أعلن المجلس الوطني للانتخابات في إثيوبيا، في 10 يوليو الجاري (2021)، فوز الحزب الحاكم في البلاد (حزب الازدهار) بأغلبية مطلقة في الاستحقاقات التشريعية التي أجريت في 21 يونيو الفائت، مما يمهد الطريق أمام تشكيل حكومة جديدة يقودها رئيس الوزراء آبي أحمد في ولاية ثانية تمتد لخمس سنوات مقبلة، والتي تأتي وسط سياق مفعم بالعديد من التحديات والأزمات على المستويات المختلفة السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية، الأمر الذي يُعمِّق الأزمة الإثيوبية ويهدد مستقبل الدولة واستقرارها.
السياق العام ونتائج المشهد الانتخابي
شكل إجراء تلك الانتخابات -التي تعد السادسة في تاريخ البلاد منذ الإطاحة بنظام مانجستو في تسعينيات القرن الماضي- اختبارًا صعبًا لحكومة آبي أحمد في ضوء حجم التحديات التي يعكسها مشهد داخلي مضطرب بفعل سلسلة من الأزمات التي تمثل ضغطًا على آبي أحمد، وحالة الاستقطاب السياسي والأمني التي تعيشها البلاد لاسيما الحرب الإثيوبية في إقليم تيجراي، وبعدما تأجلت مرتيْن بسبب تفشي جائحة كوفيد-19 وبعض التحديات اللوجستية التي واجهت اللجنة المشرفة عليها في معظم المراكز الانتخابية بأنحاء البلاد، وإن اعتبرها البعض بمثابة ذريعة من النظام الحاكم لإعادة ترتيب أوراقه مجددًا للسيطرة على العملية الانتخابية برمتها لضمان ولاية ثانية لآبي أحمد الذي يسعى للبقاء في السلطة طويلًا.
وانطلقت الانتخابات الإثيوبية من أجل تحديد أعضاء السلطة التشريعية الاتحادية في البلاد بغرفتيها -بما في ذلك رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية- والتي تتألف من مجلس نواب الشعب الإثيوبي The House of Peoples’ Representative (HOPR) الذي يضم 547 مقعدًا، بواقع 525 مقعدًا عن طريق الانتخاب، و22 مقعدًا للأقليات، والمجلس الفيدرالي The House of Federation (HOF)الذي يضم 153 مقعدًا موزعين على المناطق العشرة الإثيوبية، بحيث يتم انتخابهم بشكل غير مباشر من قبل المجالس الإقليمية[1]. وأشارت إحصاءات المجلس الوطني للانتخابات إلى تسجيل حوالي 9000 مرشحًا في الانتخابات، يمثلون 49 حزبًا سياسيًا بواقع 32 حزبًا مرشحًا لمقاعد المجلس الإقليمي في حين يتنافس 17 حزبًا على مجلسى النواب والفيدرالي، و125 مرشحًا مستقلًا[2].
ويمكن الإشارة إلى بعض الملاحظات التي صاحبت العملية الانتخابية وشكلت ملامح المشهد في العملية الانتخابية، يتمثل أبرزها في:
1- جرت الانتخابات في سبعة أقاليم من أصل عشرة أقاليم إثيوبية، ولم تجر عملية التصويت في نحو خُمس الدوائر الانتخابية في أنحاء البلاد التي يبلغ عددها 547 دائرة بسبب أعمال العنف والمشكلات اللوجستية. فقد تم تأجيل إجراء الانتخابات لموعد أقصاه 6 سبتمبر المقبل في 63 دائرة انتخابية في منطقتى هراري والصومال الإثيوبي وبعض مراكز الاقتراع في مناطق أمهرة وأوروميا وبني شنقول-جوموز لموعد 6 سبتمبر المقبل، بسبب بعض المخالفات والأوضاع الأمنية غير المستقرة، فيما لم يتخذ أي قرار بشأن إجراء الانتخابات في إقليم تيجراي المضطرب أمنيًا[3].
2- شهدت هذه الانتخابات نسبة مشاركة بلغت حوالي 90% من إجمالي أعداد الناخبين الذين تم تسجيلهم والبالغ عددهم نحو 37 مليون ناخب وفقًا للتصريحات الحكومية الإثيوبية[4].
3- ثمة انتقادات وجهت للحزب الحاكم بارتكاب خروقات خلال العملية الانتخابية على المستويين المحلي والدولي، فقد اتهمت خمسة أحزاب سياسية معارضة[5] حزب الازدهار بالتدخل في الانتخابات وممارسة التخويف للمواطنين من خلال استعراض قوات الأمن في المدن الإثيوبية، وطالب بعضها بإعادة الانتخابات في بعض المناطق مثل منطقة الأمم والقوميات والشعوب الجنوبية SNNPR على اعتبار أنها افتقدت الحد الأدنى من المعايير الدولية[6]. وتقدم حزب المواطنون من أجل العدالة الاجتماعية بأكثر من 200 شكوى بسبب التضييق على المراقبين التابعين له من قبل المسئولين المحليين وميلشيات الحزب الحاكم[7]. فيما اعتبرت واشنطن أن تلك الانتخابات معيبة بسبب سوء الأوضاع الأمنية وممارسة القمع والاعتقال ضد أبرز المعارضين في البلاد مثل جوار محمد، وبيكيلي جربا، وإسكندر نيجا، وحمزة بورينا، واستر سيوم، وديجينا تافا، وشمس الدين طه، ومحمد رجاسا.
4- جرت تلك الانتخابات دون توافق وطني، وفي ظل سياق سياسي يتسم بالتضييق من قبل النظام الحاكم ضد المعارضة السياسية، ووسط هزيمة منيت بها القوات الإثيوبية في إقليم تيجراي الذي غابت عنه الانتخابات، الأمر الذي قد تظهر تداعياته خلال الفترة المقبلة في ظل سلسلة التوترات السياسية والأمنية في معظم أنحاء البلاد.
ولم تكن نتائج الانتخابات مخالفة للتوقعات تمامًا، إذ نجح حزب الازدهار في حصد الأغلبية المطلقة في البرلمان الإثيوبي القادم، واستطاع الفوز بنحو 410 مقعدًا من إجمالي 436 مقعدًا في الجولة الأولى من الانتخابات (كما يوضحه الجدول)، قبل إتمام الاستحقاق الانتخابي في الجولة الثانية المقرر لها في سبتمبر المقبل، وسط توقعات بتشكيل الحكومة الجديدة في أكتوبر 2021. في حين حصلت أحزاب المعارضة السياسية على 11 مقعد فقط، وهو ما يكشف حالة الضعف التي تعانيها في المشهد السياسي الإثيوبي وسط سيطرة تامة من الحزب الحاكم الذي قام على أنقاض الائتلاف الحاكم السابق في ديسمبر 2019.
|
الأقاليم/المناطق الإثيوبية
|
عدد المقاعد
|
الحزب الحاكم
|
أحزاب المعارضة
|
الجولة الثانية
|
1
|
إقليم أوروميا
|
178
|
167
|
3 (للمستقلين)
|
8
|
2
|
إقليم عفار
|
8
|
6
|
_
|
2
|
3
|
إقليم أمهرة
|
128
(أجريت على 125 مقعد)
|
114
|
5
|
6
|
4
|
إقليم بني شنقول
|
9
|
3
|
_
|
6
|
5
|
إقليم جامبيلا
|
89
|
3
|
_
|
86
|
6
|
إقليم سيداما
|
19
|
19
|
_
|
_
|
7
|
إقليم شعوب جنوب البلاد
|
104
(أجريت على 85 مقعد)
|
75
|
6
|
4
|
8
|
العاصمة أديس أبابا
|
23
|
22
|
_
|
1
|
9
|
منطقة دريداوا
|
2
|
1
|
_
|
1
|
المصدر: اعتمد الباحث في إعداد هذا الجدول على الوثيقة الرسمية التي أصدرتها السلطات الإثيوبية. متاح على الرابط التالي:
https://bit.ly/2UNnUon
دلالات فوز حزب الازدهار
ثمة عدد من الدلالات التي يعكسها فوز حزب آبي أحمد في الانتخابات الأخيرة، يمكن تناولها على النحو التالي:
1- تعزيز سلطة آبي أحمد: يعزز فوز الحزب الحاكم من شرعية آبي أحمد وما يرتبط بها من زيادة إحكام سيطرته على المشهد السياسي في إثيوبيا، والتخلص من خصومه السياسيين الذين ينتقدون سياساته ويشكلون عائقًا أمام تحقيق تطلعاته السياسية. وربما تلعب نتائج تلك الانتخابات دورًا في محاولة حشد الدعم السياسي لحكومة آبي الجديدة لمجابهة حزمة التحديات التي تنتظرها.
2- بناء نظام سياسي جديد: وهو نظام تلوح معالمه في الأفق بعد حسم الانتخابات التشريعية كونها تمثل محطة محورية في سبيل المضى قدمًا نحو تنفيذ المشروع السياسي لآبي أحمد الذي يتمحور حول الانتقال من النظام الفيدرالي إلى الدولة المركزية، وما يمكن أن يصاحبه من إجراءات مثل تغيير الدستور والتحول للنظام الرئاسي بدلًا من البرلماني لتركيز المزيد من السلطات في يد السلطة المركزية (آبي أحمد) على حساب تقليص سلطات الأقاليم الإثيوبية. وهو ما قد يدفع نحو مزيد من تدهور العلاقات بين الحكومة الفيدرالية والأقاليم والقوميات الإثيوبية في أنحاء البلاد.
3- انعدام المنافسة: سيطر الحزب الحاكم وحده على أغلب الدوائر الانتخابية التي غابت عنها أحزاب المعارضة نظرًا لضعف قدراتها المالية واللوجستية التي أسهمت في محدودية انتشارها الجغرافي، على عكس الحزب الحاكم الذي سخّرت له الحكومة المركزية كافة الإمكانيات المالية واللوجستية والإعلامية من أجل الفوز في تلك الانتخابات.
4- القفز فوق الأزمات الداخلية: قد يدفع هذا الانتصار آبي أحمد لمراجعة سياساته لتقليص حجم الانتقادات التي يواجهها والتي أسهمت في زيادة حدة التوترات السياسية والأمنية في الداخل الإثيوبي، وذلك من خلال إطلاق مشروع تصالحي أو حوار وطني شامل لتسوية كافة الأزمات التي تواجه الدولة الإثيوبية لا سيما إقليم تيجراي. فضلًا عن فتح صفحة جديدة مع المعارضة السياسية بهدف المشاركة في الحياة السياسية، وهو ما وعد به آبي أحمد بشأن الاستعانة ببعض رموز المعارضة السياسية ضمن الحكومة الجديدة.
5- تشرذم المعارضة السياسية وتفرقها: فشلت قوى المعارضة السياسية في التحالف ضد الحزب الحاكم في إثيوبيا؛ مما عزز من فرص فوزه في الانتخابات. كما أن غياب التحالفات القوية من جانب المعارضة السياسية في المشهد الانتخابي الإثيوبي قد شكل تحديًّا أسهم في تقليص فرص فوز المعارضة بأغلبية البرلمان الإثيوبي.
مستقبل حكومة آبي أحمد
ينتظر الحكومة الجديدة في إثيوبيا إرث مثقل بالعديد من التحديات والأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية. فمن غير المتوقع أن تفرز نتائج الانتخابات الأخيرة بيئة سياسية وأمنية مستقرة في البلاد في ظل التوقعات برفض المعارضة السياسية لها واحتمال تصعيد الأمر ضد النظام الحاكم في الشارع الإثيوبي، مما قد يفرض أزمة سياسية جديدة في البلاد واحتدام الخلاف حول شرعية آبي أحمد السياسية.
كما تبرز أزمة إقليم تيجراي التي يبدو أنها تسير في مساريْن كلاهما يشكل عبئًا على كاهل آبي أحمد، إذ أن السعي نحو تسويتها وفقًا للمقاربة الأمريكية التي تتمحور حول ضرورة إدماج جبهة تحرير تيجراي في الحياة السياسية ورفضها أية مساعٍ لتفكك أو تقسيم إثيوبيا في المرحلة المقبلة؛ قد تتسبب في خسارة حلفاء آبي داخليًا وخارجيًا، بما يعني سلسلة من التغيرات على مستوى تحالفات رئيس الوزراء الإثيوبي وتوازنات القوة في الداخل الإثيوبي خاصة في ظل إصرار قومية أمهرة التي تعد حليفًا قويًا لآبي على التخلص من الجبهة، وبالتالي قد ينهار التحالف بين آبي وأمهرة خلال الفترة المقبلة، والأمر نفسه بالنسبة لإريتريا. وفي المقابل، قد يؤدي قرار آبي أحمد بتجدد القتال مع جبهة تحرير تيجراي إلى تزايد التوترات السياسية والأمنية في البلاد، وتصاعد الانتقادات والضغوط الأمريكية والدولية على آبي أحمد، الذي يسعى إلى تحسين صورته على الصعيد الدولي عقب فوز حزبه بتلك الانتخابات برغم الانتقادات التي طالت نزاهتها، وهو ما قد يؤثر على تقليص المساعدات الاقتصادية الدولية لإثيوبيا مستقبلًا.
وإجمالًا؛ لا يبدو أن ثمة تغييرًا جذريًا محتملًا سوف يطرأ على سياسات حكومة آبي أحمد الجديدة المتوقع تشكيلها قبل نهاية العام الجاري على المستويين الداخلي والخارجي، مما قد يضفي المزيد من التعقيد والارتباك على المشهد السياسي الإثيوبي، الذي يهدد بدوره مستقبل الحكومة الجديدة بشكل خاص، ويعزز من قوس الأزمات الذي قد يطيح باستقرار ووحدة الدولة الإثيوبية.
[1]. Iri-NDI virtual pre-election assessment delegation for 2021 Ethiopian elections, International election assessment, Washington, 2021, PP.1-22.
[2]. [9] Loza Seleshie, Ethiopia: As election nears, parties seek unity of varying identities, The Africa Report, 7 April 2021, available at:https://bit.ly/3yyXuqb
[3]. Ethiopia: Election Preparedness - Operation Update n° 1 Emergency Appeal n° MDRET025, Situation Report, Relief Web, 13 July 2021, available at: https://bit.ly/3yXZIhQ
[4]. Ethiopia's Ruling Party Wins National Election in Landslide, npr, 10 July 2021, available at: https://n.pr/3kelgCO
[5]. هذه الأحزاب هي: الحزب الديمقراطي الاجتماعي الإثيوبي، وبالديراس من أجل الديمقراطية الحقيقية، والحركة الوطنية لأمهرة، والمواطنون الإثيوبيون من أجل العدالة الاجتماعية، وحزب شعب عفار.
[6]. Siyanne Mekonnen, five Opposition Parties who Participated in this week’s general election complain about electoral process, Addis Ababa, 26 June 2021, available at: https://bit.ly/3yW0xbi