منيت القارة الإفريقية خلال السنوات الأخيرة بموجات متطورة من العنف الذى اتخذ العديد من الأشكال، وكان أخطرها الإرهاب العابر للحدود، مما أسهم فى تفاقم التحديات والتهديدات التى باتت شعوب الدول الإفريقية والحكومات تواجهها وخاصة فى ظل انتشار هذه الظاهرة التى لم يسلم إقليم من إفريقيا من وجودها، فتحولت أجزاء واسعة من أراضى القارة الإفريقية إلى ملاذات آمنة تحتضن العناصر الإرهابية وساحات لتدريب وعمليات هذه الجماعات. وأصبحت العديد من الجيوش الوطنية مستنزفة فى صراعها مع الجماعات الإرهابية التى سيطرت على مناطق شاسعة، واستغلت الأزمات التى تعانيها العديد من الدول على المستويات السياسية والاقتصادية، وكذلك التغيرات المناخية فى اجتذاب السكان وتجنيدهم وتدعيم قوتها. كما أسهمت حالة الفوضى التى أثارتها الجماعات الإرهابية فى إفريقيا فى تسهيل التدخلات الأجنبية تحت ذرائع مكافحة الإرهاب واستعادة الاستقرار مما كان له تداعيات خطيرة على الدول والمجتمعات الإفريقية.

وتسعى هذه الدراسة للبحث فى التحولات التى شهدتها ظاهرة الإرهاب فى إفريقيا خلال السنوات العشر الأخيرة، حيث اشتملت هذه التحولات على مجموعة من العوامل ومنها عوامل محلية عبرت فى مجملها عن استمرار أزمات تعانيها الدولة الوطنية فى إفريقيا منذ عقود وأسهمت فى تحول أراضيها لمركز رئيسى لنمو الجماعات الإرهابية. وفى مقدمة هذه الأزمات انتشار الصراعات والجماعات الإرهابية فى مالى التي ظهرت فى إطار الصراع بين الطوارق والحكومة المركزية، وحركة شباب المجاهدين التي استمرت فى الوجود فى ظل تفاقم الصراع الداخلى فى الصومال على الرغم من النجاحات التى حققتها القوات الإفريقية فى الصومال. وكذلك فشلت الحكومات فى السيطرة على كامل إقليم الدولة، فضلا عن الاستبداد السياسى وانتهاكات قوات الأمن، والمكاسب الاقتصادية التى تجتذب بها الجماعات الإرهابية الشباب للانضمام إليها فى ظل الفقر والبطالة التى يعانيها سكان القارة.

أما العوامل الخارجية التى أسهمت فى نمو الجماعات الإرهابية فى القارة فقد جمعت بين العوامل الجغرافية والمكانية وارتباطها  بدول الجوار فالقرب من مراكز الصراعات والاضطرابات فى الشرق الأوسط قد أدى إلى انتقال العناصر الإرهابية إلى القارة الإفريقية، والأطماع الدولية فى القارة التى ارتبطت بالبحث عن ذرائع للتدخلات الأجنبية. هذا بالإضافة إلى تحول أراضى القارة الإفريقية إلى ساحة للصراع والاقتتال بين فروع تنظيمى القاعدة و(داعش). يضاف إلى ذلك انتشار الجريمة المنظمة، وخاصة فى منطقة الساحل الإفريقى الذى أسهم فى توفير موارد ذاتية لتمويل الجماعات الإرهابية عبر الاتجار غير المشروع.

ويبحث المستوى الثانى من التحولات التى شهدتها ظاهرة الإرهاب فى إفريقيا فى خريطة الجماعات الإرهابية فى القارة فى ظل تنوع الجماعات الإرهابية وتوسعها الجغرافى. فقد أصبح هناك مجموعات مختلفة، ينتمى بعضها إلى تنظيم القاعدة، فى حين تبايع أخرى تنظيم داعش، يضاف إلى ذلك أن مكافحة الإرهاب لا تؤدى إلى القضاء على الجماعات الإرهابية، بل تؤدى إلى إزاحتها من منطقة لأخرى فى الوقت الذى تستغل فيه هذه الجماعات الصراعات الداخلية فى هذه الدولة أو تلك، وخاصة المرتبطة بالتهميش لبعض الجماعات فى تجنيد الأفراد وتبلور جماعات إرهابية جديدة.

ويناقش المستوى الثالث من الدراسة التداعيات التى نتجت عن نمو ظاهرة الإرهاب فى إفريقيا خلال السنوات العشر الأخيرة وأهمها الخسائر البشرية، بالإضافة إلى منع الحكومات من الوصول إلى الموارد الطبيعية فى الدول وكذلك الإضرار بالإنتاج الزراعى، وتراجع الاستثمارات الأجنبية والنمو الاقتصادى. فقد أعلنت شركة توتال الفرنسية العملاقة للنفط توقف أعمالها فى مشروع للغاز الطبيعى السائل بقيمة 20 مليار دولار فى شمال موزمبيق ردا على أعمال الإرهاب المتنامية، مما أدى إلى تعطيل مشروع للغاز الطبيعى بمليارات الدولارات كان من المفترض أن يضمن عقودا من النمو الاقتصادى. كما أسهمت الهجمات الإرهابية فى زيادة أعداد النازحين واللاجئين إلى جانب تدمير هذه الجماعات للتراث الإنسانى، وخير دليل على ذلك هدم الجماعات الإرهابية فى مالى الأضرحة والتماثيل التى تعد جزءا من الحضارة الإنسانية.

ويسعى المستوى الرابع من الدراسة إلى تقييم جهود مكافحة الإرهاب خلال العقد الأخير فى إفريقيا، للوقوف على التطورات التى شهدتها هذه الجهود ومدى انعكاسها على الحد من انتشار الجماعات الإرهابية، حيث تضمن التقييم مستويين،.المستوى الإقليمى، الذى يشير إلى جهود الاتحاد الإفريقى، والمستوى الدولى ويهتم بتوضيح الإنجازات التى حققتها القوى الدولية لمكافحة الإرهاب فى إفريقيا. فقد عمل الاتحاد الإفريقى على بناء إستراتيجيات تقوم على أسس متعددة الأطراف لمواجهة الظاهرة. وظهرت مجموعة من المبادرات فى ذلك، إلا أن الخلافات نشبت بين المنظمة القارية وبعض التحالفات مثل مجموعة العمل متعددة الجنسيات فى بحيرة تشاد التى تم تأسيسها فى يناير 2015 لمحاربة بوكو حرام، مما جعل الكثيرين ينظرون إلى إفريقيا بصفتها لا تتحدث بصوت واحد عن الإرهاب.

كما تُعد أزمة ميزانية الاتحاد الإفريقى وعدم وفاء أكثر من 40 % من الدول بالتزاماتها فى الميزانية من المشكلات الخطيرة أيضا. أما القوى الدولية، وخاصة الولايات المتحدة وفرنسا، فإن تدخلها فى القارة لمحاربة الإرهاب لم يبن على أسس موضوعية ترتبط بتحقيق الاستقرار فى القارة لذلك لم يكن من الغريب أن تفشل هذه القوى فى هزيمة الجماعات الإرهابية فى إفريقيا، واليوم تعلن هذه القوى انسحاب قواتها دون أدنى اهتمام بما ستؤول إليه الأوضاع فى المناطق التى تشهد تصاعدا كبيرا لظاهرة الإرهاب.

ويؤكد المستوى الخامس والأخير من الدراسة عددًا من التحولات التى شهدتها ظاهرة الإرهاب فى إفريقيا خلال السنوات العشر الأخيرة، حيث تشير هذه التحولات إلى وصول الجماعات الإرهابية وانتشارها فى جميع الأقاليم الإفريقية وخاصة الأقاليم الأربعة جنوب الصحراء. ولم تعد الجماعات الإرهابية الرئيسية فى إفريقيا تنتمى للقاعدة كما عهدناها خلال العقود الماضية بل أصبحت هناك فروع كثيرة لتنظيم (داعش)، كما تميزت الجماعات الإرهابية فى القارة باكتساب مزيد من المرونة التكتيكية. وخلال عامى 2020 و2021 قتل العديد من قادة الجماعات الإرهابية مما ينذر بتحولات مستقبلية خطيرة فى إطار هياكل الجماعات وأهدافها وسيطرتها المكانية. كما شهدت الأعوام الأخيرة تغير جهات مكافحة الظاهرة مما أدى إلى ارتباك فى إستراتيجيات المواجهة، لاسيما بعد انتشار فيروس (كوفيد- 19) وإضعاف قدرات الدول الإفريقية فى مواجهة الإرهاب.

وأخيرا، عكست التحولات التى شهدتها ظاهرة الإرهاب فى إفريقيا وكذلك جهود مكافحة الظاهرة، الحاجة إلى إعادة صياغة إستراتيجيات جديدة لمكافحة الإرهاب تتفق فيها الدول الإفريقية على تعريف الظاهرة، ولا تسمح بتهرب الدول غير المتضررة من مسئولياتها، على أن تعتمد هذه الإستراتيجيات إلى جانب الأدوات العسكرية والأمنية، العمل على معالجة الأزمات التى تسمح بنمو الجماعات الإرهابية داخل القارة الإفريقية، بحيث لا تتحول أراضى القارة إلى مفرخة للعناصر الإرهابية التى لن تتورع عن هدم أى مقومات للتنمية والتقدم فى أى دولة إفريقية ولن يسلم الجوار العربى وكذلك الأوروبى من تهديداتها.