيادي من شمال أفريقيا (تونسي – جزائري – ليبي) احتمالاً قائماً ولا سيما في حالة ما إذا كان هناك اتجاه للسيطرة على فرعى التنظيم الأقوى (غرب أفريقيا ووسط أفريقيا).  

وثالثها، اختيار منصب قائد التنظيم من خارج نطاق "الجناح الدعوي" أو بمعنى أدق اختيار من يمثل التنظيم من الجناح الأمني والعسكري وعدم حصر الاختيار في أشخاص ذوي خلفية دينية، وهو النهج الذي تبناه التنظيم خلال المرحلة الماضية.

هذه الإشكاليات الثلاث حولت مفهوم "الخلافة الداعشية" إلى سبب للصراع أكثر من كونه أداة واستقطاب وتجنيد للمواطنين. وربما يمكن القول إن هذه الإشكاليات سوف يكون لها دور رئيسي في تحديد مستقبل الهيكل التنظيمي لـ"داعش" خلال المرحلة المقبلة.

المرشحون المحتملون

فرض نجاح العراق والتحالف الدولي لمكافحة الإرهاب في قتل والقبض على أغلب قيادات التنظيم المؤسسين، أزمة جديدة داخل التنظيم تتعلق بالشخصيات المرشحة لخلافة القرشي، حيث تنحصر الأسماء في عدد محدود وهم (جمعة عواد البدري، عياد الجميلي، أبي حمزة القرشي، أبي عثمان التونسي، معتز الجبوري، زياد عبدالله، بشار الصميدي، نايف شياع، الحاج عبدالله "الجزراوي"، والمسئول الشرعي أبي عبدالله القاضي).

وعلى الرغم من أنه كانت هناك سابقة تتعلق باختيار خليفة زعيم التنظيم في حياته، على غرار ما فعل أبو بكر البغدادي مع اختيار أبي إبراهيم القرشي خليفة له، إلا أنه لا يوجد ما يضمن تكرار الالتزام بهذا النهج. كما أن القاعدة السابقة التي تبناها التنظيم وتقوم في الأساس على حصر قيادته في الجناح الدعوي مقابل سيطرة الجناح العسكري على مفاصله قد تتعرض للتغيير، خاصة في ظل النفوذ الذي يمتلكه الأخير في المرحلة الحالية على نحو يبدو جلياً في الأدوار التي يقوم بها الجبوري والجزراوي. وقد بدأت اتجاهات عديدة في طرح تساؤلات حول مدى إمكانية استمرار التكتيك نفسه في اختيار الزعيم الجديد للتنظيم، واحتمالات الدفع لأول مرة بالعناصر الأمنية والعسكرية لمستوى القيادة، ومدى إمكانية حدوث تحول جذري في الهيكل التنظيمي والاستراتيجية القتالية للتنظيم خلال المرحلة المقبلة.

في النهاية، يمكن القول إن النهج الذي سوف يتبعه "داعش" في اختيار القائد الجديد سوف يكون له تأثير كبير على البنية التنظيمية والاستراتيجية القتالية وطبيعة المستهدف، كما حدث مع تنظيم "القاعدة" في أعقاب مقتل أسامة بن لادن في مايو 2011، واختيار أيمن الظواهري، حيث انعكس    ذلك على وضعية التنظيم خلال السنوات العشر الماضية.