على مدى السنوات العشر الماضية شهدت اقتصادات الدول المتقدمة والنامية على حد سواء تطورات عدة كان أبرزها؛ تراجع دور قطاع التصنيع -الذى تميز بكونه قطاعا كثيف العمالة- فى قيادة عملية النمو الاقتصادى؛ نتيجة لازدهار دور قطاعات اقتصادية أخرى استفاد منها قطاع التصنيع الذى بات معتمدا على آليات المزج بين التقنيات الحديثة والعمالة قليلة الكثافة. وبتراجع دور قطاع التصنيع في عملية النمو الاقتصادي، أُتيحت فرص لتطوير قطاعات اقتصادية قائمة كقطاعات؛ المال والنقل والتجارة، بل إن التقنيات الحديثة ساهمت بشكل خاص في تطوير أنشطة قطاع الخدمات، لتصبح محرك محتمل للنمو الاقتصادي.
في هذا الإطار وتحت عنوان"قطاع وتجارة الخدمات.. نحو دور أكثر فعالية في التنمية الاقتصادية"، أشارت الأستاذة صافيناز محمد أحمد ، رئيس تحرير دورية بدائل، في افتتاحية العدد، إلى أنه على الرغم من كون قطاع الخدمات قطاع حديث النشأة، إلا أنه يُعد رافداً اقتصادياً ذا أهمية لنمو الناتج المحلي للدول، والمساهمة في تحقيق معدلات عالية من النمو الاقتصادي لمختلف اقتصادات العالم، لإسهامه في زيادة فرص التشغيل، وانخفاض معدل البطالة ورفع معدلات الاستثمار، ودعم عمل القطاعات الاقتصادية المحورية. ولارتباط قطاع الخدمات بطبيعة الوضع السياسي والأمني للبلدان، تأثر القطاع بالعديد من الأزمات الاقتصادية العالمية خلال السنوات الماضية، لكنه تمكن من تجاوزها والتعافي من تداعياتها. وفي ضوء ما تشهده اقتصادات العالم المتباينة من تداعيات عقب انتشار كوفيد-19، تباينت درجة التأثيرات السلبية للأزمة على قطاع الخدمات؛ فكان أكثرها تأثراً خدمات السياحة والنقل، عن نطيرتها في مختلف جوانب القطاع.
وادراكاً لأهمية ودور قطاع الخدمات في دعم نمو اقتصادات الدول، تُعد اتفاقية تحرير تجارة الخدمات بين الدول العربية، إضافة مهمة لدعم قطاع الخدمات على مستوى العلاقات الاقتصادية بين الدول العربية، مما يتطلب العمل على تطوير منظومة التشريعات واللوائح المرتبطة بعمل التجارة العربية البينية بصورة تعزز من مساهمة القطاع في الناتج المحلي للبلدان العربية. فعلى سبيل المثال، ساهم قطاع الخدمات في تحقيق معدلات نمو عالية في الناتج المحلي المصري بلغت نحو 55% في عام 2017. كما استحوذ القطاع وحده على ما يعادل 11% من حجم الاستثمارات الأجنبية المتدفقة لمصر خلال عامي 2017-2018.
وتحت عنوان "دور "قطاع وتجارة" الخدمات في التنمية..الخبرات والدروس المستفادة "، ناقشت دراسة العدد للأستاذ حسين سليمان، الباحث بوحدة الدراسات الاقتصادية بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، الأهمية الاقتصادية المتصاعدة لقطاع الخدمات خلال العقود الماضية؛ لمساهمته في تحقيق معدلات مرتفعة من النمو الاقتصادي لمختلف أنماط اقتصادات دول العالم بما في ذلك اقتصادات الدول النامية، وهو ما يكسبه أهمية استثنائية لكونه يمنح فرص لتلك الاقتصادات بما في ذلك الاقتصاد المصري للإسهام في التحول الهيكلي لاقتصاداتها من اقتصادات ذات دخل منخفض أو متوسط لأُخرى ذات دخل مرتفع، في ظل التراجع العالمي لدور قطاع التصنيع في تحقيق التنمية الاقتصادية المنشودة. لكن على الرغم من ذلك، تواجه تجارة الخدمات مجموعة من القيود تحجم من دور القطاع في تعزيز الكفاءة والتنمية الاقتصادية خاصة لدى الاقتصادات النامية، وبتخفيفها تتحسن جودة الخدمات وتتراجع تكلفتها بما ينعكس على إنتاجية القطاع وصادراته.
انطلاقاً مما سبق، يستعرض كاتب الدراسة الأهمية العالمية المتصاعدة لقطاع وتجارة الخدمات ودورهما في تحقيق التنمية الاقتصادية، مع تقديم تقييم لواقع قطاع وتجارة الخدمات في مصر وما يواجهه من تحديات. كما يناقش تأثيرات جائحة كوفيد-19 على تجارة الخدمات العالمية وعلى قطاع الخدمات في مصر، إلى جانب إلقاء الضوء على عدد من التجارب الدولية في مجال تطوير قطاعات خدمية مرتفعة الإنتاجية، لاستخلاص عدد من الدروس المستفادة لاقتصادات الدول النامية من خلالها يمكن توظيف هذه القطاعات كمحرك لنمو اقتصادها، كما تقدم الدراسة حزمة من التوصيات لتعظيم دور قطاع وتجارة الخدمات عالمياً من جانب، وفي مصر من جانب آخر، من بينها؛ تحرير قطاع الخدمات من الاحتكار الحكومي واللجوء لسياسات عامة لتحفيز القطاع الخاص على المساهمة فيه.