قضايا وتحليلات - قضايا وتفاعلات عربية وإقليمية 2021-6-21
شروق صابر

باحثة مشاركة - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

كما كان متوقعاً، أعلن وزير الداخلية الإيراني عبد الرضا رحماني فضلي النتائج النهائية للانتخابات الرئاسية التي أجريت في 18 يونيو الجاري، بفوز رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي بعد حصوله على أكثر من 17 مليون و900 ألف صوت بنسبة 61.9% من إجمالي عدد الناخبين الذي صوتوا في الانتخابات (28 مليون و933 ألف صوت من إجمالي 59 مليون صوتاً بنسبة 48.8%).

ومن دون شك، فإن ثمة اعتبارات عديدة أضفت نوعاً من الزخم والأهمية على هذه الانتخابات تحديداً: أولها، أنها تأتي في وقت يواجه النظام الإيراني تحديات داخلية وخارجية لا تبدو هينة، تتمثل في العقوبات الأمريكية، والأزمة الاقتصادية، التي يحاول تقليص حدتها من خلال المفاوضات المستمرة مع القوى العالمية في فيينا للوصول إلى صفقة جديدة يمكن أن تنقذ الاتفاق النووي الحالي.

وثانيها، أن تتوازى مع استمرار التصعيد مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، حيث تمكنت الأخيرة من تنفيذ عمليات أمنية عديدة داخل إيران، على غرار تفجير مفاعل ناتانز في 12 أبريل 2021، وقبله اغتيال العالم النووي محسن فخري زاده في 27 نوفمبر 2020، فضلاً عن قيام الأولى بتصفية قائد فيلق القدس التاسع للحرس الثوري قاسم سليماني برفقة أمين عام هيئة الحشد الشعبي العراقية أبو مهدي المهندس، في 3 يناير 2020. ومن هنا، يمكن تفسير أسباب ظهور صور سليماني بشكل مكثف في الحملات التي شنها النظام لحث المواطنين على المشاركة في الانتخابات، باعتبار أن "كل صوت هو صاروخ موجه لقلب قاتلي سليماني".

وثالثها، أن فوز رئيسي يأتي في وقت تصاعد فيه الجدل مرة أخرى حول من سيخلف المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي في منصبه، وهو الجدل الذي اكتسب أهمية خاصة، لاسيما بعد أن قام مجلس صيانة الدستور باستبعاد عدد كبير من المرشحين في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، بشكل دفع اتجاهات عديدة إلى ترجيح أن يكون النظام قد سعى إلى تعزيز فرص رئيسي للوصول إلى منصب الرئيس تمهيداً لتصعيده إلى منصب المرشد في مرحلة لاحقة.

سيطرة الأصوليين

يشير فوز رئيسي بمنصب الرئيس إلى أن تيار المحافظين الأصوليين أصبح يسيطر على مؤسسات صنع القرار داخل إيران، وذلك بعد أن تمكن من اكتساح الانتخابات البرلمانية التي أجريت في فبراير 2020 ومارس فيها مجلس صيانة الدستور دوراً مماثلاً باستبعاد عدد كبير ليس فقط من مرشحي تيار المعتدلين بل من مرشحي تيار المحافظين الذين يوجهون، في بعض الأحيان، انتقادات لسياسات النظام. وانعكست تلك السيطرة في تولي محمد باقر قاليباف، قائد سلاح الجو في الحرس الثوري الأسبق، رئاسة البرلمان. وقد كانت سيطرة هذا التيار على السلطة التنفيذية هى الخطوة المتبقية لتحقيق سيطرته الكاملة على مراكز صنع القرار داخل الدولة.

وربما يمكن القول إن مساعي تصعيد رئيسي لمنصب الرئيس بدأت منذ فترة ليست قصيرة، وتحديداً بعد خسارته في الانتخابات الرئاسية الماضية التي أجريت في عام 2017، أمام الرئيس الحالي حسن روحاني، حيث أصدر بعدها المرشد علي خامنئي قراراً بتعيينه رئيساً للسلطة القضائية عام 2019، خلفاً لصادق لاريجاني الذي تم تعيينه في منصب رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام. وكان رئيسي قبل ذلك مشرفاً- بقرار من خامنئي أيضاً- على العتبة الرضوية المقدسة، وهى إحدى المؤسسات الدينية التي تمتلك أصولاً وموارد مالية ضخمة، وهو ما يوحي بأنه كان يحظى بثقة من جانب المرشد خامنئي منذ فترة ليست قصيرة.

ومن هنا، يمكن القول إن فوز رئيسي بالانتخابات الرئاسية عزز فرصته في خلافة خامنئي، نظراً للثقة التي يحظى بها من جانب الأخير، فضلاً عن أن تولي خامنئي نفسه منصب الرئيس- قبل خلافة الخميني- كان أحد المتغيرات التي دعمت من وصوله إلى المنصب الأهم في النظام الإيراني، رغم وجود اعتراضات عديدة من جانب بعض كبار رجال الدين في مجلس خبراء القيادة.

ورغم أن صحيفة "جهان صنعت" (عالم الصناعة) أشارت إلى أن وجود إبراهيم رئيسي في منصب الرئاسة يمثل خطوة تمهيدية لتصعيده لمنصب الإرشاد، فإن ذلك لا ينفي أنه قد يواجه إشكاليات عديدة في المستقبل، لاسيما أن بعض الشخصيات الأخرى قد يكون لديها الطموح نفسه، مثل مجتبي خامنئي ابن المرشد الأعلى الحالي.

خفوت تيار الإصلاحيين

كشفت الانتخابات الرئاسية ما يعانيه تيار الإصلاحيين من ضعف وانقسام شديد. وبدا هذا الانقسام جلياً في موقف القوى التي تنتمي إلى التيار من المشاركة في الانتخابات عبر دعم أحد المرشحين، ولاسيما عبد الناصر همتي محافظ البنك المركزي السابق. ففي الوقت الذي دعت بعض القوى إلى مقاطعة الانتخابات لحرمانها من الشرعية وتزعم هذا الاتجاه مير حسين موسوي قائد ما يسمى بـ"الحركة الخضراء"، فإن هناك من نادى بضرورة المشاركة فيها على غرار الرئيس الأسبق محمد خاتمي، فضلاً عن وجود فريق ثالث لم يبد اهتماماً بتبني أى من الخيارين السابقين، حيث اعتبر أن نتيجة الانتخابات معروفة سلفاً وأنه ليس مجدياً ما إذا كان الإصلاحيون سيشاركون فيها أم لا.

 ورغم أن السبب الأهم في ذلك يعود إلى القرارات التي اتخذها مجلس صيانة الدستور باستبعاد العدد الأكبر من المرشحين التابعين للتيار، على غرار محسن هاشمي رفسنجاني- رئيس مجلس بلدية طهران وابن رئيس الجمهورية الأسبق هاشمي رفسنجاني- بل وحتى علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى السابق المحسوب على تيار المحافظين، فإن ثمة أسباباً أخرى قد تفسر هذا الانقسام، منها تراجع طموحات وأجندة هذا التيار خلال الأعوام الثمانية الماضية، بسبب عدم قدرة الرئيس روحاني على ترجمة وعوده الانتخابية إلى خطوات تنفيذية على الأرض، ومنها، على سبيل المثال، إنهاء الإقامة الجبرية التي فرضت على مير حسين موسوي ومهدي كروبي زعيمى "الحركة الخضراء" منذ فبراير 2011، وحتى الآن، وهو ما يعود في المقام الأول إلى العقبات التي وضعتها المؤسسات الأخرى، لاسيما الحرس الثوري، بدعم من جانب تيار المحافظين الأصوليين أمام روحاني.

فضلاً عن أن ثمة اتجاهاً داخل التيار كان يُعوِّل على إمكانية ترشح وزير الخارجية الحالي محمد جواد ظريف، باعتبار أن ذلك كان يمكن أن يساعد في توحيد صفوف التيار خلفه، إلا أن الأخير عزف عن الترشح ربما تجنباً لرفضه من جانب مجلس صيانة الدستور، وهو ما تسبب أيضاً في خفوت دور الإصلاحيين في الانتخابات، وربما تعزيز احتمالات تهميشهم وإقصائهم من المشهد السياسي الإيراني خلال المرحلة القادمة.

من هنا، يمكن تفسير الانتقادات القوية التي وجهها فضل الله ياري رئيس تحرير صحيفة "همدلي"، للإصلاحيين، بسبب عدم وقوفهم خلف همتي، على نحو أدى إلى احتلاله المركز الثالث بعد كل من إبراهيم رئيسي ومحسن رضائي. بل إن نسبة الأصوات الباطلة (نحو 3 مليون و726 ألف صوت) في الانتخابات فاقت ما حصل عليه من أصوات (مليونان و427 ألف صوت).

تصاعد الاستياء الشعبي

عكست نسبة المشاركة في الانتخابات، التي وصلت إلى نحو 48.8% مستوى الاستياء الشعبي تجاه السياسات التي يتبناها النظام. ورغم أن ذلك قد يعود، في قسم منه، إلى قرارات مجلس صيانة الدستور، التي استبعد فيها عدداً كبيراً من المرشحين لدرجة دفعت اتجاهات عديدة إلى الحديث عن ما يسمى بـ"هندسة الانتخابات"، فإن ثمة اعتبارات أخرى ساهمت في ذلك، يتمثل أبرزها في تأثير انتشار فيروس "كورونا"، فضلاً عن تصاعد حدة الأزمة الاقتصادية، التي لم تنجح الإجراءات الحكومية في احتواء تداعياتها، حيث يتوقع أن يصل معدل التضخم إلى 39% هذا العام، ارتفاعاً من نحو 36.5%، كما سيصل معدل البطالة إلى 11.2%.

من هنا، لا يبدو أن الاستقرار على المستوى السياسي سوف يصبح علامة مميزة للمشهد الإيراني خلال المرحلة القادمة رغم إجراء الانتخابات في أجواء شبه مستقرة، حيث أن ما كشفت عنه الانتخابات من اتساع نطاق العزوف الشعبي عن المشاركة فيها، فضلاً عن انزواء بعض قوى التيار الإصلاحي وربما اقترابها من الخطاب الذي تتبناه قوى المعارضة، مع عدم استبعاد تصاعد حدة الخلافات والصراعات بين قوى التيار الأصولي، كل ذلك يوحي بأن إيران تبدو مقبلة على مرحلة جديدة في تاريخها السياسي، ربما يتخللها الصراع على الإجابة عن السؤال الأهم ومفاده: من سيخلف خامنئي في منصبه؟