تصاعد الحديث فى الأدبيات بشأن المركبات الجوية المسلحة دون طيار Unmanned Aerial Vehicles (UAV)، المعروفة باسم "الطائرات المسيرة" أو "الدرونز"، لاسيما فى ظل توظيفها فى بؤر الصراعات المسلحة فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بالنظر إلى تأثيرها العسكرى المتنامي فى حسم المواجهات العسكرية وترجيح كفة أحد أطراف الصراع، ما جعلها ذات تأثير حيوى متعاظم على الديناميات السياسية والأمنية فى سياق هشاشة الدولة بمناطق الصراع وتعميق التنافس بين القوى الإقليمية فى جميع أنحاء الإقليم.

وتختلف استخدامات الطائرات المسيرة على الصعيد العسكرى بحسب ما تحمله من معدات وتجهيزات تقنية، ما بين أغراض استطلاعية كالرصد والتعقب والتجسس، وما بين أغراض عملياتية كالقصف وإطلاق الصواريخ وإلقاء المتفجرات وغيرها من المهام الحربية الأخرى. واللافت للنظر أن الميليشيات المسلحة بدأت فى امتلاك واستخدام هذه النوعية من الطائرات، حيث تقوم جماعة الحوثيين باستخدام الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة المفخخة التى تطلق من اليمن باتجاه مطارات السعودية ومنشآتها العسكرية والنفطية الكبرى.

كما تعد سوريا ساحة أخرى رئيسية من ساحات أنشطة الطائرات المسيرة، حيث تبرز كل من تركيا وإسرائيل فى توظيفهما لتقنية الطائرات المسيرة لتحقيق أهداف كل منهما التى تبدو متباينة إلى حد كبير، وفى ساحة أخرى تعد تركيا أكبر داعم خارجى لقوات حكومة الوفاق الوطنى الليبية فى مواجهتها مع "الجيش الوطنى الليبي" بقيادة خليفة حفتر، حيث حققت حكومة "الوفاق" فى معارك عام 2020 سلسلة انتصارات بدعم تركى، كانت الطائرات المسيرة فى مقدمته، وخاصة من نوع "بيرقدار تى بي2" محلية الصنع.

وباستثناء إسرائيل؛ تبدو طائرات «بيرقدار TB2»والطائرات الصينية مثل ونج لونج Wing Loong و«تساى هونج»  Cai Hong 4B هى الأكثر شعبية فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومن المنظور التجارى، فإن الصين تعد المحرك الأول لسوق الطائرات المسيرة الإقليمية فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بالنظر إلى كونها غير متقيدة بأى اعتبارات قانونية تتعلق بنظام مراقبة تكنولوجيا القذائف (MTCR) أو غيرها من الأطر القانونية المقيدة لتدفقات الأسلحة فى التجارة الدولية.

ويمكن القول إن النهج التقييدى الذى اعتمدته الولايات المتحدة حتى الآن فى بيع طائراتها المسيرة قلل الحصة الاقتصادية والتجارية الأمريكية فى سوق الطائرات المسيرة الضخمة فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مع الأخذ فى الاعتبار مدى الحاجة الأمريكية إلى هذه النوعية من الطائرات فى سياق اصطياد مجموعة من الأهداف، مثل اغتيال قائد فيلق القدس التابع للحرس الثورى الإيرانى الجنرال قاسم سليمانى، بعدة صواريخ موجهة تم إطلاقها من طائرة مسيرة فى العراق فى 3 يناير 2020.

إقليميا؛ كانت إسرائيل حتى عام 2013 هى أكبر مصدر للطائرات من دون طيار فى العالم، وتعد طائرات "هيرون تى بى Heron TP"، و"هرمس 450 - Hermes 450"، و"هرمس 900 - Hermes 900"، أشهر نماذج الطائرات الدرونز التى تصنع معظمها بمعرفة شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية. وقد اعتمدت تركيا، فى بداية الأمر على إسرائيل فى استيراد ونقل تكنولوجيا الطائرات المسيرة، وحاليا تنتج تركيا العديد من نماذج الطائرات المسيرة محليا، أبرزها؛ "أنكا-أس Anka-S"، و"بيرقدار تى بى 2 Bayraktar TB2"، و"كارايل Karayel".
أما إيران فقد تمكنت بالاعتماد على تكنولوجيا صينية من إنتاج عدة نماذج من الطائرات المسيرة تستخدمها فى عملياتها الاستخبارية بمنطقة الخليج العربى، وتمد بها أذرعها العسكرية فى منطقة الشرق الأوسط؛ وخاصة حزب الله اللبنانى وجماعة أنصار الله الحوثى فى اليمن، أهمها طائرة "شاهد 129"، و"فُطرس"، و"أبابيل"، و"مهاجر"، و"رعد - 85". وخليجيا؛ تعمل كل من السعودية والإمارات على حيازة وتطوير وتوطين قدرات الطائرات المسيرة، بالاستيراد من الصين.

وإذا كان ثمة إمكان للتصدى للمقاتلات والطائرات العسكرية التقليدية كبيرة الحجم، فإنه من الصعوبة بمكان القيام بإجراءات مماثلة فيما يتعلق بالطائرات المسيرة، حيث يصعب مواجهتها بواسطة التقنيات التقليدية المضادة للطائرات، ما يجعل التصدى لهذا النوع من الطائرات؛ صغيرة الحجم عظيمة الأثر والفاعلية، ينطوى على العديد من التحديات، حيث تصعب رؤية الطائرات المسيرة بالعين المجرّدة وإن كان ذلك من ارتفاع قريب، كما أن هذا النوع غير قابل للكشف والرصد من خلال أجهزة ورادارات الدفاعات الجوية المصممة فى الأصل لرصد ومراقبة أنشطة الطائرات السريعة كبيرة الحجم.
وعلى الرغم مما يبدو خريطة معقدة لأجهزة وتكنولوجيا التصدى للطائرات المسيرة، فإن ثمة فجوة كبيرة بين تلك الأنظمة والتصدى الفعال لهذا النوع من الطائرات، إذ لا توفر أى من هذه الشبكة التكنولوجية المضادة لها حماية كاملة من مخاطرها أو تهديداتها لاعتبارات تكنولوجية وأخرى مادية وثالثة لوجستية تشغيلية.

ومع استمرار انتشار الطائرات التجارية المسيرة، سينمو الطلب على الأنظمة الجوية المضادة لهذا النوع من الطائرات خلال السنوات القليلة المقبلة، وسوف يستمر الاستثمار فى هذا الحقل سعيا لمعالجة العديد من التحديات والإخفاقات المرتبطة بهذا النوع من الأسلحة الحديثة مزدوجة الاستخدام؛ حربا وسلما. ومع ذلك، فللاعتبارات نفسها، ستؤدى التطورات المقبلة فى الاتصالات وأنظمة التوجيه الدقيق والتوجه المتزايد نحو «الأتمتة» وتطوير أجهزة الاستشعار إلى تعاظم خطر الطائرات المسيرة.

على الجانب الآخر؛ تعد الاستخدامات التنموية للطائرات المسيرة هى الجانب غير البارز عند الحديث عن هذا النوع من الطائرات، بالنظر إلى ارتباطها المتزايد فى التناول الإعلامى حول العالم بالأبعاد العسكرية والصراعات المسلحة وعمليات القتل والاغتيال والقصف الميدانى، لكن أزمة فيروس كورونا المستجد الذى ضرب العالم منذ نهاية عام 2019 انطلاقا من الصين، كشف عن العديد من الاستخدامات المتزايدة من قبل دول العالم للتكنولوجيا المتقدمة وقائيا فى إستراتيجيات مكافحة تفشى الفيروس.

كما يمكن تجهيز الطائرات المسيرة المستخدمة فى مجال الزراعة بمعدات المسح التصويرى، بكاميرا تلتقط صورا مفصلة جدًا، وصورا جوية من زوايا مختلفة، بدقة كبيرة فى التفاصيل، حيث تسهل البيانات المجمعة من تلك الرحلات الجوية المسيرة بالنسبة للحكومات مراقبة المجالات، والخطوط الساحلية والمناطق الحرجية (يقصد بها المناطق الجغرافية كثيفة الأشجار والأحراش بما يعيق العمليات القتالية)، والتخطيط للتدخلات ومشاريع البنية التحتية التى تعود بالنفع على المزارعين المحليين. وتقوم الكثير من المنظمات الإغاثية والإنسانية حول العالم باستخدام وتوظيف الكثير من التقنيات والابتكارات التكنولوجية فى إطار إستراتيجيتها الرامية إلى تخطيط استجابات عمليات الإغاثة والدعم الإنسانى والإنقاذ والمتابعة الميدانية.