تأتي الانتخابات التشريعية الفلسطينية المقرر عقدها في 22 مايو القادم (2021) في توقيت شديد الأهمية بالنسبة للقضية الفلسطينية على صعيد العلاقات الداخلية ومسار التسوية الفلسطينية- الإسرائيلية. أهمية تبدو واضحة من مشاركة العديد من الأطراف في الجهود التي قادت إلى التوافق بين السلطة الفلسطينية والفصائل من أجل إجراء الانتخابات، بما فيها الحوار الوطني الفلسطيني الذي استضافته القاهرة وغيرها من الجهود المصرية للتوصل إلى خطة طريق سياسية- انتخابية من أجل إنهاء حالة الانقسام. بدوره يعد ترتيب البيت الفلسطيني خطوة ضرورية تساهم في دعم الموقف الفلسطيني في مواجهة مرحلة جديدة من مسار محتمل للتسوية السياسية في ظل إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، ومحاولات التخلص من ميراث الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وتصوره للتسوية أو ما عرف باسم "صفقة القرن". وعلى الرغم من هذه الأبعاد المهمة وغيرها، تظل التعقيدات قائمة والتساؤلات مطروحة عن إجراء الانتخابات واحتمال التأجيل في ظل إصرار فلسطيني على مشاركة القدس الشرقية ورفض إسرائيلي وتصاعد المواجهات في القدس وضغوط خارجية غير قادرة بعد على تغيير التفاصيل المحيطة بالمشهد.
تعدد القوائم: إيجابيات المسار وسلبيات التفتت
رافق الإعلان عن مشاركة 36 قائمة في الانتخابات التشريعية العديد من الانتقادات الداخلية، في حين أن المشكلة الرئيسية لا تكمن في العدد الإجمالي للقوائم وإنما في ما تمثله بالنسبة للتماسك داخل الأحزاب والفصائل المشاركة. على صعيد العدد، يساعد إدراك السياق العام على تفسير عدد القوائم، خاصة وأن الانتخابات التشريعية الأخيرة عقدت في عام 2006، وبهذا يصبح عدد القوائم طبيعياً في ظل غياب الانتخابات لفترة طويلة وما صاحب تلك الفترة من تراكم المشكلات على صعيد القضايا الداخلية وقضايا المفاوضات والتسوية، والتغيرات التي صاحبت تركيبة ومواقف القوى والأطراف الفاعلة والمؤثرة في الداخل الفلسطيني، بالإضافة إلى التغيرات الإقليمية والدولية ومحاولات إحياء المسار التفاوضي وانعكاساتها على خيار مشاركة تلك الفصائل والقوى في الانتخابات.
بالمقابل، يطرح انتماء تلك القوائم وخلفية المشاركين فيها الكثير من التساؤلات في ظل مشاركة عدد من أعضاء حركة فتح البارزين في قوائم مستقلة، وما صاحب تلك التحركات من خلافات بين الحركة وأعضاء تلك القوائم، والحديث علناً عن وجود خلافات داخلية من شأنها تفتيت الأصوات والتأثير على خيارات المستقبل، وهى أوضاع تفسر تزايد الحديث عن الوحدة الداخلية لحركة فتح وتأثيرها على فرص الفوز في الانتخابات، مقابل الحديث عن تكرار سيناريو انتخابات 2006، وما شهدته من فوز حركة حماس بكل ما صاحبه من تحديات.
القدس: خط أحمر في اللحظة والمستقبل
أكدت السلطة الفلسطينية والفصائل والقوى المختلفة على أهمية مشاركة سكان القدس الشرقية في الانتخابات المقررة في 22 مايو اتساقاً مع الانتخابات السابقة التي جرت ضمن اتفاقية المرحلة الانتقالية بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في سبتمبر 1995، وتكريساً لوضعية القدس الشرقية باعتبارها عاصمة الدولة الفلسطينية المنتظرة، وهو ما اصطدم بالموقف الإسرائيلي الذي يتعامل مع القدس الموحدة بوصفها عاصمة إسرائيل. وبشكل عام تبدو قضية مشاركة القدس أكثر تعقيداً عن الانتخابات السابقة في ظل استناد الموقف الإسرائيلي على اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل وقرار نقل السفارة الأمريكية إليها في إجراء تبعه قيام بعض الدول بخطوات مماثلة. بالإضافة إلى الأوضاع الداخلية الإسرائيلية ومحاولات تشكيل الحكومة وتأثيرها على مواقف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وغيره من القدس والانتخابات الفلسطينية. إلى جانب مشاركة حماس وعدد من الفصائل التي ترفض إسرائيل والولايات المتحدة وبعض الأطراف الدولية التعامل معها دون إجراء تغييرات أساسية في مواقفها السياسية.
وفي حين تجد إسرائيل في الانتخابات التشريعية الفلسطينية وما يليها من انتخابات رئاسية مفترضة في 31 يوليو 2021 فرصة تؤكد من خلالها على موقفها الخاص بالقدس وتخرجها من مفاوضات الحل النهائي، ترى السلطة فيها ضرورة تسجيل موقف واضح من وضعية القدس الشرقية بوصفها عاصمتها. يرتب الموقف الإسرائيلي استمرار حالة الرفض، ويرتب الموقف الفلسطيني استمرار حالة الإصرار. ويحاول الجانب الفلسطيني الدفع بأطراف أخرى، خاصة الاتحاد الأوروبي والإدارة الأمريكية الجديدة، إلى ساحة النقاش حول القدس الشرقية وإعادة الاتفاقات السابقة إلى الواجهة بدلاً من ترتيبات مرحلة ترامب وما سبقها من تطورات على مستوى القضية والعلاقات الفلسطينية- الإسرائيلية وسياسات الاستيطان من أجل تغيير الواقع على الأرض.
وترجح قضية القدس الشرقية وأهميتها في الصراع/التسوية خيار تأجيل الانتخابات التشريعية، ومعها الرئاسية وما يليها من ترتيبات إعادة تنظيم الداخل الفلسطيني وصولاً إلى انتخابات المجلس الوطني في أغسطس 2021، ما دامت القدس خارج المشاركة والحلول التفاوضية غائبة.
ورغم أن بعض الفصائل والقوى الفلسطينية بدأت، بالتوازى مع الحديث عن خيار التأجيل، في التأكيد علناً على أهمية الالتزام بالمواعيد المعلنة بغض النظر عن الترتيبات المحيطة، يبدو خيار دخول الانتخابات بدون القدس مغامرة سياسية يمكن أن تؤثر تداعياتها سلباً على مجمل المسار التفاوضي وتسويات الحل النهائي التي تشكل القدس الشرقية، إلى جانب حق العودة، أبرز قضاياها الخلافية. بالمقابل يدفع احتمال تأجيل الانتخابات الوضع الفلسطيني إلى ساحة التقوقع الداخلى في مواجهة الانقسام والمشكلات الاقتصادية والسياسية المتنوعة التي تحتاج إلى خطوات بناءة من أجل مواجهتها اتساقاً مع ما تم الاتفاق عليه في الحوار الوطني الفلسطيني.
استطلاعات الرأى: التأجيل وسيناريو 2006
وعلى هامش الجدل حول مشاركة القدس الشرقية واحتمال تأجيل الانتخابات، جاءت نتائج استطلاعات الرأى العام التي أجراها المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في الفترة ما بين 14- 19 مارس 2021، والمركز الفلسطيني للبحوث والدراسات الاستراتيجية في الفترة ما بين 25 مارس و15 أبريل من العام نفسه، لتزيد من الحديث بشكل غير مباشر عن خيار التأجيل خوفاً من سيناريو مشابه أو قريب من 2006.
وقد قام الاستطلاع الأول الذي أجرى قبل تقديم القوائم للجنة الانتخابات، في الفترة من 20-30 مارس الفائت، باقتراح سيناريوهات وقوائم تمثل شخصيات رئيسية من أجل معرفة الآراء من تلك القوائم. ووفقاً للنتائج، تحصل قائمة يتولى رئاستها مروان البرغوثي على 28٪ مقابل 22٪ لقائمة فتح، وقائمة يشكلها محمد دحلان على 10٪ مقابل 29٪ لصالح فتح، وقائمة يتولي رئاستها د. ناصر القدوة على 7٪ مقابل 30٪ لصالح فتح. وتختلف الصورة في حالة إجراء الانتخابات بمشاركة القوى التي شاركت في انتخابات 2006، حيث تحصل فتح على 43٪ وحماس على 30٪ والقوائم الأخرى على 8٪.
وفي حالة مشاركة مروان البرغوثي بقائمة مستقلة في مواجهة قائمة مشتركة من فتح وحماس، تحصل القائمة المشتركة على 44٪ والبرغوثي على 28٪ وقائمة تابعة لدحلان على 8٪ وباقي القوائم على 6٪. وفي حالة مشاركة مروان البرغوثي ودخول فتح وحماس الانتخابات بقوائم منفصلة، وهو الوضع الأقرب للانتخابات المقررة في مايو 2021، تحصل حماس على 27٪ وفتح على 24٪ وقائمة مروان البرغوثي على 20٪ ودحلان 7٪ والمبادرة الوطنية 5٪ والجبهة الشعبية 2٪ وقائمة وطن برعاية النائب الأسبق في المجلس التشريعي الفلسطيني حسن خريشة على 1٪ وقائمة رئيس الوزراء الأسبق د. سلام فياض على 1٪، والباقي 15٪ لم تحدد مواقفها.
وفي ما يخص استطلاع المركز الفلسطينى للبحوث والدراسات الإستراتيجية، ورغم حصول فتح على 71.8٪ وحماس على 49.2٪، إلا أن تلك النسب جاءت في سياق تصور إجراء الانتخابات بمشاركة فتح وحماس فقط. ولكن، بإضافة القوائم المشاركة فى الانتخابات فعلياً تتغير الصور ومعها احتمالات المستقبل، حيث تحصل فتح على 41.9٪ تليها حماس بنسبة 20.9٪ والجبهة الشعبية بنسبة 8.4٪ وقائمة الجبهة الديمقراطية 5.1٪ وقائمة د. سلام فياض بنسبة 4.6٪ وقائمة الحرية (د. ناصر القدوة + مروان البرغوثي) بنسبة 4.2٪ وقائمة المبادرة الوطنية (د. مصطفي البرغوثي) بنسبة 4٪ وقائمة المستقبل (سمير مشهراوي + دحلان) بنسبة 2.9٪ وقائمة اليسار الموحد بنسبة 1.8٪ وقائمة وطن لحسن خريشة بنسبة 1.1٪ وقوائم أخرى بنسبة 5٪.
الرقم
|
القائمة
|
نسبة التأييد
|
مارس
|
مارس- أبريل
|
1
|
قائمة العاصفة - حركة فتح
|
24 ٪
|
41.9 ٪
|
2
|
قائمة القدس موعدنا - حركة حماس
|
27 ٪
|
20.9
٪
|
3
|
قائمة نبض الشعب - الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
|
2 ٪
|
8.4 ٪
|
4
|
قائمة التغيير الديمقراطي - الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
|
-
|
5.1 ٪
|
5
|
قائمة نحو التغيير وإنهاء الانقسام - المبادرة الوطنية،
د. مصطفى البرغوثي
|
5 ٪
|
4 ٪
|
6
|
قائمة اليسار الموحد - حزب الشعب + الاتحاد الديمقراطي الفلسطين (فدا)
|
-
|
1.8 ٪
|
7
|
قائمة الحرية - برئاسة د. ناصر القدوة (تحالف مع مروان البرغوثي)
|
20 ٪
|
4.2 ٪
|
8
|
قائمة معاً قادرون - د. سلام فياض
|
1 ٪
|
4.6
٪
|
9
|
قائمة المستقبل - برئاسة سمير مشهراوي (تحالف مع محمد دحلان)
|
7 ٪
|
2.9 ٪
|
10
|
قائمة وطن - برعاية حسن خريشة
|
1 ٪
|
1.1 ٪
|
11
|
قوائم أخرى
|
-
|
5 ٪.
|
* تم إعداد الجدول من نتائج استطلاعات الرأى المشار إليها، واعتمادًا على أعضاء القوائم في الاستطلاع الأول وأسماء القوائم في الاستطلاع الثاني.
من تلك النتائج يتخوف البعض من قدرة حماس على تشكيل حكومة بالتحالف مع قائمة أو قوائم أخرى تعيد سيناريو قريب من 2006 للواجهه حين حصلت على 74 مقعداً وفتح على 45 مقعداً وتوزعت المقاعد الأخرى بين المستقلين وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وما تلى ذلك من مقاطعة إسرائيلية ودولية وغيرها من الانعكاسات السلبية على مستوى الداخل الفلسطيني والتسوية.
يضاف إلى هذا أنه وعلى مستوى الانتخابات الرئاسية والاسم الذي يمكن أن يحصل على الأغلبية، ووفقاً للمسح الأول، حصل مروان البرغوثي على 48٪ وإسماعيل هنية 29٪ ومحمود عباس 19٪. أما في حالة مشاركة عباس وهنية فقط، يحصل عباس على 43٪ وهنية على 50٪. وفي حالة إجراء الانتخابات بين البرغوثي وهنية يحصل البرغوثي على 61٪ وهنية على 37٪. وفي ظل إعلان شخصيات مقربة من البرغوثي عن نيته الترشح في الانتخابات الرئاسية، وما يمكن أن يمثله الفوز من ورقة ضغط على إسرائيل من أجل الإفراج عنه خاصة وهو يقضي حكماً بالسجن لخمسة مؤبدات، تبدو فرص منافسة البرغوثي بشكل مباشر أو غير مباشر مهمة بالنسبة لجميع الأطراف وخاصة فتح، حيث تشير تلك النسب إلى المكانة التي يحظى بها البرغوثي من جانب، والتحديات التي تواجه فتح في حالة غياب الوحدة من جانب آخر.
في ظل التصورات السابقة، يرى البعض أن السلطة يمكن أن تستخدم ورقة القدس من أجل تأجيل الانتخابات وصولاً إلى وضعية أفضل عبر دفع المسار التفاوضي وتقديم إنجاز من شأنه تغيير المشهد الحالي، أو الاستفادة من الوقت في تقريب مواقف فتح والوصول إلى رؤى أكثر اتساقاً على مستوى الحركة. هذا في الوقت الذي تؤكد أصوات أخرى على التزام السلطة والفصائل، بما فيها حماس، بما تم التوافق عليه في القاهرة من تشكيل حكومة تكنوقراط، وأن السلطة تتمسك بمشاركة القدس بوصفها الخط الأحمر الوحيد الذي يقف أمام المضى في إجراء الانتخابات أو تأجيلها.
سيناريوهات أربعة
تحمل اللحظة الكثير من الفرص في ما يتعلق بالملف الفلسطيني وقدرة الانتخابات على تدشين خطوات عملية في سبيل إنهاء الانقسام، ولكنها محملة بالمخاطر في وقت يصعب فيه التراجع عن ملف شديد الأهمية في مسار التسوية السلمية مثل القدس الشرقية. ويمكن بشكل العام الحديث عن سيناريوهات أربعة محتملة:
الأول، التأجيل الذي يعد أكثر اتساقاً مع الخط الأحمر الذي تحدثت عنه السلطة، والتصعيد القائم في القدس ودخول الفصائل على خط المواجهة باسم دعم القدس والمقدسيين. والثاني، التأجيل بسبب التصعيد، وهو سيناريو قابل للحدوث في حالة تصاعد المواجهات في القدس وغزة والوصول إلى أوضاع أكثر تعقيداً من مجرد تأجيل الانتخابات وهو السيناريو الذي تسعى العديد من الأطراف إلى الحيلولة دون الوصول إليه. والثالث، هو إجراء الانتخابات عبر سيناريو فلسطيني تقوم فيه السلطة والقوى المشاركة في الانتخابات بالوصول إلى إعلان مشترك حول القدس يعيد تكييف المشهد ويسمح بإجراء الانتخابات دون تنازل عن المستقبل سواء بدون مشاركة فعلية للقدس أو بمشاركة رمزية أو إلكترونية. والرابع، الوصول عبر الضغوط الإقليمية والدولية إلى قبول إسرائيلي مشروط، أو وفقاً لتصور إسرائيلي قد لا يتناسب بشكل كامل مع المطلوب فلسطينياً ولكن يكون كافياً من أجل إجراء الانتخابات.
في النهاية، تظل فرص إجراء الانتخابات وتأجيلها قائمة، والتوافق الفلسطينى هو المطلوب من أجل اجتياز تحديات ضرورية والوصول إلى أوضاع لازمة من أجل إنهاء الانقسام والتفاوض من أجل الدولة الفلسطينية المستقلة.