تتصاعد حدة الصراع السياسي داخل إيران مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات الرئاسية في 18 يونيو المقبل. وتكتسب هذه الانتخابات أهميتها لاعتبارين رئيسيين: أولهما، أنها سوف تمثل مؤشراً حول اتجاهات السياسة الخارجية الإيرانية خلال الأعوام الأربعة القادمة، لاسيما إزاء بعض القضايا الخلافية الرئيسية التي تحظى باهتمام خاص من جانب القوى الإقليمية والدولية المعنية بأزمات المنطقة، خاصة الاتفاق النووي وبرنامج الصواريخ الباليستية والدور الإقليمي الإيراني في دول الأزمات.
وثانيهما، أنها سوف تكشف، إلى حد ما، المدى الذي سوف يصل إليه نفوذ الحرس الثوري، الذي سعى إلى استغلال العقوبات والضغوط الغربية، وتحديداً الأمريكية، من أجل توسيع نطاق الدور الذي يقوم به على الساحتين الداخلية والخارجية. ورغم أن مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني في العملية العسكرية الأمريكية التي نفذت في 3 يناير 2020، سبب ارتباكاً شديداً داخل الحرس، في ظل الدور الذي كان يقوم به، إلا أن ذلك دفع الأخير في النهاية إلى العمل على تعزيز حضوره في كافة الملفات الداخلية والخارجية، فضلاً عن محاولته ملء الفراغ الناتج عن انسحاب الشركات الغربية من السوق الإيرانية تجنباً للعقوبات الأمريكية.
وفي الواقع، فإن ما يضفي أهمية وزخماً خاصاً على موقف الحرس من الانتخابات الرئاسية هو ترشح قياديين اثنين محسوبين على الحرس للانتخابات، هما حسين دهقان وسعيد محمد. ويشغل الأول منصب مستشار المرشد الأعلى للشئون العسكرية، وتولى في السابق منصب رئيس مؤسسة الشهيد في حكومة الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، وأصبح وزيراً للدفاع بين عامى 2013-2017. فيما تولى الثاني منصب قائد مقر "خاتم الأنبياء" التابع للحرس، والمدرج على قائمة العقوبات الأمريكية، وقد وصل إلى هذا المنصب بعدما كان تولى رئاسة مجموعة أطلس الإيرانية التابعة للمؤسسة التعاونية للحرس. وقد أعلن استقالته من هذا المنصب في 7 مارس الجاري استعداداً للانتخابات [1].
تحول الدور
رغم أن مؤسس الجمهورية الإسلامية روح الله الخميني كان قد أكد أن المهمة الأساسية التي يقوم بها الحرس الثوري تنحصر فقط في "الدفاع عن حدود الوطن والثورة أمام أعداء الداخل والخارج"، إلا أن ذلك لم يمثل قاعدة مستقرة فرضت تداعياتها على التفاعلات السياسية التي تجري على الساحة الإيرانية خلال العقود الثلاثة الأخيرة، لاسيما بعد أن تصاعد دور الحرس على المستويين الداخلي والخارجي في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب مع العراق التي دامت ثماني سنوات (1980-1988).
وقد بدا جلياً أنه لم تعد هناك مشكلة في ترشح قياديين محسوبين على الحرس في الاستحقاقات السياسية المختلفة، لاسيما بعد أن صدّق مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) في 15 ديسمبر 2020 على تعديل نظام الترشح للانتخابات الرئاسية، على نحو يسمح بترشح العسكريين [2]. ففي هذا السياق، سمح التعديل بترشح العسكريين بما يشمل أعضاء مجلس تشخيص مصلحة النظام والمجلس الأعلى للأمن القومي، بما يعني أن العسكريين الذين ينتمون للحرس الثوري وتولوا في مرحلة لاحقة مناصب داخل المجلسين يمتلكون الحق في التقدم بأوراق ترشيحهم للانتخابات الرئاسية.
واللافت في هذا السياق، هو أن هذا التعديل توازى مع خطوات أخرى ربما تعزز هذا التوجه مستقبلاً، لاسيما أنه يسمح بمنح مجلس صيانة الدستور- الذي يبت في أهلية المرشحين للانتخابات المختلفة- دوراً أكبر في الانتخابات الرئاسية، وهو المجلس الذي يثير دائماً أزمات سياسية عقب كل استحقاق، بسبب دوره في إقصاء عدد كبير من المرشحين لاعتبارات ترى بعض القوى السياسية أنها تفتقد للمصداقية ولا تستند إلى أى أساسي واقعي أو مبرر منطقي.
كما فرض التعديل شروطاً على المرشح للانتخابات، منها أن لا يكون من حاملي الجنسية المزدوجة أو حاصل على بطاقات إقامة في دولة أجنبية وأن يقل عمره عن 40 عاماً، وهو ما دفع اتجاهات عديدة إلى ترجيح أن هذه الشروط تهدف إلى حصر عدد المرشحين وتقليص قدرة تيار الإصلاحيين على ترشيح شخصيات من الممكن أن تحقق نتائج بارزة في الانتخابات. ووصل الأمر إلى درجة أن هذه الاتجاهات اعتبرت أن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، ووزير الاتصالات محمد آذري جهرمي مستهدفين مباشرة من هذا التعديل، على أساس أن الأول- حسب مزاعم بعض كوادر تيار المحافظين- لديه بطاقة إقامة في دولة أجنبية، وهو ما حرص على نفيه، في حين يقل سن الثاني عن 40 عاماً [3].
استغلال الضغوط
يبدو أن الحرس الثوري يُعوِّل على تصاعد حدة الاستياء في الشارع الإيراني بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية وتراجع الرهان على الاتفاق النووي بعد الانسحاب الأمريكي منه في 8 مايو 2018، وإعادة فرض العقوبات الأمريكية بداية من 7 أغسطس من العام نفسه. وربما يكون ذلك أحد الأسباب التي تدفع "الباسدران" إلى رفض أية دعوات للانخراط في مفاوضات جديدة مع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن قبل رفع العقوبات الأمريكية، على اعتبار أن الوصول إلى تفاهمات مع الإدارة الأمريكية قد يهيئ المجال أمام عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي ورفع العقوبات المفروضة على طهران مقابل التزاماتها بتعهداتها فيه، سوف يخصم من قدرة أى مرشح ينتمي للحرس أو قريب منه على الفوز في الانتخابات.
ويبدو أن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف كان يشير إلى أن فوز رئيس متشدد محسوب على الحرس الثوري أو تيار المحافظين بشكل عام من الممكن أن يضعف فرص الوصول إلى صفقة جديدة أو تفعيل الاتفاق النووي الحالي الذي يواجه خطر الانهيار بسبب التصعيد المستمر بين طهران وواشنطن، حيث حذر، في 15 مارس الجاري، إدارة الرئيس بايدن من أن الوقت بدأ ينفذ، وقال في هذا الصدد: "إدارة بايدن تنتهج نفس السياسة التي اتبعتها إدارة ترامب"، مضيفاً أن "الوقت ينفذ أمام الولايات المتحدة لإحياء الاتفاق النووي بسبب الانتخابات الرئاسية التي سوف تجري في إيران في يونيو والتي سيترتب عليها الانتظار لفترة ستة أشهر" [4].
قاعدة سياسية
رغم ذلك كان لافتاً أن الحرس الثوري لم يسجل حضوراً بارزاً على مدى الانتخابات الرئاسية التي أجريت في إيران. ولا يعود ذلك فقط إلى القيود التي كانت مفروضة على ترشح العسكريين في الانتخابات، وإنما يعود أيضاً، على ما يبدو، إلى وجود توافق سياسي عام على عدم ترشح كوادر "الباسدران" في الانتخابات. ومن هنا، وعلى مدار العقود الماضية، لم يستطع أى قائد عسكري من صفوف الحرس الوصول إلى منصب الرئيس منذ عام 1979، وحتى الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، الذي ينظر إليه من قبل قادة الحرس الثوري على أنه كان فقط أحد كوادر الميليشيات التي شاركت في الحرب العراقية- الإيرانية. ورغم أن دور الحرس تصاعد خلال فترة وجوده في الرئاسة (2005-2013)، إلا أن ذلك لا ينفي أن التوتر كان سمة رئيسية في بعض الفترات بين الطرفين، إذ كان أحمدي نجاد حريصاً على توجيه انتقادات حادة للحرس، في بعض الفترات، سواء خلال وجوده في السلطة أو بعدها، حيث وجّه، على سبيل المثال، في 18 سبتمبر 2018، انتقادات حادة لقائد جهاز استخبارات الحرس الثوري حسين طائب واعتبر أنه "مهووس وفاقد للتوازن"[5]، موجهاً اتهامات للحرس والسلطة القضائية بـ"تلفيق قضايا" لبعض مساعديه بسبب الخلافات السياسية.
فضلاً عن ذلك، تستند قوى سياسية عديدة في تحفظها على مشاركة العسكريين في التفاعلات السياسية إلى أن ذلك يتعارض مع توصيات الخميني. لكن لا يبدو أن ذلك يعد السبب الحقيقي الذي يمكن من خلاله تفسير هذا التحفظ. إذ لا يمكن فصل هذا الموقف عن الاتهامات التي توجهها تلك القوى للحرس بالمسئولية عن الانتهاكات التي ارتكبت خلال بعض الأزمات السياسية التي شهدتها إيران على مدى العقود الثلاثة الماضية، على غرار الحملة الشديدة التي شنها ضد أنصار ما يسمى بـ"الحركة الخضراء" التي تشكلت في يونيو 2009 خلال الأزمة السياسية التي اندلعت في إيران نتيجة اعتراض أنصار رئيس الوزراء الأسبق مير حسين موسوي ورئيس البرلمان الأسبق مهدي كروبي- وكانا مرشحين في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في هذا التوقيت- على نتائج الانتخابات التي أسفرت عن فوز الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد بفترة رئاسية ثانية.
ويضيف بعض كوادر هذه القوى على ذلك بأن الحرس كان سبباً أساسياً في بعض الأزمات الخارجية التي فرضت ضغوطاً قوية على إيران، وكان آخرها أزمة إسقاط الطائرة الأوكرانية في 8 يناير 2020 بعد ساعات قليلة من إطلاق الحرس صواريخ باليستية باتجاه قاعدتين عراقيتين تتواجد بهما قوات أمريكية، رداً على مقتل قاسم سليماني قبل ذلك بخمسة أيام، وهى الأزمة التي ما زالت قائمة حتى الآن، بسبب استمرار الخلافات بين إيران والدول المعنية بالملف، على غرار أوكرانيا وبريطانيا وكندا.
في النهاية، يمكن القول إن الانتخابات الرئاسية القادمة سوف تمثل مؤشراً بارزاً حول المستوى الذي وصل إليه النفوذ السياسي للحرس الثوري على الصعيد الداخلي. ورغم أن خريطة المرشحين للانتخابات لم تتبلور بعد، إلا أن مسارعة بعض المرشحين المحسوبين على "الباسدران" إلى الترشح ربما يمثل محاولة من جانب الأخير لاختبار ردود الفعل قبل تحديد قراره الأخير من الانتخابات.
[1] قائد بارز في الحرس الثوري يستقيل استعدادا لخوض السباق الرئاسي: موقع روسيا اليوم، 7/3/2021. على الرابط التالي:
https://cutt.us/PKdlI/
[2] البرلمان الإيراني يقر "إصلاح الترشح للانتخابات الرئاسية"، صحيفة الشرق الأوسط اللندنية، 16/12/2021. على الرابط التالي:
https://cutt.us/xYzl0
[3] رانيا مكرم، هندسة الانتخابات: أهداف تعديل قانون الترشح للرئاسة في إيران، موقع مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، 2/1/2021، على الرابط التالي:
http://acpss.ahram.org.eg/News/17022.aspx
[4] ظريف: الوقت ينفذ أمام الولايات المتحدة لإحياء الاتفاق النووي، صحيفة الجمهورية اللبنانية، 15/3/2021. على الرابط التالي:
https://cutt.us/dDH3v
[5] نجاد يهاجم استخبارات الحرس الثوري والقضاء في إيران، موقع العين الإخباري، 18/9/2028. على الرابط التالي:
https://al-ain.com/article/ahmadinejad-intelligenceguards-judiciary-opponent