أحمد كامل البحيري

باحث متخصص في شئون الإرهاب - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

مع تسارع وتيرة الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بالتزامن مع انسحاب قوات حلف الأطلنطي "الناتو"، تواصل حركة "طالبان" سيطرتها على العديد من المناطق والمدن، حيث أعلنت في 8 يوليو الجاري (2021) سيطرتها على 85% من مساحة الأراضي الأفغانية، وهو ما يجعل احتمال سيطرتها على العاصمة كابول قائماً خلال الفترة المقبلة، على نحو دفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى وضع بعض السيناريوهات حول تأمين العاصمة عبر التواصل مع تركيا للقيام ببعض المهام الأمنية والعسكرية في أفغانستان فيما بعد 31 أغسطس 2021، موعد انتهاء الانسحاب الأمريكي من أفغانستان.

وقد نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، في أول يوليو الجاري، تقريراً حول اقتراب الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا من التوصل إلى اتفاق بشأن قيام الأخيرة ببعض المهام الأمنية والعسكرية بتأمين مطار كابول بعد انسحاب الناتو، ومن المتوقع التوصل للصياغة النهائية للاتفاق في منتصف الشهر الجاري، حيث ينص الاتفاق المحتمل بين الطرفين على قيام أنقرة بالإبقاء على قواتها العسكرية- التي كانت جزءاً من لواء المشاة الـ66 عالية الجاهزية التابعة لحلف الناتو- بهدف تأمين مطار كابول بعد الانسحاب الأمريكي والدولي من أفغانستان، في مقابل تحمل الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو الكلفة المالية للقوات العسكرية التركية في أفغانستان بجانب تقديم الدعم العسكري والاستخباراتي للقوات التركية، ويحق لتركيا المطالبة بمساعدة عسكرية أمريكية وأوروبية إضافية أو من أى شركاء أجانب تريدهم إذا لزم الأمر، وسيُسمح لها أيضاً بنشر مستشارين أمنيين محليين للحكومة الأفغانية.

هذا الاتفاق المحتمل تزامن مع نشر تقارير، في الأسبوع الأول من يوليو الجاري، عن قيام تركيا بالتحضير لنقل عناصر تابعة لمليشيات مسلحة وجماعات إرهابية في إدلب السورية إلى أفغانستان. هذا التحرك، إن ثبتت صحته، يثير العديد من التساؤلات حول الارتباط ما بين الاتفاق المحتمل بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا وقيام الأخيرة بنقل العديد من العناصر المسلحة من إدلب إلى أفغانستان، على نحو سوف يفرض تداعيات مباشرة سواء على توازنات القوى داخل سوريا، وعلى مستقبل الوضع في إدلب التي يطلق عليها "خزان الإرهابيين"، أو على مستقبل الأوضاع في أفغانستان نفسها التي تعاني من تصاعد نشاط التنظيمات الإرهابية مثل "طالبان" و"القاعدة" و"داعش".

دوافع عديدة

يمكن تفسير هذا التوجه التركي- الأمريكي في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1-  حماية بعض المؤسسات المركزية بالعاصمة كابول: على الرغم من الضغط الأمريكي على تركيا لمواصلة الوجود العسكري بهدف حماية مطار كابول، إلا أن الأخيرة ترفض ممارسة أدوار أمنية وعسكرية خارج نطاق المطار لما يمكن أن يشكله ذلك من تهديد للقوات العسكرية التركية من قبل "طالبان"، وهو ما يجعل من نقل عناصر مسلحة من إدلب السورية إلى أفغانستان محاولة من جانبها لتحقيق هدفين: الأول، الدفع بهذه العناصر المسلحة لتأمين المطار من الخارج. والثاني، مساعدة الولايات المتحدة الأمريكية على تأسيس قوات شبه عسكرية يمكن أن تساهم في حماية المؤسسات في العاصمة كابول وتعزيز قدرة قوات الأمن الأفغانية الحكومية- نظرياً- على مواجهة تقدم حركة "طالبان" تجاه العاصمة كابول.

2- حل جزئي لمعضلة إدلب في سوريا: تشكل إدلب إحدى أهم الأزمات التي تواجه أى عملية تسوية مستقبلية للصراع في سوريا، حيث تعتبر "الخزان الجهادي" لأغلب التنظيمات والجماعات المتطرفة والمسلحة في الإقليم، لما تتضمنه من تعدد المليشيات المسلحة والجماعات المتطرفة، بالإضافة إلى وجود أعداد كبيرة من المقاتلين الأجانب على غرار الإيجور "الحزب التركستاني الإسلامي" والأوزباك، والعديد من الجنسيات العربية والآسيوية والأوروبية، وهو ما يجعل منها إشكالية كبرى بالنسبة لتركيا نتيجة الارتباط الوظيفي بين أنقرة والعديد من الفصائل والجماعات المسلحة الفاعلة فيها، ومن ثم فإن العمل على نقل عناصر مسلحة من إدلب إلى أفغانستان يساعد على حل جزئي لأزمة إدلب بإيجاد بديل للتمركز لهذه الجماعات المسلحة في حالة التوصل لحل سياسي للأزمة السورية أو على أقل تقدير إمكانية نقل الأجانب الموجودين في إدلب سوريا إلى أفغانستان، وهو ما يعني إنشاء إدلب أفغانستان، على نحو يمكن أن يساعد في حل أهم الأزمات التي تواجه العديد من دول العالم التي ترفض استقبال عناصر متطرفة ومسلحة نشطة في سوريا بالإضافة لعدم تحمل أنقرة مسئولية استضافة بعض من هذه الجماعات فيما بعد حل الأزمة السورية.

3- مواجهة التدخلات الإيرانية والصينية: مع انتهاء انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية والناتو من أفغانستان، سوف يتنامى الدور الصيني والإيراني، وهو ما ظهر عبر استضافة طهران اجتماعاً بين حركة "طالبان" وحكومة كابول، في 7 يوليو الجاري، في محاولة من جانبها لممارسة دور أكبر في الداخل الأفغاني، تتوازى مع سعى الصين للاستحواذ على عمليات استخراج النفط الأفغاني، وهو ما يجعل من النفوذ الصيني والإيراني مُهدِدَاً للولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، على نحو يتطلب، وفقاً لاتجاهات عديدة، وضع سيناريوهات لمنع التمدد الصيني والإيراني في الداخل الأفغاني، وهو ما يمكن أن يحدث عبر تعزيز النفوذ التركي بالإضافة للدور الذي يمكن أن يمارسه نقل المسلحين من سوريا إلى الحدود مع إيران والصين، خاصة وأن الكثير من العناصر المسلحة في سوريا تابعين للأقلية المسلمة في الصين "الإيجور"، وأن وجود مسلحين متطرفين من السنة على الحدود مع إيران يمكن أن يشكل تعزيزاً للعناصر المسلحة من "البلوش" في الداخل الإيراني.

4- إعادة تعزيز وهيكلة تحالف الشمال: ترى اتجاهات عديدة أن نقل عناصر مسلحة من إدلب سوريا إلى أفغانستان يمكن أن يساعد تحالف الشمال عبر تعزيز القوات التابعة للفصائل المسلحة الأفغانية في الشمال بدعم بشري من خلال نقل مجموعات تابعة لمليشيات وجماعات سورية تمتلك تكتيكات حروب العصابات، وهو ما يمكن أن يواجه تنامي نفوذ حركة "طالبان" مستقبلاً، ويساعد في تحويل الاستراتيجية الأمريكية من المواجهة المباشرة في أفغانستان إلى المواجهة غير المباشرة أو ما يطلق عليه المواجهة عبر الحروب بالوكالة.

5- مواجهة تنامي نفوذ "داعش" في محور وزيرستان خراسان: مع تصاعد نشاط تنظيم "داعش" في أفغانستان منذ بدء الانسحاب الأمريكي في أول مايو الماضي، وصلت معدلات العمليات الإرهابية للتنظيم لما يقرب من 83 عملية إرهابية حتى 9 يوليو الجاري، أسفرت عن سقوط حوالي 377 ما بين جريج وقتيل من قوات الأمن الأفغانية وحركة "طالبان"، وهو ما يجعل من نشاط "داعش" في أفغانستان مصدر تهديد رئيسياً للمصالح الأمريكية، ومن ثم فإن دفع عناصر مسلحة من إدلب إلى أفغانستان عبر رعاية تركية قد يساعد في الحد من نفوذ تنظيم "داعش" مع محاولة قطع "الحزام الداعشي" الممتد من الهند وباكستان ووزيرستان ويمر عبر أفغانستان ويصل إلى دول أسيا الوسطى.

في المجمل، يمكن القول إن الانسحاب الأمريكي المتسارع من أفغانستان دفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى الانخراط في عملية جديدة لصياغة ترتيبات أمنية وعسكرية مع تركيا، لوضع بعض السيناريوهات المستقبلية للدور التركي في أفغانستان فيما بعد انتهاء الانسحاب الأمريكي في 31 أغسطس 2021، على نحو سوف يفرض تداعيات مباشرة ليس على أفغانستان فحسب وإنما على سوريا أيضاً وهو ما قد تبدأ مؤشراته في الظهور مبكراً خلال المرحلة القادمة.