قضايا وتحليلات - قضايا وتفاعلات عربية وإقليمية 2021-10-3
رانيا مكرم

خبيرة - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

أثارت خطوات تعيين مرشحي الرئاسة الخاسرين في السباق الرئاسي الإيراني في مناصب رفيعة بالحكومة الجديدة ومكتب الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي، وعدد من المجالس المهمة في البلاد خلال الفترة الماضية؛ تساؤلات عدة حول أسباب إقدام رئيسي على هذه التعيينات المتتالية للمرشحين السابقين، ودلالاتها، حيث قام مؤخراً بسلسلة من التعيينات لمرشحي الرئاسة، بلغ عددها حتى الآن 4 تعيينات، بدأت بتعيين علي رضا زاكاني عمدة لطهران، وانتهت بتعيين سعيد محمد في منصب أمين المجلس الأعلي للمناطق التجارية - الصناعية الحرة.

وقد كان من المتوقع أن يستحوذ التيار المحافظ بجناحه المتشدد على أهم المناصب في النظام الإيراني مع فوز المرشح إبراهيم رئيسي، الذي أُفسح له المجال حتى ينال هذا المنصب، بعد أن تمت هندسة الانتخابات لهذا الهدف من خلال استبعاد المرشحين ذوي الثقل والقادرين على المنافسة من قبل مجلس صيانة الدستور، الذي استبعد رموزاً سابقين للنظام مثل رئيس البرلمان علي لاريجاني، والرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد.

وبالفعل جاءت تشكيلة الحكومة الجديدة التي أعلن عنها الرئيس إبراهيم رئيسي وفق هذه التوقعات، كما جاءت تعينات أعضاء مكتبه، ورؤساء المجالس، وغيرها من المناصب المهمة وفق هذه التوقعات أيضاً. غير أن ثمة اتجاهاً لمكافأة مرشحي الرئاسة بمناصب عليا في النظام، أو بالأحري احتوائهم، بدا واضحاً خلال الفترة الماضية.

فعقب انتهاء إبراهيم رئيسي من تشكيل حكومته الجديدة وعرضها على البرلمان للبت في أهلية المرشحين للحقائب الوزارية، أعلن الأخير عن أول تعيينات لمرشحي الرئاسة السابقين، في 8 أغسطس الماضي 2021، وذلك بتعيين البرلماني الأصولي ورئيس مركز الأبحاث في البرلمان علي رضا زاكاني، الذي أعلن انسحابه من الانتخابات قبل السباق الرئاسي لصالح رئيسي، في منصب أمين العاصمة طهران، فيما بدا وكأنه مكافأة له على موقفه الداعم لرئيسي في الانتخابات.

تلا ذلك تعيين القائد السابق في الحرس الثوري، والأمين العام السابق لمجلس تشخيص مصلحة النظام الجنرال محسن رضائي - الذي حصل على المركز الثاني في الانتخابات الرئاسية بعد رئيسي - في منصب نائب الرئيس للشئون الاقتصادية، والأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الاقتصادية، وأمين اللجنة الاقتصادية التابعة للحكومة في 25 أغسطس 2021،ليحل محل محمد ناهافانديان، وهو منصب يسمح لرضائي بتنفيذ أفكاره الاقتصادية بحكم عمله في مناصب اقتصادية سابقاً. ثم الإعلان عن تعيين البرلماني الطبيب أمير حسين قاضي زاده هاشمي المرشح الرئاسي - الحاصل على المرتبة الرابعة في السباق الرئاسي - في منصب نائب رئيس الجمهورية، ورئيس مؤسسة الشهيد وشئون المضحين، في  12 سبتمبر 2021.

كما تم أيضاً تعيين سعيد محمد القيادي السابق بالحرس الثوري، والذي قدم استقالته من منصبه العسكري لتقديم أوراق ترشحه للانتخابات، لكنه لم يكمل السباق الانتخابي، في منصب أمين المجلس الأعلي للمناطق التجارية - الصناعية الحرة،والاقتصادية الخاصة، في 23 سبتمبر 2021.

فيما تبقى من مرشحي الرئاسة الذين لم يحصلوا بعد على نصيب من المناصب المهمة في البلاد كل من المرشحين الإصلاحيين: محافظ البنك المركزي الإيراني عبد الناصر همتي، الذي استقال من منصبه على خلفية ترشحه للانتخابات الرئاسية، ونائب الرئيس السابق محسن مهر علي زاده – الذي انسحب من السباق الانتخابي استجابة منه لدعوة التيار الإصلاحي لمقاطعة الانتخابات-، فضلاً عن السياسي البارز المتشدد والأمين السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي سعيد جليلي.

 دلالتان رئيسيتان

لا يمكن تفسير سبب الاستعانة بمرشحي الرئاسة السابقين، وإدماجهم في الهيكل القيادي في البلاد، دون فهم المشهد السياسي الحالي، الذي يسوده انزواء واضح للتيار الإصلاحي، ليس فقط منذ الإعلان عن فوز رئيسي، وإنما منذ استحواذ التيار المحافظ على البرلمان والمحليات من خلال استحقاقات انتخابية متتالية، وحجم الانتقادات التي وجهت للرئيس السابق حسن روحاني خلال فترة ولايته الثانية، بعد أن بدا مكبلاً من التيار المحافظ المسيطر على مفاصل الحكم.

كما لا يمكن تفسيره أيضاً بدون إدراك حجم الانقسامات التي يعاني منها التيار المحافظ، وإن بدا ظاهرياً أنه متماسك خلال الانتخابات الرئاسية، من خلال سلسلة الانسحابات من مرشحي الرئاسة لصالح رئيسي، لعدم تشتيت الأصوات، لاسيما فيما يخص الموقف من قضايا مهمة وحساسة بالنسبة للنظام، على رأسها الاتفاق النووي، الذي يتعرض رئيسي بشأنه لضغوط من الجناح الأصولي من التيار المحافظ، تدعو إلي الانسحاب منه وإلغائه، أو على الأقل اتخاذ مواقف متشددة خلال التفاوض عليه، في الوقت الذي أعلن فيه رئيسي عن ضرورة العودة إلى المفاوضات والتخلص من العقوبات المفروضة على البلاد. ويمكن الإشارة في هذا الصدد إلى دلالتين رئيسيتين لتعيينات مرشحي الرئاسة، هما:

1- تعزيز دور الحرس الثوري: تسود منذ سنوات طويلة فكرة عن الحرس الثوري الإيراني مفادها أنه المؤسسة الوحيدة القادرة على المحافظة على استقرار نظام الحكم، والحفاظ على تماسك الدولة، ومشروعها الثوري، بالتنسيق مع مكتب المرشد الأعلى للجمهورية، وقد برزت ملامح سيطرة الحرس الثوري على مؤسسات الدولة لتحقيق هذا الهدف، في أعقاب تعيين إبراهيم رئيسي على رأس السلطة القضائية، نظراً لقربه من المرشد الأعلى، ومن قيادات الحرس الثوري، بالإضافة إلى خطوة مهمة في إطار ترسيخ هذه السيطرة، تمثلت في تمكين قيادات الحرس الثوري من البرلمان، بدءاً بالسماح لبعض قياداته بالفوز بمقاعد في البرلمان وانتخاب محمد باقر قاليباف رئيساً له، ومن خلال البرلمان حصل الحرس الثوري على رخصة ترشح قياداته للرئاسة، بعد تمرير قانون لتعديل قانون الانتخابات الرئاسية يسمح بترشح القادة العسكريين برتبة عميد فما فوق لانتخابات رئاسة الجمهورية في ديسمبر 2020.

ويأتي تعيين الجنرال السابق محسن رضائي في منصبه الاقتصادي الجديد ليصب في هذا الاتجاه، حيث يمثل منصب رضائي تعزيزاً لدور الحرس الثوري في الاقتصاد الإيراني، لاسيما في ظل قرب الدوائر الاقتصادية في الحكومة من الحرس الثوري الإيراني. والأمر ذاته ينطبق على العميد سعيد محمد، الذي تولى منصب أمين المجلس الأعلى للمناطق التجارية - الصناعية الحرة،والاقتصادية الخاصة، وذلك على الرغم من الجدل الذي أثير حول إقالته وليس استقالته من منصبه بالحرس الثوري لأسباب لا تتصل بترشحه للرئاسة. إذ يعد منصبه الجديد تمكيناً للحرس الثوري في مجالات التجارة الخارجية والتصدير والاستثمارات المشتركة مع الخارج.

2- الصراع بين أقطاب التيار المحافظ: بدأت ملامح الخلاف بين أقطاب التيار الأصولي تظهر عقب تولي الرئيس إبراهيم رئيسي مهام منصبه، والعمل على تشكيل حكومته الجديدة، التي تأخر في الإعلان عنها لمدة أسبوع، كما تأخر في تسمية نوابه، بعكس الرئيس حسن روحاني الذي سمى نوابه عقب حفلة تنصيبه، حيث قدم تشكيلة حكومته للبرلمان في أول يوم لتوليه الرئاسة، مما عكس الخلافات حول أسماء المرشحين للحقائب الوزارية وأعضاء مكتبه آنذاك.

وبالنظر إلى الأسماء المتبقية في قائمة المرشحين الرئاسيين، يلاحظ وجود مرشحين إصلاحيين – كما سبق الإشارة- وهما عبد الناصر همتي، ومحسن مهر علي زاده، ومن غير المتوقع أن يحصلا على مناصب جديدة على خلفية توجهاتهما الإصلاحية، فيما يتبقى سعيد جليلي ذا الثقل السياسي والدبلوماسي، والقيادي السابق في الحرس الثوري، رغم أن جليلي قد ذكر اسمه في تكهنات عدة لأكثر من منصب في حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي، لكنه حتى الآن لم يحصل على أي منها، حيث طرح أسمه كوزير للخارجية، ثم نائب للرئيس، ثم أمين لمجلس تشخيص مصلحة النظام، خلفاً لمحسن رضائي، فيما ينتظر جليلي نفسه منصب الأمين العام لمجلس الأمن القومي.

فحسب تقرير نشرته صحيفة "تجارت نيوز" الإيرانية، نشر في 13 سبتمبر 2021، فإن الرئيس إبراهيم رئيسي غير مستعد للتعامل مع جليلي، وأنه من المتوقع ألا يمنحه أي منصب قريب منه، وهو ما اتضح من خلال إخفاق توقعات كثيرة لتولي جليلي عدة مناصب. فيما تشير تقارير أخرى إلي أن جليلي لازال ينتظر منصب أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي، بل يذهب البعض للقول بأن جليلي قد كتب قرار تنحيه عن استكمال ترشحه للانتخابات الرئاسية، وانسحابه منها لصالح الرئيس إبراهيم رئيسي على ورقة تعيينه مجلس الأمن القومي.

ويبدو أن البيان الذي أصدره جليلي بالانسحاب من السباق الرئاسي لصالح رئيسي، لم يكن إلا بداية لخلاف محتدم بينهما، لاسيما وأن تقارير عدة قد أشارت إلى أن هذا الانسحاب قد جاء بضغط شديد من قبل قيادات في التيار المتشدد، وأنه لم يكن هناك أي قناعة لدى جليلي بهذه الخطوة.

وعلى الرغم من أن توجهاً سائداً مفاده أن حظوظ جليلي تتناقص في الحصول على مناصب مهمة في النظام السياسي الإيراني حالياً، بسبب مواقفة الراديكالية المتشددة من ملفات حساسة مثل معارضة الاتفاق النووي، ورفضه انضمام إيران إلى مجموعة العمل المالي FATF بحجة أن هذه الخطوة ستحول دون تمكين إيران من الالتفاف على العقوبات الأمريكية التي أعيد فرضها عليها عام 2018، فإن تعيين علي باقري كني في منصبمساعد وزير الخارجية للشئون السياسية، الذي يؤهله - وفق التوقعات- لقيادة فريق المفاوضين الإيرانيين في فيينا خلفاً لعباس عراقجي، يأتي لينفي حجة هذا التوجه، نظراً لكون كني من أشد معارضي الاتفاق النووي مع الغرب، وأنه قد خاض تجربة التفاوض مع الغرب تحت قيادة سعيد جليلي نفسه، مما يرجح فكرة الخلاف بين جليلي ورئيسي بشكل شخصي، وهو ما يعكس في النهاية الخلاف بين أقطاب التيار المتشدد.

ختاماً، تبقى خطوة الاستعانة بمرشحي الرئاسة الخاسرين في مناصب مهمة في الدولة، آلية تقليدية تنفذ في العديد من الدول، غير أن هذه الحالة تختلف في إيران إلى حد كبير، في ظل سعى الرئيس إبراهيم رئيسي لاحتواء ضغوط التيار الأصولي والحرس الثوري، واسترضاء الفاعلين الأقوياء في مفاصل الحكم، فيما ستبقى قدرته على احتواء هذه الضغوط مرهونة بمدى ما تحققه هذه الخطوات من نجاحات.