يزداد القلق الدولي من تداعيات التغير المناخي على السِلم العالمي. فقد أدت زيادة الغازات الدفيئة في العقود الماضية إلى حدوث ظاهرة الاحتباس الحراري، وتبعتها موجات طقس متغير، وموجات جفاف شديدة، وأعاصير غير متوقعة، وفيضانات، وغيرها من الظواهر التي باتت تفرض تداعيات مباشرة على مستقبل البشرية.
في هذا الإطار، تأتي قمة المناخ الرئيسية في غلاسكو المعروفة باسم "المؤتمر السادس والعشرين للأطراف في الاتفاقية الإطارية بشأن التغير المناخي" COP26، والتي بدأت فعالياتها في أول نوفمبر الجاري (2021)، وتستمر لمدة 12 يومًا، بعد أن كانت قد تأجلت لمدة عام جراء جائحة "كوفيد- 19"، وتسعى إلى التوصل إلى اتفاقية للحفاظ على الهدف المتمثل في الحد من ارتفاع درجة الحرارة عند 1.5 درجة مئوية فوق مستوى ما قبل التصنيع، وهو المستوى الذي يقول العلماء إنه سيجنب الأرض أكثر عواقب الاحتباس الحراري تدميرًا. ولتحقيق ذلك، يحتاج المؤتمر إلى الخروج بتعهدات أكثر طموحًا للحد من الانبعاثات.
وقد ألقى الرئيس عبد الفتاح السيسي كلمة تتناول الموقف المصري وركائزه تجاه قضايا تغير المناخ، باعتبار مصر تمثل دول القارة الأفريقية وتستعد لاستضافة المؤتمر القادم للتغيرات المناخية (cop27) في العام المقبل، بكل ما يعكسه ذلك من أهمية مصر على المستوى الدولي. وقال الرئيس السيسي في هذا الصدد: "بادرت مصر باتخاذ خطوات جادة لتطبيق نموذج تنموي مستدام، يأتي تغير المناخ والتكيف مع آثاره في القلب منه، ويهدف إلى الوصول بنسبة المشروعات الخضراء الممولة حكوميًا إلى 50% بحلول 2025 و100% بحلول 2030".
أهمية قضية التغيرات المناخية
تنقسم قضية المناخ العالمي، كما أشار الرئيس السيسي خلال كلمته بقمة غلاسكو، إلى شقين رئيسيين: شق خاص بالدول الصناعية المعنية بالانبعاثات المرتبطة بالصناعات الكبيرة، والتي أدت إلى زيادة حرارة كوكب الأرض وظاهرة الاحتباس الحراري. وشق آخر يتعلق بمعاناة الدول النامية من تداعيات التغيرات المناخية وبحثها عن سبل مواجهتها. والتغيرات المناخية كما يُعرفها البرنامج البيئي التابع للأمم المتحدة، هي "أي تغير جوهري في مقاييس المناخ، ويمتد لفترة طويلة من الزمن"، وقد تغير مناخ الأرض عدة مرات على مدى تاريخها، في البداية كان السبب وراء ذلك عوامل طبيعية، مثل الانبعاثات البركانية، وكمية الطاقة المنبعثة من الشمس، لكن بداية من أواخر القرن الثامن عشر أسهمت الأنشطة الإنسانية المصاحبة للثورة الصناعية في تغيير تكوين الغلاف الجوي وبالتالي فرضت تداعيات على المناخ[1].
ووفقًا لتقرير صادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، في 8 أغسطس الماضي، فإن التأثير البشري أدى إلى تدفئة المناخ بمعدل غير مسبوق في آخر ألفي عام على الأقل، ففي عام 2019، كانت تركيزات ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي أعلى من أي وقت مضى خلال ما لا يقل عن مليوني سنة، وكانت تركيزات الميثان وأوكسيد النيتروس (أوكسيد النيتروجين الثنائي) أعلى من أي وقت آخر خلال الأعوام الـ 800,000 الأخيرة.
وزادت درجة حرارة سطح الأرض بشكل أسرع منذ عام 1970 مقارنة بأي فترة مدتها 50 عامًا على مدى الألفي سنة الماضية على الأقل، ويشير التقرير إلى أنه، على سبيل المثال، تجاوزت درجات الحرارة خلال العقد الأخير (2011-2020) تلك التي امتدت لقرون متعددة في الفترة الدافئة منذ نحو 6.500 عام، وفي الوقت نفسه، ارتفع متوسط مستوى سطح البحر العالمي بشكل أسرع منذ عام 1900 مقارنة بأي قرن سابق في الأعوام الثلاثة آلالاف الماضية على الأقل. ويوضح التقرير أن انبعاثات غازات دفيئة من الأنشطة البشرية مسئولة عن نحو ما مقداره 1.1 درجة مئوية من الاحترار بين عامي 1850 و1900، ووجد أنه في المتوسط على مدى الأعوام العشرين المقبلة، من المتوقع أن تصل درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية أو تتجاوزها[2]. لذا، يتلقى قادة العالم تحذيرًا بأنهم سيواجهون حكمًا قاسيًا من الأجيال القادمة في حال لم يتحركوا بشكل حازم تجاه إيجاد حل لتلك الأزمة.
رسم توضيحي للتأثير البشري على التغير المناخي
المصدر: بي بي سي عربي، تغير المناخ: تقرير دولي يدق ناقوس الخطر، ويحذر من تسارع ارتفاع درجات الحرارة، 9/8/2021، متاح على: https://bit.ly/3tOAiSy.
وتشير تقديرات إلى أن نحو 166 مليون شخص في أفريقيا وأمريكا الوسطى، احتاجوا إلى المساعدة بين عامي 2015 و2019، بسبب حالات الطوارئ الغذائية المرتبطة بتغير المناخ، وكذلك، فإن هناك ما بين 8 و80 مليون شخص أكثر عرضة لخطر المجاعة بحلول عام 2050، وفيما يتعلق بسوء التغذية، هناك نحو 1.4 مليون طفل سيعانون التقزم الشديد في أفريقيا بسبب المناخ في 2050.
أيضًا، انخفضت المحاصيل الزراعية بنسبة تتراوح بين 4 و10% على الصعيد العالمي خلال السنوات الثلاثين الفائتة، وتراجعت كميات صيد الأسماك في المناطق الاستوائية بمعدل يتراوح بين 40 و70 %، بسبب ارتفاع الانبعاثات[3]. كما أن هناك تحذيرات من أن ارتفاع درجة الحرارة بأكثر من 4 درجات مئوية قد يؤدي إلى غياب مدن بأكملها مثل الإسكندرية وشنغهاي وميامي وغيرها من المدن التي ستختفى تحت أمواج البحر.
قمة غلاسكو: هل امتداد لقمة باريس؟
تعد قمة غلاسكو محطة مفصلية للراغبين فى وضع حد للتغير المناخي، وتتمثل أهدافها في حث الدول على الضغط على بعضها البعض للحد من الانبعاثات الناجمة عن حرق الفحم، والغاز، والنفط، والالتزام بالدعم المالي للبلدان منخفضة الدخل، للتعامل مع آثار التغير المناخي، وتشديد بعض القواعد، التي تم إقرارها في اتفاقية باريس للمناخ عام 2015. وفيما يلي أبرز الملاحظات حول القمة:
1- غياب بعض الرؤساء: تنعقد القمة وسط غياب قادة دول كبرى تشارك بنسبة هائلة فى الانبعاثات الحرارية، وحضور هذه الدول من المتوقع أن يؤدى إلى نتائج فعلية، من خلال الوصول إلى توافقات حول تقليل معدلات الاحتباس الحراري في الجو. فقد تغيب الرئيس الصيني تشي جين بينج، الذي لم يغادر الصين منذ مطلع العام الماضي مع بداية جائحة كوفيد-19، بالرغم من كون الأخيرة أكبر الدول التي تصدر عنها انبعاثات مسببة للاحتباس الحراري، ومازالت تستخدم الفحم بكثافة في إنتاج الطاقة الكهربائية. أيضًا تغيب الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين عن القمة، بالرغم من أن روسيا تأتي في المرتبة الخامسة بين الدول الأكثر تلويثًا للبيئة.
2- تأخر الدول في تنفيذ الاتفاقيات: صرح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش بأن "الإنسانية دُفعت إلى حافة الهاوية بسبب إدماننا الوقود الأحفوري، نحن نحفر قبورنا من خلال حرق الوقود الأحفوري وتدمير البيئة، وإن الاعتقاد بأن التصريحات الأخيرة للحكومات يمكن أن تقلب دفة تغير المناخ يعد وهمًا، لأسباب ليس أقلها أن هناك شكوكًا جدية بشأن تعهدات العديد من الدول، ليس هناك الكثير بما يدعو للتفاؤل إذا لم يتم التحرك بسرعة"، حيث وضعت معظم الدول أهداف خفض الانبعاثات الكربونية بحلول عام 2030، على أن تصل إلى مستوى "صفر كربون" بحلول 2050، كما تطالب الأمم المتحدة، دون تحديد جدول زمني للتخلص التدريجي للدول من الفحم، وإن كانت روسيا أعلنت أنها تستهدف تقليل الانبعاثات بحلول عام 2060، وأعلنت الهند أنها ستلتزم في عام 2070 بالهدف للوصول إلى الحياد الكربوني(4)، وفي ظل زيادة الطلب الصيني على الطاقة، وبالتالي زيادة إنتاج الفحم، لا يتوقع أن يتم تحقيق أي من أهداف خفض الانبعاثات طبقًا للمواعيد التي تطالب بها الأمم المتحدة.
3- توفير الاستثمارات والتكنولوجيا المطلوبة للوصول للمستهدفات المناخية العالمية: تعد الدول النامية هي المتضرر الأكبر من ظاهرة التغير المناخي، حتى لو كانت الظواهر المناخية الجامحة أكبر بالدول المتقدمة، إلا أن لديها الإمكانات، والبنية التحتية المتقدمة، التي تستوعب هذه الظواهر، وقد تخرج القمة بسياسات واضحة لتحفيز الحكومات، التي لم تكثف جهودها للحد من الاحتباس الحراري وخفض عالمي لحرارة الكوكب بمعدل درجتين مئويتين، كما ستطرح تقليص انبعاثات الكربون، وهي خطة قد تدفع الدول الصناعية، كالولايات المتحدة، والصين، إلى تمويل مشروعات نظيفة في الدول النامية مقابل الاستمرار في مشاريعها الصناعية كثيفة الانبعاثات.
4- الوفاء بتعهدات التمويل: تنتظر الدول النامية من القمة الخروج بتوصيات لدفع الدول الصناعية إلى تقديم تعويضات مالية عن الحرائق، والزلازل، والفيضانات، التي عانت بسببها هذه الدول، حيث ترى أن الانبعاثات الكربونية الناتجة عن المشاريع الصناعية في الدول الغنية كانت سبباً رئيسياً لهذه الكوارث.
في الأخير، بالرغم من الاتفاق الدولي على الإطار العام من أجل وضع حد للتغيرات والكوارث المناخية، فإن الوصول للنتيجة المرجوة سيواجه الكثير من الصعوبات لتعدد الخلافات بين الدول حول كيفية تحقيق هذا الاتفاق وفقًا للإطار الزمني المتاح.
[1]د.نعمة زهران، السيناريو الاقتصادي الأسوأ للتهديد المناخي في العالم، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 31/8/2021، متاح على:
[2] الأمم المتحدة، النشاط البشري يحرك الاحترار العالمي "بشكل لا لبس فيه"، وبمعدل غير مسبوق، 9/8/2021، متاح على:
https://bit.ly/3k4cfeP
[3]سكاي نيوز عربية، تغير المناخ.. آثار مرعبة تهدد البشرية، 18/7/2021، متاح على:
https://bit.ly/3q65htK
]4[ بي بي سي عربي، ما معنى "الصفر الإجمالي" وما الذي فعلته بريطانيا ودول أخرى في سبيل الوصول إلى هذا الهدف؟، 4/11/2021. متاح على الرابط التالي:
https://2u.pw/7UoCz