شروق صابر

باحثة مشاركة - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

جددت تقارير نُشرت مؤخرًا حول قيام إيران بتهريب أسلحة لجماعات مسلحة في الصومال عبر خليج عدن، الحديث عن حدود تدخلاتها في منطقة الشرق الأوسط. إذ تسعى جاهدة إلى توسيع نطاق نفوذها في منطقة القرن الأفريقي ذات الأهمية الاستراتيجية، حيث تستطيع من خلالها التأثير في حركة الملاحة في البحر الأحمر.  

وتُولي إيران اهتمامًا خاصًا بالصومال، للعديد من الأسباب، من بينها محاولة استغلال ثرواتها، فقد تم سابقًا رصد عمليات صيد للسفن الإيرانية في المياه الإقليمية الصومالية، دون الحصول على تراخيص من الجهات الرسمية في الصومال،[1]، وتوظيف الجماعات المتطرفة لتحقيق أجنداتها في الشرق الأوسط، لذا عملت على تأسيس علاقات سرية مع حركة "شباب المجاهدين" في الصومال، حيث تنشط الحركة في منطقة القرن الأفريقي، وجنوب البحر الأحمر.

ووفقًا لمؤشر الإرهاب العالمي، الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام، لعام 2020، تعد حركة "الشباب" الصومالية من أكثر الجماعات الإرهابية دموية في أفريقيا عام 2019، حيث تتصدر الصومال المركز الخامس للدول الأكثر تعرضًا لعمليات إرهابية، وأفاد التقرير بأن العمليات الإرهابية في الصومال خلال عام 2019 قد أسفرت عن مقتل 569 شخصاً، وكانت حركة "الشباب" مسئولة عن 88% منهم.[2] كما تصدرت الحركة مؤشر العمليات الإرهابية لمرصد الأزهر في شهر سبتمبر الماضي، بواقع 22 عملية، 20 منها في الصومال، و2 في كينيا، حيث أسفرت تلك العمليات عن مقتل 62 شخصًا، وإصابة 70 آخرين.[3]

وحاولت إيران، من خلال اعتمادها على منظماتها الخيرية فى نشر التشيع والتجسس، التمهيد للتعاون مع حركة "شباب المجاهدين"، كما فتحت أبوابها أمام البعثات الدراسية القادمة من أفريقيا، وخاصة إقليم شرق أفريقيا، للدراسة في الحوزات الدينية، مثل قم وغيرها. واعتمدت العلاقة بين إيران وحركة "الشباب" على مبدأ تحقيق المصالح المتبادلة للطرفين، ففي عام 2018 كشف تقرير صادر عن لجنة الأمم المتحدة، عن ضلوع إيران في تمويل وتسليح حركة "الشباب" ومخالفة العقوبات المفروضة على الحركة، حيث كانت الأمم المتحدة قد فرضت عقوبات على الصومال، وحركة "الشباب"، في عام 2012، شملت حظر صادرات الفحم، لقطع التمويل عن الحركة، للحد من أنشطتها الإرهابية.

 وقامت إيران، حينها، بتحويل موانئها وأراضيها إلى نقطة عبور لصادرات الفحم غير المشروعة من المناطق التي تسيطر عليها الحركة إلى وجهتها النهائية في موانئ إيران، حيث يعاد تصديرها كمنتجات إيرانية، كما سهّلت تلك العلاقة على طهران، عام 2017، الحصول على اليورانيوم من المناجم التي تسيطر عليها الحركة، لرفع مستوى أنشطتها النووية.[4] لكن اتجاهات عديدة تستبعد ذلك، باعتبار أن إيران ليست في حاجة للحصول على اليورانيوم من المناجم الصومالية، في ظل وجود كميات منها في إيران نفسها، فضلاً عن أن ذلك لا يبدو مهمة سهلة في ظل المراقبة الدولية على هذا النوع من المعادن، على نحو يضع عقبات عديدة أمامها.

وقد نجحت إيران، من خلال تلك العلاقة، في نقل الأسلحة إلى ميليشيا الحوثي في اليمن، وإلى دول أخرى، مثل كينيا، وتنزانيا، وجنوب السودان، وموزمبيق، وجمهورية أفريقيا الوسطى، بالإضافة إلى استخدامها تلك الجماعات المتطرفة في تهريب النفط الإيراني إلى داخل الصومال، قبل إعادة بيعه عبر أفريقيا، للتحايل على العقوبات الأمريكية مع استخدام بعض هذه العائدات لتمويل الميليشيات في الصومال، واليمن. كما شكلت، من خلالها، تهديداً للمصالح الأمريكية في البحر الأحمر، وأفريقيا، فقد أشارت تقارير عديدة إلى أنها ووكلاءها متواطئون في هجمات حركة "الشباب" على الجيش الأمريكي، والقوات الصومالية  والأفريقية في الصومال وكينيا.

دلالات التعاون

تواصل إيران تهريب السلاح في منطقة القرن الأفريقي، وتعد الصومال وجهتها المفضلة، حيث كشفت دراسة "المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية"، في 10 نوفمبر الحالى (2021)، عن أن أسلحة إيرانية نقلت إلى الحوثيين يتم تهريبها بشكل ممنهج عبر خليج عدن إلى الصومال، واستند تقرير المنظمة إلى بيانات عن أكثر من 400 قطعة سلاح، جرى توثيقها في 13 موقعاً بأنحاء الصومال، على مدى 8 أشهر، ومخزونات من 13 قارب اعترضتها سفن عسكرية.

 ويطرح قيام إيران بتلك الخطوة عدداً من الدلالات التى توضح أسباب الدعم الإيراني لحركة "شباب المجاهدين"، خاصة في هذا التوقيت. ويمكن الإشارة إلى هذه الدلالات فيما يلى: 

1- انعقاد مفاوضات فيينا: يلعب الصراع بين حركة "الشباب" والولايات المتحدة الأمريكية دوراً في دعم هذه الحركة من قبل إيران، وكان لافتاً أن إلقاء الضوء على هذه التحركات الإيرانية جاءقبل انعقاد الجولة السابعة من مفاوضات فيينا في 29 نوفمبر الجاري، التي تهدف من خلالها القوى المشاركة فيها إلى إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 بين إيران وتلك القوى. ومن هنا، يمكن القول إن الجهات التي ساعدت في الكشف عن هذه المعلومات تسعى إلى تأكيد خطورة التعويل على الصفقة النووية والتغاضي عن الأنشطة الأخرى التي تقوم بها إيران في المنطقة.

كما أن إيران من جهتها تسعى عبر مواصلة تقديم الدعم إلى حركة "الشباب" إلى الاستعداد مسبقاً لأى مسارات محتملة قد يتجه إليها الاتفاق النووي، لاسيما ما يتعلق باحتمال فشل المفاوضات ومن ثم عودة الأزمة النووية إلى مربعها الأول من جديد، بكل ما يمكن أن يفرضه ذلك من تداعيات على المنطقة، خاصة أن الخيار العسكري قد يكون مطروحاً في هذه المرحلة، لاسيما في ظل المستوى الذي وصلت إليه أنشطة إيران النووية.

وتمثل منطقة القرن الأفريقي أهمية استراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية، وتقع فيها القاعدة العسكرية الأمريكية الوحيدة في القارة، وتمتلك الأخيرة استثمارات واسعة في المنطقة، لذا تستغل إيران علاقاتها مع حركة "الشباب" في تنفيذ هجمات تهدد تلك المصالح، وتحتوي على رسائل بأن النفوذ الإيراني يمكنه الوصول إلى مصالحها هناك، فعقب مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، نفذت الحركة هجومًا نوعيًا ضد قاعدة "ماندا- باي" العسكرية في كينيا، والتي تستخدمها القوات الأمريكية، أسفر عن تدمير عدد من الطائرات والمركبات، وبالرغم من عدم اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بوجود علاقة بين الحدثين، وإعلان الحركة أن هذه الخطوة جاءت في إطار خطة عملياتها تحت عنوان "القدس لن تصبح يهودية أبداً"، وعلى الرغم من إعلان طهران الهجوم الصاروخي على قاعدة عين الأسد في العراق كرد فعل على مقتل سليماني، لكن يبدو أن هجوم حركة "الشباب" قبل ثلاثة أيام من هجوم قاعدة عين الأسد كان رداً بالوكالة عن إيران على مقتل سليمانى.

2- التأثير على حركة الممرات الملاحية: ترى إيران أن وجودها في البحر الأحمر، والاقتراب من أهم الممرات الدولية، يمثل تهديدًا لطريق التجارة العالمية، ومن ثم يعد ورقة ضغط يمكنها استخدامها في مفاوضاتها مع القوى الدولية. لذا عملت على تزويد ميليشيا الحوثي بالقوارب المفخخة، والألغام البحرية، وطائرات الدرونز، ووفرت وسائل التدريب لجعل هجمات ميليشيا الحوثي على السفن التجارية أكثر دقة.وربما يكون لحركة "الشباب" دور في هذا السياق في مرحلة لاحقة.

3- تكرار النموذج الأفغاني: أثارت سيطرة حركة "طالبان" على الحكم في أفغانستان، المخاوف فى الصومال، في ظل تشابه الوضع بين البلدين، اللذين يستعينان بقوات دولية في حماية المؤسسات الحكومية، والدفاع عن المدن الرئيسية. وبدأ الحديث حول إمكانية إقدام حركة "الشباب" على الخطوة التى تبنتها "طالبان"، وارتبطت تلك التوجسات بسعى الحرس الثوري الإيراني، على مدى العقدين الماضيين، إلى استغلال الانقسامات التي سببتها الأزمات السياسية، والمشكلات الاقتصادية وقدرات قوى المعارضة والمتمردين في تغيير الهيكل السياسي في البلدان الأفريقية لمصلحة إيران، حيث تستغل الوحدة "400 " في فيلق القدس، أو "مقر العمليات الخاصة"، والمسئولة عن تنفيذ هذه السياسات في أفريقيا، الاختلافات العرقية، والمذهبية، وعدم الكفاءة الاقتصادية في شرق القارة، وغربها،[5] ولعل تزامن توقيت إرسال إيران الأسلحة لحركة "الشباب" مؤخرًا، مع تاريخ بدء انتخاب أعضاء مجلس الشعب في الصومال في أول نوفمبر الجاري، مؤشر على ذلك،فالحركة هددت بعرقلة تلك الانتخابات وحذرت مندوبي القبائل من المشاركة في هذا السباق، ولكن تكثيف الجيش الصومالي عملياته ضدها قلص من حدة من تلك التهديدات.

ختامًا، يمكن القول إن إيران سوف تواصل سياستها التصعيدية في المنطقة مع انعقاد مفاوضات فيينا في 29 نوفمبر الحالي، للتلويح بأنها لن تتخلى عن الدعم الذي تقدمه للميليشيات التابعة لها، أياً كان المسار الذي سوف تنتهي إليه تلك المفاوضات.


  [1]أيانلي عبدي، إيران تنفذ أكبر عملية سرقة للثروة السمكية بالصومال.. نهب ممنهج، العين الإخبارية 17 يوليو 2020، متاح على:

https://bit.ly/3kKGdVn

[2] Global Terrorism index 2020, Institute for Economics and peace, p.23.

https://www.economicsandpeace.org/reports/.

 

  [3]في مؤشره الشهري.. مرصد الأزهر: 48 عملية إرهابية في القارة الإفريقية خلال سبتمبر المنصرم، 12 أكتوبر 2021، مرصد الأزهر، متاح على:

https://bit.ly/3wRzuxX

[4] أحمد محمود، الفحم الصومالي.. إيران وحركة "الشباب" تشعلان الإرهاب بأفريقيا، العين الإخبارية، 17 أكتوبر 2018، متاح على:

https://bit.ly/32hpin0

[5] مجتبى دهقاني، ماذا يفعل فيلق القدس الإيراني في أفريقيا؟، 7 مايو 2021، اندبندنت عربية، متاح على:

https://bit.ly/3DoA9JA