فرضت سيطرة حركة "طالبان" على العاصمة الأفغانية كابول فى 15 أغسطس الماضى متغيرات جديدة على المشهد الأفغاني، أهمها تصاعد حدة أزمة اللاجئين، على نحو أثار مخاوف عدد كبير من الدول إزاء التدفق الهائل للاجئين إلى أراضيها، سواء بعض دول الجوار- خاصة إيران وتركيا- أو الدول الأوروبية، لاسيما أن التقديرات تشير إلى احتمال مغادرة 4 ملايين أفغانى لبلادهم، باستخدام طرق مختلفة، تجنبًا للتعرض للسياسات المتشددة التي يتوقع أن تطبقها الحركة، على غرار ما فعلت عندما سيطرت على السلطة بين عامى 1996 و2001، وذلك رغم رسائل "الطمأنة" التي وجهتها إلى الداخل والخارج في الفترة الأخيرة.
ترقب حذِر
تعتبر تلك الموجة من اللجوء الأفغانى هى الثالثة من نوعها. فقد سبق أن لجأ الكثيرون إلى دول أخرى بسبب الاضطرابات والأزمات التى تعصف بالبلاد منذ سنوات طويلة. وبدا لافتًا أن التدخلات الخارجية كان لها الدور الأبرز في تفاقم أزمات اللاجئين، على غرار الاجتياح السوفييتي لأفغانستان من أواخر السبعينيات من القرن الماضي، والذي أدى إلى لجوء نحو 5 مليون أفغاني إلى دول أخرى. وبعد أن تصاعدت حدة الصراع والحرب الأهلية في الداخل عقب الخروج السوفيتيي، لجأ نحو 7 مليون أفغاني آخر إلى الخارج.
وقد فرضت التوقعات الخاصة بحدوث كارثة إنسانية مع تزايد أعداد اللاجئين، ومعاناة نحو 14 مليون أفغاني من الجوع، على القوى المعنية بالملف الأفغاني، محاولة البحث عن حلول للتعامل مع تلك الأزمة. وفي هذا السياق، أعلنت إيران، فى بداية الأزمة، أنها على استعداد لإيواء بعضهم، من خلال إنشاء مخيمات لجوء فى المحافظات الحدودية مع أفغانستان (خراسان رضوى، خراسان الجنوبية، سيستان وبلوشستان)، إلا أنها عدلت عن القرار لاحقًا، لعدة أسباب. إذ أنها ما زالت تراقب بدقة ما سوف تكون عليه الأوضاع بعد سيطرة حركة "طالبان" على الحكم، كما أنها تعانى فعليًا بسبب وجود 3 ملايين لاجئ أفغانى (800 ألف فقط منهم مسجلون رسميًا). لذا عملت على إعادة المواطنين الأفغان الفارين من بطش "طالبان"([1])، حيث رأت أن موجة اللجوء الجديدة من هذا البلد، من شأنها أن تفاقم أوضاع "كورونا" فى البلاد إلى حد خطير، خاصة أنه من المتوقع أن يكون مقصد الكثير من الأفغان إلى محافظة قم. وقد تشهد هذه المدينة تفشيًا كبيرًا للفيروس مستقبلا، الأمر الذى سوف يؤدى إلى تفاقم الأزمتين الاقتصادية والاجتماعية بالدولة. وقد كانت قم تحديدًا هى نقطة انطلاق الفيروس إلى داخل إيران في بداية عام 2020.
بدورها، أبدت تركيا تخوفات من تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين إليها، وقد استكملت بناء جدار عازل لمنع تدفق اللاجئين. وقد صرح الرئيس التركى رجب طيب أردوغان أن بلاده، التى تستقبل، بالفعل، 5 ملايين لاجئ من جنسيات مختلفة، منهم 3.6 مليون سورى، ومئات الآلاف من اللاجئين الأفغان، وجنسيات أخرى، لا تستطيع تحمل "عبء هجرة إضافية من أفغانستان"، حيث أصبحت قضية اللاجئين من أكثر القضايا التى ثثير جدلاً داخل تركيا فى الوقت الحالى.
فقد تصاعدت مشاعر العداء للاجئين في تركيا في السنوات الأخيرة، مع قيام عدد من السياسيين بحملات لفرض قيود أكثر صرامة على اللاجئين([2])، على غرار كمال كليجدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهورى المعارض لأردوغان، الذى تعهد، فى وقت سابق، بـ"إعادة اللاجئين إلى أوطانهم"، إذا تولى حزبه السلطة، هذا بالإضافة إلى الخسائر الاقتصادية المتفاقمة جراء وباء "كوفيد-19".
وقد كشف استطلاع رأى أجرته شركة "ميتروبول"، أن 70% من المواطنين الأتراك يقولون إنه يجب إغلاق حدود البلاد فى وجه اللاجئين([3])، حيث يلقى العديد من الأتراك باللوم على السوريين فى ارتفاع معدل البطالة فى البلاد، على افتراض أنهم يحصلون على الوظائف المتاحة بأجور أقل.
ومع ذلك، لا تستبعد اتجاهات عديدة أن تسعى كل من إيران وتركيا إلى استخدام اللاجئين الأفغان كورقة ضغط فى علاقاتهما الخارجية مع القوى الغربية. ففى مايو 2019، عندما تصاعدت حدة العقوبات الأمريكية على إيران، أعلنت، أنه "من الممكن أن تطالب اللاجئين الأفغان بمغادرة البلاد في حالة مواصلة واشنطن هذه الضغوط الاقتصادية"، مشيرة إلى أن "هؤلاء اللاجئين يمكنهم التوجه إلى أوروبا، إذا ما وصلت إيران إلى مرحلة لا يمكن فيها أن تستمر في مواجهة النفقات"([4]).
وفي السياق ذاته، تعمدت تركيا أكثر من مرة استغلال ورقة اللاجئين لتحقيق مكاسب سياسية في ملفات المنطقة، وسبق وأن طلب أردوغان من الدول الأوروبية المزيد من الدعم لمساعدة بلاده في إيواء اللاجئين، وهدد بفتح الحدود مع أوروبا إذا لم يستجب الاتحاد الأوروبي له([5]). وسبق أن توصلت تركيا إلى اتفاق مع الدول الأوروبية، في 18 مارس 2016، يقضي بأن تتخذ السلطات التركية إجراءات ضد الهجرة غير القانونية إلى الاتحاد الأوروبي وبما يُمكِّن اليونان من إعادة المهاجرين الواصلين إلى أراضيها نحو تركيا، وفي المقابل، يستقبل الاتحاد الأوروبي لاجئًا سوريًا من تركيا مقابل كل سوري يتم إعادته، مع تعهد بروكسل بدفع 1.5 مليار يورو سنويًا لدعم أنقرة.
مخاوف أوروبية
فى ظل الأحداث المتسارعة التي تشهدها أفغانستان، تتصاعد حدة القلق لدى الدول الأوروبية إزاء احتمال عودة مشهد تدفق اللاجئين إلى أراضيها فى عام 2015، خاصة أنه على الرغم من الآليات التى تستخدمها هذه الدول للحد من أعدادهم، فإن الأفغان يحتلون المرتبة الثالثة، بعد السوريين والباكستانيين، على قائمة جنسيات طالبى اللجوء فى القارة الأوروبية.
وقد وافقت معظم دول الاتحاد الأوروبى على استقبال أعداد محدودة من الأفغان، لاسيما ممن عملوا مع جيوشها، أو داخل سفاراتها، أو لمصلحة المنظمات الدولية التي كانت تعمل داخل أفغانستان([6])،غير أن استقبال أعداد أكبر قد لا يحظى بقبول داخل تلك الدول. وأمام الدول الأعضاء مهلة حتى منتصف سبتمبر الجاري "لتقديم تعهداتها" في هذا الشأن بإعلان قرارات محددة بشأن الحصص الخاصة باستقبال اللاجئين.
يمكن تفسير هذا الموقف الأوروبي في ضوء اعتبارات عديدة، يتمثل أهمها في "التحسب" من عودة ظاهرة "الذئاب المنفردة"، وهو مصطلح انتشر بعد وقوع بعض العمليات الإرهابية فى عدد من الدول الأوروبية، والآسيوية، ويشير إلى العناصر الإرهابية التى تقوم بتنفيذ هذه العمليات، وتنتمى فكريًا إلى أحد التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود، مثل تنظيمى "داعش"، و"القاعدة"، وهم، فى الغالب، على المستوى التنظيمي، ليسوا أعضاء بتلك التنظيمات، وبالتالى يصعب اكتشافهم أو تعقبهم من قبل أجهزة الأمن([7]).
فضلاً عن ذلك، فإن اقتراب موعد عدد من الاستحقاقات السياسية، على غرار الانتخابات التي سوف تجري في ألمانيا وفرنسا، جعل الدولتين تتخذ إجراءات احترازية في التعامل مع ملف اللاجئين، تجنبًا لرد الفعل الشعبوى اليمينى المناهض للاجئين، والذى أعقب أزمة اللاجئين عام 2015، حيث كانت ألمانيا- حسب بعض التقديرات- قد رحبت بأكثر من مليون لاجئ فى عامى 2015 و2016، على نحو فرض تحديًا أمام شركائها الأوروبيين، وكاد أن يؤدي إلى تقسيم أوروبا إلى أكثر من اتجاه، حيث امتنعت بعض الدول عن قبول الوافدين، كما أدى ذلك إلى تعرض المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لضغوط داخلية وخارجية لم تكن هينة.
في النهاية، يبدو جليًا أن أزمة اللاجئين سوف تتصاعد حدتها خلال المرحلة القادمة، لاسيما في ظل غموض المشهد السياسي، واستمرار حالة الفوضى على المستوى الأمني، فضلاً عن تصاعد حدة الصراع بين حركة "طالبان" وخصومها في المرحلة الحالية.
[1] طهران تعيد عددًا من اللاجئين الأفغان إلى بلادهم، روسيا اليوم، 26 أغسطس 2021، متاح على الرابط التالي:
https://bit.ly/3yHRI46
[2] هيفار حسن، اللاجئون السوريون في تركيا: ما دور الأحزاب التركية في تأجيج مشاعر العداء ضدهم؟، بي بي سي عربي، 2 سبتمبر 2021، متاح على الرابط التالي:
https://bbc.in/3yBpWpX
[3]70 % من الأتراك يدعون لإغلاق الحدود في وجه اللاجئين، مجلة أحوال تركية، 12 أغسطس 2021، متاح على الرابط التالي:
https://bit.ly/3DIDROZ
[4] إيران تهدد بطرد اللاجئين الأفغان إذا توقف تصدير نفطها، موقع اندبندنت عربية، 9 مايو 2019، متاح على الرابط التالي:
https://bit.ly/3jIP1Lk
[5] استخدام تركيا لورقة اللاجئين.. ابتزاز مالي أم ضغط سياسي؟، دويتش فيله، 28 سبتمبر 2020، متاح على الرابط التالى:
https://bit.ly/3gYSbZJ
[6] الاتحاد الأوروبي لن يعترف بطالبان ويحث الدول الأعضاء على استقبال اللاجئين الأفغان، 22 أغسطس 2021، متاح على الرابط التالى:
https://bit.ly/3Bzicqh
[7] سمات خاصة: كيف تختلف الذئاب المنفردة عن المجموعات الإرهابية؟،31 أغسطس 2016، متاح على الرابط التالى:
https://bit.ly/3mTdSOI