د. محمد فايز فرحات

مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

في تطور مهم، وبعد تأجيل لأكثر من مرة، أعلنت حركة طالبان الثلاثاء 7 سبتمبر 2021 ما وصفته بحكومة "تصريف الأعمال"، لحين إعلان تشكيل حكومة جديدة دائمة. ولم تُعلن الحركة موعداً لتشكيل هذه الحكومة الدائمة، كما لم تُعلن مبرراً لاتجاهها لتشكيل مثل هذه الحكومة "المؤقتة"، وذلك على عكس ما وعدت به أكثر من مرة بأنها بصدد تشكيل "حكومة شاملة".  

هذه الخطوة المفاجئة من جانب طالبان تحمل العديد من الدلالات، كما تقدم أساساً أولياً لمحاولة فهم الملامح الرئيسية لنظام طالبان، وحدود تغير "الطبعة الثانية" من طالبان بالمقارنة بـ"الطبعة الأولى" من نظامها خلال الفترة (1996- 2001)، خاصة فيما يتعلق بعدد من التساؤلات المهمة، بدءاً من كيفية تعاملها مع قضية التعدد القومي في أفغانستان، ومدى استعدادها لتنويع قاعدتها الاجتماعية لتتجاوز طابعها البشتوني، ومدى استعدادها للانفتاح على مسألة تمثيل المرأة في المواقع القيادية، ومدى استعدادها أو قدرتها للتحول من حركة سلفية دينية محلية مقاتلة إلى جماعة سياسية؟ وغيرها من التساؤلات المهمة التي لازالت تنتظر إجابات محددة. ورغم أن تشكيل هذه الحكومة يمثل اختباراً أولياً للحركة، لكنه يمثل اختباراً مهماً.

اختبار أول يعمق أزمة الثقة

يشير تركيب الحكومة الأولى لطالبان إلى عدد من الملاحظات المهمة، التي تعمق من أزمة الثقة في أول اختبار لحركة طالبان بعد سيطرتها على أفغانستان. ونوجز فيما يلي أهم هذه الملاحظات:

1- فيما يتعلق بالتوجهات السياسية والخلفيات العرقية، يلاحظ هيمنة الحركة على الحكومة المعلنة، وذلك على العكس مما كانت قد أعلنته الحركة مسبقاً من اتجاهها إلى تشكيل "حكومة شاملة"، فهم منها إفساح المجال أمام تشكيل المكونات العرقية والمذهبية الأخرى من خارج البشتون السنة، إذ يغيب عن الحكومة تمثيل المكونات العرقية أو المذهبية الأخرى. كما يغيب عنها أي تمثيل للمرأة. وعلى الرغم منً انتماء بعض أعضاء الحكومة إلى الأوزبك (الملا عبد السلام حنفي القائم بأعمال نائب رئيس الوزراء)، والطاجيك (قاري فصيح الدين قائم بأعمال رئيس الأركان، وقاري الدين محمد حنيف القائم بأعمال وزير الاقتصاد)، لكنهم ينتمون في الناحية السياسية والأيديولوجية إلى طالبان ولا يعكسون تمثيلاً لمجموعاتهم العرقية. كما لعب بعضهم دوراً مهماً في إضعاف تحالف الشمال، الخضم السياسي الرئيسي والتاريخي لطالبان. وهناك عوامل تفسر هذا التوجه من جانب طالبان، سيتم مناقشتها لاحقاً.

2- هيمنة قيادات الحركة على المواقع الوزارية المهمة، بدءاً من تولي زعيم الحركة، الملا هبة الله أخوند زاده، موقع "الزعيم الديني" لأفغانستان، وهو موقع أقرب إلى "المرشد الأعلى" في حالة النظام الإيراني، وتولي النواب الثلاثة لزعيم الحركة؛ الملا عبد الغني برادر، والملا سراج الدين حقاني، والملا يعقوب محمد عمر، مناصب مهمة داخل الحكومة، شملت القائم بأعمال نائب رئيس الحكومة، والقائم بأعمال وزير للداخلية، والقائم بأعمال وزير الدفاع، على الترتيب. كما أُسند منصب القائم بأعمال رئيس الحكومة ذاته إلى رئيس مجلس قيادة الحركة الملا محمد حسن أخوند(65 عاما على الأقل)، وهو أحد مؤسسي الحركة. ويتضح التماهي بين هيكل قيادة الحركة والحكومة في تولي نائب زعيم الحركة ورئيس لجنتها العسكرية المسئولة عن تحديد التوجهات الاستراتيجية للحرب خلال مرحلة المواجهة مع الاحتلال والحكومة الأفغانية، الملا يعقوب عمر، مسئولية وزارة الدفاع. وهناك حالات أخرى تعبر عن هذا التماهي (انظر الجدول المرفق).

هذا التوجه يعكس عدداً مهماً من الدلالات، أهمها عدم اتجاه الحركة إلى التمييز بين طالبان كحركة سلفية دينية ومرحلة إدارة الدولة باعتبارها عملية ذات طابع ووظائف سياسية وإدارية ومهنية بالأساس، أكثر منها عملية "دينية" "فقهية". ولاشك أن إدارة جماعية سلفية دينية تختلف كثيراً عن إدارة الدولة. إن عدم القدرة على التمييز بين المهمتين سينعكس لاحقاً على قدرة الحركة على مواجهة التحديات الضخمة التي تنتظر حكومة طالبان، على المستويين الداخلي (خاصة التحديات الاقتصادية والمالية) أو الخارجي. كما يعكس هذا التوجه من ناحية أخرى الأهمية الكبيرة التي توليها الحركة في هذه المرحلة لعامل الثقة كمعيار رئيسي في إسناد المناصب السياسية.

3- هناك شكل من أشكال الامتداد للحكومة المعلنة مع آخر حكومة طالبان الأولى قبل انهيار نظامها في عام 2001، حيث تولى عدد من أعضاء الحكومة الحالية مواقع وزارية داخل حكومة ما قبل 2001. من ذلك على سبيل المثال القائم بأعمال رئيس الحكومة الحالي الملا محمد حسن أخوند، الذي كان يتولى منصب وزير الخارجية ثم نائب رئيس الوزراء. وهناك حالات أخرى عديدة (انظر الجدول المرفق). أحد العوامل التي تفسر هذا التوجه من جانب الحركة هو افتقادها الكوادر الجديدة.

4- يعكس التشكيل المعلن تحدياً واضحاً من جانب طالبان لقوائم الإرهاب الدولية المعلنة، سواء الأمريكية أو الأوروبية أو الأممية، إذ يقع معظم، إن لم يكن جميع، أعضاء الحكومة، بما فيهم القائم بأعمال رئيس الحكومة نفسه، على معظم هذه القوائم، كما أن بعضهم على قوائم المطلوبين من مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI. يصدق ذلك بشكل خاص على الملا سراج الدين حقاني، قائد "شبكة حقاني" المصنفة تنظيماً إرهابياً من جانب الولايات المتحدة، وأحد المطلوبين من جانب مكتب التحقيقات الفيدرالي على خلفية اتهامه بالمسئولية عن عدد من العمليات الإرهابية. وقد رصدت الولايات المتحدة مكافأة مالية قيمتها 5 مليون دولار لمن يدلي بأية معلومات تفضي إلى القبض عليه. هذه التوجه من جانب طالبان يعكس أحد احتمالين؛ أولهما هو إصرار الحركة على تحدي المجتمع الدولي ووضعه أمام الأمر الواقع، تمهيداً لإجباره لاحقاً على حذف الحركة وأعضائها من على هذه القوائم، والتعامل مع مسألتي الاعتراف الدولي بالحركة ونظامها، وحذف الحركة وأعضائها من على قوائم الإرهاب، كخطوة واحدة؛ ما يعني توجيه رسالة إلى المجتمع الدولي بأنه إذا كان الأخير جاداً في "التعاون" مع الحركة و"الاعتراف" بها، فيجب عليه في الوقت ذاته إنهاء مسألة قوائم الاعتراف. ثانيهما، عدم امتلاك الحركة كوادر سياسية ومهنية، أو صف ثاني، يمكن الاعتماد عليها في إدارة قطاعات الدولة، الأمر الذي اضطرها إلى الاعتماد على قياداتها المباشرين، بصرف النظر عما إذا كان ذلك يضعها أمام تحدي قوائم الإرهاب. وفي الأغلب فإن قيادات الصف الثاني أو القيادات الوسطى داخل الحركة هي قيادات عسكرية/ ميدانية تخصصت في أمور القتال والمواجهة العسكرية مع الولايات المتحدة والحكومة الأفغانية طوال العقدين الماضيين، الأمر الذي يشير إلى غياب أو ضعف المكون السياسي داخل الحركة.

5- عدم قدرة الحركة على التخلص من جناح شبكة حقاني، وهو ما عكسه إسناد منصب القائم بأعمال وزير الداخلية إلى قائد الشبكة الملا سراج الدين حقاني (من مواليد 1973، أسند إليه والده جلال الدين حقاني قيادة الشبكة بعد انهيار نظام طالبان في 2001). ولازالت الشبكة على قائمة التنظيمات الإرهابية، فضلاً عن علاقاتها التاريخية بتنظيم القاعدة. ووفقاً لتقرير الإرهاب الذي تصدره وزارة الخارجية الأمريكية، بدأت علاقة مؤسس الشبكة -جلال الدين حقاني- بأسامة بن لادن في منتصف ثمانينيات القرن العشرين، قبل أن ينضم حقاني إلى حركة طالبان في عام 1995. وتولى سراج الدين منصب نائب زعيم طالبان في يوليو 2015.

وربما يرجع عدم قدرة طالبان على تحييد شبكة حقاني وقائدها في هذه المرحلة- بافتراض سعيها لذلك كجزء من إعادة تقديم نفسها كحركة معتدلة، وكجزء من فك ارتباطها وعلاقاتها بالتنظيمات الإرهابية- إلى عاملين مهمين: الأول، هو الثقل المهم الذي تتمتع به الشبكة داخل الحركة، سواء على خلفية عدد مقاتليها (حوالي 10 آلاف مقاتل)، أو الدور المهم الذي لعبته خلال مرحلة مقاومة الاحتلال، إذ تذهب بعض التقارير إلى أنها تولت مسئولية العمليات القتالية في المناطق الجبلية في شرق أفغانستان، ما أعطى لها وزناً كبيراً داخل الحركة وقدرة أكبر على التأثير في عملية صنع القرار داخلها. الثاني، هو عدم قدرة طالبان على الاستغناء عن "الشبكة" خلال المرحلة القادمة، على خلفية عمليات التمرد الداخلي المحتملة أو المواجهة المؤكدة مع داعش. وفي جميع الحالات فإن عدم قدرة طالبان على التخلص من شبكة حقاني أو تحييدها على الأقل سيمثل عبئاً على الحركة في حالة وجود قرار داخلي بتعزيز التوجه الاعتدالي.

6- لم تكتف الحركة بإعلان القائمين بأعمال الحقائب الوزارية، إذ لوحظ حرصها أيضاً على تضمين التشكيل قائمين بأعمال نائب رئيس الوزراء (نائبان) وقائم بأعمال نائب وزير، كما هو الحال في وزارات الدفاع والداخلية والخارجية وغيرها. هذا التوجه يمكن تفسيره بأحد عاملين أو كلاهما معاً؛ الأول هو حرص الحركة على استيعاب أكبر عدد ممكن من قياداتها أو "مكافأتهم" على جهودهم في مرحلة "الجهاد" ضد الاحتلال. الثاني هو الحفاظ على التوازن داخل الحركة، وهي مسألة متوقعة بالنظر إلى تعدد الأجنحة الداخلية.

 

جدول يوضح أبرز عناصر حكومة طالبان لتصريف الأعمال المعلنة في 7 سبتمبر 2021

م

الاسم

المنصب

ملاحظات

1.                 

الملا محمد حسن أخوند

قائم بأعمال رئيس الحكومة

ينحدر من قندهار. عضو مؤسسة لحركة طالبان، وأحد المقربين إلى الملا عمر مؤسس الحركة. تولى عدداً من المهام في حكومة طالبان الأولى خلال الفترة (1996- 2001)، شملت وفق بعض التقارير محافظ قندهار، ووزير الخارجية، ونائب رئيس مجلس الوزراء. يعرف بخلفيته الدينية أكثر منه قائداً سياسياً أو عسكرياً.

2.                 

الملا عبد الغني بردار

قائم بأعمال نائب رئيس الوزراء

ينحدر من ولاية أروزغان جنوب أفغانستان. مؤسس مشارك لحركة طالبان مع الملا عمر. تولى منصب نائب وزير الدفاع في حكومة طالبان الأولى، شغل موقع القائد العسكري للحركة عندما أُلقي القبض عليه عام 2010 في كراتشي بباكستان. وقد أطلق سراحه عام 2018 بضغط من واشنطن بهدف تسريع المفاوضات مع الولايات المتحدة وإكسابها درجة من الشرعية داخل الحركة. تولى بعدها رئاسة المكتب السياسي للحركة في الدوحة. وقاد المفاوضات التي انتهت بتوقيع اتفاق فبراير 2020. بعد التدخل الأمريكي وسقوط نظام طالبان في عام 2001، قيل إنه كان جزءاً من مجموعة صغيرة ممن أيدوا فكرة الاعتراف بالحكومة الأفغانية الجديدة، لكن هذه الفكرة كانت مرفوضة بشدة آنذاك من جانب الولايات المتحدة. برادر هو نائب رئيس حركة طالبان.

 

الملا عبد السلام حنفي

قائم بأعمال نائب رئيس مجلس الوزراء

شغل منصب نائب وزير التعليم في حكومة طالبان الأولى والتي منعت الفتيات من الالتحاق بالمدارس. شارك في المفاوضات التي جرت بين الحركة والولايات المتحدة في الدوحة والتي انتهت بتوقيع اتفاق فبراير 2020، ما أدى إلى تمتعه برفع حظر السفر المفروض عليه من جانب الأمم المتحدة. ينتمي إلى قومية الأوربك.

3.                 

الملا يعقوب محمد عمر

قائم بأعمال وزير الدفاع

نجل الملا عمر مؤسس حركة طالبان الذي توفي في عام 2013، ترأس اللجنة العسكرية لطالبان التي حددت التوجهات الاستراتيجية خلال مرحلة الحرب (2001- 2021). كان لديه طموح في تولي قيادة الحركة بعد وفاة والده لكنه فشل في ذلك، وانتهى الأمر بتوليه منصب نائب رئيس الحركة بعد تولي الملا هبة الله أخوند زاده بعد وفاة الملا أختر منصور. كما تولى رئاسة اللجنة العسكرية للحركة في عام 2020 التي أشرفت على العمليات العسكرية في أفغانستان.

4.                 

الملا محمد فاضل مظلوم

وكيل وزارة الدفاع المكلف 

 

5.                 

قاري فصيح الدين

قائم بأعمال رئيس الأركان

قائد طالبان في إقليم بنجشير. ينتمي إلى قومة الطاجيك. لعب قاري دوراً في تشجيع عناصر من قوميتي الطاجيك والأوزبك على الانضمام إلى طالبان.

6.                 

الملا سراج الدين حقاني

قائما بأعمال وزير الداخلية

نجل جلال الدين حقاني مؤسس شبكة حقاني، وأحد النواب الثلاث لزعيم طالبان. من المدرجين على قائمة المطلوبين لمكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي.

7.                 

الملا نور جلال

قائم بأعمال نائب وزير الداخلية

 

8.                 

الملا عبد الحق أخوند

قائم بأعمال وزير الداخلية لمكافحة المخدرات

 

9.                 

أمير خان متقي

قائم بأعمال وزير الخارجية

أحد كبار المشاركين في المفاوضات التي جرت بين طالبان والولايات المتحدة. وورد أسمه ضمن قائمة عقوبات مجلس الأمن. تولى منصب وزير الإعلام في حكومة طالبان الأولى. عضو بالمكتب السياسي للحركة بالدوحة الذي تولى إدارة المفاوضات مع الولايات المتحدة. ينحدر من ولاية هلمند.

10.            

عباس ستانيكزاي 

قائم بأعمال نائب وزير الخارجية

 

11.            

الملا خيرالله خيرخوا

قائم بأعمال وزير الثقافة والإعلام

 

12.            

ذبيح الله مجاهد

نائب القائم بأعمال وزير الثقافة والإعلام

 

13.            

قاري الدين محمد حنيف

قائم بأعمال وزير الاقتصاد

من أصل طاجيكي. كان عضواً في فريق التفاوض مع الولايات المتحدة بالدوحة. شغل منصب وزير التخطيط والتعليم العالي في حكومة طالبان الأولى.

14.            

الملا هداية الله بدري

قائم بأعمال وزير المالية

 

15.            

نور الله نوري

قائم بأعمال وزير شئون الحدود والقبائل

أحد المعتقلين بسجن غوانتانامو الأمريكي لمدة 12 عاماً، ثم تم إطلاق سراحه في مايو 2014 في صفة تبادل أسرى مع الحركة. وهو من مواليد عام 1967 في شاغوي. وشغل منصب حاكم ولاية بلخ في حكومة طالبان الأولى.

16.            

يونس أخوند زاده

القائم بأعمال وزير التوسع القروي

 

17.            

الملا محمد عيسى اخوند

قائم بأعمال وزير المعادن والبترول

 

18.            

الملا عبد اللطيف منصور

قائم بأعمال وزير المياه والكهرباء المكلف

من مواليد عام 1968. أحد أعضاء فريق المفاوضات التي جرت مع الولايات المتحدة. شغل منصب وزير الزراعة في حكومة طالبان الأولى.

19.            

عبد الباقي حقاني

قائم بأعمال وزير التعليم العالي

 

20.            

خليل الرحمن حقاني

قائم بأعمال وزير شئون المهاجرين

 

21.            

محمد إدريس

قائم بأعمال محافظ البنك المركزي

ترأس اللجنة الاقتصادية لطالبان.

22.            

الملا عبد الحق واثق

قائم بأعمال رئيس الاستخبارات

من مواليد 1971 بولاية غزني الأفغانية. تم إيداعه سجن غوانتانامو في يناير 2002، وظل معتقلاً حتى 31 مايو 2014، حيث تم نقله من غوانتانامو، مع أربعة آخرين من قيادات طالبان، إلى قطر في الأول من يونيو 2014، في إطار صفقة مع الحركة مقابل إطلاق سراح الجندي الأمريكي بوروبرت برغدال. شغل منصب نائب وزير الاستخبارات في حكومة طالبان الأولى.

23.            

الملا تاج مير جواد

القائم بأعمال النائب الأولللرئاسة العامة للاستخبارات

 

24.            

الملا رحمة الله نجيب

القائم بأعمال النائب الإداري للرئاسة العامة للاستخبارات

 

المصدر: تم تكوين الجدول بمعرفة الباحث اعتماداً على مصادر متنوعة.

 

محاولة للتفسير

بالإضافة إلى ما سبق الإشارة إليه من بعض المداخل التي تفسر لنا، من ناحية، انحياز حركة طالبان إلى بديل الهيمنة على تشكيل أول حكومة لها عقب السيطرة على أفغانستان، وغلبة التركيب السابق الإشارة إليه من ناحيةأخرى، يمكن طرح بعض العوامل الإضافية التي تفسر لنا هذا المنحى من جانب الحركة.

1- نجاح الحركة في القضاء مبكراً على جبهة المقاومة التي شكلها أحمد مسعود بالتنسيق مع أمر الله صالح. نجاح طالبان في القضاء السريع على هذه المقاومة عسكرياً، وليس سياسياً، أكد، من ناحية، وضع الحركة باعتبارها الطرف "المنتصر" ليس فقط في مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها، ولكن في مواجهة جميع الأطراف الداخلية، وهو وضع يزيد بالتأكيد من تشدد الحركة وعدم اضطرارها لتقديم أية تنازلات سياسية داخلية. كما يتضمن هذا الحسم رسالة محددة للمكونات العرقية من الطاجيك والأوزبك والهزاره بأنهم باتوا في وضع "المهزوم"، وهو وضع لا يؤسس لأية حقوق سياسية لهم على أساس عرقي أو مذهبي، ومن ثم يصبح "أي تمثيل" لهؤلاء هو تنازل طوعي من جانب طالبان. وكما أنه (الحسم العسكري) رسالة للداخل فهو رسالة أيضاً للقوى الخارجية التي ربما راهنت على أحمد مسعود لإعاقة الهيمنة الكاملة لطالبان على السلطة وكافة الأقاليم الأفغانية، الأمر الذي يزيد من قوة الحركة في مواجهة أية ضغوط خارجية بشأن التمثيل العرقي.

2- التراجع المتوقع في حجم المطالب والضغوط الدولية على طالبان، بما في ذلك الضغوط الأمريكية والأوروبية، وبما يتضمنه ذلك من احتمالات تراجع المطالب المتعلقة بتمثيل العرقيات وحقوق المرأة وغيرها من الأبعاد الخاصة ببناء نظام ديمقراطي في أفغانستان. ويرجع ذلك إلى اتساع حجم المصالح الدولية المشتركة مع طالبان فيما يتعلق بمواجهة تنظيم داعش- ولاية خراسان. وقد تزايدت فرص هذا التوافق عقب التفجير الذي نفذه التنظيم بمحيط مطار كابول في 26 أغسطس الفائت. فقد تبع تنفيذ العملية تحول ملحوظ في الخطاب الأمريكي والأوروبي تجاه طالبان في اتجاه التأكيد على المصلحة المشتركة بين الجانبين في مواجهة هذا التهديد "المشترك". بل إن الأمم المتحدة مالت إلى هذا المنحى، والذي عبر عنه أمينها العام انطونيو غوتيريش الذي طالب المجتمع الدولي عقب عملية المطار بـ"التعامل مع طالبان لضمان أمن الجميع". مثل هذا "التوافق" الدولي مع طالبان قوى -على ما يبدو- موقف طالبان في مواجهة الخارج والداخل، من ناحية، وقلص من حجم الضغوط الدولية المتوقعة عليها بشأن القضايا الداخلية.

3- حساسية المرحلة الراهنة؛ فعلى الرغم من وصف حركة طالبان الحكومة المشكلة بأنها حكومة "تصريف أعمال" لكن ليس هناك ما يمنع، أولاً، من استدامة هذه الحكومة لفترة عمل طويلة. ويلاحظ هنا عدم حديث الحركة عن مدى زمني محدد لعمل هذه الحكومة. وليس هناك ما يمنع، ثانياً، من اضطلاع هذه الحكومة بعدد من المهام ذات الأهمية الخاصة بالنسبة لطالبان، وعلى رأسها وضع دستور جديد للبلاد يؤكد الهوية الإسلامية لدولة طالبان الجديدة، بدلاً من دستور 2004. أهمية هذه المسائل بالنسبة لطالبان تقتضي وجود حكومة "طالبانية" نقية، كما تقتضي وجود رجال دين على رأس هذه الحكومة.