كشفت الساعات الأولى من العام الجديد على الصعيد الفلسطيني عن مخاطر استمرار التهدئة الهشة التي تحكم المشهد والعلاقات بين الفصائل الفلسطينية في غزة وإسرائيل، بكل ما تحمله من فرص للتصعيد وتفعيل قواعد الاشتباك المفروضة منذ حرب غزة الرابعة في مايو ٢٠٢١. تصعيد يمكن أن يخرج عن السيطرة بسهولة وتتجه الأوضاع معه إلى حرب جديدة. حرب يمكن بدورها أن تتجاوز فكرة الحرب الخامسة على قطاع غزة إلى حالة حرب أكثر اتساعاً تمتد إلى الضفة الغربية والمدن المختلطة، وقد تتسع إلى أطراف أخرى في الإقليم، وتتميز بسمات تختلف كلياً عن الحروب السابقة وخاصة على صعيد القدرة على ضبط التفاعلات واستعادة التهدئة ومعها حجم الخسائر البشرية والمادية.
ومع تعدد الملفات التي أثيرت في العام الماضي (٢٠٢١) بوصفها أسباب محتملة للتصعيد والحرب، وخاصة بعد حرب غزة الرابعة، ظلت قضية الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية مطروحة بوصفها أحد الأسباب القوية للتصعيد وخاصة مع الضغوط التي فرضت على الأسرى والتهديدات المتكررة من قبل الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة (أبو طارق)، والتي تربط بين ملف الأسرى وأوضاعهم في السجون الإسرائيلية من جانب وملف التصعيد وإنهاء التهدئة من جانب آخر.
وامتدت رسائل النخالة من التحذير الذي أطلقه خلال عملية البحث عن الفارين الستة من سجن جلبوع الإسرائيلي في سبتمبر الماضي، إلى أوضاع أسرى الحركة في السجون الإسرائيلية والتي أدت إلى إضراب عدد كبير من سجناء الحركة عن الطعام وتدهور الحالة الصحية لبعضهم، وصولاً إلى التهديد الأخير الذي أطلقه في ٢٩ ديسمبر الفائت، ودعمته فصائل المقاومة الفلسطينية، والخاص بحالة السجين الفلسطيني هشام أبو هواش المضرب عن الطعام لمدة وصلت إلى 141 يوماً حتى 4 يناير الجاري (٢٠٢٢).
ومع التهديدات المثارة حول أوضاع الأسرى الفلسطينيين، وخاصة بعد الفرار من سجن جلبوع، والتي أطلق عليها فلسطينياً عملية نفق الحرية، احتلت قضية الأسرى موقعها بوصفها العنوان الكبير الذي يمكن أن يتسبب في حرب ترتبط فرص حدوثها بأوضاع الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية من جانب، وبعدم حسم العديد من الملفات المطروحة للتفاوض مع إسرائيل منذ قرار وقف حرب غزة الرابعة من جانب آخر.
ملفات تعيد إلى الواجهة تفسير الفصائل للصواريخ التي أطلقت في بداية عام ٢٠٢٢ من غزة وسقطت في البحر قبالة تل أبيب، والتعامل الإسرائيلي معها، والجهود المصرية السريعة من أجل ضبط التصعيد والحفاظ على التهدئة. وفي حين فسرت الفصائل إطلاق الصواريخ بشكل سريع بخلل فني ناتج عن سوء الأحوال الجوية، توصل الجيش الإسرائيلي بعد تقييم الموقف الأمني والخيارات المتاحة، وفي ظل السخرية من الحدث والمطالبة بالرد، إلى أهمية الرد على صواريخ غزة وهو ما تم عبر استهداف عدد من المواقع التابعة لحركة المقاومة الإسلامية- حماس في القطاع.
بدورها، قامت الفصائل بالرد عبر استهداف الطائرات الإسرائيلية التي قصفت القطاع، مع تشكيك البعض فلسطينياً في التفسير الأول، والحديث عن إمكانية وجود رسائل تحذير، لا يمكن استبعادها، ضمن سياسة التصعيد المتدرج التي تتبعها الفصائل للتأثير على إسرائيل وجهود الوساطة. جهود ظهرت واضحة مع الوساطة المصرية التي بدأت فور إطلاق الصواريخ من القطاع بين الفصائل وإسرائيل من أجل الحفاظ على التهدئة.
في ظل تلك التطورات، تعود القضية الفلسطينية إلى الواجهة كما كانت في أبريل ومايو من العام الماضي، ولكن مع اختلافات جوهرية تتمثل في حدود التصعيد وطبيعة الحرب القادمة في حالة تم تجاوز التصعيد المُقيَّد. وبشكل عام، تتوقف التطورات في اللحظة والمدى القصير على قراءة الأطراف المعنية للتطورات التي حدثت في الساعات الأخيرة، وهل تعد خروجاً عن معادلة التهدئة القائمة أم مجرد حلقة جديدة من حلقات التصعيد المقيد التي لا تنهي التهدئة ولكن تضع مؤشرات على المسار التفاوضي وتؤكد على نفاد صبر الفصائل، والتأثير السلبي لعامل الوقت على تطورات الأحداث. بالإضافة إلى ملف أبو هواش وما يمكن أن يحدث من تطورات وتحركات، وقدرة الوسطاء وخاصة مصر على الحفاظ على التصعيد المُقيَّد وعدم تجاوزه إلى حالة الحرب المفتوحة.
من جلبوع إلى أبو هواش: ملف الأسرى وفرص الحرب
مع ارتباط قضية الفرار من سجن جلبوع بالكثير من التفاصيل الخاصة بالقدرات الأمنية الإسرائيلية والأجواء المصاحبة لعملية الفرار، والقدرة على الفرار من سجن شديد الحراسة والتأمين كما يقدم إسرائيلياً، بأدوات بسيطة، تجاوزت قضية الأسرى فكرة السجن إلى تأسيس حالة خاصة من البطولة ووضعية الأسطورة في المخيلة الفلسطينية. وضعية قادت إلى إضافة الأسرى الفارين من سجن جلبوع على رأس قائمة حماس في مفاوضات صفقة تبادل الأسرى كما أعلنت بشكل واضح عبر أبو عبيدة، المتحدث باسم كتائب عز الدين القسام- الجناح العسكري للحركة، وغيرها من التصريحات التي زادت من أهمية ملف الأسرى في السجون ومعها فرص التصعيد والحرب.
وبعيداً عن أهمية الفارين من سجن جلبوع، أو أسرى نفق الحرية كما يطلق عليهم فلسطينياً، بالنسبة للفصائل، أصبحت التطورات وتحركات الفصائل وتقييمها شعبياً رهناً بالقدرة على الوصول إلى حلول تتعامل مع المخيلة الشعبية الخاصة بأسطورة الأسير الفلسطيني، وواقع السجون، وحدود الأمن الإسرائيلي وقدرة إسرائيل على السيطرة، وهى العوامل التي تفرض المزيد من الضغوط على الفصائل من أجل الإفراج عن المساجين سواء بالتهديد أو بالتصعيد أو عبر صفقة التبادل المنتظرة.
وبالإضافة إلى قضية الفرار من السجن، ساهمت التطورات التالية على مستوى الاعتقال الإداري، وتحركات الأسرى الفلسطينيين بشكل منظم وجماعي داخل السجون الإسرائيلية رفضاً لسياسات إدارة السجون أو معارضة لمواقف محددة مثل معاملة الأسيرات الفلسطينيات، والإضراب الجماعي أو الفردي عن الطعام، والصدام بين الأسرى الفلسطينيين والسجانين الإسرائيليين وغيرها من التطورات التي شهدتها الفترة التالية لعملية "نفق الحرية"، ظلت قضية الأسرى على الأجندة الفلسطينية واحتلت موقعها في صدارة التطورات وباتت ملفاً مفتوحاً للفصائل والشعب الفلسطيني. وإذا كانت الفترة السابقة اعتمدت على فكرة التصعيد التدريجي والمُقيَّد بتدخل الوسطاء ومحاولة الحفاظ على التهدئة، فإن الأوضاع الحالية تفرض واقعاً جديداً يسهل معه الخروج من دائرة التدرج والتقييد إلى حالة التصعيد المتبادل الذي ينهي حالة التهدئة القائمة منذ نهاية حرب غزة الأخيرة.
ولعل السؤال الذي تطرحه التطورات القائمة هو السبب الذي يجعل أبو هواش تحديداً رقماً أساسياً في المشهد الحالي، خاصة وأنه ليس الأسير الأول الذي يضرب عن الطعام وتهدد حياته. ورغم سهولة الحديث عن تفرد حالة أبو هواش في ظل مدة الإضراب عن الطعام، والتطورات الصحية التي حدثت له بما فيها التحذيرات الطبية من تهديد حياته، إلا أن القضية أكثر عمقاً من هذا.
ويثير الاهتمام في هذا السياق إصرار إسرائيل على استمرار الاعتقال الإداري للأسير أبو هواش. ورغم إعلان إسرائيل عن تعليق اعتقال أبو هواش في ٢٧ ديسمبر الفائت مع تدهور حالته الصحية وتحويله من عيادة سجن الرملة إلى مستشفى مدني، لم تعلن إسرائيل إنهاء حالة الاعتقال كما حدث مع حالات إضراب أخرى، وتحول أبو هواش، بكل ما أحاط به من تفاعلات، إلى حالة اختبار بين إسرائيل والفصائل. من جانبها، ترغب إسرائيل في إنهاء العلاقة بين الإضراب عن الطعام وإنهاء الاعتقال الإداري والتي تكررت مع حالات سابقة.
وبهذا يحمل التحرك الإسرائيلي رسالة مفادها أن الإضراب عن الطعام وتدهور الحالة الصحية للأسير الفلسطيني قضية منفصلة عن إنهاء الاعتقال الإداري ولا يجب أن يتحول إلى سلاح فلسطيني في مواجهة السجن. وفي ظل التطورات القائمة يتحول الملف إلى جزء من سؤال عن تشدد حكومة رئيس الوزراء نفتالي بينيت مقارنة بحكومة رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، ويتحول التعامل الإسرائيلي إلى فرصة لليمين المتطرف لدفع خيار التصعيد في القطاع، مقابل محاولة تهدئة الساحة الفلسطينية من أجل تجنب فتح جبهات صراع متعددة في وقت لازال التركيز الإسرائيلي على ملف السلاح النووي الإيراني.
ورغم ترجيح تجنب إسرائيل لخيار التصعيد المفتوح مع القطاع بسبب أولويات المرحلة إسرائيلياً، لا يمكن تحييد تأثير الضغوط الداخلية وخاصة في حالة تصعيد الفصائل وإطلاق المزيد من الصواريخ أو القيام بعمليات على حدود القطاع وهي التحركات التي ترتب بدورها الرد الإسرائيلي وتتجاوز شروط التهدئة القائمة.
وعلى صعيد الفصائل، يتحول أبو هواش إلى حالة توازن أخرى، وخاصة على مستوى حركة الجهاد الإسلامي، ليس فقط بحكم الانتماء، ولكن طبيعة مواقف الحركة الأكثر تشدداً في مواجهة إسرائيل في العديد من الملفات، وهو الأمر الذي يعبر عنه حديث الأمين العام للحركة بنفسه عن الخط الأحمر الذي يمثله أبو هواش واستعداد الحركة للرد في حالة عدم الإفراج عنه أو وفاته بقوله: "إذا استشهد الأسير هشام أبو هواش، فسنعتبر ذلك عملية اغتيال قام بها العدو مع سبق الإصرار.. وسنتعامل مع الأمر وفقاً لمقتضيات التزامنا الرد على أي عملية اغتيال".
ومع التزام الفصائل بدعم موقف الجهاد في ظل أهمية ملف الأسرى عموماً للفصائل والشعب الفلسطيني، والإعلان عن جهوزية الفصائل للرد على تعامل إسرائيل مع أبو هواش، يؤسس موقف الفصائل معادلة جديدة في قواعد الاشتباك. وتضيف التطورات أوضاع الأسرى في معادلة "التصعيد بالتصعيد" التي فرضتها الفصائل خلال التصعيد في حي الشيخ جراح والمسجد الأقصى والتي قادت إلى حرب غزة الرابعة حين تم التصعيد من غزة رداً على التصعيد في الأقصى والقدس. وبهذا يصبح من الممكن التصعيد ضد إسرائيل من غزة رداً على سوء معاملة أسير أو وفاته في تطور مهم للقواعد القائمة وتنويع فرص الاشتباك والحرب في اللحظة والمستقبل.
صفقة تبادل الأسرى: الأثر السلبي لعامل الزمن
تعيد قضية أبو هواش وتطورات العام الماضي قضية الأسرى الفلسطينيين إلى الواجهة، ومعها أهمية صفقة تبادل الأسرى المنتظرة بين حماس وإسرائيل. ويتم التعامل مع الصفقة بوصفها الوسيلة الأساسية، وربما الوحيدة في ظل الأوضاع القائمة، للإفراج عن عدد من الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وخاصة الأسرى من أصحاب الأحكام العالية. ورغم أهمية ملف صفقة التبادل، ودور مصر في الوساطة من أجل التوصل إلى اتفاق كما حدث في صفقة التبادل الخاصة بالجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، أو صفقة وفاء الأحرار كما يطلق عليها فلسطينياً، لم يتم تحقيق الكثير في هذا الملف بعد حرب غزة الرابعة.
وتتقيد فرص التوافق على رؤية مشتركة باشتراط إسرائيل الربط بين صفقة التبادل وعملية إعادة إعمار قطاع غزة والتهدئة، ورفض حماس فكرة الربط بين الملفات بوصفها قضايا منفصلة خاصة وأن ملف التبادل مستمر بشكل متقطع منذ أسر الجنود الإسرائيليين السابقين في ٢٠١٤ و٢٠١٥. في الوقت نفسه، ساهمت مطالب حماس التفصيلية حول نوعية وعدد الأسرى المحررين في تقييد فرص التوصل إلى اتفاق في وقت لا ترغب حكومة بينيت في التوصل إلى اتفاق قريب من اتفاق شاليط الذي تم في ظل حكومة نتنياهو. وترغب حكومة بينيت في الحصول على الأسرى الإسرائيليين مقابل أقل ثمن ممكن دفعه من حيث عدد الأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم أو طبيعتهم، وهو الأمر الذي يصعب القبول به فلسطينياً ومن قبل حماس.
ورغم الحديث في الإعلام الإسرائيلي في نهاية العام الماضي عن وجود مقترح للتوصل إلى صفقة تقوم على ٣ مراحل ويتم من خلالها الإفراج عن عدد أكبر من صفقة شاليط، وأكبر من الرقم الذي طرحه يحيى السنوار، رئيس حركة حماس في غزة، بعد الحرب الأخيرة وهو "١١١١"، والقبول بالعديد من طلبات حماس من حيث الإفراج عن النساء والمرضى وعدد من قادة الفصائل، ولكنها تظل في مجال الأخبار وعمليات جس النبض والتداول بين قوى اليمين الإسرائيلية التي لا يقبل بعضها بأقل من شن حرب جديدة ضد القطاع للقضاء على الفصائل التي تهدد أمن إسرائيل مع رفض إبرام صفقة مع الفصائل.
وفي حين يمكن أن يساهم إعلان هيئة البث الإسرائيلي في نهاية ديسمبر الماضي عن استقالة ضابط إسرائيلي كبير من منصبه في الفريق الذي يشارك في المفاوضات الرامية للوصول إلى صفقة تبادل أسرى مع حماس منذ ثلاثة أشهر بسبب امتلاك إسرائيل أدوات التعامل مع القضية وعدم بذل الجهد وإضاعة الفرص التي كانت متاحة في السنوات الأخيرة للتوصل إلى اتفاق مع حماس، في الضغط على القيادة الإسرائيلية من أجل التوصل إلى اتفاق، وخاصة من قبل عائلات الأسرى الإسرائيليين، تظل فرص التوصل إلى اتفاق مقيدة بسياسات حكومة بينيت اليمينية، والتعامل مع كل التحركات من منظور موقف اليمين المتطرف وموقف نتنياهو والمعارضة، وتأثير خطوة مماثلة على حماس وشعبية الفصائل بشكل عام.
بدورها، تعيد الفصائل الحديث عن ملف التبادل وأهمية التوصل إلى صفقة بشكل سريع ومنفصل عن الملفات الخاصة بالقطاع إلى واجهة التطورات المحيطة بوضع هشام أبو هواش. وفي الخلفية، تؤكد التطورات على إشكالية عامل الوقت وتأثيره السلبي على الملفات المفتوحة للتفاوض منذ قرار وقف الحرب. والواضح أنه كلما طال أمد التفاوض تعقدت الملفات وحدثت تطورات خارج الحسابات من شأنها زيادة المطالب أو فرض المزيد من التحديات التي تقيد فرص التوصل إلى اتفاق، ويتحول الهدف إلى الحفاظ على الأوضاع القائمة والتصعيد المُقيَّد وتجنب الحرب.
الحرب الخامسة وما بعدها: تحديات الحرب المفتوحة
يتمثل الهدف المعلن للجهود القائمة منذ قرار وقف حرب غزة الرابعة في تجنب الحرب الخامسة بكل ما يحيط بها من تحديات ومخاطر. وتتعلق المخاطر الأساسية من الحرب القادمة بما تحمله من طبيعة صفرية تقوم على تحقيق هدف تحييد التهديد القادم من غزة من وجهة نظر إسرائيل، والتحرير من وجهة نظر الفصائل. ومن شأن حرب مماثلة أن تمتد وتسمح بتداخل أطراف إقليمية أخرى، وخاصة مع إمكانية التصعيد في المسجد الأقصى والقدس وغيرها من المناطق في الضفة الغربية والمدن المختلطة في وقت تدعو الفصائل إلى هبّة جماهيرية لمناصرة أبو هواش، وتشهد الضفة الغربية بالفعل الكثير من مظاهر المقاومة الشعبية القابلة للتطور.
كما يزيد من مخاطر حرب مماثلة تراجع فرص القبول بجهود الوساطة في حرب خامسة تحدث بشكل سريع وفي ظل فاصل زمني قصير بينها وبين حرب غزة الرابعة، وخاصة في ظل عدم التوصل إلى إنجازات حقيقية على صعيد ملف صفقة التبادل وملفات قطاع غزة التي طرحت في مرحلة ما بعد تهدئة مايو ٢٠٢١. بالإضافة إلى إمكانية تدخل أطراف أخرى يمكن أن تعمل على تصعيد الأوضاع ودعم خيار الحرب من أجل تحقيق مكاسب مختلفة من مدخل القضية الفلسطينية.
ومع إدراك مخاطر حرب مماثلة، تبذل مصر العديد من الجهود في الملفات الضرورية للحفاظ على التهدئة القائمة وتوفير الظروف اللازمة للتوصل إلى تهدئة طويلة الأمد أو هدنة بين الفصائل في غزة وإسرائيل. وفي قلب تلك الجهود تتزايد أهمية ملف صفقة تبادل الأسرى من أجل تقييد فرص الحرب، ويضاف إليها قضايا الاعتقال الإداري والتعامل مع الأسرى الفلسطينيين التي تحولت إلى عامل مؤثر في قواعد الاشتباك التي ظلت قائمة حتى ديسمبر الفائت.
ومع أهمية التعامل مع ملف الأسرى، تظل قضايا إعمار القطاع وفك أو تخفيف الحصار عن غزة قضايا مهمة في ظل الحديث عن مهلة مقدمة من فصائل المقاومة في القطاع حتى منتصف يناير الجاري من أجل التحرك على صعيد تلك الملفات. ومع عدم تحديد سيناريو واضح لمرحلة ما بعد تلك المهلة المفترضة، من المرجح أن تلجأ الفصائل إلى التصعيد المتدرج على حدود القطاع، ودعم ملف المقاومة الشعبية في الضفة الغربية والذي تتزايد أهميته في ظل تزايد عنف المستوطنين ضد القرى والمدن الفلسطينية، وسياسات الاستيطان بصفة عامة. وبهذا تتزايد أهمية الوساطة المصرية وضرورة ممارسة المزيد من الضغط من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الأطراف على إسرائيل من أجل تحريك الملفات اللازمة من أجل الحفاظ على التهدئة والتوصل إلى تهدئة طويلة وتجنب الحرب المفتوحة.
ختاماً، يبدأ العام الجديد والقضية الفلسطينية في واجهة الأحداث، ومصر في قلب جهود الوساطة، والملفات متعددة وفرص التصعيد قائمة والحرب قريبة ويصعب تجنبها ما لم يتم التحرك بشكل كبير من ضبط النفس، مع ممارسة بعض الضغوط وتحديد الأولويات والتركيز على أهمية تجنب الحرب المفتوحة بجدية كافية من كل الأطراف المعنية.