أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، في 3 فبراير الجاري (2022) عن مقتل زعيم تنظيم "داعش" أبي إبراهيم الهاشمي القرشي، في عملية نوعية نفذتها القوات الخاصة الأمريكية بمنطقة "اطمة" بريف إدلب بالقرب من الحدود السورية-التركية، وهى العملية التي طرحت العديد من الدلالات والتساؤلات حول مغزى التوقيت والمكان، ومستقبل التنظيم، وقيادته المحتملة فيما بعد مقتل القرشي.
دلالات عديدة
كان لافتاً أن هناك تشابهاً كبيراً بين عمليتى قتل القرشي والبغدادي من حيث تكتيك الاستهداف والمكان والقتل، وهو ما يمكن ملاحظته على النحو التالي:
1- تتشابه عملية قتل أبي إبراهيم الهاشمي القرشي مع قتل الزعيم السابق للتنظيم أبي بكر البغدادي، في 27 أكتوبر 2019، من حيث التكتيك العسكري الذي استخدمته الولايات المتحدة الأمريكية في عملية الاستهداف، حيث قامت القوات الخاصة الأمريكية بعملية إنزال عسكري على موقع اختباء القرشي والذي قام بتفجير نفسه على غرار ما فعل أبي بكر البغدادي.
2- جرت عملية الاستهداف بقرية "اطمة" التابعة لريف إدلب، والتي تبتعد بنحو 10 كيلو متر عن موقع استهداف أبي بكر البغدادي، بما يعني أن إدلب تحديداً كانت تحظى بأهمية خاصة من جانب التنظيم.
3- احتمى أبو إبراهيم القرشي، على غرار البغدادي، بمناطق ليست تحت سيطرة تنظيم "داعش"، وقد كان ذلك بالتعاون مع عناصر من تنظيم "حراس الدين"، على نحو يلقي الضوء على العلاقة القوية التي يؤسسها "داعش" مع عناصر "حراس الدين" رغم أنه ينتمي إلى تنظيم "القاعدة".
4- يقع المكان الذي كان يختبأ فيه القرشي بالقرب من الحدود التركية، وهو ما يوحي بأن اختيار المكان كان مقصوداً ليكون بعيداً عن الأنظار والمتابعة الأمنية ومحاولات الاستهداف.
5- تأتي عملية الاستهداف بعد أيام من العملية النوعية الكبرى لتنظيم "داعش" ضد سجن الصناعة بمنطقة غويران بمدينة الحسكة، والتي تعتبر من أكثر عمليات التنظيم تأثيراً نتيجة هروب العديد من قيادات وعناصر التنظيم، على نحو دفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى تأكيد أن ذلك يمثل تهديداً حقيقياً يمكن أن يعطي دفعة قوية لتنظيم "داعش" خلال المرحلة المقبلة.
6- يتزامن توقيت مقتل القرشي مع اقتراب موعد التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي، وهو ما يتشابه- من ناحية التوقيت- مع مقتل البغدادي (27 أكتوبر 2019)، الذي سبق الانتخابات الرئاسية الأمريكية. وقد كان لافتاً أيضاً أن مقتل أبى مصعب الزرقاوي (2006) وأسامة بن لادن (2011) كان قريباً من استحقاقات انتخابية أمريكية.
تداعيات محتملة
على الرغم من أهمية عملية استهداف أبي إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم تنظيم "داعش" من حيث "رمزية" الاستهداف، إلا أن اللافت للانتباه أن تداعياتها على التنظيم ربما تكون محدودة مقارنة بالتأثيرات التي فرضها مقتل البغدادي، وهو ما يعود إلى أسباب عديدة يتمثل أبرزها في:
1- عدم معرفة القواعد التنظيمية لـ"داعش" بالقرشي، إذ لم يخرج الأخير بخطاب واحد منذ توليه المنصب على مدار عامين ونصف تقريباً.
2- لم يتمكن القرشي من امتلاك كاريزما وتعزيز نفوذه داخل التنظيم، بسبب قِصر المدة التي تولى فيها القيادة، والتي لم تتجاوز عامين ونصف منذ نوفمبر 2019 وحتى فبراير 2022، وهى أقل مدة لقيادة التنظيم مقارنة مع أبي عمر البغدادي وأبي بكر البغدادي.
3- طبقاً لاستراتيجية التنظيم الجديدة والتي تم إعلانها بعد مقتل البغدادي، تحت عنوان "فترات عدم التمكين"، تم توسيع مساحة التحرك أمام أفرع التنظيم المختلفة، وفقاً لنظام لامركزي، وهو ما ساهم في تقليص تداعيات مقتل قيادات الصف الأول بالتنظيم خاصة على الأفرع المختلفة.
مَن سيقود "داعش"؟
تمكن التحالف الدولي ضد "داعش" والحكومة العراقية من قتل بعض قيادات تنظيم "داعش" والقبض على البعض الآخر خلال عامى 2020 و2021، وهو ما أضعف من قدرة التنظيم على اختيار قيادات بديلة يمكن أن تملء أى فراغ محتمل قد يفرضه غياب القرشي، إذ تم استهداف الرعيل المُؤسِس للتتظيم (48 قيادي) ولم يتبقى منهم سوى اسمين تدور حولهما الترشيحات لخلافة القرشي، بجانب المتحدث الرسمي للتنظيم أبي حمزة الهاشمي القرشي.
إذ من المحتمل تولي جمعة عواد البدري رئيس مجلس شورى التنظيم وشقيق زعيم التنظيم السابق أبي بكر البغدادي القيادة، وهو الاسم الذي يمكن أن يساعد على تماسك التنظيم ومنع حدوث انشقاقات محتملة من جانب بعض العناصر أو بعض الأفرع، وخصوصاً بعد ارتفاع أصوات بعض الأفرع التي تطالب بمبدأ "التدوير" الخاص بمنصب زعيم التنظيم عبر المطالبة باختيار أسماء غير عراقية لتولي مسئولية قيادته.
وقد يتولى أبو صفاء الرفاعي، وهو الرجل الأهم والأقوى في تنظيم "داعش" حالياً، والقيادي العسكري "الخفي"، قيادة التنظيم خلفاً لأبي إبراهيم القرشي، واسمه الحقيقي مازن نهيري، وتشير تقارير عديدة إلى أنه كان عسكرياً برتبة عقيد في الجيش العراقي في عهد الرئيس الأسبق صدام حسين، ويعتبر من مؤسسي التنظيم الثلاثة الذين وضعوا النواة الأولى، وقد تزايدت أهمية دوره بعد مقتل أبي مسلم التركماني وعبد الرحمن القادولي اللذين يمثلان الخط الثاني من القيادات.
أزمة الأيديولوجيا
يمر تنظيم "داعش" منذ عام 2015 بأزمة حادة حول هويته العقائدية والفكرية بعد النزاع الذي استمر لما يقرب من ثلاث أعوام بين جناحين فكريين: الأول، يطلق عليه "الحازمون" نسبة لأبي أحمد بن عمر الحازمي. والثاني، يطلق عليه "البنعاليون" نسبة لتركي بن علي. وقد وصل الصراع بين هذين الجناحين إلى مرحلة الاقتتال حتى حسم أبو بكر البغدادي الأمر، في عام 2016، لصالح جناح "البنعاليين"، وأمر بقتل وعزل زعماء وقيادات جناح "الحازميين"، وهو ما دفع بعض قواعد التنظيم إلى الانشقاق وتشكيل تنظيم "جند الله" الذي يتمركز بالقرب من جبال اللاذقية وعلى الحدود مع محافظة إدلب، ويعتبر أكثر التنظيمات الإرهابية غلواً وتشدداً في العالم، إذ ينطلق من القاعدة الفقهية "مَن لم يُكفِّر الكافر فهو كافر"، واستباح من خلالها عملية قتل المدنيين، حيث برزت العمليات الإرهابية التي يستخدم فيها الحرق على غرار ما حدث مع الطيار الأردني معاز الكساسبة، ومن ثم فهناك إمكانية لعودة عناصر تنظيم "جند الله" إلى تنظيم "داعش" مرة أخرى، بعد مقتل القرشي، لتعويض النقص العددي والقيادي داخل التنظيم، على نحو يمكن أن تظهر معه نسخة "داعش" الجديدة التي تختلف جذرياً عن "داعش" (2016-2022).
في المجمل، تطرح عملية استهداف القرشي على يد القوات الأمريكية العديد من السيناريوهات الخاصة بمستقبل تنظيم "داعش" لاسيما على مستوى أزمة القيادة المحتملة التي تعتبر محدداً رئيسياً لمسار التنظيم خلال المرحلة المقبلة.