د. دينا شحاتة

رئيس وحدة الدراسات المصرية - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

أثار صعود الرئيس جو بايدن إلى منصب الرئاسة في الولايات المتحدة في يناير ٢٠٢١ توجس الكثير من المراقبين المصريين حول احتمالات العودة لحالة التوتر التي شابت العلاقات المصرية- الأمريكية في عهد الرئيسين بوش الابن (٢٠٠٠-٢٠٠٨) وباراك أوباما (٢٠٠٨-٢٠١٦)، خاصة في ضوء اهتمام بايدن في برنامجه الانتخابي بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان ورؤيته للصراع الدولي على أنه صراع بين دول ديمقراطية تشهد تأزماً واستقطاباً داخلياً ودول سلطوية صاعدة مثل الصين وروسيا تعمل على تقويض دعائم النظام الدولي ومبادئ الديمقراطية.

إلا أن التطورات الأخيرة في العلاقات المصرية- الأمريكية، والتي تُوجت بانعقاد الحوار الاستراتيجي المصري- الأمريكي في واشنطن يومي ٨ و٩ نوفمبر ٢٠٢١ لأول مرة منذ عام ٢٠١٥ بين وزيري الخارجية المصري سامح شكري والأمريكي انتوني بلينكين تشير إلى أن مساحات التوافق أكبر من مساحات الاختلاف، وأن العلاقات المصرية- الأمريكية قد تشهد في ظل رئاسة بايدن عودة للأسس التقليدية للشراكة الاستراتيجية بين البلدين خاصة في ضوء وجود قدرٍ كبيرٍ من التوافق والمصالح المشتركة بينهما.

اتجاه واقعي

مرت العلاقات المصرية- الأمريكية بالكثير من التحديات منذ أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١. فقد أدت تلك الأحداث إلى تبني إدارة بوش الابن "أجندة الحرية" التي استخدمت لتبرير التدخل العسكري الأمريكي في دول مثل أفغانستان والعراق وللضغط على دول أخرى في المنطقة لتبني إصلاحات سياسية. وفي عهد أوباما، شهدت المنطقة العربية حالة من عدم الاستقرار، حيث أدت أحداث الربيع العربي إلى انهيار الدولة المركزية في سوريا وليبيا واليمن، وإلى تصاعد قوى دينية وطائفية متطرفة، وإلى قيام قوى إقليمية مثل تركيا وإيران بالتمدد في المنطقة على حساب الدول العربية. ومع صعود ترامب إلى الرئاسة عام ٢٠١٦، شهدت العلاقات المصرية- الأمريكية انفراجه نسبية بسبب تبني ترامب لسياسة خارجية انعزالية وتوجهه نحو إنهاء التدخل العسكري الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط وامتناعه عن التدخل في الشئون الداخلية للدول العربية مما ساعد على تهدئة التوتر بين البلدين بشكل كبير. إلا أن انحياز ترامب للسياسات الاستيطانية الإسرائيلية وتخليه عن الاتفاق النووي مع إيران وعملية السلام وانصرافه عن التعاطي إيجابياً مع أزمات المنطقة، أثر بالسلب على استقرار المنطقة وعمّق من حالة الاستقطاب الإقليمي.

لكن هناك مؤشرات بأن إدارة بايدن ستعود للأطر التقليدية التي حكمت العلاقات المصرية- الأمريكية قبل أحداث 11 سبتمبر، خاصة في ظل إدارتي بوش الأب (١٩٩٠-١٩٩٤) وبيل كلينتون (١٩٩٤-٢٠٠٠)، حيث كانت قضايا السلم والأمن الإقليميين تمثلان أساس العلاقات، بينما تأتي قضايا الإصلاح السياسي والاقتصادي في مرتبة تالية. وبالرغم من الأهمية التي تعطيها إدارة بايدن لقضايا الديمقراطية والإصلاح السياسي، إلا أن خبرة بايدن وفريقه الطويلة في مجال السياسة الخارجية، واستيعابهم للتعقيدات المرتبطة بعملية الإصلاح السياسي في المنطقة العربية، وتخوفهم من تصاعد النفوذ الصيني والروسي والإيراني، من المرجح أن يجعل رويتهم للمنطقة تتسم بكثير من الواقعية، كما أن إدارة بايدن تفضل الاعتماد على التحالفات والتوازنات الإقليمية كبديل للتدخل المباشر خاصة في ظل وجود توجه لخفض الوجود العسكري في المنطقة بشكل كبير.

مصالح مشتركة

من خلال إلقاء نظرة على القضايا التي تناولها الحوار الاستراتيجي المصري- الأمريكي، يتضح أن هناك العديد من المصالح المشتركة ومساحات للتوافق، وأن الفترة الأخيرة قد شهدت تقارباً في الرؤى والمصالح حول العديد من القضايا الإقليمية والدولية. وتأتي القضية الفلسطينية في مقدمة الأولويات المشتركة، حيث يعمل الجانبان على الوصول إلى اتفاق ممتد لوقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل. كما يحرص الطرفان على تسوية الصراع في ليبيا وإجراء الانتخابات الليبية بنجاح في ديسمبر ٢٠٢١ بهدف الوصل لتوافق بين القوى المتصارعة. ويعملان أيضاً على احتواء الأزمة الحالية في السودان واستعادة المسار الانتقالي.

أما فيما يخص قضية سد النهضة، فقد أكدت مصر على أهمية الوصول لاتفاق ملزم يضمن الحقوق المائية لدول المصب، وقد أقرت الولايات المتحدة بهذا المطلب، حيث نص البيان الختامي للحوار الاستراتيجي على أنه "فيما يتعلق بسد النهضة الإثيوبي، جددت الولايات المتحدة تأكيد دعم الرئيس بايدن للأمن المائي لمصر. ودعت الولايات المتحدة ومصر إلى استئناف المفاوضات حول اتفاقية بشأن سد النهضة وبرعاية رئيس الاتحاد الأفريقي، اتساقاً مع البيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 15 سبتمبر 2021، واتفاق إعلان المبادئ لعام 2015". وأخيراً، هناك توافق بين الطرفين حول ضرورة احتواء إيران والحد من تدخلاتها الإقليمية وعودتها للاتفاق النووي.

كما تناول الحوار الاستراتيجي قضايا الإصلاح السياسي، حيث أشاد بلينكن بالخطوات التي اتخذتها مصر في الشهور الأخيرة مثل رفع حالة الطوارئ وتبني الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان. ومن ناحيتها، أكدت مصر على تبنيها لرؤية شاملة لحقوق الإنسان تشمل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. كما أكد الطرفان على استمرار التعاون في المجال العسكري والاقتصادي والثقافي.

إذن، فإن الحوار الاستراتيجي قد أسس لعودة العلاقات المصرية- الأمريكية لإطارها التقليدي القائم على أولوية تعزيز المصالح المشتركة مع التحاور حول سبل تعميق الإصلاح السياسي والاقتصادي دون الإضرار بتلك المصالح. ولكن من المهم إدراك أن الكثير من المعطيات قد تغير في العقود الأخيرة بما يؤسس لعلاقات تتسم بقدرٍ أكبر من التوازن والندية بين الدولتين. فمن ناحية، يشهد النظام العالمي تحولاً من نظام الأحادية القطبية إلى نظام متعدد الأقطاب مما انعكس على تراجع نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة وتصاعد دور قوى دولية وإقليمية. ومن ناحية أخرى، تراجع الاعتماد المصري على الولايات المتحدة بشكل كبير في العقود الأخيرة، حيث أصبحت المساعدات الاقتصادية الأمريكية تمثل نسبة محدودة من الناتج المحلي الإجمالي المصري. كما أن مصر عملت في السنوات الأخيرة على تنويع مصادر تسليحها مما جعلها أكثر استقلالية عن الولايات المتحدة في مجال الدفاع والسياسة الخارجية. لكن بالرغم من كل ذلك، ماتزال هناك مساحة كبيرة من التوافق بين الرؤى المصرية والأمريكية حول القضايا الإقليمية مما يفتح المجال أمام مرحلة جديدة لشراكة استراتيجية مصرية- أمريكية أكثر توازناً مقارنة بالمراحل السابقة.

________________________________

نُشر أيضا بجريدة الأهرام، 13 نوفمبر 2021.