سعيد عكاشة

خبير مشارك - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

في تداعي سريع للصراع الدائر بين إيران وإسرائيل والذي اتخذ منحى أكثر حدة بعد الضربة التي وجهتها إسرائيل لمفاعل نطنز الإيراني، في 11 أبريل الجاري (2021)، بدأت إيران في تسخين محسوب لكافة الجبهات مع إسرائيل بداية من إطلاق صاروخ من قاعدة إيرانية في سوريا سقط بالقرب من مفاعل ديمونا النووي الإسرائيلي في 22 من الشهر نفسه، ليتلوه الإعلان عن مصادمات عنيفة جرت في القدس بين سكانها العرب والمتطرفين المنتمين لليمين الإسرائيلي، وإعلان حماس- التي تدعمها إيران- بأنها لن تسمح لإسرائيل بالمس بعرب القدس. وفي سبيلها لتأكيد جدية تهديداتها سمحت حماس لمنظمات فلسطينية، منها الجهاد والجبهة الشعبية، بإطلاق 36 صاروخاً صوب مدن الجنوب الإسرائيلي في سابقة لم تتكرر منذ أكثر من عام. كما بدا أن التسريبات حول مضمون المفاوضات غير المباشرة التي تجري بين الولايات المتحدة وإيران في فيينا وراءها مسئولون إيرانيون، وهى التسريبات التي تُظهِر أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن مستعدة للعودة إلى الاتفاق النووي الذي انسحبت منه إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب عام 2018، وأنها (أى إدارة بايدن) مستعده لرفع بعض العقوبات عن إيران دون اشتراطات تطلبها إسرائيل من الولايات المتحده لتمرير هذه العودة.

محاولة إيران استرداد زمام المبادرة من إسرائيل أمنياً ودبلوماسياً، والذي كان لصالح الأخيرة بالمطلق خلال السنوات الثلاث الأخيرة على الأقل، تمثل معركة ضمن حرب طويلة الأمد بين الجانبين لن تكون لها نهاية محتملة في الأمد المنظور كما تبينه عملية الفحص الدقيق للتصعيد الإيراني الأخير ضد إسرائيل. ولكن من المهم البحث عن إجابة للسؤال حول آفاق هذا التصعيد ومآلاته في قراءة المحاولات الإسرائيلية لكسب إدارة بايدن لصفها في مواجهة إيران، وفي المقابل كيف سيتفاعل البيت الأبيض مع هذه المحاولات؟ 

بالتوازى مع الإعلان يوم 21 أبريل الجاري عن زيارة وفد أمني إسرائيلي رفيع المستوى إلى واشنطن بهدف إقناع بايدن بالتروي وعدم التسرع باتخاذ قرار العودة للاتفاق النووي مع إيران إلا بشروط محددة تتضمن تشديد إجراءات الرقابة على الأنشطة النووية الإيرانية وعدم رفع العقوبات المفروضة عليها إلا بعد التأكد من التزامها ليس فقط بتقييد أنشطتها النووية ولكن أيضاً بالكف عن دعم الدول والكيانات التي تستهدف وجود وأمن إسرائيل، نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، في اليوم نفسه، نقلاً عن مصادر لم تسمها، وإن كان يعتقد أنها من المفاوضين الإيرانيين، أن الولايات المتحدة مستعدة لرفع العقوبات المتعلقة بالإرهاب عن البنك المركزي الإيراني، وشركة النفط الوطنية، وخطوط الشحن، والعديد من القطاعات الاقتصادية الرئيسية، بما في ذلك الصلب والألومنيوم. واكتملت الصدمة الإسرائيلية في إدارة بايدن بالتصريح الصادر عن الناطقة باسم البيت الأبيض جين ساكي، بعد ذلك بيومين، والذي قالت فيه: "إن زيارة المسئولين الإسرائيليين لواشنطن الأسبوع المقبل لن تغير نهج الولايات المتحدة في العودة إلى ما يسمى الاتفاق النووي مع إيران". وقد مثلت التسريبات السابقة والتصريحات الصادرة عن البيت الأبيض انتصاراً لإيران وخسارة صافية لإسرائيل دبلوماسياً. فكما يبدو، فإن إدارة بايدن- التي تحرص في المقام الأول على محو تراث الرئيس السابق دونالد ترامب- مستعدة لاتخاذ خطوات أو قرارات تراها إسرائيل بمثابة تهديد أمني ووجودي لها، باعتبار أنها يمكن أن تشجع إيران على الاستمرار في سعيها للحصول على السلاح النووي وأيضاً دعمها للدول والكيانات التي تهدد إسرائيل والشرق الأوسط بأكمله.

إسرائيل في المقابل، وكما فعل رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو من قبل مع إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، تحاول حالياً استغلال نفوذها في الكونجرس لمنع بايدن من العودة للاتفاق النووي مع إيران، حيث قام أصدقاءها في الكونجرس بتقديم مشروع قرار يلزم الرئيس بايدن بعرض أى اتفاق مع إيران على الكونجرس قبل توقيعه من جهة البيت الأبيض. وفيما يتعلق بزيارة الوفد الأمني الإسرائيلي، والتي كانت ستضم رئيس الأركان افيف كوخافي ومديرى  الموساد والاستخبارات العسكرية (أمان) ومستشار الأمن القومي، قبل أن يعلن كوخافي إلغاء مشاركته فيها بحجة الاستعداد للتعامل مع أى تطورات في الوضع الأمني في قطاع غزة، لم تصدر أية تصريحات عن جدول لقاء المسئولين الأمنيين الإسرائيليين الآخرين مع نظرائهم الأمريكيين الذين كانوا سيصاحبوا كوخافي، وإن كان من المرجح أن تواصل إسرائيل جهودها مع أركان إدارة بايدن لإقناعها بأن التطورات الأخيرة تثبت مدى صحة وجهة نظرها (أى إسرائيل)، بأن مجرد التلويح  الأمريكي بإمكانية العودة للاتفاق الاتفاق النووي ورفع العقوبات عن إيران قد شجع الأخيرة على التقدم خطوات أوسع لتهديد أمن إسرائيل بإطلاق صاروخ بالقرب من ديمونا وتحريض وكلائها مثل حماس والجهاد على تسخين جبهة المواجهة مع إسرائيل. وإذا ما تمت اللقاءات بين مديرى الموساد وأمان ومستشار الأمن القومي الإسرائيليين ونظرائهم الأمريكيين، فإن الموضوع الذي سيهيمن على اللقاء لن يكون الملف النووي الإيراني وحده بل التدخلات الإيرانية في المنطقة وعلاقات طهران مع الكيانات المتهمة بالإرهاب مثل حماس والجهاد، وأيضاً قدراتها الصاروخية، كما لا يستبعد أن تثير إسرائيل مسألة ماذا تعني كل هذه التطورات في ظل حقيقة أن روسيا- التي يعتبرها بايدن على رأس قائمة أعداء الولايات المتحدة- هى الراعي الأهم لإيران وسوريا، وهى التي تشجعهما ليس فقط على تهديد أمن إسرائيل، بل إنها (أى روسيا) توظف إيران ودولاً أخرى لتقويض النفوذ الأمريكي في مناطق واسعة من العالم وأن عجز إدارة بايدن عن مواجهتها في أوكرانيا مؤخراً ( كانت روسيا قد حشدت قواتها على حدود أوكرانيا في تحدٍ سافر لتحذيرات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لها من التدخل في الشأن الأوكراني) يُظهِر مدى خطورة التسامح مع إيران التي ستكون حتماً ركناً أساسياً من أركان الاستراتيجية الروسية للفوز في المنافسة والصراع الجاري بينها وبين واشنطن على النفوذ السياسي والعسكري في العالم.

إن ما سيُكسِب وجهة النظر الإسرائيلية مصداقية أكبر فيما يتعلق بالربط بين تأثير التهاون الأمريكي مع إيران على سياسة واشنطن الهادفة لاحتواء النفوذ الروسي المتصاعد في مناطق عدة من العالم، هو التصريحات التي صدرت عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 21  أبريل الجاري في رسالته السنوية إلى الجمعية الفيدرالية، حيث شدد على أنه يأمل ألا يفكر أحد في تجاوز "الخط الأحمر" في العلاقات مع روسيا، وشن هجوماً عاماً على سياسة العقوبات الأمريكية والغربية ضد العديد من الدول (وهو ما يخدم إيران بشكل غير مباشر) قائلاً: "يبدو أن الجميع اعتاد فعلاً ممارسة فرض عقوبات غير قانونية بدوافع سياسية، ومحاولات لفرض الإرادة على الآخرين بالقوة، لكن هذه الممارسة تتدهور الآن إلى شىء أكثر خطورة". صحيح أن بوتين كان يقصد بشكل محدد العقوبات الأمريكية والأوروبية المفروضة على روسيا منذ سنوات بسبب سياستها ضد أوكرانيا، ولكن من المؤكد أن إيران- التي عانت لسنوات أطول من عقوبات مماثلة- يمكنها أن تستفيد من تصريحاته وموقف روسيا من سياسة العقوبات الغربية بشكل عام. بمعنى آخر قد تحاول إسرائيل الربط بين تحركات إيران ضدها وبين الدعم الروسي لنظامها -على أكثر من صعيد سياسي وأمني واقتصادي- بما يشكل تهديداً جسيماً للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط من قبل تحالف تحاول روسيا بناءه ويضم إيران ودولاً أخرى مثل تركيا في مواجهة الولايات المتحدة. فهل تستطيع إدارة بايدن مواجهة الضغوط الإسرائيلية، وفي المقابل هل يمكن لإسرائيل أن تعرقل خطوات هذه الإدارة تجاه إيران؟

هل غيرت إيران قواعد الاشتباك مع إسرائيل؟

في 22 أبريل الجاري، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي على حسابه على موقع "تويتر": "رصدت إسرائيل صاروخ أرض-جو أطلق من سوريا وتجاوز هدفه وانزلق نحو إسرائيل ولم يطلق ليستهدف منطقة معينة في إسرائيل. رداً على ذلك قصفت قواتنا بطارية الصواريخ المعينة بالإضافة إلى بطاريات صواريخ أرض-جو أخرى داخل سوريا".

معلومات إضافية عن نوع الصاروخ الذي سقط بالقرب من مفاعل ديمونا بالإضافة إلى معلومات أخرى عن الموقع الذي انطلق منه الصاروخ من داخل الأراضي السورية، أثارت الشكوك حول صدقية بيان الجيش الإسرائيلي لعدة أسباب:

1- كان من اللافت تأكيد البيان الإسرائيلي بشكل متسرع على أن الصاروخ ربما يكون قد ضل هدفه أو أطلق بطريق الخطأ، وانه لم يستهدف ضرب مواقع داخل إسرائيل، ولكن هذا التسرع بدا مفهوماً لأن الصاروخ سقط بالقرب من مفاعل ديمونا وأبدت إسرائيل مخاوف من أن يتم تفسير سقوطه على بعد 30 كيلو متر فقط من المفاعل النووي على أنه متغير هام في ميزان الردع الذي تتفوق فيه إسرائيل على كل من سوريا وإيران بشكل ساحق. فعلى مدى سنوات طويلة، وجهت إسرائيل ضربات إلى المشروعين النوويين الإيراني والسوري ولم تتمكن الدولتان من الرد على مثل هذه الاعتداءات بالمثل، أما وأن يسقط صاروخ بالقرب من ديمونا سواء أكان سورياً أو إيرانياً، فإن ذلك سيشير- في حالة الإقرار بأنه كان موجهاً للمفاعل النووي الإسرائيلي- إلى أن إسرائيل فقدت قدرتها على ردع الدولتين في هذا المجال والذي كان مستقراً لصالحها لسنوات طويلة.

2- أشارت بعض التقارير الإخبارية إلى أن الموقع الذي انطلق منه الصاروخ هو منطقة "الضمير" التي تبعد عن دمشق قرابة 40 كيلو متر وتسيطر عليها ميلشيات تابعة لإيران، ولكن إسرائيل تفادت الإشارة إلى مسئولية هذه الميلشيات وإيران عن إطلاق الصاروخ وظلت تتهم القوات السورية بأنها هى التي أطلقته على طائرات إسرائيلية، وهى ادعاءات تُكمِل المزاعم الأولى بأن الصاروخ لم يكن يستهدف مواقع داخل إسرائيل، وأن ميزان الردع بين إسرائيل وإيران لم يتغير وأن إيران لا تجرؤ على التفكير في إمكانية مهاجمة ديمونا رداً على هجمات إسرائيل على مفاعل نطنز، والتي تكررت أكثر من مرة بوسائل سيبرانية أو بعمليات تخريب بواسطة عملاء من داخل إيران ذاتها.

3-  حسب البيان الإسرائيلي، فإن الصاروخ المعني كان من طراز سام 5 (يطلق عليه أيضاً مسمى s-200)، وهو صاروخ أرض جو مخصص لمواجهة الطائرات المغيرة، والمعروف أن هذا الصاروخ ينفجر في الجو تلقائياً إذا ما ضل الطريق إلى هدفه، ومن الناحية العلمية البحتة لا يمكنه أن يواصل طريقه بشكل أفقي لمسافة طويلة، فكيف قطع هذا الصاروخ الضال مسافة تقترب من 400 كيلو متر هى الفاصلة بين موقع الإطلاق المفترض والمنطقة التي تضم ديمونا في جنوب إسرائيل؟

هذه المفارقة في الرواية الإسرائيلية جعلت بعض الخبراء يرجحون أن الصاروخ لم يكن من طراز الصواريخ أرض جو، بل كان من طراز الصواريخ أرض أرض، وأن إطلاقه ومكان وقوعه كان محدداً وتم توجيهه بهدف الاقتراب من مفاعل ديمونا وليس بالضرورة إصابته بشكل مباشر. وهنا تثار تساؤلات لا تصب أى منها في مصلحة الحفاظ على صورة الردع الإسرائيلي ضد إيران، مثل: كيف لم تتمكن أجهزة الرادار ومنظومة الصواريخ المضادة من رصد الصاروخ وتحديد طرازه وإسقاطه قبل الوصول للأراضي الإسرائيلية؟، هل تمكنت إيران من تطوير تكنولوجيا قادرة على تضليل منظومات الدفاع الإسرائيلية وتجعلها غير قادرة على تحديد طراز الصواريخ الموجهة ضدها؟.

الأمر المؤكد أن إيران- التي لم تعلن مسئوليتها أو مسئولية الميلشيات التابعة لها في سوريا لأسباب بديهية- قد كسبت رغم ذلك من وراء هذا الحادث من الناحية الإعلامية والنفسية طالما بقت هناك شكوك حول دورها في إطلاق هذا الصاروخ، ولكن إسرائيل أيضاً يمكن أن تحقق بعض المكاسب بالرغم مما أصاب مصداقية ردعها وصورتها كقوة عسكرية وتكنولوجية كبرى. إذ من المتوقع أن تثير في الغرف المغلقة مع إدارة الرئيس ترامب خطورة استبعاد قدرات إيران الصاروخية من مفاوضات العودة إلى الاتفاق النووي، وهو هدف تسعى إليه إسرائيل منذ سنوات وتخشى أن تكون عودة بايدن للاتفاق النووي غير مشروطة بإدخال القدرات الصاروخية لإيران في المفاوضات.

هل تشعل إيران الجبهة الفلسطينية ضد إسرائيل؟

في تطور مفاجئ وفي تزامن - يثير الشكوك- مع الإعلان عن زيارة الوفد الأمني الإسرائيلي لواشنطن وواقعة الصاروخ الذي سقط قرب ديمونا، اندلعت مواجهات بين نشطاء من اليمين الإسرائيلي الأشد تطرفاً وبين السكان العرب في القدس وصفها أحد الجرحى من الجانب الإسرائيلي بأنها ليست صداماً عابراً بل ربما تكون تمهيداً لانتفاضة فلسطينية كاملة. وعلى إثر هذه المصادمات، انطلقت عدة صواريخ من قطاع غزة ضد المدن الإسرائيلية المحاذية بلغ عددها 36 صاروخاً، وربطت حركة حماس بين انطلاق الصواريخ واعتداءات اليمين الإسرائيلي على سكان القدس العرب.

بعدها كان السؤال المطروح هو: هل حرّكت إيران بعض أذرعها الإقليمية لتشدد من الخناق الذي تحاول فرضه على إسرائيل سواء من خلال اتصالاتها مع واشنطن بشأن العودة للاتفاق النووي، أو عن طريق التشكيك في مصداقية الردع الإسرائيلي (حادث الصاروخ)؟.

لا يمكن فهم هذا التزامن بعيداً عن الشك في تحركات إيران التي قد تستخدم الملف الفلسطيني كأداة ضغط ضد إدارة بايدن بحيث يكون ثمن دورها في تخفيف التصعيد أو زيادته بين حماس وإسرائيل مرهوناً بالموقف الأمريكي جزئياً مما سيتم الاتفاق عليه فيما يتعلق بالعودة للاتفاق النووي ورفع العقوبات المفروضة عليها، خاصة وأن إدارة بايدن تعمل حالياً على صياغة مشروع لإطلاق مفاوضات بين الفلسطينيين وإسرائيل، وسيكون على بايدن لضمان نجاح مشروع التفاوض هذا أن يقايض إيران أو يساومها في إطار معادلة تخفف الأخيرة بمقتضاها من لهجتها ضد مشروع التسوية بين الفلسطينيين وإسرائيل وتمتنع عن تحريض حماس والجهاد الفلسطيني على إفشال المشروع، مقابل أن تكون هناك مرونة أكبر من جانب واشنطن في شروط إحياء الاتفاق النووي وخفض العقوبات المفروضة عليها. وتبدو هذه المعادلة في غير صالح إسرائيل في كل من طرفيها. فالأخيرة تسعى للضغط على بايدن للتشدد في إجراءات مراقبة الأنشطة النووية الإيرانية في الوقت الذي لا ترحب فيه بأى مشروع لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين وفقاً لمبدأ حل الدولتين ومرجعية حدود 4 يونيو 1967 كما تخطط إدارة بايدن.

والحل الأمثل بالنسبة لإسرائيل هو إسقاط هذه المعادلة كلية، باستغلال مصادمات القدس وتصويرها على أنها علامة على الدور التخريبي الذي تمارسه إيران لإفشال الجهود الأمريكية الداعمة لإجراء الانتخابات الفلسطينية في موعدها والساعية لاستئناف عملية التسوية بين الفلسطينيين وإسرائيل، خاصة أن أحداث القدس وقعت قبل أسابيع قليلة من إجراء الانتخابات الفلسطينية، والمعروف أن كلاً من السلطة الفلسطينية وحركة حماس تتنافسان على احتكار ورقة الدفاع عن القدس، فرئيس السلطة محمود عباس (أبو مازن) يهدد بتأجيل الانتخابات إذا لم تسمح إسرائيل لسكانها العرب بالتصويت فيها، فيما تحاول حماس- ومن خلفها إيران- الترويج لمزاعم حول أنهما الجهة الوحيدة التي تدافع عن حقوق العرب والمسلمين في القدس والمسجد الأقصى ولا تساومان على هذه الحقوق سياسياً مهما كان الثمن.

إن من شأن كل هذه التعقيدات أن تدفع إدارة بايدن إلى تأجيل أى مشروعات خاصة بالتسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأن تقنعها أيضاً بعدم الربط بين قضية إحياء الاتفاق النووي مع إيران وموقف الأخيرة من مسألة التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين أو من القضايا الإقليمية الأخرى التي تهم المصالح الأمريكية.

في النهاية، تدفع إيران وإسرائيل- كل بوسائله- نحو تصعيد التوتر في المنطقة لأسباب متعارضة. فإيران تريد من إدارة بايدن رفع العقوبات المفروضة عليها بدون اشتراط إجراء أى تعديلات في الاتفاق الذي انسحبت منه واشنطن قبل ثلاثة أعوام، سواء فيما يتعلق بإجراءات التفتيش على منشآتها النووية أو فيما يخص حريتها في إجراء التجارب الصاروخية. أما إسرائيل فأهدافها- على عكس أهداف إيران من الناحية المنطقية والفعلية- تتمثل في منع إحياء الاتفاق النووي مع الأخيرة، وعدم الدخول في مفاوضات مع الفلسطينيين بحجة أن سيطرة إيران على قرار حركة حماس- التي تحكم غزة وترفض أى تسوية مع إسرائيل- لن يحقق الطموحات التي تراود إدارة بايدن لإنهاء هذا الملف.

وتعتقد إسرائيل أنها إذا لم تنجح في إقناع إدارة بايدن بالكف عن محاولة إخراج إيران من عزلتها، فإنها ستصبح حرة على الأقل في التعامل مع ما تراه على أنه خطر وجودي عليها من جانب الأخيرة، بما يعني أنها قد تواصل سياستها باستهداف القدرات النووية الإيرانية بدون التشاور مع واشنطن، وربما تجرب إسرائيل هذا المسار قريباً، خاصة وأنها ترغب في توجيه ضربة لإيران تمحي من الذاكرة واقعة الصاروخ الذي سقط بالقرب من ديمونا وتسبب في التشكيك في مصداقية الردع الإسرائيلي.