د. صدفة محمد محمود

باحثة متخصصة في شئون أمريكا اللاتينية

في الحادي عشر من يوليو الماضي، شهدت كوبا احتجاجات غير مسبوقة، اعتراضًا على نقص الغذاء والدواء في الوقت الذي تمر فيه البلاد بأزمة اقتصادية خطيرة تفاقمت بسبب جائحة كوفيد -19 والعقوبات الأمريكية، كما طالب الكوبيون خلال تلك الاحتجاجات، بإسقاط الديكتاتورية وتحقيق الديمقراطية في بلد يحكمه حزب سياسي واحد (الحزب الشيوعي الكوبي). وأسفرت تلك المظاهرات عن سقوط قتيل وعشرات الجرحى واعتقال ما يقرُب من 140شخصًا.

وقد وصف الرئيس الكوبي ميغيل دياز كانيل الاحتجاجات بأنها جزء من مؤامرة أجنبية لـ"كسر" الثورة الشيوعية التي أطلقها الزعيم الكوبي فيدل كاسترو عام 1959، مشيرًا إلى أن من قام بها ينتمون إلى ما وصفه بـ"المافيا الكوبية الأمريكية"، وأن الولايات المتحدة تحاول إثارة انتفاضة من شأنها أن تبرر التدخل العسكري في البلاد. في المقابل، اعتبر الرئيس الأمريكي جو بايدن الاحتجاجات بأنها "نداء من أجل الحرية"، متعهدًا بمساعدة الكوبيين، ومنددًا أكثر من مرة بـ"النظام الشيوعي الفاشل".

وتُمثِّل تلك الاحتجاجات اختبارًا حقيقيًا لسياسة إدارة بايدن في أمريكا اللاتينية؛ فالبرغم من أن كوبا لم تكن أبدًا أولوية قصوى لإدارة بايدن، فمن الواضح أنه ليس بإمكانها تجاهل الأزمة السياسية هناك، لما لها من تداعيات إقليمية مهمة، بل إن تأثيراتها يمكن أن تمتد إلى داخل الولايات المتحدة، التي شهدت مسيرات احتجاج للتضامن مع الشعب الكوبي في عدة مدن، وبالتحديد داخل ولاية فلوريدا، التي تُمثل كتلة تصويت حاسمة (29 مندوبًا في المجمع الانتخابي).

أهمية احتجاجات كوبا

للاحتحاجات في كوبا أهمية خاصة بالنسبة للإدارة الأمريكية انطلاقًا من اعتبارات عدة، من أبرزها:

1- اختبار للنهج الدبلوماسي: بالنسبة لبعض المراقبين، يمكن أن يكون نمط استجابة إدارة بايدن لاحتجاجات كوبا، اختبارًا لطبيعة النهج الذي من المرتقب أن يتبعه الرئيس بايدن تجاه الدولة الواقعة في البحر الكاريبي، وما إذا كان سيتبنى السياسة التي اتبعها الرئيس الأسبق باراك أوباما، أم سيستكمل النهج المتشدد الذي اتبعه الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي أعاد إدراج كوبا ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب، وفرض عليها عقوبات جديدة تمنع السفر إليها من الولايات المتحدة، والأهم من ذلك، منع التحويلات المالية إليها، والتي تُمثل مصدرًا رئيسيًا للدخل.

وتجدر الإشارة إلى أن بايدن قد تعهد خلال حملته الانتخابية للرئاسة لعام 2020 بالتراجع عن عقوبات ترامب على كوبا، والتي جاءات خلافًا للنهج الذي اتبعه باراك أوباما في عام 2014، حينما بدأ انفتاحًا دبلوماسيًا تاريخيًا مع البلاد. ونتيجة لهذه العملية، تراجع أوباما عن بعض القيود الاقتصادية وسمح بالسفر إليها.ورغم تعهد بايدن الانتخابي، فإنه حتى الآن لم يتخذ أية خطوات لتخفيف العقوبات المفروضة على كوبا.

2- نافذة فرصة: تُمثِّل الاحتجاجات التي شهدتها كوبا، وما أعقبها من قمع للمعارضة السياسية، نافذة فرصة بالنسبة للعديد من المسئولين الأمريكيين، نظرًا لأنها تعتبر احتجاجات غير مسبوقة في تاريخ الجزيرة الكاريبية، وربما تسمح بتدخل أمريكي في الشئون الداخلية للبلاد، على نحو يُتيح لها دعم المعارضة التي لطالما واجهت قيودًا شديدة على حرية حركتها.

ووفقًا لتصريحات بايدن، فإن الشعب الكوبي "يطالب بتحريره من نظام استبدادي، لا أعتقد أننا رأينا أي شيء مثل هذه الاحتجاجات في وقت طويل". ويأمل الكثيرون داخل الولايات المتحدة الأمريكية في أن تُنعِش الاحتجاجات الشعبية الآمال في تغيير النظام الحاكم داخل بلد تفرض عليه واشنطن حظرًا منذ عقود طويلة بهدف تعزيز الديمقراطية. وإذا صعَدت السلطات الكوبية الإجراءات القمعية ضد المتظاهرين، فسيواجه بايدن صعوبات قوية في تبرير أي خطوات تالية في التقارب، لا سيما تجاه منتقديه الجمهوريين، خاصة أن سجل حقوق الإنسان في كوبا يقع على رأس قائمة أولويات الولايات المتحدة التي يجب معالجتها.

3- تهديد للأمن الأمريكي والإقليمي: يمكن أن تتسبب احتجاجات كوبا، وما قد تسفر عنه من تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة في البلاد، في اندلاع موجة جديدة من الهجرة إلى الأراضي الأمريكية. ومما يزيد من مخاوف إدارة بايدن، أن هذه المظاهرات جاءت في وقت تعاني فيه هايتي من حالة من الانفلات السياسي والأمني عقب اغتيال رئيسها جوفينيل مويس، وهو ما يُضاعف من مخاطر زيادة أعداد المهاجرين من دول أمريكا اللاتينية إليها.

جدير بالذكر أن كوبا شهدت خلال الأشهر الماضية، تزامنًا مع الوضع الاقتصادي السيئ، زيادة في عدد المهاجرين منها بشكل واضح؛ حيث تمّ اعتراض هجرة 500 مواطن من كوبا وإعادتهم إلى البلاد، خلال العام المالي الحالي، بعدما كان العدد 49 فقط في عام 2020، وكان 313 في 2019، طبقاً لإحصاءات خفر السواحل الأمريكية.

وقد أعرب بعض قادة الحزب الجمهوري، ومنهم السيناتور عن ولاية فلوريدا ماركو روبيو عن مخاوفه من قيام الحكومة الكوبية بتشجيع مواطنيها على الهجرة الجماعية للولايات المتحدة الأمريكية مثلما حدث في عام 1994،عندما شهدت البلاد احتجاجات شعبية واسعة النطاق.

نمط الاستجابة لاحتجاجات كوبا

اتخذت إدارة بايدن عدة خطوات ردًا على الاحتجاجات التي شهدتها كوبا، سواء بهدف دعم المتظاهرين أو معاقبة المتورطين في قمع المعارضة الكوبية، من بينها:

1- فرض العقوبات: تُمثّل العقوبات أول رد مهم من جانب الإدارة على الاحتجاجات في الجزيرة، وقد جاءت بعد أن انتقدت جماعات أمريكية كوبية وبعض أعضاء الكونجرس، إدارة بايدن لعدم تبنيها نهجًا صارمًا بما يكفي تجاه النظام الكوبي. في هذا السياق، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية في 22 يوليو الماضي سلسلة أولى من العقوبات المالية الموجهة ضد وزير الدفاع الكوبي ألفارو لوبيز مييرا ووحدة خاصة بوزارة الداخلية تعرف باسم "القبعات السود" انتشرت خلال المظاهرات. وبموجب تلك العقوبات سيتم تجميد الأصول المحتملة لكبار مسئولي الشرطة في كوبا داخل الولايات المتحدة الأمريكية وسيُمنعان من استخدام النظام المالي الأمريكي.

ومع ذلك، فقد أعرب المدير العام للشئون الأمريكية بوزارة الخارجية الكوبية كارلوس فرنانديز دي كوسيو عن شكوكه في جدوى هذه العقوبات، نظرًا لأنه وفقًا لمعلوماته، ليس لدى وزير الدافع الكوبي حساب مصرفي ولا أصول في الولايات المتحدة الأمريكية، كما أنه لا يعتقد أن لديه أي خطط لزيارة الأخيرة كسائح.

ووسعت واشنطن من نطاق عقوباتها المفروضة على كوبا في نهاية شهر يوليو الماضي، حينما فرضت وزارة الخزانة الأمريكية، عقوبات على اثنين من كبار مسئولي الشرطة الكوبية (مدير ونائب مدير الشرطة الوطنية الثورية)، بسبب ما وصفته الإدارة بـ"ارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان خلال الاحتجاجات الأخيرة ضد الحكومة". بالإضافة إلى فرض عقوبات على الشرطة الوطنية الثورية بأكملها. وفي حين أن العقوبات الجديدة رمزية إلى حد كبير، إلا أنها تُشير إلى أن العودة إلى فترة الانفراج في العلاقات الأمريكية – الكوبية، التي سادت خلال عهد الرئيس السابق باراك أوباما لن تكون وشيكة.

2- التشاور مع الأمريكيين – الكوبيين: التقى الرئيس بايدن في البيت الأبيض في 30يوليو الماضي، مع ممثلي المواطنين الأمريكيين من أصل كوبي، الذين دعوا الرئيس الأمريكي إلى اتخاذ المزيد من الإجراءات ضد حكومة هافانا. وكان من بين المشاركين في هذا الاجتماع زعماء سياسيون وفنانون وشخصيات بارزة في المجتمع الأمريكي.

وناقش بايدن معهم عدداً من المسائل المتعلقة بالاحتجاجات وسبل دعم مطالب الشعب الكوبي في الحرية والديمقراطية، كما توعد خلال الاجتماع باتخاذ إجراءات أخرى ما لم يحدث تغيير حاسم في كوبا.

ومن الجدير بالذكر أنه من بين 2.5 مليون أمريكي كوبي يعيشون في الولايات المتحدة الأمريكية، يوجد أكثر من ثلثيهم في فلوريدا، والتي تُمثّل أكبر ولاية متأرجحة في البلاد،وهو الأمر الذي يُضفي أهمية خاصة على الأزمة الكوبية، بسبب ارتباطهاالمباشر بالانتخابات الرئاسية والسياسة الداخلية الأمريكية.

3- التنسيق مع الحلفاء: تسعى إدارة بايدن إلى التنسيق مع حلفائها داخل أمريكا اللاتينية وخارجها على حد سواء، من أجل تشكيل جبهة موحدة للضغط على النظام الشيوعي الكوبي، لاسيما أن واشنطن لطالما افتقرت للدعم الدولي في الملف الكوبي، خصوصًا داخل منظمة الأمم المتحدة، حيث تكثر الانتقادات الدولية للحظر الأمريكي المفروض على الجزيرة منذ نصف قرن.

في هذا السياق، صدر مؤخرًا عن وزارة الخارجية الأمريكية بيان توجه فيه واشنطن دعوة إلى كوبا لـ"صون حقوق الشعب وإطلاق سراح المعتقلين على خلفية الاحتجاجات الأخيرةّ". وأيد البيان البرازيل وكولومبيا وجواتيمالا وهندوراس والإكوادور، إلى جانب كوريا الجنوبية والنمسا وبولندا واليونان وعدد آخر من الدول.

4- خيارات أخرى: أعلنت الإدارة الأمريكية إنها تدرس مجموعة واسعة من الخيارات الإضافية ردًا على الاحتجاجات، بما في ذلك توفير الوصول إلى الإنترنت للكوبيين، كما أنشأت مجموعة عمل لمراجعة سياسة التحويلات الأمريكية لضمان أن المزيد من الأموال التي يرسلها الأمريكيون الكوبيون إلى البلاد تصل مباشرة إلى أيدي عائلاتهم دون أن تقتطع الحكومة منها شيئًا.

في هذا السياق، دعا حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس واثنان من أعضاء مجلس النواب من الحزب الجمهوري في ميامي ومسئول اتصالات فيدرالي، إدارة بايدن إلى إعطاء الضوء الأخضر على الفور لنوع خاص من أنظمة الاتصالات وغيرها من التقنيات التي من شأنها أن تمكن المواطنين الكوبيين من التهرب من رقابة الحكومة الشيوعية.

ويعتبر الوصول إلى الإنترنت قضية حساسة للغاية في كوبا؛ إذ وفر للناس العاديين ليس فقط الوسائل لمشاركة إحباطهم مع الآخرين في جميع أنحاء الجزيرة ولكن لتنظيم المعارضة وتنسيق الاحتجاجات خلال الأيام التي سبقت اندلاعها مباشرة، ولكن انقطعت خدمة الإنترنت في وقت ما خلال المظاهرات، وقد ألقت المعارضة بالمسئولية على الحكومة الكوبية في القيام بذلك.

متغيرات عديدة

تسعى إدارة بايدن إلى الضغط على الحكومة الكوبية للاستجابة لمطالب المحتجين، ويمكن القول أن هناك عدة متغيرات يمكن أن تُشكّل اختباراً لمدى فاعلية نهج الإدارة في التعامل مع الاحتجاجات بصفة خاصة، والسياسة الأمريكية تجاه كوبا بصفة عامة، ومن أبرزها:

1- توجهات الأحزاب الأمريكية: صرح بعض المسئولين الأمريكيين قبيل اندلاع الاحتجاجات، بأن إدارة بايدن كانت تبحث في سبل للتخفيف من معاناة المواطنين في كوبا، مثل تخفيف قيود السفر إليها، والقيود المفروضة على التحويلات المالية إلى الأهل والأقارب المقيمين بها، وهي أمور ناقشها بايدن بنفسه خلال حملته الانتخابية.أما عقب الاحتجاجات، فإن الإدارة الأمريكية تتعرض لضغوط داخلية متزايدة، لصياغة رد يتجاوز مجرد الخطاب المطالب بضمان حق الكوبيين في التعبير والاحتجاج السلمي.

وفي حين يُجادل العديد من الديمقراطيين في الكونجرس بأن على واشنطن المساعدة في تخفيف الأزمة الإنسانية في كوبا عبر تقليص القيود المفروضة على السفر والتحويلات المالية وتقديم مساعدات إنسانية ولقاحات إضافية للشعب الكوبي، يضغط بعض الجمهوريين لتوسيع نطاق العقوبات التي فرضها ترامب، ويطالبون بتحذير هافانا من تشجيع الهجرة الجماعية إلى شواطئ الولايات المتحدة الأمريكية، كما يعارضون رفع العقوبات لأنها ستبدو بنظرهم "استسلامًا" من قبل واشنطن للنظام الكوبي.

وفي ظل غياب توافق الرؤى بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري بشأن كيفية التعامل مع المظاهرات والأزمة الإنسانية الحادة في الجزيرة، تزداد الضغوط التي تواجهها إدارة بايدن، وتضعف قدرتها على التحرك الفعّال؛ فالرئيس الديمقراطي لديه فرصة ضئيلة في حشد الجمهوريين خلفه، للرد على الأحداث في كوبا،خاصة أن هؤلاء لا يكفّون عن تذكير بايدن بأنه كان نائبًا لباراك أوباما الذي حاول اتباع سياسة الانفتاح مع هافانا.

وقد وصفت اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري، الديمقراطيين بأنهم "ضعفاء" بشأن كوبا، معتبرة أن "افتقار بايدن للحزم أمرٍ مخزٍ".في المقابل، يخشى الديمقراطيون في فلوريدا من أن الرئيس قد يضيع فرصة لإعادة توجيه سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه كوبا، وتحسين الفرص السياسية للحزب الديمقراطي في ولاية فلوريدا المتأرجحة، والتي نجح الجمهوريون في الفوز بأصواتها خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة، حيث فاز ترامب بأغلبية أصوات الناخبين.

2- مواقف الأطراف الإقليمية: تواجه التحركات الأمريكية الرامية إلى تضييق النطاق على النظام الشيوعي الحاكم، بمقاومة من قبل بعض الدول اللاتينية، خاصة تلك التي يحكمها أحزاب موالية لليسار، والتي لطالما تبنت مواقفًا معارضة للتدخلات الأمريكية في شؤون دول المنطقة.

وفي حين أيد قادة بعض الحكومات اليمينية في أمريكا اللاتينية ومنها البرازيل وبيرو وتشيلي وأوروجواي، حق المتظاهرين في التعبير السلمي عن الرأي، ودعوا الحكومة الكوبية إلى تلبية مطالب المحتجين، في المقابل، أكد حلفاء كوبا اليساريين في أمريكا اللاتينية (فنزويلا والأرجنتين وبوليفيا والمكسيك) ودول جزر الكاريبي على مسئولية الحظر الأمريكي عن تفاقم الأزمة الإنسانية الحالية في البلاد، وحثوا واشنطن على رفع العقوبات عنها، كما أعلنوا رفضهم لأي تدخل خارجي في شئونها الداخلية. وقد أرسلت المكسيك ونيكاراغوا وفنزويلا وبوليفيا، إضافة إلى روسيا، مساعدات غذائية وإنسانية إلى كوبا.

ومما تجدر الإشارة إليه أن منظمة الدول الأمريكية اضطرت إلى تأجيل اجتماع بشأن وضع حقوق الإنسان في كوبا بسبب اعتراضات أكثر من اثني عشر دولة عضو، مما يُشير إلى مدى العزلة النسبية لواشنطن بشأن سياستها تجاه كوبا، ويعكس أيضًا تراجع النفوذ الأمريكي في نصف الكرة الغربي.

في هذا الإطار، قال الرئيس المكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور إنه ينبغي استبدال منظمة الدول الأمريكية "بجهاز مستقل حقًا، وليس خادمًا لأحد"، وهو الأمر الذي ردده الرئيس الأرجنتيني ألبرتو فيرنانديز. وتأتي هذه الانتقادات، بالنظر إلى ما بدى واضحًا خلال السنوات الأخيرة، من تبني منظمة الدول الأمريكية تحت قيادة الأمين العام لويس ألماغرو، "موقفًا يتماشى تمامًا مع سياسة الولايات المتحدة".

3- دور القوى الدولية: لدى كوبا شراكات قوية مع بعض الأطراف الدولية والإقليمية، التي تُصنف باعتبارها من القوى المناهضة للولايات المتحدة الأمريكية، وتحديدًا روسيا والصين وكذلك إيران. وتنظر تلك الدول إلى كوبا باعتبارها حليفًا استراتيجيًا لها في منطقة أمريكا اللاتينية، التي لطالما اُعتبرت بمثابة الحديقة الخلفية للولايات المتحدة الأمريكية. ومن المُلاحظ أن البلدان الثلاثة سارعت إلى المطالبة بعدم التدخل الخارجي في الشئون الداخلية لكوبا، رافضة أية إجراءات يمكن أن تزعزع استقرارها الداخلي، مؤكدة على أن الحظر الأمريكي هو السبب الجذري لنقص الأدوية والطاقة في كوبا.

وبالنظر إلى الأهمية المحورية التي تحظى بها كوبا في سياق التنافس الجيواستراتيجي للقوى الثلاث مع الولايات المتحدة الأمريكية في نصف الكرة الغربي، فمن المُرجح أن تسعى تلك القوى إلى تقديم المزيد من الدعم لكوبا في مواجهتها المرتقبة مع واشنطن. وفي الوقت نفسه، كلما ضغطت واشنطن بقوة على كوبا بفرض المزيد من العقوبات عليها، زادت المُحفزات التي ستدفعها لتصبح أقرب إلى روسيا والصين على وجه التحديد باعتبارهما مصدرًا للحماية في مواجهة الخصوم الداخليين والخارجيين.

ولا تقتصر معارضة التحركات الأمريكية ضد كوبا على الدول الحليفة لها، بل إنها تمتد كذلك لبعض الدول الأوروبية التي رفضت التوقيع على بيان وزارة الخارجية الأمريكية، الذي يدين الاعتقالات الجماعية ويدعو إلى الاستعادة الكاملة للوصول المعطل إلى الإنترنت. ووفقًا لبعض المصادر فإن البيان لم يذيّل بتواقيع حلفاء مقرّبين لواشنطن على غرار بريطانيا وفرنسا وألمانيا واليابان وإسبانيا، على الرغم من إبداء هذه الدول رغبة في التعاون الوثيق مع الرئيس بايدن بعد التوترات التي شابت علاقاتها مع واشنطن في عهد سلفه دونالد ترامب. بالإضافة إلى أن كندا التي أدانت القمع الكوبي ودعمت حق المتظاهرين في حرية التعبير لم توقع على البيان، وجميعها مؤشرات على ضعف قدرة إدارة بايدن على توحيد القوى الدولية في مواجهة النظام الكوبي.

في ضوء ما سبق، يمكن القول إن الرئيس بايدن سوف يواجه ضغوطًا متزايدة خلال الفترة الأخيرة من أجل اتخاذ موقف حاسم من احتجاجات كوبا، ومن المرتقب أن تتلاشى خططه الأولية بشأن تخفيف العقوبات على البلاد. وسيتمثل التحدي الأكبر الذي سيواجه بايدن في تحقيق التوازن بين مطالب الديمقراطيين بدعم حقوق الشعب الكوبي ورفع الحصار عن البلاد، وبين دعوات الجمهوريين بتشديد السياسة الأمريكية، بل وأحيانًا التدخل عسكريًا في كوبا.

ويمكن للرئيس بايدن تحقيق هذا التوازن الدقيق من خلال إيجاد قنوات غير مباشرة للتواصل مع القيادة الكوبية، تتولى مسئولية إيصال رسالة مفادها أن احترام الدعوات من أجل الحرية هو شرط أساسي لمزيد من التقارب واستعادة العلاقات الطبيعية مع الولايات المتحدة الأمريكية.