قضايا وتحليلات - قضايا وتفاعلات عربية وإقليمية 2021-10-31
أ. د. حمدي عبد الرحمن حسن

أستاذ العلوم السياسية في جامعتي زايد والقاهرة

أقدم الجيش السوداني في خطوة متوقعة، يوم الإثنين 25 أكتوبر 2021، على حل مؤسسات الحكم الانتقالي وإنهاء الشراكة مع قوى الحرية والتغيير، وهو ما يثير المخاوف بخصوص مستقبل الإصلاح السياسي في البلاد. وجاءت هذه الخطوة بعد أسابيع فقط من محاولة انقلابية فاشلة للاستيلاء على السلطة من قبل الموالين لنظام الرئيس المخلوع عمر البشير، ووسط تحذيرات متكررة من أن التوترات بين القادة المدنيين والعسكريين في السودان وصلت إلى حافة الانهيار. ولعل ذلك كله يطرح العديد من التساؤلات حول مستقبل الانتقال السياسي في السودان وسط بيئة إقليمية بالغة التعقيد والتشابك.

من الواضح أن ثمة مؤشرات على وجود تأييد من جانب قطاعات شعبية لحركة الجيش التصحيحية كما وصفها الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان القائد العام للقوات المسلحة السودانية. لقد ألقت حركة العدل والمساواة باللوم على حكومة عبدالله حمدوك وأنها تمثل السبب الرئيسي لتدخل الجيش. وقالت إن قلة من المسئولين احتكروا اتخاذ القرار ورفضوا الدخول في حوار. وكانت المجموعة التي يرأسها وزير المالية جبريل إبراهيم أول من أعرب علناً عن دعمه للجيش لكنه حثه أيضاً على إنهاء حالة الطوارئ والإفراج عن المحتجزين وتعيين حكومة مدنية لتسيير الأنشطة اليومية.

في وقت سابق من شهر أكتوبر الجاري (2021)، شاركت الجماعة في اعتصام جماهيري مؤيد للجيش في الخرطوم كان يطالب بإقالة الحكومة الانتقالية. كما رحبت جماعة أخرى موالية للجيش انشقت عن حركة الحرية والتغيير بهذه الاجراءات الاستثنائية، قائلة إنها ستنهي اعتصاماً نظمته خارج القصر الرئاسي لدعم الجيش لأن  مهمتها قد تحققت. ومن جهة أخرى، يُعد مجلس نظارات عموم البجا، بزعامة السيد ترك في شرق السودان، من أبرز المدافعين عن الجيش وهو ما تمثل في إعادتهم فتح ميناء بورسودان وإنهاء حالة الإغلاق في مدن الشرق.

ثنائية القيادة في المؤسسة العسكرية

من المهم الإشارة إلى طبيعة المؤسسة العسكرية في السودان، حيث أنها تضم إلى جانب القوات النظامية القائمة على الانضباط وقيم الاحتراف العسكري، قوات الدعم السريع، وهي وحدة شبه عسكرية انبثقت عن ميليشيات الجنجويد المدعومة سابقاً من نظام البشير والتي اتهمت بارتكاب انتهاكات أثناء صراع دارفور. وهنا نجد ثنائية القيادة العسكرية، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان القائد العام للقوات المسلحة السودانية من ناحية، والفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد الدعم السريع من ناحية أخرى. يبدو السجل الرسمي للبرهان نظيفاً، ولم يتم توجيه أصابع الاتهام إليه من قبل المحكمة الجنائية الدولية في لاهاى، حيث وجهت اتهامات للبشير وآخرين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية أثناء الصراع في دارفور في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. كما لا يُحسب البرهان ضمن صفوف الإسلاميين وهو أمر نادر بين كبار الجنرالات خلال نظام البشير الموالي لتنظيم الإخوان المسلمين. وربما ساعد ذلك السودان على الخروج من وضع العزلة الدولية الذي عانى منه نظام البشير. يقف خلف البرهان الجنرال حميدتي، قائد قوات الدعم  السريع. وتربط البرهان علاقة طويلة مع حميدتي. لقد كان البرهان قائداً في دارفور، حيث شن الجيش وقوات الدعم السريع حملة عنيفة لمواجهة التمرد. قُتل ما يصل إلى نحو 300 ألف شخص وشٌرد 2.7 مليون في الحملات العسكرية والصراعات الدامية التي شهدتها دارفور. ومع ذلك، فقد نأى البرهان بنفسه عن الفظائع التي اُرتكبت، وقال ذات مرة : "أنا لست مسئولاً عن أي أعمال مشينة في دارفور... بالنسبة لي، كنت أقاتل عدواً تماماً كما تفعل كل القوات النظامية". في عام 2015، نسق البرهان وحميدتي نشر القوات السودانية ومقاتلي الدعم السريع في اليمن للقتال مع قوات التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية ضد المتمردين الحوثيين المتحالفين مع إيران. ويُحسب للرجلين أنهما أثناء الانتفاضة ضد البشير، رفضا أوامر تفريق المتظاهرين باستخدام العنف، بل التقيا بهم في معسكر الاعتصام.

جدلية تصحيح المسار والانقلاب التصحيحي

يثور الجدل حول توصيف حركة الجيش السوداني في 25 أكتوبر، حيث كانت الرسالة الموجهة من الفريق البرهان أنها تصحيح مسار نظراً لحالة الفوضى والانقسام الشديد بين مكونات الحكومة الانتقالية. لم يعلق البرهان العمل بالوثيقة الدستورية كاملة ولكنه عطّل العمل ببعض المواد التي تنص على الشراكة مع قوى الحرية والتغيير. فقد أعلن إيقاف العمل بأحكام المادتين 11 و12 الخاصتين بتشكيل واختصاصات مجلس السيادة الانتقالي. يعني ذلك أن يصبح البرهان رأس الدولة والقائد العام للقوات المسلحة دون منازع بعيداً عن قوى الحرية والتغيير. وكان من المفترض أن يتخلى البرهان عن رئاسة المجلس السيادي لرئيس مدني في 17 نوفمبر 2021. ومن أبرز المواد الملغاة المادة 15 الخاصة بتعيين واختصاصات مجلس الوزراء الانتقالي، حيث كانت قوى الحرية والتغيير تملك سلطة تعيين رئيس المجلس. بمقتضى ذلك التعطيل يصبح البرهان قادراً على تعيين حكومة كفاءات وطنية ذات قاعدة شعبية عريضة وتتميز بالكفاءة والاستقلالية.  كما علّق البرهان المادة 24 فقرة 3 التي تنص على أن يتكون المجلس التشريعي الانتقالي بنسبة 67% ممن تختارهم قوى إعلان الحرية والتغيير ونسبة 33% للقوى الأخرى غير الموقعة على إعلان الحرية والتغيير . وبهذا يصبح الجيش مطلق اليدين في تشكيل المجلس التشريعي الانتقالي الذي وعد البرهان بأنه سوف يتألف من الشباب.

ومما يدعو إلى التمعن أن البرهان ألغى المادة 71 الخاصة بحل المجلس العسكري، وهو ما يعني إمكانية عودته لممارسة دور رقابي فاعل في إدارة العملية الانتقالية. والمفارقة التي تعيد إلى الأذهان خبرة الرئيس التونسي قيس سعيّد في تفسير النص الدستوري هى تأكيد البرهان أنه استند في قراراته على الوثيقة الدستورية، حيث تنص المادة الـ78 على أنه لا يجوز تعديل أو إلغاء هذه الوثيقة الدستورية إلا بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس التشريعي. وفي حالة غياب هذا المجلس تولى بشكل مؤقت كل من مجلس السيادة ومجلس الوزراء تمرير التشريعات والقوانين.

وفي التقاليد الأفريقية عندما يصل المشهد السياسي إلى حالة الانسداد، وعندما يتم استنفاد جميع السبل الديمقراطية الشرعية الأخرى، قد لا يكون "الانقلاب التصحيحي" قابلاً للتطبيق فحسب، بل قد يكون هو الخيار الوحيد. لقد حمل المؤتمر الوطني الأفريقي في جنوب إفريقيا السلاح ضد نظام الفصل العنصري في بلادهم من السبعينيات وحتى أوائل التسعينيات من القرن العشرين. كما قام توماس سانكارا بالمثل بانقلاب ثوري ضد النخبة المتعصبة في بوركينافاسو في عام 1983. وكانت أبرز سيناريوهات "الانقلاب التصحيحي" هى التجربة الغانية تحت قيادة الملازم أول جون جيري رولينغز (1981-2001). وتمكنت غانا، بمساعدة المؤسسات المالية الدولية، من أن تسطر بداية جديدة. واليوم، تعتبر البلاد نموذجاً للحكم الرشيد والديمقراطية تقتدي به معظم البلدان الأخرى في إفريقيا. وقد أكد الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما على ذلك من خلال زيارته التاريخية للعاصمة أكرا في أول جولة أفريقية له؛ فهل يتماشى تصرف البرهان مع هذه التقاليد؟ ربما يبدو ذلك بغض النظر عن الأهداف الحقيقية، حيث قام الاتحاد الأفريقي بتجميد عضوية السودان لحين عودة مؤسسات الحكم المدني.

مقدمات تدخل الجيش وأسبابه

توصلت قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي إلى ترتيبات تقاسم السلطة لتشكيل مجلس سيادة في السودان، والذي اتفق على استمراره لفترة انتقالية مدتها 39 شهراً اعتباراً من 20 أغسطس 2019. ونصت قواعد الترتيب أيضاً على أنه خلال أول 21 شهراً من الفترة المذكورة،  يتم اختيار رئيس عسكري من قبل الجيش، يخلفه بعد ذلك لمدة 18 شهراً القادمة، رئيس مدني، على أن تُجرى الانتخابات بعد انقضاء الفترة المتفق عليها لتقاسم السلطة. ويتولى رئيس الوزراء، الذي سيتم ترشيحه من قبل قوى الحرية والتغيير، رئاسة مجلس الوزراء، باستثناء الوزراء الذين يقودون وزارتى الدفاع والداخلية، حيث يتم ترشيحهم من قبل الجيش. كانت الحكومة الانتقالية برئاسة عبدالله حمدوك هى الأولى  منذ انقلاب 1989 التي لا تعكس تقاليد النظام العسكري المهيمن.

وافقت حكومة حمدوك على إصلاحات تقدمية مختلفة مثل إلغاء أى قانون يقيد حقوق المرأة في الدراسة أو اللباس كيفما تشاء. كما أنها جرَّمت ممارسة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية من خلال عادة ختان الإناث. ومع ذلك، فقد فشلت في تغيير مسار الاقتصاد المتعثر. فقد تعرضت سياسات إدارة حمدوك المختلفة لانتقادات شديدة، مثل إلغاء دعم الوقود وزيادة رسوم الكهرباء وارتفاع الإنفاق على قوات الأمن والأجهزة الحكومية.  على أن الخلافات داخل مجلس السيادة لم تكن حول الاقتصاد، بل حول هيكلية الجيش السوداني والقوات الأمنية وبشأن جرائم الحرب التي اُرتكبت  خلال حرب دارفور.

ثمة مطالب من المحكمة الجنائية الدولية بمحاكمة البشير وأعضاء آخرين في إدارته على جرائم حقوق الإنسان في دارفور عام 2003 وما بعده. لقد ظهر الانقسام واضحاً بين أطراف الحكم الانتقالي، حيث تعاون الفصيل المدني في الحكومة مع المحكمة الجنائية الدولية. وقع كلاهما اتفاقية في أغسطس 2021 للمضى قدماً في القضايا المرفوعة ضد المتهمين، بما في ذلك الرئيس المعزول عمر البشير. وبالقطع فإن ذلك لا يتوافق مع رؤية الجيش، فبسبب محاكمة البشير، سيتم الكشف عن العديد من العسكريين أنفسهم واتهامهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وقد رفض الفريق البرهان صراحة تسليم البشير للجنائية الدولية. لذلك، في حين أن مجلس الوزراء وافق على تسليم المشتبه بهم إلى المحكمة الجنائية الدولية، فإن محكمة أمن الدولة، التي لديها مكون عسكري، لم تفعل ذلك.

ولعل أحد مصادر الانقسام الأخرى يتمثل في التحقيق المتعلق بمذبحة الخرطوم في يونيو 2019، والتي تُصور أيضاً الجيش على أنهم "مغتصبون وقتلة" بحسب روايات قوى الحرية والتغيير. في الواقع، صرح رئيس لجنة التحقيق نبيل عابد، بنفسه في 4 مايو 2021، بأن "النتيجة قد تؤدي إلى انقلاب أو اضطرابات جماهيرية في الشوارع".

كانت هناك أيضاً محاولة من فلول النظام السابق للاستيلاء على السلطة. في 21 سبتمبر الماضي، أعلنت الحكومة السودانية أنها أحبطت محاولة انقلابية من قبل القوات التي كانت لا تزال موالية للبشير. لقد حاول الانقلابيون السيطرة على مبنى الاذاعة في أم درمان لكنهم فشلوا. وأُلقى القبض على أربعين عسكرياً بعد أن أصر رئيس الوزراء حمدوك على أن محاولة الانقلاب الفاشلة كانت امتداداً لمحاولات الفلول منذ سقوط النظام السابق لإجهاض التحول الديمقراطي المدني.

التداعيات وسؤال المستقبل

١- التداعيات الاقتصادية والأمنية: من المحتمل أن تكون هناك عواقب وخيمة لتدخل الجيش. لقد تم رفع اسم السودان مؤخراً من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، ووعدت الولايات المتحدة بتقديم الدعم المالي للحكومة الانتقالية. كما أن صندوق النقد الدولي وحكومة حمدوك اتفقا على تسوية لتخفيف الديون بقيمة 50 مليار دولار. كل ذلك تم تعريضه للخطر بعد القرارات الاستثنائية وفض الشراكة مع قوى الحرية والتغيير. ثمة مخاوف من أن يسقط  السودان اليوم في حالة من الفوضى، إذا ما تمت تعبئة الجماهير وتصاعدت حدة الاحتجاجات الشعبية في الشارع السوداني.

منذ عام 2019، كانت التدابير التي اتخذتها الحكومة الانتقالية لإنعاش الاقتصاد المنهك في البلاد لا تحظى بشعبية كبيرة بين بعض قطاعات واسعة من السكان. وعليه، فإن المعنويات على الأرض منقسمة لأن بعض الناس الذين يعانون من المصاعب المتزايدة بسبب الإصلاحات التي يدعمها صندوق النقد الدولي يفضلونإسقاط حكومة حمدوك. في نهاية سبتمبر، أجرى البنك الدولي أول زيارة له إلى السودان منذ ما يقرب من 40 عاماً عندما انخرط رئيسه ديفيد مالباس في محادثات مع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، ورئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ووزير المالية جبريل إبراهيم. ومع ذلك، فإن تجميد المساعدات الخارجية بعد استيلاء الجيش على السلطة سوف يكون له تداعيات كبرى على الاقتصاد، وربما تشهد السودان "ثورة بطون" أخرى. لقد  كتب السناتور الأمريكي كريس كونز على "تويتر": "بصفتي رئيس لجنة مجلس الشيوخ التي تمول المساعدات الخارجية، فقد ناضلت بشدة من أجل مساعدة جديدة للسودان لدعم انتقال البلاد إلى الديمقراطية والحكم المدني الكامل. سوف تنتهي هذه المساعدة إذا لم تتم استعادة سلطة رئيس الوزراء حمدوك والحكومة الانتقالية الكاملة".

٢ - إعادة رسم خريطة التوازنات الإقليمية: قد يكون للأحداث في السودان تداعيات جيواستراتيجية على مستوى الإقليم وما وراءه. إذ من المرجح أن تغير القيادة العسكرية في الخرطوم الديناميكيات السياسية الجارية بين السودان ومصر وإثيوبيا في الخلاف حول سد النهضة الإثيوبي. ثمة قلق أثيوبي كذلك من إمكانية أن يقوم السودان أيضاً بدور أكثر نشاطاً في الصراع الإثيوبي من خلال الانحياز العلني إلى قوات التيغراي.

٣ - مستقبل العلاقة مع إسرائيل: كيف يمكن أن يؤثر استيلاء الجيش على السلطة في السودان على التطبيع مع إسرائيل؟ ربما يحاجج البعض بالقول إنه إذا كان هدف الجيش السوداني عند توقيع اتفاقية التطبيع مع إسرائيل هو التخلص من العقوبات الأمريكية، فمن المرجح أن تؤدي قرارات الجيش الأخيرة إلى عودة هذه العقوبات وتأجيل الاتفاقية مع إسرائيل أو التخلي عنها تماماً. لقد كانت أبرز الخلافات الأيديولوجية بين المكون المدني والمكون العسكري في سلطات الحكم الانتقالي في السودان تتمثل في التطبيع مع إسرائيل، وأن تصبح السودان جزءاً من الاتفاقات الإبراهيمية بوساطة الولايات المتحدة، وبالتالي إلغاء قانون عام 1958 الذي يحظر أي علاقات دبلوماسية مع  تل أبيب. وعلى الرغم من أن عملية التطبيع كانت بطيئة بسبب الخلافات المزمنة التي اُبتليت بها القيادة السودانية، إلا أن عملية التطبيع شهدت تقدماً ملحوظاً خلال العام الماضي، بما في ذلك زيارة إلى السودان من قبل وزير المخابرات السابق إيلي كوهين، وزيارة وفد أمني سوداني رفيع المستوى إلى إسرائيل. وفي حين أنه من السابق لأوانه معرفة ما سوف تفضي إليه الاضطرابات في السودان بعملية التطبيع، يمكن بالفعل وضع بعض التصورات المستقبلية، فمن غير المرجح أن يقبل الغرب بالسيطرة العسكرية على السلطة، وفي حال استمرار سيطرة الجيش قد تعيد الولايات المتحدة فرض العقوبات على السودان. عندئذ يمكن أن نشهد تراجع الخرطوم عن صفقة السلام مع إسرائيل التي توسطت فيها الولايات المتحدة.

ختاماً، فإن الخوف الأكبر يتمثل في انزلاق السودان لحالة من الفوضى والعنف إذا ما استمرت حالة الاستقطاب السياسي الحاد. كما لا يمكن استبعاد امكانية عودة الجماعات غير المنضوية في اتفاق جوبا للسلام إلى حمل السلاح. في دارفور توجد حركة تحرير السودان برئاسة عبد الواحد النور، وفي جبال النوبة بجنوب كردفان توجد الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال بقيادة عبد العزيز الحلو. كلاهما يحظى بدعم شعبي وأظهر قوة عسكرية لا يُستهان بها. كما أن كلاهما ينخرطان في محادثات سلام مع الحكومة وكانا يثقان في عبد الله حمدوك. ربما تنذر إجراءات الجيش الأخيرة بتجدد الصراع.

 لا تزال القضايا الأكثر إلحاحاً في السودان هى الاقتصاد والديمقراطية والسلام، وربما يؤدي غياب التوافق الوطني إلى مزيد من العنف وسفك الدماء. في يوليو 2019، في أعقاب أحداث العنف، تدخلت "الرباعية" الدولية  المكونة من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، التي عملت جنباً إلى جنب مع الاتحاد الأفريقي، للضغط من أجل حل تفاوضي، وهو ما تم في أعقاب الإطاحة بنظام البشير. ربما تكون هناك حاجة لعملية مماثلة، وإن كانت بأطراف مدنية جديدة بما يحقق التوافق الوطني ويعيد السودان إلى طريق الانتقال السياسي السليم.