آمنة فايد

باحث مساعد - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

شروق صابر

باحث مساعد - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

في ظل التحولات الجارية والمتسارعة في الشرق الأوسط ومنطقتي المحيط الهادئ والهندي (الإندو-باسيفيك)، عقد مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في 9 نوفمبر 2021، بالتعاون مع مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية Center for Strategic and International Studies (CSIS) (إندونيسيا) ندوة تحت "التحولات الجارية في الشرق الأوسط والإندو-باسيفيك”.

أشار د. محمد فايز فرحات، مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، في الجلسة الافتتاحية إلى أن هذه الورشة تأتي في سياق التحولات الجارية في منطقتي الشرق الأوسط والإندو-باسيفيك، بالنظر إلى عمق هذه التحولات وتأثيراتها المتوقعة على النظام العالمي، ما يتطلب حوارا بين مراكز الفكر المهمة في المنطقتين، بهدف الوصول إلى فهم أعمق لهذه التحولات، وتداعياتها على النظام العالمي ومصالح الدول الناشئة والقوى الإقليمية الرئيسية. وأكد د. فرحات أن مثل هذه النقاشات والحوارات ليست "حوارات رسمية"، لكنها نقاشات علمية حول قضايا محددة تحتاج إلى فهم مشترك، خاصة في ظل الأهمية الكبيرة لإقليمي الشرق الأوسط وجنوب شرقي آسيا في اللحظة الراهنة في تطور النظام العالمي، والذي بات يسوده حالة من الاستقطاب بين الولايات المتحدة والصين، فضلا الثقل النسبي لكل من مصر وإندونيسيا في إقليمي الشرق الأوسط وجنوب شرقي آسيا على الترتيب.

وفي كلمته الافتتاحية أيضا أشار السفير/ لطفي رؤوف، سفير دولة إندونيسيا لدى جمهورية مصر العربية، إلى أن طرح موضوع "تحديات الأمن الإقليمي: وجهات نظر من المنطقتين" مستمد من أن كلاً من إندونيسيا ومصر تلعبان أدوارًا مهمة في منطقتهما، جنبًا إلى جنب مع الآخرين، في الاستجابة للتحديات الأمنية التي تواجه العالم. وأكد لطفي أن مصر تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، أصبحت قوة مهمة في الإقليم وعلى المسرح الدولي. ولا يمكن فهم الشرق الأوسط بدون فهم الدور المصري في مجال الأمن الإقليمي بشكل عام، والصراع الفلسطيني- الإسرائيلي بشكل خاص، وهو الوضع نفسه لدولة إندونيسيا في إقليم جنوب شرقي آسيا، بحكم حجمها وموقعها الاستراتيجي في الإقليم، وثقلها داخل “رابطة دول جنوب شرقي آسيا” (آسيان).

وأشار السفير/ حازم السيد الطاهري، نائب مساعد وزير الخارجية المصرية لشئون الآسيان ودول جنوب شرقي آسيا، إلى أن فهم التحولات الجارية في منطقتي المحيط الهادئ والهندي يمثل مدخلا ضروريا لفهم التحولات الجارية في النظام العالمي، بالنظر إلى كون المنطقة باتت مركزا للتفاعلات الجارية بين القوى الدولية الرئيسية، فضلا عن كونها مركزا للتجارة العالمية، وعدد من المضايق البحرية الدولية المهمة. وأكد الطاهري في هذا السياق على الدور المهم الذي يمكن أن تقوم به مراكز الفكر في تقديم فهم أعمق لهذه التحولات وتداعياتها الاستراتيجية.

حالة الأزمات العربية وأفق التسوية

ناقشت الجلسة الأولى "التحولات الجارية في منطقة الشرق الأوسط"، والتي أدارها د. أيمن عبد الوهاب، نائب مدير المركز، والذي أكد على حجم التشابك الذي يجمع القضايا الإقليمية والدولية، وما يتطلبه ذلك من أهمية وجود منظور كلي لمعالجة هذه القضايا العابرة للأقاليم، خاصة في ظل ما طرحته جائحة كورونا من ضرورة إعادة النظر في العديد من الأمور التي بدت لفترة طويلة كنوع من "الثوابت". فقد أكدت الجائحة- ضمن أمور كثيرة- أهمية مفهوم "المخاطر العالمية"، بما يتضمنه ذلك من مخاطر ترتبط بالتغير المناخي والجريمة الدولية، وغيرها من المخاطر.

وأكد عبد الوهاب أن آليات التنافس الدولي تنعكس بشكل كبير على أنماط الصراع في إقليم الشرق الأوسط، ما يطرح تساؤلا مهما حول مدى إمكانية وجود إرادة دولية حقيقية لتسوية الصراعات بالإقليم، ووضعه على مسارات التسوية والاستقرار بعيدًا عن التنافس الدولي حول الموارد والطاقة بشكل رئيسي. كما أكد على أهمية مفهوم الدولة الوطنية و"التماسك الاجتماعي" كشرط لفعالية إدارة الصراعات ومواجهة مختلف التحديات غير النمطية.

أشار الأستاذ أحمد عليبة، الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية والمتخصص في الدراسات الأمنية، إلى أن هناك عدة اتجاهات رئيسية تسم اللحظة الراهنة في إقليم الشرق الأوسط، منها أن الإقليم لا يزال قيد التحولات ذات الصلة بالتفاعلات التي واكبت عشرية الفوضى الإقليمية مع اندلاع الموجة الأولى من الانتفاضات في العديد من البلدان العربية، وما نجم عنها من ظواهر عديدة، كاضطراب الأوضاع في تلك البلدان على إثر الصراعات المسلحة والأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتنامي أدوار الفاعلين من غير الدول، وظاهرة الإرهاب والجريمة المنظمة، بالإضافة إلى التحولات المرتبطة بأدوار القوى الإقليمية غير العربية.

ورأى أنه من المتصور أن العام المقبل 2022 سيشهد تحولات جديدة في هذا المسار، لن تكون في اتجاه تحسن الوضع الإقليمي بدرجة فارقة؛ فعلى الرغم من تراجع ظاهرة الإرهاب، على سبيل المثال عقب هزيمة تنظيمات إرهابية مثل داعش في العراق وسوريا، إلا أن المؤشرات الدولية لا تزال تؤكد أن هذه الظاهرة لم تنته بعد. كذلك، فإن مرور بعد البلدان، مثل العراق وليبيا، بعملية انتقال سياسي جمد الصراعات السياسية والمسلحة، لكن لا يُعتقد أنه قوض تلك الصراعات والتوترات بالكامل. كما أن عمليات التسوية السياسية لا تزال هشة على صعيد كافة الأزمات الإقليمية. 

تتزامن هذه اللحظة الإقليمية، مع لحظة مماثلة في النظام الدولي، وبالتالي هي لحظة تبادلية يغلب عليها طابع التحول والسيولة في كلا النظامين الدولي والإقليمي، قد يكون أبرز ملامحها اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية إلى خفض مستوى تواجدها العسكري في المنطقة، لاعتبارات تتعلق بتناقص الأهمية الاستراتيجية للشرق الأوسط في السياسة الخارجية الأمريكية، مقابل إعطاء أولوية أكبر للسباق مع الصين، وهو سباق ينطوي على بدايات سباق تسلح، خاصة في منطقة بحر الصين الجنوبي، مع تشكيل تحالف "أوكوس". وبلا شك هناك ارتباط جيو-سياسي بين مسرحي الإندوباسفيك والشرق الأوسط.

وناقشت الأستاذة عبير ياسين، الباحثة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية والمتخصصة في الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، حالة هذا الصراع، من خلال تناول ملامح المشهد الراهن، وما يطرحه من تحديات سواء سياسية، أو تحديات ناتجة عن طبيعة مرحلة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.

على المستوى الفلسطيني، طرحت ياسين ما يحتاجه النظام السياسي من إصلاحات داخلية، والتحديات التي تواجهها السلطة على المستويين الإداري والسياسي، وتحديات تشكيل حكومة وحدة وطنية، والجدل حول المسار السياسي للتسوية مقابل المقاومة.

أما على المستوى الإسرائيلي، فقد أشارت ياسين إلى أهم السمات التي تتميز بها المرحلة الراهنة، والتي تتمثل في وجود حكومة يمينية بعد حكومة نتانياهو اليمينية سابقة، وما يترتب على هذا الوضع من تعقيدات، وتجميد المسار السياسي، وتصاعد الاتجاه الذي يركز بالأساس على الحل الاقتصادي للصراع، وما سيترتب على كل ذلك من تعقيدات أخرى من قبيل تصاعد المزيد من التشدد في قضايا التسوية والاستيطان وصفقة التبادل، وما يطلق عليه "اللاءات الإسرائيلية"، أي لا للمقابلات، ولا للتسوية السياسية، ولا للدولة الفلسطينية، ولا للقدس الشرقية، ومن ثم تصاعد فرص سيناريو الحرب الإقليمية.

وأشارت الأستاذة عبير إلى أن النقاط السابقة ﺗﻄﺮح ﻋﺪدا ﻣﻦ اﻟﺘﺤﺪﻳﺎت، تتمثل في ﺟﺪل اﻟﻤﺴﺎر اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ ﻣﻘﺎﺑﻞ اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ ﻓﻠﺴﻄﯿﻨﯿًﺎ، ورﻓﺾ اﻟﺘﺴﻮﻳﺔ اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ إﺳﺮاﺋﯿﻠﯿًا، والاقتصاد مقابل التهدئة في القطاع والضفة، الأمر الذي يقلص من فرص إعلان الدولة الفلسطينية المستقلة والمتصلة والقابلة للحياة.

وأكدت أن مصر تعد هي اللاعب الرئيسي في جهود التهدئة وصفقة الأسرى وحوارات الفصائل، وأن المتاح حاليًا لتقديمه هو التوصل إلى صفقة تبادل للأسرى، والعمل على إعادة إعمار غزة والذي يحتاج إلى 3 مليار دولار (مليار للإعمار، بالإضافة إلى 2 مليار لمعالجة الوضع الاقتصادي)، تقدم مصر 500 مليون دولار للإعمار، وتوفير المزيد من حرية الحركة عبر معبر رفح، وفرص العمل وتوسيع مساحة الصيد. كما تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية الضغط على إسرائيل مقارنة بغيرها من الأطراف.

التحولات الجارية في الإندو- باسيفك

ناقشت الجلسة الثانية التحولات الجارية في منطقة الإندوباسيفيك، وأدارها د. حسن أبو طالب، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية. وقد أكد د. حسن في بداية الجلسة على أهمية الحوار المشترك حول التحولات الجارية في منطقة الاندو- باسيفك، ورأى أنه من المهم مناقشة وجهات النظر المختلفة إزاء التحولات الجارية في المنطقة، نظرًا لارتباط ما يحدث في أي منطقة من العالم بباقي المناطق الأخرى؛ فما يجري في الشرق الأوسط سيكون له تأثيرات على آسيا، والعكس صحيح. أيضًا من الضروري إيضاح كيف استطاعت منطقة الإندو- باسيفك نيل هذا الاهتمام العالمي الكبير خلال الفترة القصيرة الماضية بعد الخطوة الأمريكية- الأسترالية- البريطانية لإقامة التحالف الثلاثي المعروف باسم "أوكوس"، والذي طرح عددا كبيرا من الأسئلة والتحديات بالنسبة لدول كثيرة كالصين والهند ودول جنوب شرقي آسيا، بالإضافة إلى دول الشرق الأوسط، لأن هذا التحول الأمريكي جعل منطقة آسيا في أولوية اهتماماتها في المرحلة المقبلة، خاصة أنه تحول يصحبه انسحاب أمريكي تدريجي من منطقة الشرق الأوسط.

أشار د. أندريه مانتونج، الخبير بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (إندونيسيا) إلى أولوية "الدولة" في سياق الجدل الدائر حول أولوية التنمية والديمقراطية، وأيهما يأتي أولا؟ التنمية أم الديمقراطية؛ فهناك بعض الدول يتم تصنيفها على أنها دول "يقوم بتحريكها السوق"، وبعضها "يحركها أيديولوجية الدولة". في إطار الخبرات الآسيوية، نجحت رابطة "آسيان" في تحقيق تقدم كبير قياسا بمؤشر الناتج المحلي الإجمالي، بعد أن أدركت دول الرابطة أن صلب التقدم الاقتصادي يتركز في المنتج التكنولوجي. وفيما يخص أيديولوجية "الدولة"، هناك عدة تحديات، حيث نجد بعض الدول تعاني من البيروقراطية الشديدة، وهناك عدد من الدول التي ضربتها صراعاتها الداخلية وغيره.

لكن في مرحلة تالية من تحقيق الإنجازات الاقتصادية والتنموية، بدأت دول آسيان في مواجهة المشكلات التي تواجه "الدولة"، بعض هذه التحديات له صلة بقضية التنمية، أو بمعنى أدق بنتائج مراحل التنمية السابقة. في هذا السياق، بدأت دول "آسيان" في وضع استراتيجيات محددة للقضاء على الفقر، الذي يعد شرطا أساسيا لتعزيز الأمن بمعناه الشامل. لذا أصبح من الضروري المزيد من التعاون الإقليمي على مستوى الرابطة لدعم الاستثمار بهدف ضمان استدامة عملية التنمية.

أحد التحولات المهمة علي مستوى رابطة "آسيان" هو اتجاهها إلى تطوير اقترابات إقليمية للتعامل مع تحديات ذات طبيعة داخلية، وهو تحول مهم في ضوء التزام آسيان بمبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية واحترام مفهوم السيادة، والمثال الأبرز هنا هو الطريقة التي تعاملت بها "آسيان" مؤخرا مع التطورات الجارية في ميانمار، عقب الانقلاب الأخير في فبراير ٢٠٢١، والتي تمثل مؤشرا مهما على مراجعة "آسيان" لثوابتها التقليدية في إدارة الأزمات الداخلية.

في المداخلة الثانية في هذه الجلسة، والتي قدمها د. محمد فايز فرحات، مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أشار إلى مداخل عدة لتأثير التحولات الجارية في منطقة الإندوباسيفيك على إٍقليم الشرق الأوسط، وأهمها الارتباط بين المحيطين الهادئ والهندي والمضايق والمسطحات المائية في الشرق الأوسط، سواء عبر الخليج العربي أو البحر الأحمر، الأمر الذي يجعل من هذه المسطحات امتدادا بشكل أو بآخر بمنطقة الإندوباسيفيك. أضف إلى ذلك اعتماد دول الشرق الأوسط على التجارة مع اقتصادات الإندوباسيفيك، أو موقع دول المنطقة كنقاط عبور للتجارة العالمية مع الإندوباسيفيك، الأمر الذي يجعل اقتصادات الشرق الأوسط عرضة لتقلبات التجارة العالمية مع الإندورباسيفيك. بهذا المعنى، فإن هناك مصلحة مستقرة لدول الشرق الأوسط في استقرار منطقة الإندوباسيفيك، واستقرار مبدأي حرية التجارة والملاحة في هذه المنطقة شديدة الأهمية والحساسية بالنسبة للعالم ككل.

وأشار د. فرحات إلى عدد من التحولات المهمة الجارية في الإندوباسيفيك، خاصة التحالفات الجديدة الجاري تشكيلها، بجانب التحالفات الأمريكية التقليدية مع عدد من دول المنطقة. هذه التحولات بدأت مع التحول عن مفهوم "آسيا- المحيط الهادئ" Asia-Pacific، كمفهوم رئيسي انتظمت حوله عملية التكامل التاريخي الطوعي التي نشأت بين اقتصادات منطقة المحيط الهادئ، واعتماد مفهوم "المحيط الهادئ- الهندي" (الإندوباسيفيك)، والذي يعكس التفاعلات الصراعية بين الولايات المتحدة وحلفائها من ناحية، والصين من ناحية أخرى. وناقش د. فرحات في هذا السياق شبكة التحالفات الجديدة، خاصة "الحوار الأمني الرباعي" المعروف باسم "كواد" The Quadrilateral Security Dialogue (QUAD) والذي بدأ في نوفمبر ٢٠١٧ في سياق ما يُعرف بالموجة الثانية من هذا الحوار تمييزا لها عن الموجة الأولى (2008/2007) التي فشلت لأسباب عدة، ثم تحالف "أوكوس" الذي تم إعلانه في سبتمبر ٢٠٢١. وناقش د. فرحات في هذا السياق نقاط ضعف وقوة هذه التحالفات، ونقاط ضعف وقوة الإندوباسيفيك، كمفهوم وكمسرح جيو-سياسي وجيو-اقتصادي جديد.

***

عقب انتهاء المداخلات الرئيسية ناقش المشاركون مجموعة من الأفكار التي تناولتها المداخلات الرئيسية. في هذا السياق، طرحت د. أماني، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، سؤالاً حول أسباب غياب إرادة دولية لحل الأزمات الإقليمية في الشرق الأوسط، وما إذا كان ذلك يعود إلى وجود اتجاه استراتيجي للتفكيك؟ حيث أشار الأستاذ/ أحمد عليبه إلى أن هناك حسابات دولية مختلفة؛ فالنظام الدولي في حالة تغير وكذلك النظام الإقليمي، وهناك ارتدادات ما بين الحالتين.

وردا على سؤال من أحد المشاركين الإندونيسيين حول إمكانية بدء محادثات فلسطينية- إسرائيلية خلال الفترة القادمة؟ أشارت الأستاذة/ عبير ياسين إلى أن موقف الحكومة الإسرائيلية الحالية (حكومة بينيت) محدد، ومن ثم لا مجال للنقاش بشأن التسوية السياسية، فهي (حكومة بينيت) لا تعترف بالدولة الفلسطينية، ولا تعترف بالتخلي عن القدس الشرقية، وبالتالي فإن المتاح في ظل هذه الحكومة هو عدم التوسع في المستوطنات القائمة على الحدود. أما بالنسبة لقدرة الأطراف، فالطرف الأقوى الذي يملك أوراق اللعب بالنسبة لإسرائيل هي الولايات المتحدة الأمريكية، لاسميا بكل ما يخص التنمية والتمويل والمعونات. والأطراف الأخرى المعنية يمكنها فقط الضغط على بعض الملفات من أجل الحفاظ على بقاء فكرة الدولة.

وفي سياق هذه المناقشات، أشار د. محمد فرحات إلى أن دول جنوب شرق آسيا نجحت في إرساء مجموعة من الدروس والنجاحات المهمة، التي لابد من أخذها في الاعتبار في إطار الدراسات المقارنة. الخبرة الأولى، هي نجاح دول جنوب شرق آسيا، بشكل عام، ودول "آسيان" بشكل خاص، في إدارة علاقة متوازنة مع القوى الكبرى، خاصة الولايات المتحدة، جوهرها هو القدرة على ضبط سلوك هذه القوى في المنطقة، بشكل لا ينعكس سلبا على الاستقرار الإقليمي. الخبرة الثانية، هي نجاح هذه الدول في إدارة حالة التعدد الداخلي (العرقي والديني)، وهذا درس غائب بشكل كبير في الشرق الأوسط؛ فإحدى أهم مشكلات المنطقة هو عدم القدرة على إدارة حالة التعدد تلك، ما أنتج العديد من الأزمات الداخلية، انعكست سلبا على استقرار مفهوم الدولة الوطنية ذاته. الخبرة الثالثة، أن هذه الدول قدمت أولويات واضحة في مسارات تطورها السياسي والاقتصادي، حيث كان واضحا انحياز الخبرة الآسيوية لأولوية مسألة التنمية، ثم الانتقال إلى غيرها من الأولويات في مراحل تالية. الخبرة الرابعة، تتعلق بالعلاقة مع الدين. وبشكل عام، نجحت هذه الدول في إدارة العلاقة مع الدين، من حيث موقعه في العلاقة بين الأقليات، والسياسة، والتنمية. الخبرة الخامسة تتعلق بمسألة وضوح أولوية الدولة الوطنية، والمقصود هنا هو الدولة الفاعلة القادرة على احتواء كل أنواع وأشكال التنوع الديني والعرقي، وإدارة كافة التحديات الداخلية، بجانب إدارة عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

في ختام الورشة أشار المناقشون إلى عدد من الاستنتاجات، أبرزها أن هذا النقاش هو نقاش علمي وأكاديمي لا يعبر عن وجهات نظر رسمية، وأهمية استمرار الحوار بين مراكز الفكر المصرية والإندونيسية حول التحولات الجارية في الشرق الأوسط والإندوباسيفيك، بهدف الوصول إلى فهم أعمق لهذه التحولات وتأثيراتها على المصالح المشتركة، وموقعها في سياق تحولات النظام العالمي.