يعانى إقليم الشرق الأوسط معضلة أمنية "حادة" تجلت مظاهرها، على مدى العقدين الماضيين، فى العديد من الحروب والصراعات المسلحة، فضلا عن التغييرات السياسية الحادة التى شهدتها بعض الدول العربية فيه، وهى تغييرات كشفت ما تعانيه تلك الدول من الضعف والهشاشة بما عرضها لدورات متوالية من الأزمات، لاسيما فى خضم ما يشهده الإقليم من تحولات وتغيرات متعددة الأبعاد؛ كشفت عن مخاطر افتقار إقليم الشرق الأوسط إلى بنية أمنية تُعزز من قدرة بلدانه على معالجة ما تواجهه من تحديات.
فى هذا الصدد، تمكنت مصر من تقديم نموذجها الخاص فى إدارة الأزمات فى محيطها الإقليمى وعلى الصعيد الوطنى، وهو ما جعلها قادرة على مواجهة المهددات الأمنية الإقليمية – والتى قد تؤثر سلبا على الداخل – باستراتيجيات قابلت مصادر التهديد بنموذج "تنموى" مكنها من مواجهة تحديات الأمن الإقليمى من ناحية، وتحولاتها المستقبلية من ناحية ثانية.
في هذا الإطار وتحت عنوان "مصر والأمن الإقليمى..المعضلات واستراتيجيات المواجهة"، ناقشت الأستاذة صافيناز محمد أحمد، رئيس تحرير دورية "بدائل"، فى افتتاحية العدد ما تواجهه المنطقة العربية من أزمات متعددة، لا تقتصر على الأزمات الداخلية المرتبطة بطبيعة العلاقة بين السلطة وقوى المعارضة فقط، وإنما تلك التى اكتسبت بعداً خارجياً بتدخل بعض القوى الإقليمية غير العربية؛ كإيران وتركيا فى الشئون الداخلية لعدد من الدول المحورية فى المنطقة العربية، التى تقع ضمن دوائر التأثير والتأثر بالمشروعات الإقليمية لتلك القوى، الأمر الذى جعل من هذه الدول (سوريا، اليمن، ليبيا والعراق) ساحة للتنافس السياسى والعسكرى الإقليمى.
فى خضم ذلك، كان من اللافت حفاظ مصر على استقرارها السياسى والأمنى على مدار السنوات العشر الماضية، بصورة مكنتها من إدارة سياستها الخارجية وفقا لاستراتيجيات متوازنة، والانخراط الفعال فى محيطها العربى. وهو ما عزز من قدرتها على الدخول فى تحالفات نوعية عبر أُطر "إقليمية فرعية"؛ كالتعاون الإقليمى المصرى -القبرصى- اليونانى فى منطقة شرق المتوسط. معتمدة فى ذلك على استراتيجية متعددة الآليات والأبعاد تقوم على "التوازن"، و"عدم الانعزال"، و"مواجهة التحديات"، فضلاً عن العمل على الحفاظ على الأمن الإقليمى العربى باعتباره امتدادا للأمن القومى المصرى عبر تفعيل آليات العمل العربى المشترك.
وتحت عنوان"الرؤية الاستراتيجية المصرية تجاه متغيرات الأمن الإقليمى"، ناقش الأستاذ أحمد عليبة، الباحث فى مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، ما يُعانيه إقليم الشرق الأوسط من معضلة أمنية "مزمنة" تتجاوز حد ما شهدته بعض دوله من تغيرات سياسية ذات أبعاد أمنية فى عام 2011 ، لتشمل التحولات التى يشهدها الإقليم إثر تغير سياسة عدد من القوى الإقليمية والدولية تجاه دوله، والتى ألقت بظلالها على الأمن الإقليمى فى ظل غياب منظومة أمن إقليمى عربى جماعى.
فى هذا السياق أشارت الدراسة إلى استمرارية التهديدات الأمنية للأمن الإقليمى العربى، نتيجة ما تشهده المنطقة من تدهور مستمر لحالة الأمن والسلم، وتنامى ظاهرة الإرهاب، الأمر الذى دفع مصر لانتهاج مقاربة تقوم على "الموازنة" بين المهددات التقليدية المزمنة، والمهددات غير التقليدية الطارئة، عبر عدة استراتيجيات، منها استراتيجية "الداخل أولاً" والتى انعكست فى بلورة استراتيجية دفاعية لمكافحة الإرهاب، وتعزيز أمن الحدود، إلى جانب استراتيجية "الانخراط التدريجى" فى المشهد الإقليمى ببعديه الأمنى والاقتصادى، وهو ما مكن القاهرة من تقديم نموذج "مرن فعال" لإدارة علاقاتها الخارجية فى ظل محيط إقليمى مضطرب.