عقد مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، يوم الخميس 28 أكتوبر 2021، حلقة نقاشية مهمة حول"التجارب الإقليمية والدولية الرائدة بشأن تحول الطاقة". وقد ناقشت هذه الحلقة، التي تأتي ضمن سلسلة من حلقات النقاش المرتبطة بكتاب يعتزم المركز إصداره تحت عنوان “آفاق تحول الطاقة في مصر: الفرص والتحديات"، أوضاع تحول الطاقة في القارة الأفريقية والمنطقة العربية، ودور مبادرة الحزام والطريق الصينية في دعم تحول الطاقة في العالم وآسيا، والأبعاد المهمة للتجربة الألمانية في تحول الطاقة. كما تناولت حلقة النقاش أيضا التجارب العالمية في تأمين شبكات الطاقة، خاصة التجربة الأمريكية، وتجارب تصدير الطاقة المتجددة عبر قارات العالم، والتقنيات الواجب تطويرها بسرعة لتحقيق تحول الطاقة في مصر، ورؤية برنامج الامم المتحدة الانمائي لتحول الطاقة في العالم.

وقد ساهم في أعمال هذه الحلقة النقاشية كل من ؛ الدكتور أيمن عبد الوهاب، نائب مدير المركز، وريتشارد بروبست، مدير مكتب مؤسسة فريدريش ايبرت الألمانية في القاهرة، ودكتور أحمد قنديل، رئيس برنامج دراسات الطاقة بالمركز، ودكتوره أماني الطويل، مستشاره المركز، ودكتور محمد السبكي الرئيس المؤسس لجهاز تنظيم مرفق الكهرباء، ودكتوره إلهام إبراهيم، المفوضة السابقة للاتحاد الإفريقي لشئون البنية التحتية والطاقة، ودكتور ماجد كرم، المدير الفني بالمركز الإقليمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، والاستاذ يان تاو، من منظمة التعاون والتنمية العالمية لربط الطاقة  (GEIDCO )، والاستاذ محمد درويش، مؤسس الشبكة المصرية للطاقات المتجددة والمياه، ودكتور جلال عثمان، نائب رئيس الجمعية العالمية للرياح واستاذ الطاقة المتجددة بهندسة المنصورة، ودكتوره انهار حجازي المديرة السابقة لشعبة التنمية المستدامة والإنتاجية في الإسكوا، ودكتور محمد بيومي مساعد الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في مصر، والاستاذ أسامة منير خبير تأمين شبكات الطاقة.

وتناول النقاش العديد من النقاط المهمة، لعل من أبرزها: ضرورة التعاون بين المراكز البحثية في مصر ودول العالم من أجل تعزيز تبادل المعارف حول خبرات الدول المختلفة في مسيرة تحول الطاقة، ورفع الوعي العام في مصر تجاه الدروس المستفادة من التجارب العالمية والاقليمية في مجال تحول الطاقة.

كما أكد المشاركون أيضا على أهمية التعرف على الإنجازات الملهمة في مسيرة تحول الطاقة في افريقيا والمنطقة العربية والصين وألمانيا وغيرها من دول العالم، مشيرين إلى أن هذه المعرفة من شأنها توجيه الجهود لتحقيق تحول مدروس لقطاع الطاقة المصري، وبالتالي ضمان التلاءم مع الظروف والمصالح الوطنية من جهة، ومواكبة التوجهات العالمية المتسارعة نحو تحول الطاقة وتحقيق التنمية الوطنية المستدامة من جهة اخرى.

وفي هذا السياق، تناول النقاش مسألة فقر الطاقة في أفريقيا، ووجود فرص كبيرة لمصر في التعاون مع الدول الافريقية الصديقة في مجالات الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة. كما تعرضت المداخلات إلى نجاح عدد من الافريقية، مثل مصر والمغرب وجنوب أفريقيا، في إحداث تقدم ملحوظ في مسيرة تحول الطاقة، الأمر الذي يمكن ان يكون نموذجا ملهما للدول النامية.

ومن ناحية ثانية، كشف النقاش عن تقدير مدهش يتمثل في أن كل دولار سوف ينفق في عملية تحول الطاقة في العالم، سوف يحقق عوائد تتراوح بين ٣ و٧ دولار، وذلك نتيجة للوفر في تكاليف الصحة والعلاج وتلوث الهواء وتأثيرات تغير المناخ.

ومن جهة أخرى، أكد النقاش على أهمية استيعاب وتطويروتوطين مجموعتين من التقنيات لتحقيق تحول الطاقة في مصر. وتشمل المجموعة الأولى عددا من التقنيات الناضجة للطاقة المتجددة، والتي يتوافر لها امكانات تطبيقية واسعة في مصر الا انها لم تحظى بعد بالاهتمام السياسي والتشريعي المناسب، لنشر استخداماتها على نطاق واسع، ومنها نظم الخلايا الشمسية الموزعة لإنتاج الكهرباء، سواء تلك المرتبطة بالشبكة أوالمستقلة، وتقنيات النظم الشمسية الحرارية وتطبيقاتها في المباني والصناعة، وتقنيات ونظم الطاقة الحيوية لإنتاج الكهرباء والاستخدامات الحرارية. أما المجموعة الثانية للتقنيات الواجب الاهتمام بها في مصر مستقبلا لتحقيق تحول الطاقة بشكل ملائم، فتضمن مجموعة من التقنيات الداعمة/البازغة التي حققت تطورافنيا وتطبيقيا بمستويات متفاوتة على مستوى العالم، ولم تدخل بعد حيز التطبيق في مصر،ومنها: تقنيات تخزين الطاقة الكهربائية (سواء البطاريات أمام العداد أو البطاريات خلف العداد)، والمركبات الكهربائية، ونظم الشواحن الذكية للسيارات الكهربائية، وتقنيات انتاج الهيدروجين الاخضر وتطبيقاتها، والنظم الذكية لإدارة مرافق قطاع الطاقة (خاصة ما يتعلق بإنترنت الأشياء، والذكاء الاصطناعي للبيانات الكبيرة، وسلاسل الكتل الرقمية او البلوك تشين)، وإدارة مخلفات نهاية العمر لمجمعات الخلايا الشمسية.

ومن ناحية أخرى، تطرق النقاش إلى أهمية مشروعات"الهيدروجين الأخضر والأزرق" لتحقيق تحول الطاقة في مصر خلال الفترة المقبلة. حيث أشارت العديد من الدراسات الدولية إلى تراجع تكاليف انتاج "الهيدروجين الاخضر" تدريجيا لتصبح اقل من تكاليف الهيدروجين الأزرق بحلول عام ٢٠٣٥. كما توقع "مجلس الهيدروجين العالمي" أن يسهم الهيدروجين الأخضر بحوالي ٨ في المائة من الاستخدام النهائي للطاقة على مستوى العالم، بحلول عام ٢٠٣٠، مشيرا إلى زيادة استخدامه في عدة قطاعات، على رأسها قطاع النقل. ومن ناحية أخرى، أكد الحضور أيضا على تزايد الاهتمام العالمي والعربي بإنتاج "الهيدروجين الأخضر"  من مصادر متجددة (شمس ورياح وغيرها)، خاصة مع امكانية نقله سائلا أو غاز عبر خطوط انابيب أو بالبواخر أو نقله في صورة كهرباء عبر شبكات الكهرباء والتي تمتد عبر الدول والقارات لمسافات قد تصل إلى أكثر من أربعة الالاف كيلومتر، مشيرين إلى وجود خط النرويج وألمانيا، وخط المملكة المتحدة والدانمارك،وخط استراليا ونيوزيلندا.

وقد أوصى الخبراء المشاركون في النقاش بأن تأخذ مصر، من التجارب العالمية والإقليمية الملهمة، ما يتناسب مع طبيعة ظروفها من طاقات متجددة وتشريعات واطر سياسية ومالية، مؤكدين على أهمية التعامل مع المصادر المصرية من الوقود الأحفوري بحرص مع تعظيم القيمة المضافة منها، من خلال إدخالها في الصناعات البتروكيماوية والتكريرية بدلا عن حرقها في الهواء. كذلك، طالب المشاركون بضرورة وضع اطر زمنية محددة لتحقيق تحول الطاقة في مصر، مشيرين إلى أهمية التركيز على تصنيع ما يمكن تصنيعه من المعدات المستخدمة في مشروعات الطاقة المتجددة، لما في ذلك من فوائد اقتصادية متعددة، على رأسها خلق فرص عمل للشباب.

كذلك، أكد المشاركون أيضا على ضرورة الاهتمام بالأبحاث العلمية والفنية، خاصة تلك التي تتعلق بالبطاريات وتخزين الطاقة ونظم الشواحن الذكية للمركبات الكهربائية، وكذلك تلك المرتبطة بإنتاج الهيدروجين الأخضر من المصادر المتجددة، والسيارات الكهربائية والهجينة، كما يجب أيضا العمل البحثي على تطوير النظم والشبكات الذكية، مع وضع ما تحتاجه جميع هذه التوجهات من أطر تشريعية وتمويلية وإدارية ملائمة.

كما أوصى المشاركون أيضا بأهمية تأمين شبكات ومنظومات الطاقة ضد أية عمليات تخريبية خارجية، من شأنها التأثير سلبا على المهام المنوطة بهذه الشبكات والمنظومات. وفي النهاية، أوضح المشاركون أيضا أهمية الدور الإعلامي ومدي تأثيره على رفع الوعي المجتمعي بأهمية تحول الطاقة، من خلال بث معلومات خاصة بالتقنيات واستخداماتها وتكلفتها والعائد الاستثماري منها، مما سينعكس، بالضرورة، في نهاية الأمر على سلوكيات الناس وتوجهاتهم نحو الدخول في المسيرة العالمية لتحول الطاقة، سواء فيما يتعلق بالإنتاج والاستثمار من ناحية أو الاستهلاك من ناحية أخرى.