بعد نحو أحد عشر شهراً من استقالة الحكومة اللبنانية السابقة برئاسة حسّان دياب، أعلن عن تشكيل حكومة جديدة من أربعة وعشرين وزيراً برئاسة نجيب ميقاتي في 10 سبتمبر الجاري (2021). وكان ميقاتي هو رئيس الوزراء الثالث الذي تم تكليفه بتشكيل الحكومة، إذ سبقه كل من السفير مصطفى أديب ورئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري، قبل أن ينسحب الأول بعد نحو شهرين وينسحب الثاني بعد نحو تسعة أشهر معلنين فشلهم في التفاهم مع رئيس الجمهورية ميشال عون حول التشكيل. تأتي الحكومة الجديدة بعد صعوبات عدة واجهت الرئيس نجيب ميقاتي خلال التشكيل، وهي صعوبات تشبه، إلى حد كبير، تلك التي واجهها من قبله سعد الحريري وأدت إلى اعتذاره، ولكن ربما ساهم المناخ الإقليمي والدولي الحالي في الوصول إلى تسوية أدت بدورها إلى ميلاد الحكومة. ولدت الحكومة بعد نحو شهر ونصف من تكليف نجيب ميقاتي وبوساطات متعددة أبرزها وساطة مدير الأمن العام اللواء عباس إبراهيم ودعم عربي وأمريكي، فضلاً عن تشجيع مشترك من الرئيسين الفرنسي ايمانويل ماكرون والإيراني إبراهيم رئيسي.
ماراثون الأمتار الأخيرة
من أهم الصعوبات التي عرقلت التشكيل كان تمسك القوى السياسية بوزارات بعينها. إذ تمسك الفريق الشيعي بحقيبة المالية وتمسك رئيس الجمهورية بحصة ثُلث مُعطِّل من الوزراء في أية حكومة أياً كان عدد وزرائها كي يحكم السيطرة على قرارها ويسقطها متى شاء بدفع ثُلث وزرائها للاستقالة. وفيما بدا في نهاية يوليو الماضي إبان تكليف نجيب ميقاتي أن العقدة كانت في العلاقة المتوترة بين الحريري وعون وأن من شأن اعتذار الأول عن تشكيل الحكومة أن يُسرع بهذا التشكيل، ولكن ما لبثت نفس الصعوبات أن تجددت مرة أخرى.
بعد اعتذار الحريري، بدا أن الحكومة التي سيشكلها ميقاتي ستكون حكومة إنقاذ يقع على كاهلها عدة مهام رئيسية: أولاً، التفاوض مع صندوق النقد الدولي وسائر الداعمين الدوليين لجلب مساعدات مالية عاجلة لمعالجة خلل الاقتصاد الحالي والأزمة المعيشية الخانقة. وثانياً، التحضير لعقد الانتخابات النيابية في موعدها في مايو القادم 2022. وثالثاً، إطلاق برنامج إصلاح حكومي يكون مقبولاً في نظر القوى الغربية كي يتخطى الدعم صفة الإنقاذ الطارئ إلى صفة تعديل هيكل الاقتصاد اللبناني ككل. ورابعاً، ترميم علاقة لبنان بالدول العربية وخاصة دول الخليج بعد سنوات من جنوح السفينة اللبنانية على الشواطئ الإيرانية وإحجام الخليج عن إنقاذ لبنان وإقالته من عثرته. ولعل هذه المهمة الأخيرة تعتمد بالأساس على تحسن المناخ الإقليمي واستئناف حلقات الحوار بين طهران والرياض والاستبشار بإمكانية تهدئة التنافس الإقليمي فيما بينهما وانعكاس ذلك إيجابياً على لبنان.
وبحكم عِظَم المهام التي تنتظر الحكومة كان التنافس بين القوى اللبنانية على تشكيلها. فرغم انسحاب كتل تيار المستقبل والقوات اللبنانية والكتائب اللبنانية، استمر التنافس محتدماً بسبب رغبة التيار الوطني الحر ممثلاً برئيسه جبران باسيل- صهر الرئيس عون- في التدخل في تشكيل الحكومة رغم إعلانه عدم مشاركته فيها. فالتيار الوطني الحر انسحب مع رئيسه إلى خلف الستار ولكنه في المقابل أوعز إلى الرئيس عون بالتمسك بالثُلث المُعطِّل بدعوى حماية حقوق المسيحيين في توجيه القرار الحكومي.
ومن جهته، تمسك الرئيس عون بالحقائب السيادية كافة، فإلى جانب حقيبة الدفاع التي تكون عادةً من حصة رئيس الجمهورية والخارجية التي استحوذ عليها التيار في حكومات سابقة، أراد عون أيضاً أن يستحوذ على الداخلية والعدل وهما حقيبتين مؤثرتين للغاية في مجرى الانتخابات. إذ يخشى التيار الوطني الحر أن يفقد حصيلته من المقاعد النيابية – وهو المتحصل على أكبر كتلة برلمانية في الانتخابات السابقة- خاصة بعد أن انصب غضب الشارع اللبناني بشكل خاص خلال الحراك الشعبي على باسيل الذي يرأس كتلة هذا التيار.
ومن جهة ثانية، تمسك باسيل أيضاً بحقيبة الاقتصاد كي يكون مؤثراً في مجريات التفاوض مع المانحين الدوليين لجلب الدعم في لبنان. بينما تمسك أيضاً بحقيبة الطاقة، لأن باسيل كان قد استلم تنسيق ملف الطاقة منذ دخوله للحكومة منذ عدة سنوات واعداً بتوفير كهرباء في سائر الأراضي اللبنانية 24 ساعة خلال اليوم وهو ما تحقق عكسه تماماً خلال الأسابيع الماضية ووصل انقطاع الكهرباء العامة إلى نحو 22 ساعة يومياً. أما حقيبة الشئون الاجتماعية، فدخلت سباق التنافس أيضاً نظراً لدورها الجوهري في توزيع المساعدات الحكومية، وهي ورقة انتخابية مهمة تساهم في التلاعب في إرادة الناخبين والحصول على رضاء الأهالي في مثل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة.
رفع الغطاء عن التعطيل وميلاد الحكومة
إزاء هذا الإصرار، تمسك الرئيس نجيب ميقاتي بمنع تحقق سيطرة الرئيس عون على الثُلث المُعطِّل ودعمه في ذلك رئيس مجلس النواب نبيه بري. وفيما قدم نجيب ميقاتي عدة تشكيلات حكومية إلى الرئيس عون الذي واصل رفضه للواحدة تلو الأخرى وإجراء تعديلات عليها كي يضمن السيطرة على الحصة التي يريدها، انقطع ميقاتي عن زيارة القصر الرئاسي بعد الزيارة الثالثة عشر منتظراً رداً بالموافقة من عون. وكان قد سبق هذا الانقطاع الذي امتد لأكثر من أسبوع حملة من التراشق بالبيانات الإعلامية بين القصر الجمهوري ومكتب ميقاتي الإعلامي، إذ حمّل كل منهما أطرافاً لم يتم تسميتها التعطيل الحاصل في تشكيل الحكومة وتبرأ كل منهما أيضاً من مسؤلية هذا التعطيل في محاولة لإبراء الذمة أمام الرأي العام المحلي والدولي. في هذه الإثناء بدا أن تشكيل الحكومة أصبح يواجه طريقاً مسدوداً([1])، وسط تسريبات إعلامية تفيد أن ميقاتي لن يقدم تشكيلة حكومية جديدة تتضمن 24 وزيراً إذا ما رفض عون مرة أخرى وأنه سيمضي في خيار التقشف الحاسم وسيقدم تشكيلة جديدة من 14 وزيراً من السياسيين البارزين فقط، تكون بمثابة حكومة إنقاذ([2])، مما يعني تقليص حصة الجميع بما فيهم رئيس الجمهورية.
بالتزامن مع ذلك، طلب ميقاتي من الأطراف الدولية الراعية للبنان الضغط على الرئيس عون لسحب شروطه والقبول بالتشكيلة الحكومية الأخيرة وعدم التمسك بالاستحواذ على كل الوزارات الهامة. وكان ذلك بالتزامن مع تعاضد تام من مجموعة رؤساء الوزراء السابقين الذين بدأوا بالتلويح بمقاطعة العهد الرئاسي الحالي إذا ما استمر عون في محاولاته تهميش سلطات رئيس الحكومة المُكلَّف، وهو ما يعني أنه إذا ما اعتذر ميقاتي عن تأليف الحكومة لن يتقدم أي مسئول سُني آخر لتولي هذه المسئولية خلال رئاسة عون. من جهته نفى عون تمسكه بالثُلث المُعطِّل، معللاً التعطيل بوجود أطراف تحاول إفشال مهمة ميقاتي في التشكيل للعودة بالأزمة الحكومية للمربع الأول.
ولعل الضغط الأبرز الذي أسهم في الإسراع بالتشكيل جاء من باب التواصل الرئاسي الفرنسي- الإيراني بشكل مباشر من خلال اتصال هاتفي بين الرئيسين ماكرون ورئيسي، حيث تعهد الأخير بتذليل كل العقبات في طريق تشكيل حكومة لبنانية قوية تضمن استقرار البلاد. ومن جانبه، يهدف ماكرون من تواصله مع إيران بشأن بعض الملفات الإقليمية، وفي مقدمتها لبنان والعراق، إلى الوصول لتفاهمات أقليمية بالتزامن مع المفاوضات الغربية مع طهران بشأن ملفها النووي([3]). فعلى عكس المقاربة الأمريكية التي ترفض التعامل مع حزب الله باعتباره منظمة إرهابية وتمتنع بالكلية عن التواصل مع الوزارت التي يتولاها في الحكومة، تُميّز باريس بين الذراع السياسي للحزب التي تتواصل معه باستمرار في الشأن الحكومي وبين الذراع العسكري الذي تنأى عن التعامل معه. ومن ثم بدا أن التواصل الرئاسي الفرنسي- الإيراني الأسبوع الماضي كان مشجعاً لحزب الله لوقف دوامة التعطيل التي كان يباشرها الرئيس عون إزاء التشكيلة الحكومية. ومن ثم صدقت مقولة أن التعطيل لم يكن ليحدث طوال الشهور الماضية ما لم يكن الرئيس عون معتمداً على موافقة حزب الله عليه، بينما بدا أن التفاهم الفرنسي- الإيراني كان كافياً بنسف كل علل التعطيل دفعة واحدة وضمان مناخ من التهدئة الإقليمية والدولية انعكس بشكل إيجابي في لبنان.
هوية الحكومة الجديدة وتحديات عملها
تشكلت الحكومة الجديدة من 22 وزيراً بالإضافة إلى رئيس مجلس الوزراء ونائبه على قاعدة 8 وزراء لكل فريق من ثلاثة فرقاء. حاز الرئيس عون على ثمانية وزراء منهم ستة بترشيح مباشر منه، واثنين آخريين بترشيح من حلفاء له بموافقته، بينما حاز فريق الثنائي الشيعي- حزب الله وحركة أمل- على ثمانية وزراء، فيما شكل الرئيس ميقاتي والوزير السابق وليد جنبلاط تحالفاً وسطياً قام بترشيح أسماء ثمانية وزراء آخرين. وقد تم التغلب على إصرار الرئيس عون على حيازة كل الوزرات السيادية والمفيدة للإعداد للانتخابات، حيث حاز فقط الخارجية والدفاع والعدل والشئون الاجتماعية والطاقة والسياحة والصناعة والمهجرين. فيما حاز تحالف حزب الله وحركة أمل وتيار المردة والحزب السوري القومي الاجتماعي على وزارات المالية والأشغال والعمل والزراعة والثقافة والاتصالات والإعلام بالإضافة إلى منصب نائب رئيس مجلس الوزراء. وفي المقابل حاز تحالف ميقاتي- جنبلاط على وزارات الداخلية والاقتصاد والصحة والتعليم والشباب والبيئة والتنمية الإدارية بالإضافة إلى مقعد رئيس مجلس الوزراء العائد إلى ميقاتي([4]).
غير أن البعض يرفض هذا التصنيف الوزاري لأكثر من سبب:
أولاً، لأن بعض الوزراء ليسوا مسيَّسين بل جاؤا بالأساس بفضل خبرتهم التقنية وسمعتهم المهنية فضلاً عن خبرتهم الدولية سواء بحكم حيازتهم لشهادات عليا من جامعات عالمية أو بحكم عملهم في منظمات دولية أو عملهم الدبلوماسي. بل إن بينهم من يعتبر مستقلاً وليس له سابقة نشاط سياسي أو أنه كان ناشطاً ضمن الحراك الشعبي المنطلق في أكتوبر 2019.
وثانياً، لأن أغلب تسميات الوزراء حازت على قبول التحالفات الثلاثة المكونة للحكومة، فكل فريق اجتمع مع مرشحي الفريق الآخر ووافق على تسميتهم في هذه الوزارات، وهو ما انطبق بشكل خاص على وزراء الحقائب التي تممت حصة الوزراء الثمانية للرئيس عون. ففي محاولة للالتفاف على إصرار عون على حيازة الثُلث المُعطِّل تبادل كل من ميقاتي وعون قائمة بأسماء مرشحين لهذه الحقائب من الوزراء التكنوقراط، ومن ثم تم اختيار من تقاطعت أسماؤهم في القائمتين([5])، مما يعني أنهم مرشحين من كلا الفريقين وولائهم موزع بين الفريقين ولن يكونوا خطراً على تعطيل القرار الحكومي فيما بعد.
وثالثاً، أن الرئيس ميقاتي، على ما يبدو، يصر على تجاوز مرحلة الانقسام التي شابت تشكيل الحكومة وتقديم حكومته باعتبارها فريقاً متجانساً كي يسهل جلب المساعدات الدولية في فترة زمنية قصيرة. وكان إصرار ميقاتي على التمسك بحقيبة الاقتصاد هو الإمساك بملف مهم ضمن فريق التفاوض الذي يتفاوض مع صندوق النقد الدولي. فالفريق السابق للتفاوض الذي انبثق عن حكومة حسّان دياب كان يفتقد لهذا التجانس مما أفشل مهمته ودفع صندوق النقد إلى الانسحاب من التفاوض مع لبنان لحين معالجة هذا الشقاق اللبناني- اللبناني، وهو ما يفسر أيضاً إصرار ميقاتي على ترشيح وزراء دون سابق خبرة سياسية أو وزارية ولكن مع موافقة الكتل السياسية عليهم، حيث حاول المزج بين هدفين متضادين وهما حكومة تكنوقراط وحكومة سياسيين. فالوزراء هم في أغلبهم تكنوقراط ولكنهم جاؤا بغطاء سياسي من الكتل البرلمانية، وذلك لأن حكومة الخبراء كانت أحد شروط المانحين الدوليين، ومطلب الشارع كان الدفع بوجوه جديدة غير السياسيين الذي سأم الشارع من فسادهم. ولكن في نفس الوقت سيكون على هذه الحكومة اتخاذ قرارات اقتصادية قاسية وعقد اتفاقات مالية دولية لا يمكن إتمامها دون غطاء سياسي من الكتل البرلمانية كي يسهل تمرير هذه الاتفاقات في البرلمان.
ورغم نجاح ميقاتي فيما فشل فيه غيره، فإن هناك من يشكك في مدى قدرة هذه الحكومة على الاستجابة للتحديات المطروحة، إذ يرون أن قرار الحكومة سيظل مرهوناً بنفس النخبة السياسية التي عطَّلت خلاص لبنان من أزمته خلال العامين السابقين([6]).فالسِيَر الذاتية للوزراء تشي بخبرتهم التقنية أو باستقلالهم السياسي، ولكنهم لن يكونوا إلا منفذين لقرارات يتم اتخاذها خارج السراي الحكومي من قبل الكتل السياسية المسيطرة على الحكم وليس لهم قرار مستقل في تنفيذ الخطة الحكومية. بينما يرى البعض أن وزراء الولاءات المتقاطعة قد يصبحوا قنبلة موقوتة إذا ما اختلف فرقاء الحكومة وتنازعوا القرار الحكومي، وحينها قد يبدو أن الحكومة أكثر هشاشة مما يتخيل المتفائلون بشأنها.
من جهة ثانية، هناك من يعتبر أن طول أمد تشكيل الحكومة والشقاق المطول الذي نشأ بشأنها سينعكس حتماً على أدائها وبالتالي لن تشكل فريقاً متجانساً يمكن الاعتماد عليه في الخروج بلبنان من أزمته. وهناك فريق ثالث يرى أن الحكومة الجديدة تحمل من الوجوه الوزارية التي شاركت بحكم انتمائها الوظيفي السابق في ما آل إليه الوضع المالي من عثرات وبالتالي لا يرجى منها تقديم أي حل للأزمة التي تعاني منها البلاد. بينما يرى آخرون أن اختيار الوزراء بناءً على أسماء وليس بناءً على برنامج حكومي جاد يقلل من فرص إتمام هذه الحكومة لمهمتها.
ولكن الرئيس ميقاتي أكد، في خطاب إعلانه عن تشكيل حكومته، التزامه برفع العبء الاقاتصادي والمعيشي عن كاهل اللبنانيين وأيضاً تعهده بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها دون أن يبين بشكل مفصل خطة حكومته المرتقبة.
يتوقع لهذه الحكومة أن تكون قصيرة الأمد - لنحو تسعة أشهر لحين انعقاد الانتخابات القادمة- ولكن يقع على كاهلها مهام عديدة. ولعل أبرز هذه المهام يتمثل في الإسراع بالتفاوض مع المؤسسات الدولية للحصول على التمويل اللازم لتوفير احتياجات البلاد من الوقود والغذاء والدواء وتخليص المواطنين من عبء طوابير الانتظار الطويلة. كما يتعين على هذه الحكومة الإسراع في إصدار وتوزيع البطاقات التمويلية التي ستتزامن مع رفع الدعم المرتقب عن عدد كبير من السلع الأساسية في مقابل حصر الحصول عليها بالسعر المدعوم لحاملي هذه البطاقة. وبالتالي فإن تشكيل الحكومة لن يؤدي بشكل مباشر إلى تحسين الظروف المعيشية بل سيسرع من عملية رفع الدعم دون استكمال إجراءات الحماية الاجتماعية للفئات الأكثر عرضة للتضرر من رفع الدعم، مما يوحي بأن الحكومة ستكون مجبرة على اتخاذ خطوات تقشفية بمجرد مباشرة عملها، وأن البيان الحكومي المنتظر لن يكون إلا ترجمة لهذه الخطوات التقشفية القاسية ولن يكون لديها حرية حركة أكثر من ذلك.
من جهة ثانية، يبدو أن الحكومة لن تدخل في تعقيدات تغيير صيغة "حق الشعب والجيش والمقاومة في الدفاع عن لبنان"، وهي صيغة تم تداولها منذ سنوات في البيانات الحكومية كافة لتعطي لحزب الله حق مباشرة بعض مهام الدفاع تحت المظلة السياسية للحكومة اللبنانية. ورغم عدم اتفاق كل القوى السياسية على هذه الصيغة، إلا أن إضافتها للبيان الحكومي أصبحت بمثابة أمر واقع، لتجنب دخول البلاد في أزمة سياسية حول دور حزب الله في هذه المرحلة الدقيقة من الأزمات المتلاحقة.
كما يتوقع أن تشهد هذه الحكومة استئناف علاقاتها مع دمشق على الأقل على المستوى التقني، من أجل تسهيل الحصول على الطاقة. ورغم أن العلاقات مع سوريا كانت خلافية خلال سنوات الحرب السورية وانخراط حزب الله بها وتدفق اللاجئين إلى لبنان منها، ولكن أصبحت دمشق اليوم محطة عبور إجبارية للوقود الذي يحتاجه لبنان. فمن جهة، يتم الإعداد بشكل سريع لعمل كل التجهيزات الفنية اللازمة لوصول الغاز المصري إلى لبنان عبر كل من الأردن وسوريا، وهو ما سيحتم على الوزارات المعنية بالطاقة بين البلدين التعاون الوثيق في ملف توليد الكهرباء.
ومن جهة ثانية، وعد حزب الله بوصول باخرة وقود إيرانية للرسو على السواحل السورية ونقل الوقود منها إلى لبنان براً عبر شاحنات عملاقة، وهو ما يعني أن واقع الأزمة قد حتم على لبنان القبول بفتح خط للاتصالات الوثيقة مع دمشق من أجل سد احتياجاته الأساسية من الوقود، وأن الأمر لم يعد رفاهية دبلوماسية بالمقاطعة أو الإحجام عن التعاون مع سوريا. فيما يبرر آخرون هذا الانفراج المتوقع في العلاقات باعتباره يأتي متماشياً مع انفتاح عدة عواصم عربية أخرى على دمشق في ظل مناخ إقليمي متفاءل بحصول تفاهمات بين الرياض وطهران في المدى القريب. ولعل هذا الانفتاح الإقليمي يتم وفق ضوء أخضر أمريكي سمح باستثناء حصول لبنان على الوقود أو الغاز عبر سوريا من أي عقوبات ذات صلة بقانون قيصر أو بالعقوبات النفطية المفروضة على إيران، مما يُرجح أن الإرادة الدولية والإقليمية قد اجتمعتا لتجنيب لبنان الوقوع في فخ العقوبات التي تستهدف بالأساس سوريا وإيران، والتي عانى لبنان بشكل تلقائي من آثارها خلال الشهور الماضية لارتباطه الوثيق- عبر حزب الله- بالمحور الإيراني- السوري.
ورغم التفاؤل بهذه الخطوات الإيجابية، يظل الترقب واللايقين يخيم على لبنان خلال الأشهر القادمة، فإجراءات رفع الدعم المتسارعة قد تلقي بمزيد من اللبنانيين تحت خط الفقر وتدفع إلى ردود فعل غاضبة في الشارع. كما أن خوف بعض القوى السياسية المهيمنة من فقدان مقاعدها البرلمانية قد يغريها بتعطيل الانتخابات النيابية أو تأجيلها. فيما قد تؤدي المفاوضات مع صندوق النقد الدولي إلى تحميل المودعين اللبنانيين خسائر إضافية بدلاً من تحميلها لتحالف المصارف التجارية مما قد يؤثر على قيمة مدخرات الأفراد في البنوك ويؤدي لتحمل الشعب اللبناني فاتورة السياسات المالية الفاشلة التي باشرتها النخبة الحاكمة منذ انتهاء الحرب اللبنانية.
من هنا، يمكن القول إن حكومة ميقاتي لا تحمل عصا سحرية لحل كل الأزمات دفعة واحدة، ولكنها بالتأكيد أفضل من الفراغ الحكومي الذي أدى إلى تدهور الوضع المعيشي خلال الشهور الماضية. ويبقى التحدي الرئيسي لهذه الحكومة هو طرح حلول مبتكرة وغير تقليدية للخروج بلبنان من سلسلة الأزمات المزمنة التي يعاني منها.
[4] Rita Sassine, « Cabinet Mikati : la répartition des poids politiques », in l’Orient le Jour, 10 September 2021,
https://bit.ly/3A7ThKf
[5] Scarlett Haddad, « Les dernières heures avant la naissance du cabinet », in l’Orient le Jour, 11 September 2021
https://bit.ly/3tyxHMn
[6] Suzanne Baakilini, « Le pouvoir de décision ne sera pas aux mains de ce gouvernement », in l’Orient le Jour, 11 September 2021,
https://bit.ly/38XszIj