واصلت حركة "أنصار الله" الحوثية شن هجمات ضد المملكة العربية السعودية، كان آخرها في 19 مارس الجاري (2021)، عندما هاجمت مصفاة تكرير النفط في الرياض بواسطة طائرات من دون طيار([1]). وقد أدانت العديد من القوى الإقليمية والدولية تلك الهجمات، ومنها الولايات المتحدة الأمريكية، التي اعتبرت أن "الاعتداء يمثل محاولة لإعاقة إمدادات الطاقة العالمية"([2]). وفي الواقع، فإن أهم ما يمكن أن يطرحه هذا التصعيد من دلالات يتعلق بمدى إمكانية تأثيره على تقييم الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تجاه المليشيا الحوثية، بعد أن قامت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، في 16 فبراير الماضي، برفع اسمها من قائمة التنظيمات الإرهابية.
وقد أثار هذا القرار تساؤلات عديدة عن دوافعه من جهة، وتداعياته على النزاع في اليمن، والنشاط الحوثي من جهة أخرى. ووفقًا لبيان إدارة مراقبة الأصول الأجنبية بوزارة الخزانة الأمريكية، فإن حركة أنصار الله لم تعد مُعرَّضة للقيود التي كانت مفروضة عليها بموجب القواعد الخاصة بمواجهة الإرهاب والمنظمات الإرهابية الأجنبية، وهو ما يعني أن المواطنين الأمريكيين لا يحتاجون إلى إذن من إدارة مراقبة الأصول الأجنبية لإجراء التعاملات مع الحركة([3]). كما أعلنت الخارجية الأمريكية عن استمرار خضوع عبد الملك الحوثي وعبد الخالق بدر الدين الحوثي وعبد الله يحيى الحكيم للعقوبات، مؤكدة مواصلتها مراقبة أنشطة الحركة وقادتها([4]).
ولم يكن القرار الأمريكي مفاجئًا، فقد سبقته تعهدات وإشارات معلنة من بايدن في برنامجه الإنتخابي، وخلال حملته الانتخابية([5])، وخطابه الأول عن السياسة الخارجية بعد تنصيبه([6]). وكذلك تعهد أنتوني بلينكن خلال جلسة مصادقة مجلس الشيوخ على تعيينه وزيرًا للخارجية بإعادة النظر فوراً في قرارالتصنيف([7]).
اعتبارات عديدة
هناك عدد من العوامل والدوافع التي يمكن عبرها فهم وتفسير إلغاء القرار الأمريكي خلال أقل من شهر على تنفيذه يتمثل أبرزها في:
1- تغير الإدارة: بخلاف فرضية استمرارية السياسات مع تغير الإدارات، فإن هناك فرضية أخرى مفادها أن كل رئيس أمريكي جديد يسعى عادةً إلى إحداث تحولات مهمة في السياسة الخارجية لإدارته، لاسيما إذا كان من حزب مختلف عن حزب سلفه. ولذلك فإن تغير السياسة الأمريكية تجاه الأزمة اليمنية يأتي في إطار تغييرات أوسع تقوم بها الإدارة الأمريكية في العديد من الملفات، وفي استراتيجيتها الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط([8]). ولم يكن قرار إلغاء تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية هو القرار الوحيد الذي يمثّل انعكاسًا للانتقال السياسي في الولايات المتحدة، فقد عمل الرئيس الأمريكي جو بايدن منذ يومه الأول في البيت الأبيض على إصدار عدة قرارات تلغي قرارات اتخذها سلفه دونالد ترامب، منها – على سبيل المثال - ما يخص الانسحاب الأمريكي من اتفاقية باريس للمناخ ومن منظمة الصحة العالمية. ولذلك فإن قرار رفع اسم أنصار الله من قائمة التنظيمات الإرهابية يأتي في إطار الرؤية المختلفة للإدارة الأمريكية الجديدة في العديد من الملفات، وتمثل جزءًا من الصورة الكاملة لتحولات السياسة الأمريكية في عهد جو بايدن عن نظيرتها في عهد دونالد ترامب، على مختلف الأصعدة.
2- قرارات اللحظة الأخيرة Last Minute Decisions"": فرغم أن بعض التحليلات والأخبار أشارت إلى تفكير إدارة ترامب في قرار إدراج الحوثيين على قائمة الإرهاب منذ نوفمبر الماضي على الأقل، بل ومنذ قبل هذا التاريخ بفترة([9])، إلا أن الإعلان الأمريكي عن هذا القرار على لسان وزير الخارجية السابق، مايك بومبيو، أتى قبل تسعة أيام فقط من انتهاء ولاية إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ودخل حيز التنفيذ عشية تنصيب جو بايدن رسميًا رئيسًا للولايات المتحدة، وهو ما يضع القرار الأمريكي ضمن القرارات الأخيرة التي اتخذها دونالد ترامب لفرض إشكاليات لإدارة جو بادين([10])، وليس بناءً على رؤى استراتيجية طويلة المدى، وسياسات مدروسة.
ولذلك فإن قرار ترامب بإدراج الحوثيين على قوائم الإرهاب، لا يعبر عن استراتيجية أمريكية أو حلقة متصلة ضمن حلقات السياسة الخارجية إنما هو على الأرجح لحظة عابرة لإدارة في لحظة الرحيل. وقرار كان مصيره متوقعًا منذ لحظة إصداره، وقُصد به فرض أمر واقع على الإدارة الجديدة، ووضع العراقيل في طريق منهجها المختلف للتعاطي مع الأزمة اليمنية والملف الإيراني، حيث تتسم "قرارات اللحظة الأخيرة" بمحاولة الإدارة الراحلة فرض أمر واقع على الإدارة التالية، وسرعة اتخاذ بعض القرارات التي ترغب فيها الإدارة الحالية ولا يُتَوقع أن تتخذها الإدارة القادمة.
3- تزايد أهمية البعد الإنساني لدى الإدارة الديمقراطية الجديدة: فمنذ اتخاذ إدارة ترامب قرار تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية، لاحقت هذا القرار انتقادات داخلية وخارجية تتعلق بتأثيراته على الأوضاع الإنسانية في اليمن. فقد حذرت الأمم المتحدة على لسان أمينها العام أنطونيو جوتيريش، ومتحدثها الرسمي ستيفان دوجاريك من التداعيات الإنسانية للقرار، في ظل المجاعة والأزمات الإنسانية التي يعانيها اليمنيون. كما طالب مسئول الشئون الإنسانية في فرع منظمة "أوكسفام" الخيرية بالولايات المتحدة، سكوت بول، الرئيس المنتخب جو بايدن بإلغاء هذا التصنيف بمجرد توليه السلطة([11]). وأوضح مستشار الأمن القومي لبايدن، جيك سوليفان، في تغريدة له على منصة تويتر في 16 يناير الماضي، أن تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية لن يؤدي إلا إلى مزيد من المعاناة للشعب اليمني([12]). وأعربت اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن مخاوفها من أن يكون للعقوبات الأمريكية على الحوثيين في اليمن، تأثير سلبي على تسليم المساعدات الحيوية للمدنيين([13]).
ولعل ذلك ما يفسر الترخيص الذي أصدرته وزارة الخزانة الأمريكية في 25 يناير الماضيبإجازة إجراء معاملات مع الحوثيين حتى 26 فبراير 2021، لإتاحة وصول المساعدات الإنسانية لليمن، وتهدئة مخاوف الشركات والبنوك المرتبطة بعلاقات تجارية مع اليمن([14]). وقد أكد المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية كريستيان جايمس في 17 فبراير الماضي أن الولايات المتحدة لم ترفع جماعة الحوثيين من قائمة الدول الداعمة للإرهاب إلا من أجل تسهيل وصول المساعدات الإنسانية للشعب اليمني([15])، حيث يسيطر الحوثيون على معظم محافظات ومدن الشمال اليمني، بما في ذلك ميناء الحديدة، والعاصمة صنعاء([16]). ووفقًا للأمم المتحدة، فإن اليمن تعتمد على الواردات التجارية لتوفير كل ما تحتاجه تقريباً من غذاء ودواء واحتياجات أساسية([17])، حيث يحتاج 80% من السكان – أي أكثر من 24 مليون شخص – إلى المساعدة الإنسانية. كما "يعيش 50,000 يمني بالفعل في ظروف شبيهة بالمجاعة، فيما يعد خمسة ملايين آخرون على بُعد خطوة واحدة منها"([18]).
4- انتهاج سياسة جديدة مع إيران: لا تتعامل الولايات المتحدة مع ملف الحوثيين بمعزل عن الملف الإيراني بأكمله، إنما تعتبر الحركة أحد أذرع إيران في المنطقة، وأن تسوية الأزمة في اليمن ترتبط بالأطراف المنخرطة، ومنها إيران، الدعم الأكبر لحركة أنصار الله. وإذا كانت إدارة دونالد ترامب اعتمدت على سياسة "الضغوط القصوى" تجاه إيران، فإن الولايات المتحدة في عهد بايدن تتطلع إلى انتهاج سياسة "تقليص الضغوط" بالتوازي مع الدفع نحو الحوار والتسوية السياسية، حيث تلوح الآن "فرصة لأول مرة منذ سنوات لإنهاء حملة الضغوط القصوى على إيران والعودة إلى الدبلوماسية معها"، على حد وصف مسؤول أمريكي([19]). ولذلك يأتي تخفيف الضغوط على حركة أنصار الله، ضمن إطار تخفيف الضغوط على إيران، ومحاولة الوصول إلى صفقة إقليمية جديدة، تتضمن الملف اليمني بجانب الاتفاق النووي الإيراني والملفات الأخرى.
تداعيات محتملة
يمكن تحليل التداعيات المحتملة للقرار على السلوك الحوثي والأزمة اليمنية عموماً، على أكثر من مستوى. فعلى مستوى التراجعات والتنازلات التي يمكن أن يقدمها الحوثيون مقابل هذا القرار، فإنه لا يبدو أنهم سيتأثرون كثيرًا به، أو سيقدمون تنازلات ملحوظة، أو أن يكون القرار الأمريكي محل تقدير بالنسبة لهم. بل على العكس من ذلك، فإنهم يعتبرون القرار الأخير مجرد محاولة أمريكية لـ"تصحيح الخطأ"([20]).
ومن المرجح أن يعطي هذا القرار دفعة معنوية ومادية للحوثيين، فمن غير الواضح استثمار الولايات المتحدة لهذا القرار والحصول على مكاسب مشروطة مقابل إصداره، بل يبدو أقرب إلى "صفقة مجانية"، أو على الأكثر خطوة على طريق بناء الثقة للشروع في السلوك منهج مختلف في التعامل. كما أن هذا القرار يعطي حرية العمل للحركة، خاصة فيما يتعلق بالمعاملات المالية والتجارية. كما أنه سيعطيهم شعورًا بالقوة الناجمة عن تصورهم بأن الولايات المتحدة أدركت عدم جدوى سياسة التصعيد مع الحركة.
وعلى الصعيد العسكري، فقد بدأ الحوثيون منذ مطلع فبراير تصعيدًا عسكريًا ملحوظًا، في محاولة لتحقيق تقدم ميداني، وفرض واقع سياسي جديد، استعدادًا للمفاوضات المقبلة. فقد كثّفوا هجماتهم على مأرب من أجل السيطرة عليها، قبل الدخول في أي محادثات جديدة مع الحكومة، في ظل ضغوط إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للدفع باتجاه الحل السياسي([21])، حيث يأتي التصعيد في جبهتي مأرب والجوف تزامناً مع تحركات الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن مع دول أوروبية، لبلورة رؤية جديدة للحل في اليمن([22]).
وبالتزامن مع التصعيد العسكري في الداخل اليمني، كثّف الحوثيون أيضًا عملياتهم الهجومية ضد المملكة العربية السعودية، ومنها الهجوم بطائرات مسيرة على مطاري أبها وجدة السعوديين، في 15 فبراير الماضي([23])، والهجوم على منشآت نفطية في 7 مارس الجاري ضمن عملية واسعة أطلقت خلالها الحركة 14 طائرة مسيرة و8 صواريخ باليستية([24])، والهجوم الأخير على مصفاة الرياض في 19 من الشهر نفسه.فمن جهة ترى حركة أنصار الله أن لديها وقتًا للمناورة واكتساب المساحات، بالإضافة إلى أن الخطوات والتصريحات الأمريكية أوحت لها بأن ردود فعل الإدارة الجديدة على الهجمات الحوثية تجاه السعودية ستكون أقل حدة، في ضوء إعادة صياغة التفاهمات والعلاقات ومستوى الدعم بين الرياض وواشنطن في عهد بايدن. كما أن الحركة تستبعد ردود فعل أمريكية حادة على التحركات والهجمات الحوثية في تلك المرحلة خشية فشل المفاوضات من قبل أن تبدأ، وهو ما يدفعها إلى استثمار تلك المرحلة والتصعيد العسكري لتحقيق مكاسب ميدانية تُضيف إلى أوراقها التفاوضية.
إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن التصعيد العسكري الحوثي قد يدفع واشنطن إلى إعادة تقييم استراتيجيتها الجديدة تجاه أنصار الله، لاسيما أنه يحرج التعهدات الأمريكية بالدفاع عن أمن السعودية، التي أكدتها الخارجية الأمريكية عقب الهجمات([25])، كما أنه يشكك في جدية سعي الحركة لإحلال السلام([26]). فضلًا عما يستدعيه من تصعيد مقابل تجلى في العملية العسكرية النوعية التي شنها التحالف العربي الذي تقوده السعودية في 7 مارس الماضي([27]). وكذلك في ظل تأثيرات هذا التصعيد على أسواق النفط، حيث كسرت أسعار خام برنت حاجز 70 دولارًا للبرميل للمرة الأولى منذ 14 شهرًا على خلفية المخاطر التي فرضتها هجمات الحوثيين على المنشآت النفطية([28])، بالإضافة إلى تأثيرات التصعيد العسكري على الأوضاع الإنسانية، حيث أفاد التقرير الشهري للوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين بمحافظة مأرب عن حالة النزوح الجديد في المحافظة، بأن التصعيد الحوثي في مأرب منذ مطلع يناير أجبر نحو 14000 شخصاً على النزوح من مخيماتهم في مديريات صرواح ورغوان وبني ضبيان خلال الفترة من 7 إلى 28 فبراير الماضي والانتقال إلى المناطق الجنوبية لمديرية صرواح وفي مدينة مأرب وضواحيها الجنوبية وفي مديرية الوادي([29]).
وقد فرضت وزارة الخزانة الأمريكية في 2 مارس الجاري عقوبات اقتصادية على إثنين من القيادات الحوثية بسبب مسئوليتهم عن "تنظيم هجمات من جانب الحوثيين تضرر بفعلها اليمنيون الأبرياء والدول المحاذية للحدود والناقلات التجارية في المياه الدولية"([30])، في إشارة من واشنطن إلى أنها لن تصمت طويلًا على التصعيد الحوثي.
وأما ما يخص العملية التفاوضية، فعقب إعلان إدارة دونالد ترامب عن تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية برزت بعض الإشكاليات والمخاوف التي قد تعيق عملية بناء السلام في اليمن، مثل آليات التفاوض مع ميليشيا مصنفة كتنظيم إرهابي([31])، والمعوقات القانونية والمادية التي قد تعوق عمل وسطاء السلام جراء القيود التي يفرضها قرار الإدراج، وكذلك صعوبة إشراك جماعة مصنفة إرهابية في أي حكومة تُؤسِّس لها أية اتفاقية للسلام. بالإضافة إلى تشدد موقف الحوثيين وصعوبة الوصول إلى تفاهمات معهم عقب قرار الإدراج([32]).
ولذلك فإن إلغاء القرار الأمريكي قد أزال من جهة بعض المعوقات والإشكاليات، ومثّل من جهة أخرى مبادرة أمريكية في إطار التأكيد على السياسة الجديدة، وهو ما يسهم في تمهيد الطريق نحو المفاوضات المنتظرة، وعملية بناء السلام في اليمن، شريطة وجود إرادة ورغبة حقيقية للوصول إلى تسوية سياسية حقيقية، وليس السعى لاستغلال الظروف والمعطيات لفرض أمر واقع عسكري.
جدل مصداقية تصنيف الإرهاب
يسلط قرار الإدارج وقرار الإلغاء الخاص بالحوثيين - وغيره من القرارات السابقة- الضوء على الجدل حول القائمة الأمريكية ومصداقيتها ومنهجيتها، وما يُثار حول علاقة التصنيف بالمصالح الأمريكية، وكذلك بالإدارات المختلفة وتغير وجهات نظرها وسياساتها وعلاقاتها الدولية، حيث ينص القانون الأمريكي على إمكانية إدراج المنظمات الأجنبية في تصنيف المنظمات الإرهابية الأجنبية إذا انخرطت في نشاط إرهابي يهدد أمن مواطني الولايات المتحدة أو الأمن القومي للولايات المتحدة([33]). وتُعرّف واشنطن النشاط الإرهابي بأنه "أي نشاط غير قانوني بموجب قانون الولايات المتحدة أو قوانين المكان الذي ارتُكب فيه وينطوي على: اختطاف أو تخريب طائرة أو سفينة أو مركبة أو وسيلة نقل أخرى، أو اختطاف رهائن، أو هجوم عنيف على شخص يتمتع بالحماية الدولية، أو اغتيال، أو استخدام أي عامل بيولوجي أوكيميائي أو نووي أو متفجر أو أي سلاح بقصد تعريض سلامة أي شخص أو أكثر للخطر بشكل مباشر أو غير مباشر أو إلحاق أضرار جسيمة بالممتلكات. وكذلك أي تهديد أو محاولة أو مؤامرة للقيام بأي مما سبق"([34]). إلا أن سرعة اتخاذ قرار الإدراج وسرعة إلغاءه دون ربط هذه القرارات بوضوح بهذا التعريف يسلط الضوء على الهامش الكبير للمناورة السياسية في مسألة إدراج التنظيمات على قائمة الإرهاب أو حذفها، وهو ما يؤكد أن التصنيف بحد ذاته يعد من أدوات السياسة الأمريكية في الهيمنة على تعريفات وتصنيفات الإرهاب وفق المصالح الأمريكية بشكل مباشر.
فالولايات المتحدة عند إدراج الحركة ورفع اسمها من التصنيف كانت متأثرة باستراتيجيتها تجاه الشرق الأوسط وإيران والصراع اليمني أكثر مما كانت متأثرة بمدى دخول النشاط الحوثي تحت مظلة "النشاط الإرهابي" من عدمه. وقد أشارت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان إلغاء الإدراج إلى نشاط وعدوان الحوثيين المزعزع للاستقرار، بما في ذلك محاولات السيطرة على مناطق في اليمن ومهاجمة دول الخليج، وخطف وتعذيب مواطني الولايات المتحدة والعديد من حلفائها، وتحويل المساعدات الإنسانية، والقمع الوحشي لليمنيين في المناطق التي يسيطرون عليها، على حد وصف البيان الأمريكي، الذي أكد أن القرار الأخير كان مدفوعًا بعوامل تتعلق بالتسوية السياسية والأبعاد الإنسانية([35]).
فبالإضافة إلى عدم توضيح المعايير التي تم على أساسها إضافة كيانات وحذفها من القائمة سابقًا، أو استخدام التصنيف في مقايضات سياسية مع بعض الدول، فإن ضيق الوقت بين تاريخ دخول الحوثيين للقائمة، وتاريخ خروجهم منها، يشير إلى التوظيف الأمريكي للتصنيف في السياسة الخارجية، وارتباط هذه التصنيف برؤى وسياسات الإدارات الأمريكية، وتأثره بتغير هذه الإدارات، أو تغير استراتيجياتها.
إجمالًا،مثّل رفع اسم حركة أنصار الله من القائمة الأمريكية للتنظيمات الإرهابية، بعد أقل من شهر على دخولها هذه القائمة، أحد التجليات السريعة لعملية الانتقال السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية، ونتائج الانتخابات التي أنهت ولاية الجمهوري دونالد ترامب، وصعدت بالديمقراطي جو بايدن إلى سدة الحكم.
ويسعى بايدن إلى تقديم إشارات للحوثيين ولإيران، بتبنيه نهجًا مختلفًا يسعى إلى تخفيف الضغوط والعودة إلى طاولة المفاوضات أملًا في الوصول إلى تسوية سياسية تشمل الاتفاق النووي الإيراني، والبرنامج الصاروخي، وكذلك الدور الإقليمي لطهران. كما أن التداعيات السلبية لقرار التصنيف على الأوضاع الإنسانية في اليمن كانت أحد محددات التراجع عنه.
[3] الولايات المتحدة ترفع رسميا حركة "أنصار الله" الحوثية من قائمة الإرهاب، 16 فبراير 2021، روسيا اليوم، متاح عبر: https://cutt.us/cu05N
[6] بايدن يتعهد بعودة الدبلوماسية ويطالب بإنهاء الحرب في اليمن، دويتشه فيله، 4 فبراير 2021، متاح عبر: https://cutt.us/n7Dxn
[7] بلينكن يتعهّد "إعادة النظر فوراً" بقرار تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية، فرانس 24، 19 يناير 2021، متاح عبر: https://cutt.ly/Yxu3t06
[8] توجهات إدارة بايدن إزاء الصراع في اليمن: حدود الاستمرارية والتغيير، مصدر سبق ذكره.
[10] إسماعيل عزام، الحوثيون "تنظيم إرهابي".. كيف يهدد قرار واشنطن بتفاقم الأزمة اليمنية؟، دويتشه فيله، 11 يناير 2021، متاح عبر:
http://cutt.us.com/n1x6vJAb
[13] الصليب الأحمر يتخوف من تأثير العقوبات الأمريكية على المساعدات الحيوية باليمن، مصراوي، 14 يناير 2021، متاح عبر: https://2u.pw/3pgII
[15] طارق القاعي، المتحدث باسم الخارجية الأمريكية لمونت كارلو الدولية: اليمن أولوية بالنسبة للخارجية الأمريكية، مونت كارلو الدولية، 18 فبراير 2021، متاح عبر:
https://cutt.us/hYABJ
[16] ANDREA CARBONI, THE MYTH OF STABILITY: INFIGHTING AND REPRESSION IN HOUTHI-CONTROLLED TERRITORIES, ACLED, 9 February 2021, Available at: https://cutt.us/JkFsr
[19] مسئول أمريكي: هناك فرصة لأول مرة منذ سنوات لإنهاء الضغوط القصوى على إيران، روسيا اليوم، 18 فبراير 2021، متاح عبر: https://cutt.us/TOtau
[22] كنعان الحميري، ماذا تخبئ الطاولة "الأميركية - الإيرانية" لليمن؟، إندبندنت عربية، 8 فبراير 2021، متاح عبر: https://cutt.us/MdaRC
[26] ميشال غندور، "غير مقبولة وخطيرة".. الخارجية الأميركية تعلق على استهداف الحوثيين للسعودية، الحرة، 8 مارس 2021، متاح عبر:
https://cutt.us/pH6MP
[29] أوسان سالم، اليمن.. نزوح 14 ألفاً جراء تصعيد الحوثيين في مأرب خلال شهر، العربية نت، 3 مارس 2021، متاح عبر: https://cutt.us/q4fZ2