لطالما كان الريف المصري جزءًا أصيلًا من أجندة الاهتمامات البحثية لمجلة "أحوال مصرية" التي تناولته بالعديد من التقارير البحثية، وكان موضوعًا رئيسيًا لملف أعدادٍ سابقة من المجلة في سنوات ماضية. كما أن الريف المصري حظي بمكانة متقدمة في النقاش العام في المجتمع المصري خلال الآونة الأخيرة، خاصة مع التوجه التنموي للدولة المصرية نحو تطوير الريف، عبر المشروع القومي لتطوير القرى المصرية.

وفي هذا السياق، صدر عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، العدد 82 (أكتوبر – 2021) من مجلة "أحوال مصرية"، حول "القرية المصرية"، وأوضاع الريف المصري، وسُبل تنميته وتطويره.

فلسفة العدد

سعى العدد إلى تقديم رؤية أكاديمية لعملية تنمية الريف المصرى – التي تختلف عن مديَنته - من خلال بناء الإنسان وتنمية ادراكاته ومعارفه وبيئته. وذلك عبر الاستثمار فى البشر، وتحسين بيئته المحيطة، واستدامة التنمية، مع الأخذ في اعتبار الخصوصية والفروق بين ريفي وجهي بحري وقبلي، وبين القرى المصرية وبعضها البعض من حيث السمات والاحتياجات.

وقد انطلق العدد من قناعة عبرت عنها الافتتاحية، وهي أن "تطوير الريف المصري من حيث المكان والإنسان والخصوصية، عملية ترتبط بالمستقبل ومكانة الدولة وحدود قوتها وتماسك مجتمعها، كما أنها تُعبر عن حوكمة المقومات والركائز والموارد الواجب الاستناد إليها في عملية التطوير والبناء. فهي بمثابة قفزة نجاة وطوق لتجاوز عوامل الإهمال والعشوائية والتشوه التي تركت بصمتها على القرية المصرية وأهلها وأسلوب العيش فيها. كما تُعد رسالة معبرة عن متطلبات العدالة وتوزيع ثمار التنمية وتعميق المواطنة، وفاعلية المواطن وعلاقة ذلك كله بقوة الدولة".

تطوير "الحياة" في الريف المصري

تناول العدد أوضاع الريف المصري وسُبل تطويره من المنظور الإنساني الذي تنطلق منه مجلة "أحوال مصرية" في معالجاتها المختلفة. وهو ما دعا إلى النظر لعملية تطوير الريف باعتبارها تطويرًا لحياة أهل الريف أنفسهم. فحرص العدد على تقديم صورة متكاملة لأوضاع الريف المصري وسُبل تطويرها في العديد من المجالات والقطاعات. وسعى في هذا الإطار إلى ربط مساعي التطوير القطاعية بأهداف عليا أو محددات واشتراطات لعمليات التطوير، مثل ربط الأوضاع الصحية في الريف المصري وضرورة تطويرها بفكرة الاستثمار في البشر، وربط فرص العمل المستدامة بضمان الحياة الكريمة لأهل الريف، وربط التخطيط السكاني في الريف بعملية تنمية الأسرة الريفية. وكذلك ربط التطوير العمراني للريف باشتراط رئيسي لتلك العملية، وهو الحفاظ على الهوية والخصوصية المعمارية للريف. وحرص ملف العدد على الاشتباك مع ظاهرة الفقر في أحد تقاريره باعتبارها إحدى أهم الإشكاليات التي يعانيها الريف المصري وتترك آثارًا ممتدة على العديد من مناحي الحياة. فضلًا عن تناول ظاهرة الهجرة غير النظامية، وأسبابها وجهود وسُبل الحد منها عبر التنمية ورفع الوعي.

وانطلاقًا من المكانة المركزية للقطاع الزراعي في الريف، فقد تناولت دراسة العدد متطلبات تطوير الريف المصري من هذا المدخل. وتضمن العدد تقريرًا حول سُبل ومقترحات حوكمة إدارة التنمية الريفية في مصر. فيما طرحت الرؤى الفكرية متطلبات وتحديات نجاح البرنامج القومي لتنمية الريف، واستدامة آثاره من منظور معايير أدبيات تقييم التنمية. وقدمت رؤية مجتمعية لعملية تطوير الريف المصري ومتطلباتها، والدور الأهلي في تلك العملية. كما حرصت المجلة على استحضار الخبرات الأجنبية بتقديم رؤية فكرية مغربية عن التجربة الإسبانية وبرنامج "التحدي الديموغرافي". فيما قدم ملحق العدد لمحات عن تجارب أجنبية متعددة، واستعرض مبادرات حكومية ومجتمعية مصرية لتطوير الريف.

الاقتراب الثقافي وتعزيز المعرفة عن الريف المصري

حظي الاقتراب الثقافي بمساحة كبيرة من موضوعات العدد، مثل إثارة أهمية إحياء الحرف التراثية كمدخل لتنمية قرى الريف. وقدم القسم الثقافي تقريرًا عن فلكلور الريف المصري. كما تناول دور مواهب ومبدعي الريف في تعزيز الثقافة المصرية وإثرائها. فضلًا عن عرض الأبعاد الاجتماعية والثقافية للهجرة غير النظامية من الريف المصري. كما حلل أحد تقارير العدد عوامل التشدد والعنف الديني في الريف المصري، واستعرض فرص معالجته ومواجهته، في إطار إدراك المجلة لضرورة أن يكون تعزيز المنظومة القيمية وممارسات المواطنة جزءًا رئيسيًا من جهود تنمية الريف. بالإضافة إلى محاولة فهم طبيعة العلاقة بين الموروث السوسيوثقافي في الريف المصري والتطورات البنيوية في المجتمع المصري، بالتركيز على الموروثات المتعلقة بالمرأة داخل الحياة الاجتماعية الريفية. وتناول ملحق العدد صورة الريف المصري في السينما والأدب لفهم الصور الانطباعية للريف في المنتجات الثقافية. فضلًا عن استعراض بعض الأمثال الشعبية الريفية، وتقديم لمحات عن الوجبات والطقوس الريفية للموالد والأفراح والجنائز.

وقد حرص الملحق على الاقتراب من الريف المصري وتعزيز المعرفة عنه بعرض عدد من الكتب والرسائل العلمية التي تناولت الريف المصري من مداخل متعددة. وتضمن أيضًا مجموعة من الجداول والأشكال لتقديم صورة مدعمة بالأرقام عن الريف المصري وأهله وحياتهم، فضلًا عن تقديم لمحات عن بعض النماذج والشخصيات المصرية الريفية.