بسمة سعد

باحثة في العلوم السياسية

إعمالاً لثلاثية "التأهيل والتمكين والتطوير" المستهدفة من قبل الحكومة المصرية والمنعكسة فى العديد من السياسات والمبادرات والخطط والاستراتيجيات، التى تسعى عبرها إلى تأهيل الشباب والرفع من قدراتهم المهنية والعلمية، كسبيل لتمكينهم في كافة الجهات والهيئات والمؤسسات الممثلة لأركان الدولة الثلاثة (التنفيذية والتشريعية والقضائية)، من أجل تطوير وتحديث بيئة العمل وإحلال الأسلوب الحديث محل نظيره التقليدي في إدارة أمور الدولة، إلى جانب طرح قيادات شابة قادرة على إدارة مصلحة المجتمع والحفاظ عليها مستقبلياً، فإن ثلاثية التأهيل والتمكين والتطوير نفسها تُعد أحد الآليات الممكنة لمعالجة أوجه القصور الرئيسية في الجهاز الإداري للدولة، والممثلة في جمع الموظف العام بين وظيفتين إما عبر الندب أو التكليف أو غيره من طرق شغل الوظيفة، تدفعه نحو التربح أو استغلال سلطاته لتحقيق مصالحه الشخصية، عبر آليات قانونية وإدارية محددة كالتعاقد أو التعيين، بما يساعد فى تطوير الجهاز الإداري للدولة والحد من سياسة تضارب المصالح.

في هذا الإطار وتحت عنوان "نحو بيئة إدارية قادرة على محاربة الفساد"، ناقشت الأستاذة صافيناز محمد، رئيس تحرير دورية بدائل، في افتتاحية العدد، كيفية معالجة "تضارب وتعارض المصالح" في الجهاز الإداري للدولة كأحد الآليات المهمة والرئيسية فى مسار الدول نحو حوكمة المؤسسات،  ومحاربة الفساد بكافة أنماطه في مؤسسات الدولة، والذى يعد نتيجة لتغليب المصلحة الشخصية لشاغل الوظيفة العامة، لاسيما العاملين في المستويات التنفيذية العليا للدولة، وكذلك الذي يجمع بين وظيفتين متعارضين داخل الجهاز الإداري للدولة، بشكل يعكس الغياب المحدود للقواعد والقيود الأخلاقية والإدارية المنظمة والحاكمة لعمل الموظف العام، والتي من شأنها المساهمة في تعزيز جهود حوكمة المؤسسات، وتلعب دورا في توفير بيئة عمل قادرة على مواجهة إشكاليات تعارض وتضارب المصالح في الجهاز الإداري للدولة.

وتحت عنوان "سياسات الحد من تضارب المصالح في الجهاز الإداري للدولة"، جاءت دراسة العدد للدكتور كريم ابو العزم، مدرس القانون العام في كلية القانون بالجامعة البريطانية في مصر، لمناقشة كيف يؤدى  التسلط وتغليب المصلحة الشخصية على مصلحة الآخر أو الجماعة في إطار ما يُوصف بالأنانية، إلى الإضرار بمصلحة الدولة وضعف وتآكل مؤسساتها، وتحول اختصاصاتها من السعي نحو تحقيق المصلحة العليا للدولة والمجتمع، إلى السعي لتحقيق مصلحة فئة أو فئات معينة فى المجتمع، وذلك في حالة غياب أو قصور الأطر الدستورية والقانونية، وكذلك السياسات الحكومية المتعلقة بتنظيم عمل الموظف العام سواء في المستويات الدنيا أو العليا في الجهاز الإداري للدولة؛ حيث تهدف تلك الأطر الدستورية والقانونية، وما يُطرح من سياسات حكومية لتحديد اختصاصات الموظف العام، وتقييده بمتطلبات المصلحة العامة دون مصلحته الشخصية، للحد من "تضارب وتعارض المصالح" لكافة العاملين بالجهاز الإداري في الدولة، وإعمالاً وتجسيداً لمبدأ الفصل بين السلطات والذي يُعد السبيل الوحيد لحماية حرية وحقوق الفرد.

انطلاقاً مما سبق، حرص كاتب الدراسة على تقديم إطار مفاهيمي محدد لمفهوم الدراسة والممثل في "تضارب المصالح" وغيره من المفاهيم المتداخله معه أو المرتبطة به، ثم الانتقال لاستعراض الإطار الدستوري والقانوني الحاكم لحالات تضارب المصالح في الجهاز الإداري للدولة بالنسبة للسلطات الرئيسية الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقضائية)، إلى جانب مناقشة السياسات الحكومية للحد من تضارب المصالح في الجهاز الإداري للدولة، وما تواجهها من تحديات، مثل؛ غياب صدور اللائحة التنفيذية لقانون منع تعارض المسئولين في الدولة، فضلاً عن قيام كاتب الدراسة بطرح سياسات مقترحة لمعالجة تضارب المصالح في الجهاز الإداري للدولة، من بينها؛ إقرار سياسة "الاستبعاد" الدائم أو المؤقت للموظف العام وهو ما يتوقف على مدة شغله الوظيفة الإدارية الثانية- أي بشكل دائم أم مؤقت.