أحد أبرز مشكلات الخطابات حول الهوية فى مصر والعالم العربى، إنها خطابات موشومة بهالة قداسية، ووطنية، وهو ما يؤثر على مقاربة جينولوجيا الهوية، وتحولاتها، ناهيك عن أنها تبدو خطابات متعالية وفوق تاريخية، لأنها تعكس المنظورات الإيديولوجية الانقسامية والصراعية بين التيارات السياسية والدينية وشبه العلمانية.
الهوية من المنظور الدينى تؤسس خطابها على بعض اللحظات التاريخية المؤسسة للديانة الإسلامية والمسيحية، حيث يتأسس كل خطاب على الدين ولاهوته وفقهه وسردياته الوضعية، وذلك بوصفه حاملًا لهوية الجماعة المؤمنة، ويمتد للمجتمع والدولة، وخاصة الخطاب الإسلامى للهوية. تبدو الهوية فى هذا النمط من خطابات الهوية، متمحورة حول العقائد، والشرائع، والسِيَر، والمرويات، ومصادر علم أصول الفقة، والتاريخ المؤسس للإسلام. أو المسيحية الأرثوذكسية وعقائدها وقيمها. الخطاب الإسلامي والمسيحي المصري حول الهوية ماضوى يربط بين الهوية والدين، ولحظات التألق الإمبراطورى للإسلام، وبعضهم يركز على المرحلة النبوية الشريفة، والخلفاء الراشدين أو على التاريخ الفرعوني ثم المرحلة القبطية. من ثم هو خطاب لا تاريخى يدرك الهوية بوصفها معطى ماضويًا أعطى لمرة واحدة، متناسياً أن الخطاب حول الهوية حداثى بامتياز، ويرتبط بالدولة القومية وتطوراتها، وبالحداثة وما بعدها وما بعد بعدها.
هذا النمط من الخطابات الإسلامية والقبطية الأرثوذكسية حول الهوية، استعار المفهوم ليشكل أحد أدواته فى تأصيل حضوره في التركيبة والسبيكة الحضارية المصرية، وأيضًا للعصرنة الشكلية لخطاب الإسلام السياسي وجماعاته المؤدلجة، الذى يوظفه فى الصراع السياسى، والذى يركز على معيار الأكثرية العددية ليصوغ خطابًا جامعًا للهوية، متجاوزًا الهويات التكوينية الأخرى الدينية والمذهبية والعرقية والقومية، والتاريخية للمكونات الأخرى فى المجتمع.
خطاب الهوية الإسلامية، في غالبه، يرمى إلى نفى الهويات الأخرى، والخصائص الثقافية، والاجتماعية ذات الأغلبية المسلمة، وذلك اعتمادًا على مفهوم الأمة الإسلامية المؤسس على الرابطة الدينية فى مجتمعات متعددة. الخطابات الإيديولوجية شبه العلمانية، والتوتاليتارية تعتمد فى غالبها على التحديد السلطوى لمفهوم الوطنية، وخاصة فى أعقاب ما بعد الكولونيالية ووصول آباء الاستقلال إلى السلطة فى مجتمعات انقسامية على تعدد مكوناتها وهوياتها المتعددة، وذلك من خلال التحديد السلطوى للهوية الوطنية، وسردياتها الوطنية الانتقائية، التى يعاد صياغتها وفق التغيرات التى تعتري السلطة، سواء بالموت الطبيعى، أو بالاغتيال، أو الانقلابات العسكرية. من هنا تبدو تحديدات الهوية السلطوية للوطنية، تعبيرًا عن التلاعب بها من قبل الطبقات السياسية الحاكمة، وظاهرة شخصنة السلطة فى عديد من النظم السياسية العربية الملكية والمشيخية والأميرية والجمهورية.
من هنا تحولت تحديات الهوية إلى لعبة سياسية، ومعها التاريخ "الوطنى". من ثم بدا التركيز على العلاقة بين التراث اللامادى والهوية، ذو طابع انتقائى، وسلطوى. من أبرز الأمثلة، تحديدات الهوية المصرية، والصراع عليها، وفق سرديات الهوية ومكوناتها، من ناصر إلى السادات، ومبارك، ومواقف هذه السرديات من الأسرة العلوية والطبقة السياسية من كبار ملاك الأراضي، وشبه الرأسمالية في المرحلة شبه الليبرالية. وبعد الانتفاضة الجماهيرية الكبرى فى 25 يناير 2011، ووصول الإخوان إلى السلطة ومعهم السلفيين، قام هؤلاء بإعادة النظر فى التاريخ المصرى من 23 يوليو 1952 إلى وثوبهم إلى سدة السلطة، وقاموا بتقنين الهوية وتحديدها فى دستور 2012، وفق منظورهم الدينى الإيديولوجى.
مما سبق يمكن القول إن ثمة تباينات حول تحديات الهوية القومية المصرية ما بين السلطوية والنزعة التوتاليتارية والتمامية الإسلاموية السياسية، وتزايد الصراع على الهوية من صناع الخطابات السلطوية، والإسلاموية السياسية. ركزت هذه الخطابات الانتقائية حول الهوية على التراث اللامادى، ولم يكن التراث المادى جزءًا محوريًا من اهتماماتها الأساسية، لأن الصراع كان على الروح المصرية.
كان التراث اللا مادى جزءًا من الاتفاقيات التى وقعت مصر وصادقت عليها، فى إطار منظمة اليونسكو. من هنا كان الاهتمام بالتراث المادى هامشيًا فى مسألة الهوية، لصالح الاهتمام بالتراث اللامادى، الفكرى والتاريخى والفقهى الدينى، وبعض التراث شبه الحداثى الذى تشكل مع بناء الدولة الحديثة، من سرديات حول القومية المصرية، والأدب والمسرح، والسينما، والنحت والتصوير التشكيلي، والفكر السياسى والاجتماعى.. إلخ.
الاهتمام بالتراث المادى كأحد مكونات الهوية وتعبيراتها التاريخية – العادات والتقاليد والأدب والفنون، والفنون الشعبية من شعر وغناء وموسيقى ومعتقدات شعبية، وسرديات، وأمثال، والرقص، والألعاب والمهارات إلخ وفق التعبير الشائع.
من ناحية أخرى، كان الاهتمام بالــTangible cultural heritage، متمثلًا فى الآثار والمبانى والأماكن التاريخية والدينية، والتحف والأبنية الدينية والجنائزية كالمعابد والمساجد والمقابر، والمبانى الحربية والمدنية، كالحصون والقصور والقلاع والحمامات والسدود والأبراج والأسوار الجديرة بالحماية، والحفاظ عليها. هذا التراث تبدت أهميته، أثناء الحملة الفرنسية، وكتاب وصف مصر، وتمدد هذا الاهتمام مع محمد على وإسماعيل باشا وما بعد فى تطور الحركة القومية المصرية، والبعثات الأثرية الاستكشافية الأجنبية للآثار المصرية القديمة والفرعونية ثم الإغريقية والرومانية والقبطية والإسلامية.
شجع هذا الاهتمام صعود الحركة القومية المصرية الدستورية المعادية للاستعمار البريطانى والنزوع للاستقلال، وبناء الحكم الدستورى فى المرحلة شبه الليبرالية، ثم تطور هذا الاهتمام مع الجدل الفكرى حول الروح والهوية المصرية فرعونية أم عربية أم إسلامية. التنظير حول الشخصية القومية المصرية، تجلى فى فن النحت المصرى حول محمود مختار وآخرين، وفى التصوير التشكيلى والخروج من أسر غرائبية العيون الأوروبية، إلى تصوير الحياة المصرية. فى الفن والهندسة المعمارية وطرزها، تباينت التصميمات والطرز بين الاستلهامات الأوروبية، في هندسة وتصميم الأبنية لاسيما فى قاهرة القرن التاسع عشر وما بعد. من ناحية أخرى التركيز على استلهام الطرز الإسلامية فى بناء المساجد، وفى بناء المقابر لدى بعض النخبة، أو بعض أبناء الفئات الوسطى المتيسرين. فى ظل هذا السياق السياسى شبه الليبرالى، كان التركيز على التراث المادى متمثلًا فى الآثار فى عديد المواقع والمتحف المصرى. وفى مجال الثقافة الشعبية، برز ذلك فى استلهامات عديدة فى الجمل الموسيقية والغناء، أو فى السرديات المصرية-السينمائية، أو التصوير التشكيلى..إلخ. لابد هنا من الإشارة إلى أن جماعة الإخوان والسلفيين كانوا لا يلقون بالًا لموضوع التراث المادى، ويركزون على التراث الدينى العقائدى والشريعى الإسلامى التاريخى إزاء ما اعتبروه النزعة التعريبية، وربطها بالكولونيالية البريطانية، والوجود الأجنبى المتعدد، والروح الكوزموبوليتانية فى القاهرة والإسكندرية وبعض المدن الأخرى كالمنصورة وبورسعيد.
مع نظام يوليو 1952، امتد الاهتمام واسعًا إلى التراث المادى فى الآثار والاكتشافات وفرقها المتعددة، وذلك لاعتبارات سياحية واقتصادية وثقافية، وعلى رأسها نقل معبد أبو سمبل، وذلك فى ظل بناء السد العالى، وهجرة النوبيين إلى مناطق أخرى بعيدة عن مواقعهم التاريخية. اقتلاع النوبيين أثر سلبًا على الوعى الجمعى، وعلى تنشيط عملية إحياء الهوية النوبية، والاهتمام بتاريخهم من قبل بعض الشباب النوبى فى المهجر، أو لدى بعض مثقفيهم وأدباءهم، وتحول الاقتلاع والهجرة إلى مادة تأليف للأغانى، والتلحين الموسيقى، والاهتمام بالطراز النوبى فى البناء، واستعان المهندس حسن فتحى بهذا الطراز النوبى، والبنائى فى بناءه لقرية القرنة بالأقصر.
اهتمت الدولة المصرية فى عهد ناصر بالتراث المادى، من خلال مصلحة الفنون برئاسة يحيى حقى الأديب المصرى الكبير. ثم أكاديمية الفنون، وبعض المبادرات التى تمثلت فى تجميع الفلكلور الغنائى والموسيقى من خلال زكريا الحجاوى وبعض الخبراء السوفيت آنذاك، والاهتمام النظرى بالفنون الشعبية، لأحمد عباس صالح، وآخرين، ثم تطور هذا الاهتمام مع أجيال أخرى من الباحثين، فى مجال استلهامات مسرح العرائس، لهذا الموروث الثقافى. لا شك أن هذا التوجه للحفاظ على التراث المادى، كان جزءًا من النزعة الاشتراكية، أو رأسمالية الدولة الوطنية ونزوعها الشعبوى، فى تمجيد الشعب وإرثه الثقافى، والنزعة العروبية لدى ناصر. استمر هذا الاتجاه مع السادات ومبارك، مع بعض من النزعة الاستعراضية والسياحية، وإهداء بعض الآثار للرؤساء الأجانب.!!
تراجع بعض الاهتمام بالتراث المادى فى الفنون الشعبية، واستمر ذلك فى عهد مبارك، مع تمدد الفساد فى مجال تهريب الآثار المصرية على اختلاف تاريخها، خاصة فى أعقاب 25 يناير 2011. الأخطر اللامبالاة ببعض مناطق التراث المادى لاعتبارات تتصل بغياب الثقافة والوعى بأهمية هذا التراث، وضرورة الحفاظ عليه، وعلى أمكنته، وذلك لغلبة النزعة العملية فى ضرورة توسيع وتطوير البنية الأساسية من الطرق وبناء الكبارى.
السؤال الذى يُطْرح هنا: ما علاقة التراث المادي بمسألة الهوية؟
لاشك أن هوية أي جماعة أو عرق أو لغة أو دين أو مذهب لاسيما فى المجتمعات الجنوبية –جنوب العالم وفى العالم العربى ومصر على وجه التحديد- تعتمد فى بناء تخييلها الرمزى الهوياتى، على الإرث المادى، من فنون شعبية، بما فيها الموسيقى وأدواتها، والألحان، ومراثي الموتى، وأغانى الحب والجماعة والصداقة والأسرة والعائلة وأغانى ورقصات الأفراح، ومن شعر عامى موروث ويعاد إنتاجه، وفى طرز البناء المعماري التقليدية الموروثة، فى القرى، ومناطق التجمعات العرقية كالنوبيين، والأمازيغ فى سيوة، ومناطق سكنى البدو فى بعض الواحات المصرية كالخارجة، أو فى سيناء.
هذا التراث المادى المرتبط بتاريخ الجماعات التكوينية، يشكل القاعدة المادية التى يؤسس عليها التخييل الهوياتى المتغير لكل جماعة عرقية أو قومية، أو لغوية، أو دينية أو مذهبية. فى هذا الإطار تلعب الجوامع والمعابد القديمة والمقابر وأمكنتها، أحد مراكز بناء هوية الجماعة وثوابتها وتحولاتها.
المقابر ومواقعها لها بعض من الأهمية فى الوعى الجمعى للمصريين، وذلك بالنظر إلى الإرث المادى والرمزى المصرى حول الموت –منذ التراث الرمزى التاريخى للمصريين من العصور القديمة إلى الآن-، وتصورات الديانات المصرية، فى تعددياتها حول الرحلة إلى العالم الآخر، وتصورات هذه الأديان والمذاهب حول مآلات ما بعد الموت، من رحلة الحساب إلى الأبدية على تعدد السرديات اللاهوتية، والفقهية فى وصف هذه الرحلة الأبدية، وفق كل ديانة ومذهب.
هذا الإرث المادى يمتد من علاقة أشخاص الجماعة التكوينية، إلى العلاقة الروحية بأماكن العبادة من مساجد إلى كنائس إلى معابد يهودية. روحانية مكان العبادة وطرازه المعمارى تتداخل مع الطقس الدينى والإيمانى وممارسته، على ثقافة المؤمن البصرية من خلال جماليات مكان العبادة، وتصميمه وطرازه، وهى أحاسيس ووعى بالمكان الذى يمثل أحد ترسيمات تخيلات الهوية الشعبية.
المكان ومحمولاته الجمالية والرمزية والتاريخية، يشكل هوية المكان، وعادات وأعراف الجماعة التكوينية أيًا كانت دياناتها وأعرافها وطقوسها، وحركتها الاجتماعية وتفاعلاتها حوله.
هوية المكان –أيًا كانت محمولاته الرمزية والدينية والعقائدية، والاقتصادية، والترفيهية، والتخطيطية والمعمارية- هى جزء من حركة البشر وتفاعلاتهم حوله، ومن ثم يمثل جزءًا من الذاكرات الجماعية للجماعة التكوينية، أو المجتمع بمختلف مكوناته على تعددها. بعض الأمكنة مرتبطة بالثورات، ورموزها وبعضها الآخر بالتمردات أو الحراكات أو التظاهرات الاحتجاجية الاجتماعية، والسياسية. بعضها الثالث مرتبط بالتغير السياسى والتاريخى فى هذا البلد أو ذاك، أو بالتحولات الاجتماعية والاقتصادية والتقنية، أو فى تغير الزعامة السياسية وطبيعة النظام السياسى.
على سبيل المثال، تماثيل محمود مختار الحاملة لملامح النحت المصرى الحديث، ورمزًا على تشكل القومية المصرية، واستلهام الإرث النحتى المصرى الفرعونى العظيم، مع رمزية قومية حداثية، كما فى تماثيل نهضة مصر، وسعد زغلول، وآخرين. مسجد ومقبرة ومزار جمال عبدالناصر، مع التغير فى طراز بناء المسجد الحداثية.
المثال الثالث النصب التذكارى للجندى المجهول بمدينة نصر الذى تم تشييده على شكل هرم، تعبيراً عن فكرة الخلود عند المصرين القدماء، على نحو ما صممه الفنان سامى رافع.
هوية المكان، وذاكرته تتحدد بحسب تاريخه وفنونه المعمارية وطرزه أياً كانت، وجمالياته، وتخطيطه، أو لا تخطيطه، والإبداع فى المكان، فى شكل المكان، ومحموله من التراث المادى المعمارى، ويشتمل ذلك على تخطيط المكان، وشكل المنازل المحيطه به، والأسواق، والقطع النحتية، والمزارات الدينية، بل وأماكن اللهو البرئ إلخ. المكان جزء من ذاكرة الجماعة والأمة –فى الدول القومية ومنها مصر-، ولا تلغى هوية أمكنة الجماعات التكوينية الدينية أو العرقية أو اللغوية الهوية القومية الجامعة وموحداتها الجامعة، وإنما تبدو جامعة لها على تعددها.
هوية المكان ليست قصراً على الفنون على تعددها، أو التراث الفلكلورى وفنونه الشعبية، ولا المعابد والمساجد والكنائس، وإنما المزارات الصوفية وغيرها، والمدافن التاريخية للمتصوفة الكبار –باب النصر، ومدافن المماليك- التي تضم رفات راحلين وبعضهم من الرموز أو الشخصيات التاريخية والسياسية والفكرية والفنية، ويحمل كل منهم جزءًا من السرديات التاريخية كل فى مجاله، والمستمر فى بعض الوعى الجمعى، وأيضاً انقطاعاته. ويشكل جزءًا من حضور المكان فى التاريخ، وحضور الشخصيات فى المكان والتاريخ.
ثمة أيضاً التراث المادى المرتبط ببعض أماكن الترفيه كالمقاهى التاريخية التى تأسست فى بعض المراحل التاريخية، وكانت موئلاً للسياسيين، والمثقفين، والشعراء والروائيين والقصاصيين، على نحو ما تشير إليه المقاهى الشهيرة فى باريس، من أمثال "الدوماجو"، و"الفلور"، و"كلوسرى ديلليلا" و"كافى دى دوم".. إلخ. شكلت هذه المقاهى مراكز للحركات الأدبية، بل وكانت تمثل مكاتب لبعض الكتاب، من أمثال سارتر وسيمون دى بوفوار وآخرين، وصدرت فى بعضها البيانات السريالية والأدبية الشهيرة.
فى مصر، كانت المقاهى الأدبية مراكز للحوارات والجدل بين المثقفين والسياسيين، وأبرزها مقهى "متاتيا" التى خرجت من أعطافها بشائر الحركة الشعبية الوطنية الكبرى عام 1919، وكان من روادها الكبار جمال الدين الأفغانى، ومحمد عبده، وعبد الله النديم، ومحمود سامي البارودي، وأحمد شوقى، وسعد زغلول، وحافظ إبراهيم، وعباس محمود العقاد. وكان موقعها فى ميدان العتبة الخضراء. ومقهى "ريش" بوسط القاهرة التى شهدت أجيالاً من السياسيين والمفكرين والأدباء، من الستينيات والسبعينيات..إلخ.
من هنا، شكلت بعض المقاهى التاريخية جزءًا من ثقافة المكان وهويته، وذاكرته التاريخية من خلال ورودها ضمن السرديات التاريخية حول المكان.
هوية المكان وذاكرته ترتكز على السرديات التاريخية المكتوبة عن الأمكنة والأسواق والشخصيات والمزارات والتماثيل والطرز المعمارية، ووظائف المكان الاجتماعية والاقتصادية والفنية أياً كانت، وبعض شخصياته ورموزه الفكرية والسياسية والفنية، ومرتاديه.
من ناحية أخرى، يمثل المكان جزءًا مهمًا من التاريخ الشفاهى للجماعة أو الأمة، كل فى حدوده، أو يتجاوزه من الجماعة التكوينية –الدينية والمذهبية والعرقية واللغوية والمناطقية- إلى الأمة. ويتطور من خلال بعض التحولات الكبرى، والتطور التقني والعلمي، لاسيما فى ظل الثورة الرقمية، التي أثرت على الهويات القومية، من خلال التشظى الهوياتى فى ظل الشرط ما بعد الحديث وما بعده.
من هنا تحول التراث المادى إلى جزء من استهلاك الصور الرقمية حول المكان وهوياته وبشره ومكانه ومحمولاته. ومن هنا يشكل التراث المادى وهوياته التاريخية والشعبية، وفنونه وطقوسه، وطرزه المعمارية ومزاراته جزءًا من الهويات المتحولة للجماعات والأمم.