إن التساؤل الرئيسى الذى تحاول هذه الدراسة الإجابة عليه هو إلى أى مدى يمكن أن تصمد الميليشيا الحوثية فى الحرب ضد قوات الحكومة الشرعية المدعومة من التحالف بقيادة السعودية؟، علمًا بأن دعائم الحرب تعتمد على القدرات العسكرية، والقدرة على تجنيد المقاتلين، والسيطرة على الأرض، والتمويل الاقتصادى للحرب، وهو الجانب الذى تركز عليه هذه الدراسة بشكل محدد، وفى واقع الأمر فإن جميع الأدوات والموارد التى تحتاج إليها الميليشيا للاستمرار فى هذه الحرب متاحة حتى منتصف عام 2021، ويمكن أن تظل متاحة سنوات مقبلة إن لم تتغير ديناميكية المشهد اليمنى الحالى بشكل عام.
وهو ما تميزت به الميليشيا الحوثية مقارنة بباقى الميليشيات فى الإقليم، كونها أصبحت أقرب إلى ما يسمى "الميليشيا الدولة"، فإن الاقتصاد الحوثى تميز بالتبعية عن باقى أعضاء هذه الظاهرة، فى ظل هيمنة الميليشيا على المؤسسات الاقتصادية للدولة والقطاعات الحيوية الرئيسية التى حولتها إلى جزء من الروافد الاقتصادية الموازية كالضرائب وعوائد الجمارك لتمويل الحرب على مدى السنوات السابقة، بل إن كفاءة إدارة الميليشيا لهذه الموارد مع استخدام الأدوات القمعية ربما تفوق إدارة الأنظمة التى حكمت اليمن فى العقود السبعة التى تلت إعلان النظام الجمهورى فى البلاد ستينيات القرن الماضى.
وبالإضافة إلى نمط الاقتصاد الموازى أو غير الرسمى، فإن الميليشيا أنشأت روافد أخرى، أحدها يشكل اقتصاد أمراء الحرب أو اقتصاد الميليشيا المقصور على نخبتها السياسية بشكل عام، التى تتربح من عوائد الحرب، لاسيما الاتجار فى المعونات الإنسانية، بالإضافة إلى الاقتصاد السلالى الخاص بالفئة الحاكمة التى تظن أنها تحكم وفق تفويض إلهى، وهى النخبة الهاشمية التى تجنى خمس عوائد الاقتصاد المختلفة بعد سن قانون "الخمس" الذى يشكل بعدا سياسيا واجتماعيا بالإضافة إلى البعد الاقتصادى حيث أصبحت هذه الفئة هى الأكثر ثراء بين جميع الفئات الأخرى فى مناطق النفوذ الحوثى، وهو ما يعكس من جانب آخر مدى الطبقية الاقتصادية والسياسية التى تشكل قوام هذه المنظومة الميليشياوية.
ويمكن القول إن محصلة الاقتصاد الحوثى تعكس كلفة الحرب فى اليمن، الذى شهد تدهورًا غير مسبوق فى البنية التحتية بما يخدم المشروع الحوثى، خاصة فى ظل هيمنتهم على العاصمة ومحيطها وهى المناطق التى تضم الطبقة الوسطى من الموظفين والتجار، بالإضافة إلى سيطرتهم على القبلية التى تشكل الدولة العميقة فى اليمن إن جاز التعبير. على الجانب الآخر، فإنه لا توجد أدوات مقاومة اقتصادية للمشروع الحوثى، فالقرارات التى اتخذتها الدولة، تجاه المؤسسات الاقتصادية فى مناطق النفوذ الحوثى، أو العقوبات الإقليمية والدولية التى فرضت على الميليشيا لم تشكل رادعا لما تقوم به، وأظهرت ضعف فاعليتها فى مواجهتها المشروع الحوثى بشكل عام، كما أنه لم يكن هناك نموذج اقتصادى جاذب فى المناطق المحررة الخاضعة للشرعية فى اليمن شمالًا أو جنوبًا فى العاصمة المؤقتة يشكل عامل استقطاب للجماهير التى تدفع كلفة تلك الحرب فى بلد يعانى وضعا اقتصاديا هو الأسوأ فى العالم.