محمد فوزي

باحث مساعد - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

تصدّر أحمد مسعود نجل القيادي الأفغاني التاريخي أحمد شاه مسعود زعيم الجماعة الإسلامية والطاجيك الذي اغتاله تنظيم "القاعدة" عام 2001، المشهد في أفغانستان منذ يوم 18أغسطس الجاري (2021)، وذلك بعدما أعلن في مقال له في صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية عن انطلاق ما وصفها بـ"مقاومة المجاهدين" لسيطرة حركة "طالبان" على البلاد، ثم أشارت تقارير بعدها بيومين إلى استعادة قوات تابعة لمسعود لـ3 مديريات في ولاية بغلان شمال أفغانستان من أيدي "طالبان"، فضلاً عن تأكيده على أن إقليم بانشير "لن يتم تسليمه لطالبان"([1]). ولم يكتف مسعود بذلك بل أعلن أنه "سيواجه ويقاوم" حركة "طالبان" حتى يتم تحقيق مطالبه التي تتمحور حول "التوزيع العادل للسلطة، وتحقيق اللامركزية في أفغانستان"، وبالفعل لم تستطع حركة "طالبان"- حتى هذه الساعة- السيطرة على بانشير، وبالتالي ظل هو الإقليم الوحيد الخارج عن سيطرة الحركة، رغم أن تقارير عديدة تشير إلى تقدمها فيه.

لقد فرض حراك الجبهة التي تطلق عليها الصحف الغربية "الجبهة الإسلامية المتحدة لإنقاذ أفغانستان"، ويقودها مسعود، بعض التساؤلات المهمة التي تحاول الوقوف على دلالات صمود إقليم بانشير- حتى الآن- في مواجهة "المد الطالباني" الذي اجتاح غالبية الولايات الأفغانية وقدرته على الاستمرار في صد هجمات الحركة، فضلاً عن مرتكزات القوة لدى حركة أحمد مسعود أو تحالف "قوى الشمال" بشكل عام، وأبرز التحديات التي تواجه هذه الجبهة، وهى التساؤلات التي قد تمهد للوقوف على المآلات المحتملة للمواجهة بين هذه الجبهة و"طالبان".

رسائل المواجهة

تطرح المواجهات الميدانية بين الحركة والجبهة مجموعة من الدلالات التي يمكن استعراضها على النحو التالي:

1- ضعف المنافسين: لم يكن التقدم الميداني الكبير لحركة "طالبان" في أفغانستان، والذي تجسد في سيطرتها على 33 ولاية من أصل 34 ولاية أفغانية، خلال شهرى يوليو وأغسطس 2021، مرتبطاً بقوة الحركة بقدر ما كان مرتبطاً بحالة الهشاشة والضعف التي تعاني منها الأطراف المناوئة لها، كجزء من حالة التفكك التي تعاني منها المؤسسات الأفغانية ككل. وقد زاد الانسحاب الأمريكي من معاناة وسرعة سقوط المؤسسة الأمنية الأفغانية، حيث غاب الدعم الجوي، والمساعدات اللوجستية والاستخباراتية، التي كانت تقدمها الولايات المتحدة الأمريكية، وهى المساعدات التي كان الجيش الأفغاني يعتمد عليها بشكل كلي طوال الـ20 عاماً الماضية، لكن لم يكن لها تأثير في التطورات الميدانية الأخيرة التي شهدتها أفغانستان.

2- الإقليم المتمرد: تسيطر "طالبان" حالياً على 33 ولاية من أصل 34 ولاية أفغانية، لكن لا يزال إقليم بانشير- الذي يسمى باللغة الفارسية "بانجشير" أو "بنجشير"- خارج سيطرتها، وهو الأمر الذي يمثل مصدر إزعاج وحرج شديد للحركة، لأنه يحول دون استكمال تكريس نفوذها وهيمنتها على كامل مفاصل الدولة الأفغانية، فضلاً عن أن هذا الإقليم يتمتع بموقع استراتيجي وحيوي على بعد 130 كم شمال شرقى العاصمة كابول، وبالتالي يعتبر مدخلاً شمالياً للعاصمة. والحاصل هنا أن التقدم الميداني الكبير لـ"طالبان" لا يعبر بالضرورة عن سيطرة واستقرار سياسي على الأقل على المدى القريب أو المتوسط.

3- استعدادات مسبقة: كان لافتاً أن مسعود قال في مقاله في "واشنطن بوست" يوم 18أغسطس: "أكتب اليوم من وادي بانشير، وأنا على استعداد لاتباع خطى والدي، مع المجاهدين المقاتلين المستعدين لمواجهة طالبان مرة أخرى. لدينا مخازن الذخيرة والأسلحة التي جمعناها بصبر منذ عهد والدي، لأننا علمنا أن هذا اليوم سوف يأتي"([2])، وهو ما يعكس أن الاستعداد لمواجهة "طالبان"، والشروع في مقاومتها بالفعل، لم يحدث في ليلةٍ وضحاها، بل كان مخططاً له منذ زمن، لكن هذا الحراك اكتسب زخماً كبيراً مع سيطرة الحركة على كابول وتطلعها إلى استكمال السيطرة على كامل أنحاء الدولة.

مرتكزات القوة

تستند حركة المقاومة التي يقودها أحمد مسعود إلى مرتكزات عديدة في إدارة صراعها مع "طالبان"، يتمثل أبرزها في:

1- خصوصية مستمرة: يرتبط دخول إقليم بانشير في مواجهة مع "طالبان" التي تسعى للسيطرة عليه، بالخصوصية التي يتمتع بها، سواء من الناحية الجغرافية أو التاريخية. فعلى المستوى الجغرافي، تبلغ مساحة هذا الإقليم 3610 كم، وتحيط به سلسلة جبال "هندو كوش"، مع وجود نقطة وصول واحدة فقط عبر ممر ضيق أنشأه نهر بانشير، وهى اعتبارات جغرافية وطبيعية تسهل مهمة الدفاع عن الإقليم ضد أى هجمات خارجية.

وعلى المستوى التاريخي، كان هذا الإقليم أيضاً بمنأى عن سيطرة القوى الاستعمارية المختلفة، سواء بريطانيا في القرن التاسع عشر، أو الاتحاد السوفييتي في ثمانينات القرن العشرين، أو حتى "طالبان"، التي رغم سيطرتها عام 1996 على العاصمة وكافة الولايات الأفغانية، ظل هذا الإقليم خارجاً عن سيطرتها.

2- استقطاب المناوئين: حرص مسعود على تعزيز الجبهة التي شكلها لمواجهة "طالبان" عبر استقطاب دعم كافة المعارضين للحركة، وبعض القوات الأفغانية الخاصة، وعدد من الميليشيات المحلية، فضلاً عن وحدات من الجيش النظامي التي انتقلت إلى بانشير عقب سقوط العاصمة الأفغانية([3]). كما تحالف مع أمر الله صالح نائب الرئيس الأفغاني الأسبق أشرف غني والقوات الموالية له([4]). وأشارت تقارير أيضاً إلى أنه استطاع الحصول على معدات عسكرية ومروحيات وبنادق وذخيرة وإمدادات غذائية قادمة من طاجيكستان([5]). وعلى الرغم من نفى وزارة الخارجية الطاجيكستانية لهذا الأمر، إلا أن المؤكد- وفق العديد من التقارير الدولية- أن قوى الشمال بقيادة مسعود، لديها قدرات تسليحية ولوجستية لا تبدو هينة.

3- تأثير العرق: تشير تقديرات([6]) إلى أن البعد العرقي هو أحد الأبعاد الرئيسية التي يجب وضعها في الاعتبار عند استقراء موازين القوى في أفغانستان حالياً بين "طالبان" وحلف "قوى الشمال". وهنا، فإن أحد ركائز القوة بالنسبة لـمسعود يتعلق بـ"الأفغان الطاجيك" الذين مثلوا الظهير الشعبي لوالده أحمد شاه مسعود، ويمارسون الدور نفسه حالياً بالنسبة لإبنه كالشاب. بالإضافة لذلك، يحاول مسعود استقطاب كافة الفئات المجتمعية الأفغانية الرافضة لحكم "طالبان" والساخطة على الحركة أو التي لديها تخوفات من طريقة إدارتها للبلاد، وهي فئات ليست بالقليلة، وهو ما عبرت عنه مشاهد الهرولة في مطار كابول للهروب من البلاد، وبالتالي قد يؤدي سخط هؤلاء على "طالبان" إلى انخراطهم في الحراك المقاوم للحركة.

4- الخبرات الكبيرة: إلى جانب الرصيد الكبير الذي يمتلكه مسعود من مقاومة والده للسوفييت و"طالبان"، فإنه حصل على دراسات سياسية وعسكرية مُكثفة([7])، حيث التحق بأكاديمية "ساندهيرست العسرية الملكية" ببريطانيا، وتخرج فيها عام 2012، وحصل بعد ذلك على بكالوريوس في دراسات الحرب من جامعة "كينجز كوليج" بلندن، عام 2015، وتخرج حاصلاً على درجة الماجستير في السياسة الدولية في العام التالي من جامعة "سيتي" البريطانية، فضلاً عن أنه يتمتع بعلاقات جيدة مع العديد من الدول الغربية مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك مع دول إقليمية مثل طاجيكستان، والهند، وأوزباكستان، وهى الدول الإقليمية التي لديها التخوفات نفسها تجاه "طالبان".

مآلات الأوضاع في أفغانستان

على الرغم من مرتكزات القوة التي تملكها "قوى الشمال" في مواجهة حركة "طالبان"، إلا أن هذه المقاومة تواجه جملة من التحديات المرتبطة بترجيح توازنات القوى لكفة "طالبان"، وذلك مع الاستقرار المالي للحركة، وسيطرتها الميدانية الواسعة في أفغانستان، وامتلاكها قدرات تسليحية عالية، خصوصاً في ظل ترسانة الأسلحة الضخمة التي حصلت عليها من القوات الأمريكية طوال فترة الحرب وبعد الانسحاب، وهى اعتبارات ترجح مع المعطيات السابقة استمرار الوضع على ما هو عليه من حيث سيطرة "طالبان" على كافة الولايات الأفغانية، واستمرار حصارها لبانشير، لكن المتغير الذي قد يؤثر على تلك المعادلة هو دخول الطرفين في مفاوضات خلال الفترة المقبلة، من أجل الوصول إلى صيغة سياسية تراعي مطالب مسعود، وتحقق في الوقت نفسه مصالح "طالبان"، ويعزز من فرص حدوث هذا السيناريو، رغبة الأول في الانخراط في هذه المفاوضات بل ودعوته قوى دولية منها روسيا([8]) لتبني هذا المسار والتوسط فيه، كما يعزز من فرص هذا السيناريو، رغبة "طالبان" في ترجمة التفوق العسكري والميداني الكبير لها إلى حالة استقرار وسيطرة سياسية، وهو الأمر الذي لن يتحقق إلا عبر الدخول في مفاوضات مع جبهة المقاومة بقيادة مسعود، بما يضمن الوصول إلى معادلة سياسية ترضي الطرفين.


[1] أحمد مسعود لـ"العربية": وادي بنجشير لن يتم تسليمه لطالبان، العربية نت، 22 أغسطس 2021، متاح على:

https://bit.ly/2WJM4RW

[2] Ahmad Massoud, The mujahideen resistance to the Taliban begins now. But ... We Need Help, Washingtonpost, August 18, 2021, available at:

 https://www.washingtonpost.com/opinions/2021/08/18/mujahideen-resistance-taliban-ahmad-massoud/

[3] طالبان تعلن الهجوم على "بانشير" والمقاومة تستعد "لصراع طويل"، دويتش فيله، 22 أغسطس 2021، متاح على:

https://bit.ly/3kICI14

[4] أمر الله صالح: نائب الرئيس الذي يقود "المقاومة" ضد طالبان، بي بي سي، 19 أغسطس 2021، متاح على:

https://www.bbc.com/arabic/world-58273101

[5] Catherine Putz, Tajikistan Won’t Recognize a Taliban-Only Afghan Government, The Diplomat, August 25, 2021, available at:

https://thediplomat.com/2021/08/tajikistan-wont-recognize-a-taliban-only-afghan-government/

[6] أمل مختار، "تحالف الشمال: خريطة القوى المناوئة لطالبان بعد سقوط كابول، ملف خاص: اللايقين: مستقبل أفغانستان بعد هيمنة طالبان، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أغسطس 2021، متاح على:

https://acpss.ahram.org.eg/Media/Malafat/Malaf-AF-1.pdf

[7] أحمد مسعود..صاحب "الأسود الخمسة" الذي ورث خصومة طالبان، سكاي نيوز، 23 أغسطس 2021، متاح على:

https://bit.ly/2WOPnr8

[8] أحمد مسعود: بإمكان روسيا التوسط بيننا وبين حركة طالبان، وكالة الأناضول للأنباء، 25 أغسطس 2021، متاح على:

https://bit.ly/2Y8OBpg