تحتل قضية المرأة المصرية مكانة متقدمة في النقاش المجتمعي المصري، ومكانة مركزية في الخطاب العام. كما تعكس أوضاع المرأة في أي مجتمع حال المجتمع برمته، بوصفها مرآة للمجتمع لا نصفه فقط. ومن هذا المنطلق، جاء العدد 79 من مجلة أحوال مصرية، ليرصد ويحلل أوضاع المرأة المصرية، منطلقًا في تناوله لقضية المرأة من المنظور الإنساني بوصفها قضية إنسانية ومجتمعية.

المنظور الإنساني

ركز العدد على فكرة المنظور الإنساني لقضايا المرأة، وهو المنظور الذي غاب نتاج انتهاك إنسانية المرأة، وانتزاع بعض الحقوق لمصلحة الواجبات، ومحاصرة السلطة الأبوية لها، وتقييدها بمتطلبات محددة من حيث الأدوار والمسئوليات، بالإضافة إلى وضع الثقافة الذكورية في مرتبة أعلى من نظيرتها النسوية، كما أوضحت الافتتاحية. ورغم رفع البرقع شكليًا عن وجه المرأة المصرية قبل عقود لكنه ظل موضوعيًا يحجب الإدراك المجتمعى، وظلت الإدراكات والسلوكيات محكومة بالموروث الاجتماعى والثقافى. ولعل ما يؤكد هذا المنظور الإنساني هو ما ذكرته دراسة العدد من أن الاتحادات النسائية العربية لم تطرح نفسها عند تأسيسها كجمعيات لخدمة قضايا النساء كفئة بعينها، بل ظهرت كجماعة عضوية داخل المجتمع لها رؤيتها لمشكلات وقضايا هذا المجتمع كافة بما فيها قضية المرأة نفسها. كما أن قضايا المرأة في المجتمع المصري تاريخيًا تبلورت عبر يقظة فكرية مجتمعية أكثر منها جندرية، وفقًا لما جاء في الرؤية الفكرية الأولى بالعدد.

مرآة المجتمع

تحت عنوان "المرأة المصرية.. مرآة المجتمع" تضمن ملف العدد تسع مقالات، استعرض عبرهم الكُتَّاب أوضاع وملامح المجتمع المصري عبر فهم أوضاع المرأة فيه. ولذلك عرض الملف لسياسات تمكين المرأة في ضوء استراتيجية المرأة 2030، ولعملية التعزيز القانوني لحقوق المرأة المصرية، وكذلك الدور التشريعي للنائبات في ضوء تجربة مجلس النواب 2015. بالإضافة إلى دراسة التداعيات الاقتصادية للتراجع في عمل المرأة. كما تناول الملف الدور النضالي للمرأة وتفاعلها مع الحالة الثورية للمجتمع.

وحلل ملف العدد أيضًا أثر المتغيرات الاجتماعية على الاتجاهات السلوكية للمصريات، في ضوء بروز سلوكيات اجتماعية جديدة للنساء، وكذلك قدم معالجة لقضية التحرش من زاوية المشاركة والمبادرات المجتمعية. بالإضافة إلى تقديم رؤية جيلية لقضية حقوق المرأة بإلقاء الضوء على بعض القضايا العاكسة لرؤية جيليYوZ، اعتمادًا على الملاحظة والمتابعة وتحليل الخطاب على وسائل التواصل الاجتماعى. كما تناول الملف قضية الزي بتناول خصوصية الزي في بعض المناطق المصرية، وتحليل دلالات تطور زي المرأة المصرية بشكل عام، وتأثيراته على شخصيتها وهويتها الوطنية.

الخطاب والصورة والأرقام

تضمن العدد قضية الخطاب سواء الموجه للمرأة أو الذي يتناولها، فركز – في الرؤية الفكرية الثانية – على إشكاليات الخطاب الديني المتعلق بالمرأة بين التكريم والتمكين. وحلل – في القسم الثقافي والملحق - صورة المرأة في السينما المصرية بين الذكورية والنسوية، وكذلك صورة المرأة المصرية في الأمثال الشعبية. بالإضافة إلى استعراض نتائج استطلاعات رأي تبين الصورة الذهنية للمصريين حول المرأة. وتضمن كذلك عروضًا لعدد من الكتب التي تناول عبرها مفكرون قضايا المرأة، ودافعوا عن حقوقها. أي أن العدد حاول أن يقدم قراءة في الخطاب الديني، والشعبي، والسينمائي، والفكري/الثقافي الخاص بقضايا المرأة. وذلك بالإضافة إلى استعراض مؤشرات تعكس واقع المرأة المصرية عبر عدد من الجداول والأشكال، مع عرض نماذج تاريخية وحديثة لريادة المرأة المصرية في مختلف المجالات.

من هنا، يمكن القول إنه رغم المكتسبات التي حصلت عليها المرأة المصرية خاصة على الصعيد القانوني، إلا أنه لا زال هناك الكثير مما يتطلب تحقيقه، ليس على الصعيد القانوني فقط إنما مجتمعيًا وثقافيًا أيضًا، وهو ما يتحقق بالتعامل مع قضية المرأة المصرية من المنظور الإنساني كقضية مجتمعية تعبر عن المجتمع المصري برمته، ويعكس مدى التقدم فيها مدى التقدم في المجتمع بشكل عام.